Senin, 22 April 2013

كتاب
-إحياء علوم الدين-
تأليف
حجة الإسلام
أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي
تغمده الله برحمته
وبهامشه تخريج الحافظ العراقي
المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار
بسم الله الرحمٰن الرحيم
أحمده الله أولاً حمداً كثيراً متوالياً، وإن كان يتضاءل دون حق جلاله حمد الحامدين.[1] وأصلى وأسلم على رسله ثانياً صلاة تسغرق مع سيد البشرسائر المرسلين. واستخيره تعالى ثالثاً فيما انبعث عزمي من تحرير كتاب في إحياء علوم الدين. وانتدب لقط تعجبك رابعاً أيها العاذل المتغالي في العذل من بين زمرة الجاحدين، المسرف في التقريع والإنكار من بين طبقات المنكرين الغافلين فلقد حل عن لساني عقدة الصمت وطوقني عهدة الكلام وقلادة النطق ما أنت مثابر عليه من العمى عن جلية الحق مع اللجاج في نصرة الباطل وتحسين الجهل والتشغيب على من آثر النزوع قليلا عن مراسم الخلق ومال ميلا يسيرا عن ملازمة الرسم إلى العمل بمقتضى العلم طمعا في نيل ما تعبده الله تعالى به من تزكية النفس وإصلاح القلب وتداركا لبعض ما فرط من إضاعة العمر يائسا عن تمام حاجتك في الحيرة وانحيازا عن غمار من قال فيهم صاحب الشرع صلوات الله عليه وسلامه: (أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله سبحانه بعلمه)[2] ولعمري إنه لا سبب لإصرارك على التكبر إلا الداء الذي عم الجم الغفير بل شمل الجماهير من القصور عن ملاحظة ذروة هذا الأمر والجهل بأن الأمر إد والخطب جد والآخرة مقبلة والدنيا مدبرة والأجل قريب والسفر بعيد والزاد طفيف والخطر عظيم والطريق سد وما سوى الخالص لوجه الله من العلم والعمل عند الناقد البصير رد وسلوك طريق الآخرة مع كثرة الغوائل من غير دليل ولا رفيق متعب ومكد فأدلة الطريق هم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء وقد شغر منهم الزمان ولم يبق إلا المترسمون وقد استحوذ على أكثرهم الشيطان واستغواهم الطغيان وأصبح كل واحد بعاجل حظه مشغوفا فصار يرى المعروف منكرا والمنكر معروفا حتى ظل علم الدين مندرسا ومنار الهدى في أقطار الأرض منطمسا ولقد خيلوا إلى الخلق أن لا علم إلا فتوى حكومة تستعين به القضاة على فصل الخصام عند تهاوش الطغام أو جدل يتدرع به طالب المباهاة إلى الغلبة والإفحام أو سجع مزخرف يتوسل به الواعظ إلى استدراج العوام إذ لم يروا ما سوى هذه الثلاثة مصيدة للحرام وشبكة للحطام.
فأما علم طريق الآخرة وما درج عليه السلف الصالح مما سماه الله سبحانه في كتابه فقها وحكمة وعلما وضياء ونورا وهداية ورشدا فقد أصبح من بين الخلق مطويا وصار نسيا منسياً.
ولما كان هذا ثلما[3] في الدين ملما وخطبا مدلهما رأيت الاشتغال بتحرير هذا الكتاب مهما إحياء لعلوم الدين وكشفا عن مناهج الأئمة المتقدمين وإيضاحا لمباهي العلوم النافعة عند التبيين والسلف الصالحين.
وقد أسسته على أربعة أرباع وهي: ربع العبادات وربع العادات وربع المهلكات وربع المنجيات.
وصدرت الجملة بكتاب العلم لأنه غاية المهم لأكشف أولا عن العلم الذي تعبد الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم الأعيان بطلبه إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)[4] وأميز فيه العلم النافع من الضار إذ قال صلى الله عليه وسلم: (نعوذ بالله من علم لا ينفع)[5] وأحقق ميل أهل العصر عن شاكلة الصواب وانخداعهم بلامع السراب واقتناعهم من العلوم بالقشر عن اللباب.
ويشتمل ربع العبادات على عشرة كتب:
كتاب العلم، وكتاب قواعد العقائد، وكتاب أسرار الطهارة، وكتاب أسرار الصلاة، وكتاب أسرار الزكاة، وكتاب أسرار الصيام، وكتاب أسرار الحج، وكتاب آداب تلاوة القرآن، وكتاب الأذكار والدعوات، وكتاب ترتيب الأوراد في الأوقات.
وأما ربع العادات فيشتمل على عشرة كتب:
كتاب آداب الأكل، وكتاب آداب النكاح، وكتاب أحكام الكسب، وكتاب الحلال والحرام، وكتاب آداب الصحبة والمعاشرة مع أصناف الخلق، وكتاب العزلة، وكتاب آداب السفر، وكتاب السماع والوجد، وكتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة.
وأما ربع المهلكات فيشتمل على عشرة كتب:
كتاب شرح عجائب القلب، وكتاب رياضة النفس، وكتاب آفات الشهوتين شهوة البطن وشهوة الفرج، وكتاب آفات اللسان، وكتاب آفات الغضب والحقد والحسد، وكتاب ذم الدنيا، وكتاب ذم المال والبخل، وكتاب ذم الجاه والرياء، وكتاب ذم الكبر والعجب، وكتاب ذم الغرور.
وأما ربع المنجيات فيشتمل على عشرة كتب:
كتاب التوبة، وكتاب الصبر والشكر، وكتاب الخوف والرجاء، وكتاب الفقر والزهد، وكتاب التوحيد والتوكل، وكتاب المحبة والشوق والأنس والرضا، وكتاب النية والصدق والإخلاص، وكتاب المراقبة والمحاسبة، وكتاب التفكر، وكتاب ذكر الموت.
فأما ربع العبادات فأذكر فيه خفايا آدابها ودقائق سننها وأسرار معانيها ما يضطر العالم العامل إليه بل لا يكون من علماء الآخرة من لا يطلع عليه وأكثر ذلك مما أهمل في فن الفقهيات.
وأما ربع العادات فأذكر فيه أسرار المعاملات الجارية بين الخلق وأغوارها ودقائق سننها وخفايا الورع في مجاريها وهي مما لا يستغني عنها متدين.
وأما ربع المهلكات فأذكر فيه كل خلق مذموم ورد القرآن بإماطته وتزكية النفس عنه وتطهير القلب منه وأذكر من كل واحد من تلك الأخلاق حده وحقيقته ثم أذكر سببه الذي منه يتولد ثم الآفات التي عليها تترتب ثم العلامات التي بها تتعرف ثم طرق المعالجة التي بها منها يتخلص كل ذلك مقرونا بشواهد الآيات والأخبار والآثار.
وأما ربع المنجيات فأذكر فيه كل خلق محمود وخصلة مرغوب فيها من خصال المقربين والصديقين التي بها يتقرب العبد من رب العالمين وأذكر في كل خصلة حدها وحقيقتها وسببها الذي به تجتلب وثمرتها التي منها تستفاد وعلامتها التي بها تتعرف وفضيلتها التي لأجلها فيها يرغب مع ما ورد فيها من شواهد الشرع والعقل.
ولقد صنف الناس في بعض هذه المعاني كتبا ولكن يتميز هذا الكتاب عنها بخمسة أمور:
الأول حل ما عقدوه وكشف ما أجملوه.
الثاني ترتيب ما بددوه ونظم ما فرقوه.
الثالث إيجاز ما طولوه وضبط ما قرروه.
الرابع حذف ما كرروه وإثبات ما حرروه.
الخامس تحقيق أمور غامضة اعتاصت[6] على الأفهام لم يتعرض لها في الكتب أصلا إذ الكل وإن تواردوا على منهج واحد فلا مستنكر أن يتفرد كل واحد من السالكين بالتنبيه لأمر يخصه ويغفل عنه رفقاؤه أو لا يغفل عن التنبيه ولكن يسهو عن إيراده في الكتب أو لا يسهو ولكن يصرفه عن كشف الغطاء عنه صارف فهذه خواص هذا الكتاب مع كونه حاويا لمجامع هذه العلوم.
وإنما حملني على تأسيس هذا الكتاب على أربعة أرباع أمران:
أحدهما: وهو الباعث الأصلي - أن هذا الترتيب في التحقيق والتفهيم كالضرورة لأن العلم الذي يتوجه به إلى الآخرة ينقسم إلى علم المعاملة وعلم المكاشفة وأعني بعلم المكاشفة ما يطلب منه كشف المعلوم فقط وأعني بعلم المعاملة ما يطلب منه مع الكشف العمل به والمقصود من هذا الكتاب علم المعاملة فقط دون علم المكاشفة التي لا رخصة في إيداعها الكتب وإن كانت هي غاية مقصد الطالبين ومطمع نظر الصديقين وعلم المعاملة طريق إليه ولكن لم يتكلم الأنبياء صلوات الله عليهم مع الخلق إلا في علم الطريق والإرشاد إليه. وأما علم المكاشفة فلم يتكلموا فيه إلا بالرمز والإيماء على سبيل التمثيل والإجمال علما منهم بقصور أفهام الخلق عن الاحتمال والعلماء ورثة الأنبياء فما لهم سبيل إلى العدول عن نهج التأسي والاقتداء ثم إن علم المعاملة ينقسم إلى علم ظاهر أعني العلم بأعمال الجوارح وإلى علم باطن أعنى العلم بأعمال القلوب والجاري على الجوارح إما عادة وإما عبادة والوارد على القلوب التي هي بحكم الاحتجاب عن الحواس من عالم الملكوت إما محمود وإما مذموم فبالواجب انقسم هذا العلم إلى شطرين ظاهر وباطن. والشطر الظاهر المتعلق بالجوارح انقسم إلى عادة وعبادة والشطر الباطن المتعلق بأحوال القلب وأخلاق النفس انقسم إلى مذموم ومحمود فكان المجموع أربعة أقسام ولا يشذ نظر في علم المعاملة عن هذه الأقسام.
الباعث الثاني: أني رأيت الرغبة من طلبة العلم صادقة في الفقه الذي صلح عند من لا يخاف الله سبحانه وتعالى المتدرع به إلى المباهاة والاستظهار بجاهه ومنزلته في المنافسات وهو مرتب على أربعة أرباع والمتزيي بزي المحبوب محبوب فلم أبعد أن يكون تصوير الكتاب بصورة الفقه تلطفا في استدراج القلوب ولهذا تلطف بعض من رام استمالة قلوب الرؤساء إلى الطب فوضعه على هيئة تقويم النجوم موضوعا في الجداول والرقوم وسماه تقويم الصحة ليكون أنسهم بذلك الجنس جاذبا لهم إلى المطالعة والتلطف في اجتذاب القلوب إلى العلم الذي يفيد حياة الأبد أهم من التلطف في اجتذابها إلى الطب الذي لا يفيد إلا صحة الجسد فثمرة هذا العلم طب القلوب والأرواح المتوصل به إلى حياة تدوم أبد الآباد فأين منه الطب الذي يعالج به الأجساد وهي معرضة بالضرورة للفساد في أقرب الآماد فنسأل الله سبحانه التوفيق للرشاد والسداد إنه كريم جواد.

[1] الحمد لله الذي أحيا علوم الدين فأينعت بعد اضمحلالها وأعيا فهوم الملحدين عن دركها فرجعت بكلالها أحمده وأستكين له من مظالم انقضت الظهور بأثقالها وأعبده وأستعين به لعصام الأمور وعضالها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة وافية بحصول الدرجات وظلالها واقية من حلول الدركات وأهوالها وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أطلع به فجر الإيمان من ظلمة القلوب وضلالها وأسمع به وقر الآذان وجلا به رين القلوب بصقالها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صلاة لا قاطع لاتصالها.
وبعد فلما وفق الله تعالى لإكمال الكلام على أحاديث إحياء علوم الدين في سنة إحدى وخمسين تعذر الوقوف على بعض أحاديثه فأخرت تبييضه إلى سنة ستين فظفرت بكثير مما عزب عني علمه ثم شرعت في تبييضه في مصنف متوسط حجمه وأنا مع ذلك متباطىء في إكماله غير متعرض لتركه وإهماله إلى أن ظفرت بأكثر ما كنت لم أقف عليه وتكرر السؤال من جماعة في إكماله فأجبت وبادرت إليه ولكني اختصرته في غاية الاختصار ليسهل تحصيله وحمله في الأسفار فاقتصرت فيه على ذكر طرف الحديث وصحابيه ومخرجه وبيان صحته أو حسنه أو ضعف مخرجه فإن ذلك هو المقصود الأعظم عند أبناء الآخرة بل وعند كثير من المحدثين عند المذاكرة والمناظرة وأبين ما ليس له أصل في كتب الأصول والله أسأل أن ينفع به إنه خير مسئول فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بعزوه إليه وإلا عزوته إلى من خرجه من بقية الستة وحيث كان في أحد الستة لم أعزه إلى غيرها إلا لغرض صحيح بأن يكون في كتاب التزم مخرجه الصحة أو يكون أقرب إلى لفظه في الإحياء وحيث كرر المصنف ذكر الحديث فإن كان في باب واحد منه اكتفيت بذكره أول مرة وربما ذكرته فيه ثانيا وثالثا لغرض أو لذهول عن كونه تقدم وإن كرره في باب آخر ذكرته ونبهت على أنه قد تقدم وربما لم أنبه على تقدمه لذهول عنه وحيث عزوت الحديث لمن خرجه من الأئمة فلا أريد ذلك اللفظ بعينه بل قد يكون بلفظه وقد يكون بمعناه أو باختلاف على قاعدة المستخرجات وحيث لم أجد ذلك الحديث ذكرت ما يغنى عنه غالبا وربما لم أذكره وسميته: ”المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبارجعله الله خالصا لوجهه الكريم ووسيلة إلى النعيم المقيم.
[2] حديث (أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه) رواه الطبراني في الصغير والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف.
[3] ثلما: خللا.
[4] حديث (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه ابن ماجه من حديث أنس وضعفه أحمد والبيهقي وغيرهما.
[5] حديث (نعوذ بالله من علم لا ينفع) رواه ابن ماجه من حديث جابر بإسناد حسن.
[6] اعتاصت: صعبت.



كتاب أسرار الطهارة
وهو الكتاب الثالث من ربع العبادات
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي تلطف بعباده فتعبدهم بالنظافة وأفاض على قلوبهم تزكية لسرائرهم أنواره وألطافه وأعد لظواهرهم تطهيرا لها الماء المخصوص بالرقة واللطافة وصلى الله على النبي محمد المستغرق بنور الهدى أطراف العالم وأكنافه وعلى آله الطيبين الطاهرين صلاة تنجينا بركاتها يوم المخافة وتنتصب جنة بيننا وبين كل آفة أما بعد فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بني الدين على النظافة حديث بني الدين على النظافة لم أجده هكذا وفي الضعفاء لابن حبان من حديث عائشة تنظفوا فإن الإسلام نظيف والطبراني في الأوسط بسند ضعيف جدا من حديث ابن مسعود النظافة تدعو إلى الإيمان وقال صلى الله عليه وسلم مفتاح الصلاة الطهور حديث مفتاح الصلاة الطهور أخرجه د ت م من حديث علي قال الترمذي هذا أصح شيء في هذا الباب وأحسن وقال الله تعالى فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين وقال النبي صلى الله عليه وسلم الطهور نصف الإيمان حديث الطهور نصف الإيمان أخرجه ت من حديث رجل من بني سليم وقال حسن ورواه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري بلفظ شطر كما في الإحياء وقال الله تعالى ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم فتفطن ذوو البصائر بهذه الظواهر أن أهم الأمور تطهير السرائر إذ يبعد أن يكون المراد بقوله صلى الله عليه وسلم الطهور نصف الإيمان عمارة الظاهر بالتنظيف بإفاضة الماء وإلقائه وتخريب الباطن وإبقائه مشحونا بالأخباث والأقذار هيهاتهيهات والطهارة لها أربع مراتب المرتبة الأولى تطهير الظاهر عن الأحداث وعن الأخباث والفضلات المرتبة الثانية تطهير الجوارح عن الجرائم والآثام المرتبة الثالثة تطهير القلب عن الأخلاق المذمومة والرذائل الممقوتة المرتبة الرابعة تطهير السر عما سوى الله تعالى وهي طهارة الأنبياء صلوات الله عليهم والصديقين والطهارة في كل رتبة نصف العمل الذي فيها فإن الغاية القصوى في عمل السر أن ينكشف له جلال الله تعالى وعظمته ولن تحل معرفة الله تعالى بالحقيقة في السر ما لم يرتحل ما سوى الله تعالى عنه ولذلك قال الله عز وجل قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون لأنهما لا يجتمعان في قلب وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وأما عمل القلب فالغاية القصوى عمارته بالأخلاق المحمودة والعقائد المشروعة ولن يتصف بها ما لم ينظف عن نقائضها من العقائد الفاسدة والرذائل الممقوتة فتطهيره أحد الشطرين وهو الشطر الأول الذي هو شرط في الثاني فكان الطهور شطر الإيمان بهذا المعنى وكذلك تطهير الجوارح عن المناهي أحد الشطرين وهو الشطر الأول الذي هو شرط في الثاني فتطهيره أحد الشطرين وهو الشطر الأول وعمارتها بالطاعات الشطر الثاني فهذه مقامات الإيمان ولكل مقام طبقة ولن ينال العبد الطبقة العالية إلا أن يجاوز الطبقة السافلة فلا يصل إلى طهارة السر عن الصفات المذمومة وعمارته بالمحمودة ما لم يفرغ من طهارة القلب عن الخلق المذموم وعمارته بالخلق المحمود ولن يصل إلى ذلك من لم يفرغ عن طهارة الجوارح عن المناهي وعمارتها بالطاعات وكلما عز المطلوب وشرف صعب مسلكه وطال طريقه وكثرت عقباته فلا تظن أن هذا الأمر يدرك وينال بالهوينى نعم من عميت بصيرته عن تفاوت هذه الطبقات لم يفهم من مراتب الطهارة إلا الدرجة الأخيرة التي هي كالقشرة الأخيرة الظاهرة بالإضافة إلى اللب المطلوب فصار يمعن فيها ويستقصي في مجاريها ويستوعب جميع أوقاته في الاستنجاء وغسل الثياب وتنظيف الظاهر وطلب المياه الجارية الكثيرة ظنا منه بحكم الوسوسة وتخيل العقل أن الطهارة المطلوبة الشريفة هي هذه فقط وجهالة بسيرة الأولين واستغراقهم جميع الهم والفكر في تطهير القلب وتساهلهم في أمر الظاهر حتى إن عمر رضي الله عنه مع علو منصبه توضأ من ماء في جرة نصرانية وحتى إنهم ما كانوا يغسلون اليد من الدسومات والأطعمة بل كانوا يمسحون أصابعهم بأخمص أقدامهم وعدوا الأشنان من البدع المحدثة ولقد كانوا يصلون على الأرض في المساجد ويمشون حفاة في الطرقات ومن كان لا يجعل بينه وبين الأرض حاجزا في مضجعه كان من أكابرهم وكانوا يقتصرون على الحجارة في الاستنجاء وقال أبو هريرة وغيره من أهل الصفة كنا نأكل الشواء فتقام الصلاة فندخل أصابعنا في الحصى ثم نفركها بالتراب ونكبر حديث كنا نأكل الشواء فتقام الصلاة فندخل أصابعنا في الحصباء الحديث أخرجه من حديث عبد الله بن الحارث ابن جزء ولم أره من حديث أبي هريرة وقال عمر رضي الله عنه ما كنا نعرف الأشنان في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كانت مناديلنا بطون أرجلنا حديث عمر ما كنا نعرف الأشنان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كانت مناديلنا باطن أرجلنا الحديث لم أجده من حديث عمر ولابن ماجه نحوه مختصرا من حديث جابر كنا إذا أكلنا الغمر مسحنا بها ويقال أول ما ظهر من البدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع المناخل والأشنان والموائد والشبع فكانت عنايتهم كلها بنظافة الباطن حتى قال بعضهم الصلاة في النعلين أفضل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزع نعليه في صلاته بإخبار جبريل عليه السلام له أن بهما نجاسة وخلع الناس نعالهم قال صلى الله عليه وسلم لم خلعتم نعالكم حديث خلع نعليه في الصلاة إذ أخبره جبريل عليه الصلاة والسلام أن عليه نجاسة أخرجه د ك وصححه من حديث أبي سعيد الخدري وقال النخعي في الذين يخلعون نعالهم وددت لو أن محتاجا جاء إليها فأخذها منكرا لخلع النعال فهكذا كان تساهلهم في هذه الأمور بل كانوا يمشون في طين الشوارع حفاة ويجلسون عليها ويصلونفي المساجد على الأرض ويأكلون من دقيق البر والشعير وهو يداس بالدواب وتبول عليه ولا يحترزون من عرق الإبل والخيل مع كثرة تمرغها في النجاسات ولم ينقل قط عن أحد منهم سؤال في دقائق النجاسات فهكذا كان تساهلهم فيها وقد انتهت النوبة الآن إلى طائفة يسمون الرعونة نظافة فيقولون هي مبنى الدين فأكثر أوقاتهم في تزيينهم الظواهر كفعل الماشطة بعروسها والباطن خراب مشحون بخبائث الكبر والعجب والجهل والرياء والنفاق ولا يستنكرون ذلك ولا يتعجبون منه ولو اقتصر مقتصر على الاستنجاء بالحجر أو مشى على الأرض حافيا أو صلى على الأرض أو على بواري المسجد من غيرسجادة مفروشة أو مشى على الفرش من غير غلاف للقدم من أدم أو توضأ من آنية عجوز أو رجل غير متقشف أقاموا عليه القيامة وشدوا عليه النكير ولقيوه بالقذر وأخرجوه من زمرتهم واستنكفوا عن مؤاكلته ومخالطته فسموا البذاذة التي هي من الإيمان قذارة والرعونة نظافة فانظر كيف صار المنكر معروفا والمعروف منكرا وكيف اندرس من الدين رسمه كما اندرس حقيقته وعلمه فإن قلت أفتقول إن هذه العادات التي أحدثها الصوفية في هيئاتهم ونظافتهم من المحظورات أو المنكرات فأقول حاش لله أن أطلق القول فيه من غير تفصيل ولكني أقول إن هذا التنظيف والتكلف وإعداد الأواني والآلات واستعمال غلاف القدم والإزار المقنع به لدفع الغبار وغير ذلك من هذه الأسباب إن وقع النظر إلى ذاتها على سبيل التجرد فهي من المباحات وقد يقترن بها أحوال ونيات تلحقها تارة بالمعروفات وتارة بالمنكرات فأما كونها مباحة في نفسها فلا يخفى أن صاحبها متصرف بها في ماله وبدنه وثيابه فيفعل بها ما يريد إذا لم يكن فيه إضاعة وإسراف وأما مصيرها منكرا فبأن يجعل ذلك أصل الدين ويفسر به قوله صلى الله عليه وسلم بني الدين على النظافة حتى ينكر به على من يتساهل فيه الأولين أو يكون القصد به تزيين الظاهر للخلق وتحسين موقع نظرهم فإن ذلك هو الرياء المحظور فيصير منكرا بهذين الاعتبارين أما كونه معروفا فبأن يكون القصد منه الخير دون التزين وأن لا ينكر على من ترك ذلك ولا يؤخر بسببه الصلاة عن أوائل الأوقات ولا يشتغل به عن عمل هو أفضل منه أو عن علم أو غيره فإذا لم يقترن به شيء من ذلك فهو مباح يمكن أن يجعل قربة بالنية ولكن لا يتيسر ذلك إلا للبطالين الذين لو لم يشتغلوا بصرف الأوقات فيه لاشتغلوا بنوم أو حديث فيما لا يعنى فيصير شغلهم به أولى لأن الاشتغال بالطهارات يجدد ذكر الله تعالى وذكر العبادات فلا بأس به إذا لم يخرج إلى منكر أو إسراف وأما أهل العلم والعمل فلا ينبغي أن يصرفوا من أوقاتهم إليه إلا قدر الحاجة فالزيادة عليه منكر في حقهم وتضييع العمر الذي هو أنفس الجواهر وأعزها في حق من قدر على الانتفاع به ولا يتعجب من ذلك فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين ولا ينبغي للبطال أن يترك النظافة وينكر على المتصوفة ويزعم أنه يتشبه بالصحابة إذ التشبه بهم في أن لا يتفرغ إلا لما هو أهم منه كما قيل لداود الطائي لم لا تسرح لحيتك قال إني إذن لفارغ فلهذا لا أرى للعالم ولا للمتعلم ولا للعامل أن يضيع وقته في غسل الثياب احترازا من أن يلبس الثياب المقصورة وتوهما بالقصار تقصيرا في الغسل فقد كانوا في العصر الأول يصلون في الفراء المدبوغة ولم يعلم منهم من فرق بين المقصورة والمدبوغة في الطهارة والنجاسة بل كانوا يجتنبون النجاسة إذا شاهدوها ولا يدققون نظرهم في استنباط الاحتمالات الدقيقة بل كانوا يتأملون في دقائق الرياء والظلم حتى قال سفيان الثوري لرفيق له كان يمشي معه فنظر إلى باب دار مرفوع معمور لا تفعل ذلك فإن الناس لو لم ينظروا إليه لكان صاحبه لا يتعاطى هذا الإسراف فالناظر إليه معين له على الإسراف فكانوا يعدون جمام الذهن لاستنباط مثل هذه الدقائق لا في احتمالات النجاسة فلو وجد العالم عاميايتعاطى له غسل الثياب محتاطا فهو أفضل فإنه بالإضافة إلى التساهل خير وذلك العامي ينتفع بتعاطيه إذ يشغل نفسه الأمارة بالسوء بعمل المباح في نفسه فيمتنع عليه المعاصي في تلك الحال والنفس إن لم تشغل بشيء شغلت صاحبها وإذا قصد به التقرب إلى العالم صار ذلك عنده من أفضل القربات فوقت العالم أشرف من أن يصرفه إلى مثله فيبقى محفوظا عليه وأشرف وقت العامي أن يشتغل بمثله فيتوفر الخير عليه من الجوانب كلها وليتفطن بهذا المثل لنظائره من الأعمال وترتيب فضائلها ووجه تقديم البعض منها على بعض فتدقيق الحساب في حفظ لحظات العمر بصرفها إلى الأفضل أهم من التدقيق في أمور الدنيا بحذافيرها وإذا عرفت هذه المقدمة واستبنت أن الطهارة لها أربع مراتب فاعلم أنا في هذا الكتاب لسنا نتكلم إلا في المرتبة الرابعة وهي نظافة الظاهر لأنا في الشطر الأول من الكتاب لا نتعرض قصدا إلا للظواهر فنقول طهارة الظاهر ثلاثة أقسام طهارة عن الخبث وطهارة عن الحدث وطهارة عن فضلات البدن وهي التي تحصل بالقلم والاستحداد واستعمال النورة والختان وغيره القسم الأول في طهارة الخبث والنظر فيه يتعلق بالمزال والمزال به والإزالة الطرف الأول في المزال وهي النجاسة والأعيان ثلاثة جمادات وحيوانات وأجزاء حيوانات أما الجمادات فطاهرة كلها إلا الخمر وكل منتبذ مسكر والحيوانات طاهرة كلها إلا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما فإذا ماتت فكلها نجسة إلا خمسة الآدمي والسمك والجراد ودود التفاح وفي معناه كل ما يستحيل من الأطعمة وكل ما ليس له نفس سائلة كالذباب والخنفساء وغيرهما فلا ينجس الماء بوقوع شيء منها فيه وأما أجزاء الحيوانات فقسمان أحدهما ما يقطع منه وحكمه حكم الميت والشعر لا ينجس بالجز والموت والعظم ينجس الثاني الرطوبات الخارجة من باطنه فكل ما ليس مستحيلا ولا له مقر فهو طاهر كالدمع والعرق واللعاب والمخاط وما له مقر وهو مستحيل فنجس إلا ما هو مادة الحيوان كالمني والبيض والقيح والدم والروث والبول نجس من الحيوانات كلها ولا يعفى عن شيء من هذه النجاسات قليلها وكثيرها إلا عن خمسة الأول أثر النجو بعد الاستجمار بالأحجار يعفى عنه ما لم يعد المخرج والثاني طين الشوارع وغبار الروث في الطريق يعفى عنه مع تيقن النجاسة بقدر ما يتعذر الاحتراز عنه وهو الذي لا ينسب المتلطخ به إلى تفريط أو سقطة الثالث ما على أسفل الخف من نجاسة لا يخلو الطريق عنها فيعفى عنه بعد الدلك للحاجة الرابع دم البراغيث ما قل منه أو كثر إلا إذا جاوز حد العادة سواء كان في ثوبك أو في ثوب غيرك فلبسته الخامس دم البثرات وما ينفصل منها من قيح وصديد ودلك ابن عمر رضي الله عنه بثرة على وجهه فخرج منها الدم وصلى ولم يغتسل وفي معناه ما يترشح من لطخات الدماميل التي تدوم غالبا وكذلك أثر الفصد إلا ما يقع نادرا من خراج أو غيره فيلحق بدم الاستحاضة ولا يكون في معنى البثرات التي لا يخلو الإنسان عنها في أحواله ومسامحة الشرع في هذه النجاسات الخمس تعرفك أن أمر الطهارة على التساهل وما ابتدع فيها وسوسة لا أصل لها الطرف الثاني في المزال به وهو إما جامد وإما مائع أما الجامد فحجر الاستنجاء وهو مطهر تطهير تخفيف بشرط أن يكون صلبا طاهرا منشفا غير محترم وأما المائعات فلا تزال النجاسات بشيء منها إلا الماء ولا كل ماء بل الطاهر الذي لم يتفاحشتغيره بمخالطة ما يستغنى عنه ويخرج الماء عن الطهارة بأن يتغير بملاقاة النجاسة طعمه أو لونه أو ريحه فإن لم يتغير وكان قريبا من مائتين وخمسين منا وهو خمسمائة رطل برطل العراق لم ينجس لقوله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا حديث إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا أخرجه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم وصححه من حديث ابن عمر وإن كان دونه صار نجسا عند الشافعي رضي الله عنه هذا في الماء الراكد وأما الماء الجاري إذا تغير بالنجاسة فالجرية المتغيرة نجسة دون ما فوقها وما تحتها لأن جريات الماء متفاصلات وكذا النجاسة الجارية إذا جرت بمجرى الماء فالنجس موقعها من الماء وما عن يمينها وشمالها إذا تقاصر عن قلتين وإن كان جرى الماء أقوى من جري النجاسة فما فوق النجاسة طاهر وما سفل عنها فنجس وإن تباعد وكثر إلا إذا اجتمع في حوض قدر قلتين وإذا اجتمع قلتان من ماء نجس طهر ولا يعود نجسا بالتفريق هذا هو مذهب الشافعي رضي الله عنه وكنت أود أن يكون مذهبه كمذهب مالك رضي الله عنه في أن الماء وإن قل لا ينجس إلا بالتغير إذ الحاجة ماسة إليه ومثار الوسواس اشترط القلتين ولأجله شق على الناس ذلك وهو لعمري سبب المشقة ويعرفه من يجربه ويتأمله ومما لا أشك فيه أن ذلك لو كان مشروطا لكان أولى المواضع بتعسر الطهارة مكة والمدينة إذ لا يكثر فيهما المياه الجارية ولا الراكدة الكثيرة ومن أول عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر عصر أصحابه لم تنقل واقعة في الطهارة ولا سؤال عن كيفية حفظ الماء عن النجاسات وكانت أواني مياههم يتعاطاها الصبيان والإماء الذين لا يحترزون عن النجاسات وقد توضأ عمر رضي الله عنه بماء في جرة نصرانية وهذا كالصريح في أنه لم يعول إلا على عدم تغير الماء وإلا فنجاسة النصرانية وإنائها غالبة تعلم بظن قريب فإذا عسر القيام بهذا المذهب وعدم وقوع السؤال في تلك الأعصار دليل أول وفعل عمر رضي الله عنه دليل ثان والدليل الثالث إصغاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الإناء للهرة حديث إصغاء الإناء للهرة أخرجه الطبراني في الأوسط والدار قطني من حديث عائشة وروى أصحاب السنن ذلك من فعل أبي قتادة وعدم تغطية الأواني منها بعد أن يرى أنها تأكل الفأرة ولم يكن في بلادهم حياض تلغ السنانير فيها وكانت لا تنزل الآبار والرابع أن الشافعي رضي الله عنه نص على أن غسالة النجاسة طاهرة إذا لم تتغير ونجسة إن تغيرت وأي فرق بين أن يلاقي الماء النجاسة بالورود عليها أو بورودها عليه وأي معنى لقول القائل إن قوة الورود تدفع النجاسة مع أن الورود لم يمنع مخالطة النجاسة وإن أحيل ذلك على الحاجة فالحاجة أيضا ماسة إلى هذا فلا فرق بين طرح الماء في إجانة فيها ثوب نجس أو طرح الثوب النجس في الإجانة وفيها ماء وكل ذلك معتاد في غسل الثياب والأواني والخامس أنهم كانوا يستنجون على أطراف المياه الجارية القليلة ولا خلاف في مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه إذا وقع بول في ماء جار ولم يتغير أنه يجوز التوضؤ به وإن كان قليلا وأي فرق بين الجاري والراكد وليت شعري هل الحوالة على عدم التغير أولى أو على قوة الماء بسبب الجريان ثم ما حد تلك القوة أتجري في المياه الجارية في أنابيب الحمامات أم لا فإن لم تجر فما الفرق وإن جرت فما الفرق بين ما يقع فيها وبين ما يقع في مجرى الماء من الأواني على الأبدان وهي أيضا جارية ثم البول أشد اختلاطا بالماء الجاري من نجاسة جامدة ثابتة إذا قضى بأن ما يجري عليها وإن لم يتغير نجس أن يجتمع في مستنقع قلتان فأي فرق بين الجامد والمائع والماء واحد والاختلاط أشد من المجاورة والسادس أنه إذا وقع رطل من البول في قلتين ثم فرقتا فكل كوز يغترف منه طاهر ومعلوم أن البول منتشر فيه وهو قليل وليت شعري هل تعليل طهارته بعدم التغير أولى أو بقوة الماء بعد انقطاع الكثرة وزوالها معتحقق بقاء أجزاء النجاسة فيها والسابع أن الحمامات لم تزل في الأعصار الخالية يتوضأ فيها المتقشفون ويغمسون الأيدي والأواني في تلك الحياض مع قلة الماء ومع العلم بأن الأيدي النجسة والطاهرة كانت تتوارد عليها فهذه الأمور مع الحاجة الشديدة تقوى في النفس أنهم كانوا ينظرون إلى عدم التغير معولين على قوله صلى الله عليه وسلم خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه حديث خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف وقد رواه بدون الاستثناء أبو داود والنسائي والترمذي من حديث أبي سعيد وصححه أبو داود وغيره وهذا فيه تحقيق وهو أن طبع كل مائع أن يقلب إلى صفة نفسه كل ما يقع فيه وكان مغلوبا من جهته فكما ترى الكلب يقع في المملحة فيستحيل ملحا ويحكم بطهارته بصيرورته ملحا وزوال صفة الكلبية عنه فكذلك الخل يقع في الماء وكذا اللبن يقع فيه وهو قليل فتبطل صفته ويتصور بصفة الماء وينطبع بطبعه إلا إذا كثر وغلب وتعرف غلبته بغلبة طعمه أو لونه أو ريحه فهذا المعيار وقد أشار الشرع إليه في الماء القوي على إزالة النجاسة وهو جدير بأن يعول عليه فيندفع به الحرج ويظهر به معنى كونه طهورا إذ يغلب عليه فيطهره كما صار كذلك فيما بعد القلتين وفي الغسالة وفي الماء الجاري وفي إصغاء الإناء للهرة ولا تظن ذلك عفوا إذ لو كان كذلك لكان كأثر الاستنجاء ودم البراغيث حتى يصير الماء الملاقى له نجسا ولا ينجس بالغسالة ولا بولوغ السنور في الماء القليل وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا يحمل خبثا فهو في نفسه مبهم فإنه يحمل إذا تغير فإن قيل أراد به إذا لم يتغير فيمكن أن يقال إنه أراد به أنه في الغالب لا يتغير بالنجاسات المعتادة ثم هو تمسك بالمفهوم فيما إذا لم يبلغ قلتين وترك المفهوم بأقل من الأدلة التي ذكرناها ممكن وقوله لا يحمل خبثا ظاهره نفي الحمل أي يقلبه إلى صفة نفسه كما يقال للمملحة لا تحمل كلبا ولا غيره أي ينقلب وذلك لأن الناس قد يستنجون في المياه القليلة وفي الغدران ويغمسون الأواني النجسة فيها ثم يترددون في أنها تغيرت تغيرا مؤثر أم لا فتبين أنه إذا كان قلتين لا يتغير بهذه النجاسة المعتادة فإن قلت فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يحمل خبثا ومهما كثرت حملها فهذا ينقلب عليك فإنها مهما كثرت حملها حكما كما حملها حسا فلا بد من التخصيص بالنجاسات المعتادة على المذهبين جميعا وعلى الجملة فميلي في أمور النجاسات المعتادة إلى التساهل فهما من سيرة الأولين وحسما لمادة الوسواس وبذلك أفتيت بالطهارة فيما وقع الخلاف فيه في مثل هذه المسائل الطرف الثالث في كيفية الإزالة والنجاسة إن كانت حكمية وهي التي ليس لها جرم محسوس فيكفي إجراء الماء على جميع مواردها وإن كانت عينية فلا بد من إزالة العين وبقاء الطعم يدل على بقاء العين وكذا بقاء اللون إلا فيما يلتصق به فهو معفو عنه بعد الحت والقرص أما الرائحة فبقاؤها يدل على بقاء العين ولا يعفى عنها إلا إذا كان الشيء له رائحة فائحة يعسر إزالتها فالدلك والعصر مرات متواليات يقوم مقام الحت والقرص في اللون والمزيل للوسواس أن يعلم أن الأشياء خلقت طاهرة بيقين فما لا يشاهد عليه نجاسة ولا يعلمها يقينا يصلى معه ولا ينبغي أن يتوصل بالاستنباط إلى تقدير النجاسات القسم الثاني طهارة الأحداث ومنها الوضوء والغسل والتيمم ويتقدمها الاستنجاء فلنورد كيفيتها على الترتيب مع آدابها وسننها مبتدئين بسبب الوضوء وآداب قضاء الحاجة إن شاء الله تعالى باب آداب قضاء الحاجة ينبغي أن يبعد عن أعين الناظرين في الصحراء وأن يستتر بشيء إن وجده وأن لا يكشف عورته قبل الانتهاءإلى موضع الجلوس وأن لا يستقبل الشمس والقمر وأن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها إلا إذا كان في بناء والعدول أيضا عنها في البناء أحب وإن استتر في الصحراء براحلته جاز وكذلك بذيله وأن يتقي الجلوس في متحدث الناس وأن لا يبول في الماء الراكد ولا تحت الشجرة المثمرة ولا في الجحر وأن يتقي الموضع الصلب ومهاب الرياح في البول استنزاها من رشاشه وأن يتكىء في جلوسه على الرجل اليسرى وإن كان في بنيان يقدم الرجل اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج ولا يبول قائما قالت عائشة رضي الله عنها من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه حديث عائشة من حديثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه قال الترمذي هو أحسن شيء في هذا الباب وأصح وقال عمر رضي الله عنه رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما فقال يا عمر لا تبل قائما حديث عمر رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما فقال يا عمر لا تبل قائما أخرجه ابن ماجه بإسناد ضعيف رواه ابن حبان من حديث ابن عمر ليس فيه ذكر لعمر قال عمر فما بلت قائما بعد وفيه رخصة إذ روى حذيفة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام بال قائما فأتيته بوضوء فتوضأ ومسح على خفيه حديث أنه عليه الصلاة والسلام بال قائما الحديث متفق عليه ولا يبول في المغتسل قال صلى الله عليه وسلم عامة الوسواس منه حديث قال في البول في المغتسل عامة الوسواس منه أخرجه أصحاب السنن من حديث عبد الله بن مغفل قال الترمذي غريب قلت وإسناده صحيح وقال ابن المبارك قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى الماء عليه ذكره الترمذي وقال عليه الصلاة والسلام لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه فإن عامة الوسواس منه وقال ابن المبارك إن كان الماء جاريا فلا بأس به ولا يستصحب شيئا عليه اسم الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يدخل بيت الماء حاسر الرأس وأن يقول عند الدخول بسم الله أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم وعند الخروج الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى علي ما ينفعني ويكون ذلك خارجا عن بيت الماء وأن يعد النبل قبل الجلوس وأن لا يستنجي بالماء في موضع الحاجة وأن يستبرىء من البول بالتنحنح والنثر ثلاثا وإمرار اليد على أسفل القضيب ولا يكثر التفكر في الاستبراء فيتوسوس ويشق عليه الأمر وما يحس به من بلل فليقدر أنه بقية الماء فإن كان يؤذيه ذلك فليرش عليه الماء حتى يقوى في نفسه ذلك ولا يتسلط عليه الشيطان بالوسواس وفي الخبر أنه صلى الله عليه وسلم فعله أعني رش الماء حديث رش الماء بعد الوضوء وهو الانتضاح أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان وهو مضطرب كما قاله الترمذي وابن عبد البر وقد كان أخفهم استبراء أفقههم فتدل الوسوسة فيه على قلة الفقه وفي حديث سلمان رضي الله عنه علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة فأمرنا أن لا نستنجي بعظم ولاروث ونهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول حديث سلمان علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة الحديث أخرجه مسلم وقد تقدم في قواعد العقائد وقال رجل لبعض الصحابة من الأعراب وقد خاصمه لا أحسبك تحسن الخراء قال بلى وأبيك إني لأحسنها وإني بها لحاذق أبعد الأثر وأعد المدر وأستقبل الشيح وأستدبر الريح وأقعى إقعاء الظبي وأجفل إجفال النعام الشيح نبت طيب الرائحة بالبادية والإقعاء ههنا أن يستوفز على صدور قدميه والإجفال أن يرفع عجزه ومن الرخصة أن يبول الإنسان قريبا من صاحبه مستترا عنه حديث البول قريبا من صاحبه متفق عليه من حديث حذيفة فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شدة حيائه ليبين للناس ذلككيفية الاستنجاء ثم يستنجي لمقعدته بثلاثة أحجار فإن أنقى وإلا استعمل رابعا فإن أنقى وإلا استعمل خامسا لأن الإنقاء واجب والإيتار مستحب قال صلى الله عليه وسلم من استجمر فليوتر حديث من استجمر فليوتر متفق عليه من حديث أبي هريرة ويأخذ الحجر بيساره ويضعه على مقدم المقعدة قبل موضع النجاسة ويمره بالمسح والإدارة إلى المؤخر ويأخذ الثاني ويضعه على المؤخر كذلك ويمره إلى المقدمة ويأخذ الثالث فيديره حول المسربة إدارة فإن عسرت الإدارة ومسح من المقدمة إلى المؤخرةأجزأه ثم يأخذ حجرا كبيرا بيمينه والقضيب بيساره ويمسح الحجر بقضيبه ويحرك اليسار فيمسح ثلاثا في ثلاثة مواضع أوفى ثلاثة أحجار أو في ثلاثة مواضع من جدار إلى أن لا يرى الرطوبة في محل المسح فإن حصل ذلك بمرتين أتى بالثالثة ووجب ذلك إن أراد الاقتصار على الحجر وإن حصل بالرابعة استحب الخامسة للإيتار ثم ينتقل من ذلك الموضع إلى موضع آخر ويستنجي بالماء بأن يفيضه باليمنى على محل النجو ويدلك باليسرى حتى لا يبقى أثر يدركه الكف بحس اللمس ويدرك الاستقصاء فيه بالتعرض للباطن فإن ذلك منبع الوسواس وليعلم أن كل ما لا يصل إليه الماء فهو باطن ولا يثبت حكم النجاسة للفضلات الباطنة ما لم تظهر وكل ما هو ظاهر وثبت له حكم النجاسة فحد ظهوره أن يصل الماء إليه فيزيله ولا معنى للوسواس ويقول عند الفراغ من الاستنجاء اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش ويدلك يده بحائط أو بالأرض إزالة للرائحة إن بقيت والجمع بين الماء والحجر مستحب فقد روى أنه لما نزل قوله تعالى فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء ما هذه الطهارة التي أثنى الله بها عليكم قالوا كنا نجمع بين الماء والحجر حديث لما نزل قوله تعالى فيه رجال يحبون أن يتطهروا الحديث في أهل قباء وجمعهم بين الحجر والماء أخرجه البزار من حديث ابن عباس بسند ضعيف ورواه ابن ماجه والحاكم وصححه من حديث أبي أيوب وجابر وأنس في الاستنجاء بالماء ليس فيه ذكر الحجر وقول النووي تبعا لابن الصلاح إن الجمع بين الماء والحجر في أهل قباء لا يعرف مردود بما تقدم كيفية الوضوء إذا فرغ من الاستنجاء اشتغل بالوضوء فلم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم قط خارجا من الغائط إلا توضأ ويبتدىء بالسواك فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أفواهكم طرق القرآن فطيبوها بالسواك حديث إن أفواهكم طرق القرآن أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث علي ورواه ابن ماجه موقوفا على علي وكلاهما ضعيف فينبغي أن ينوي عند السواك تطهير فمه لقراءة القرآن وذكر الله تعالى في الصلاة وقال صلى الله عليه وسلم صلاة على أثر سواك أفضل من خمس وسبعين صلاة بغير سواك حديث صلاة على أثر سواك أفضل من خمس وسبعين صلاة بغير سواك رواه أبو نعيم في كتاب السواك من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف ورواه أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي وضعفه من حديث عائشة وضعفه بلفظ من سبعين صلاة وقال صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة حديث لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة متفق عليه من حديث أبي هريرة وقال صلى الله عليه وسلم ما لي أراكم تدخلون علي قلحا استاكوا حديث ما لي أراكم تدخلون علي قلحا استاكوا أخرجه البزار والبيهقي من حديث العباس بن عبد المطلب وأبو داود والبغوي من حديث تمام بن العباس والبيهقي من حديث عبد الله بن عباس وهو مضطرب أي صفر الأسنان وكان صلى الله عليه وسلم يستاك في الليلة مرارا حديث كان يستاك من الليل مرارا أخرجه مسلم من حديث ابن عباس وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال لم يزل صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالسواك حتى ظننا أنه سينزل عليه فيه شيء حديث ابن عباس لم يزل يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواك حتى ظننا أنه سينزل عليه فيه شيء رواه أحمد وقال عليه السلام عليكم بالسواك فإنهمطهرة للفم ومرضاة للرب حديث عليكم بالسواك فإنه مطهرة للفم مرضاة للرب أخرجه البخاري تعليقا مجزوما من حديث عائشة والنسائي وابن خزيمة موصولا قلت وصل المصنف هذا الحديث بحديث ابن عباس الذي قبله وقد رواه من حديث ابن عباس الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه السواك يزيد في الحفظ ويذهب البلغم حديث كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يروحون والسواك على آذانهم أخرجه الخطيب في كتاب أسماء من روى عن مالك وعند أبي داود والترمذي وصححه أن زيد بن خالد كان يشهد الصلوات وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يروحون والسواك على آذانهم وكيفيته أن يستاك بخشب الأراك أو غيره من قضبان الأشجار مما يخشن ويزيل القلح ويستاك عرضا وطولا وإن اقتصر فعرضا ويستحب السواك عند كل صلاة وعند كل وضوء وإن لم يصل عقيبه وعند تغير النكهة بالنوم أو طول الأزم أو كل ما تكره رائحته ثم عند الفراغ من السواك يجلس للوضوء مستقبل القبلة ويقول بسم الله الرحمن الرحيم قال صلى الله عليه وسلم لا وضوء لمن لم يسم الله تعالى حديث لا وضوء لمن لم يسم الله أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث سعيد بن زيد أحد العشرة ونقل الترمذي من البخاري أنه أحسن شيء في هذا الباب أي لا وضوء كامل ويقول عند ذلك أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ثم يغسل يديه ثلاثا قبل أن يدخلهما الإناء ويقول اللهم إني أسألك اليمن والبركة وأعوذ بك من الشؤم والهلكة ثم ينوي رفع الحدث أو استباحة الصلاة ويستديم النية إلى غسل الوجه فإن نسيها عند الوجه لم يجزه ثم يأخذ غرفة لفيه بيمينه فيتمضمض بها ثلاثا ويغرغر بأن يرد الماء إلى الغلصمة إلا أن يكون صائما فيرفق ويقول اللهم أعني على تلاوة كتابك وكثرة الذكر لك ثم يأخذ غرفة لأنفه ويستنشق ثلاثا ويصعد الماء بالنفس إلى خياشيمه ويستنثر ما فيها ويقول في الاستنشاق اللهم أوجد لي رائحة الجنة وأنت عني راض وفي الاستنثار اللهم إني أعوذ بك من روائح النار ومن سوء الدار لأن الاستنشاق إيصال والاستنثار إزالة ثم يغرف غرفة لوجهه فيغسله من مبدأ سطح الجبهة إلى منتهى ما يقبل من الذقن في الطول ومن الأذن إلى الأذن في العرض ولا يدخل في حد الوجه النزعتان اللتان على طرفي الجبينين فهما من الرأس ويوصل الماء إلى موضع التحذيف وهو ما يعتاد النساء تنحية الشعر عنه وهو القدر الذي يقع في جانب الوجه مهما وضع طرف الخيط على رأس الأذن والطرف الثاني على زاوية الجبين ويوصل الماء إلى منابت الشعور الأربعة الحاجبان والشاربان والعذاران والأهداب لأنها خفيفة في الغالب والعذاران هما ما يوازيان الأذنين من مبدأ اللحية ويجب إيصال الماء إلى منابت اللحية الخفيفة أعني ما يقبل من الوجه وأما الكثيفة فلا وحكم العنفقة حكم اللحية في الكثافة والخفة ثم يفعل ذلك ثلاثا ويفيض الماء على ظاهر ما استرسل من اللحية ويدخل الأصابع في محاجر العينين وموضع الرمص ومجتمع الكحل وينقيهما فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك حديث إدخاله الأصبع في محاجر العينين وموضع الرمص ومجتمع الكحل أخرجه أحمد من حديث أبي أمامة كان يتعاهد المنافقين ورواه الدارقطني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف أشربوا الماء أعينكم ويأمل عند ذلك خروج الخطايا من عينيه وكذلك عند كل عضو ويقول عنده اللهم بيض وجهي بنورك يوم تبيض وجوه أوليائك ولا تسود وجهي بظلماتك يوم تسود وجوه أعدائك ويخلل اللحية الكثيفة عند غسل الوجه فإنه مستحب ثم يغسل يديه إلى مرفقيه ثلاثا ويحرك الخاتم ويطيل الغرة ويرفع الماء إلى أعلى العضد فإنهم يحشرون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء كذلك ورد الخبر قال صلى الله عليه وسلم من استطاع أنيطيل غرته فليفعل حديث من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل أخرجاه من حديث أبي هريرة وروى أن الحلية تبلغ مواضع الوضوء حديث تبلغ الحلية من المؤمن ما يبلغ ماء الوضوء أخرجاه من حديثه ويبدأ باليمنى ويقول اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا ويقول عند غسل الشمال اللهم إني أعوذ بك أن تعطيني كتابي بشمالي أو من وراء ظهري ثم يستوعب رأسه بالمسح بأن يبل يديه ويلصق رءوس أصابع يديه اليمنى باليسرى ويضعهما على مقدمة الرأس ويمدهما إلى القفا ثم يردهما إلى المقدمة وهذه مسحة واحدة يفعل ذلك ثلاثا ويقول اللهم اغشني برحمتك وأنزل علي من بركاتك وأظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما بماء جديد بأن يدخل مسبحتيه في صماخي أذنيه ويدير إبهاميه على ظاهر أذنيه ثم يضع الكف على الأذنين استظهارا ويكرره ثلاثا ويقول اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم أسمعني منادي الجنة مع الأبرار ثم يمسح رقبته بماء جديد لقوله صلى الله عليه وسلم مسح الرقبة أمان من الغل يوم القيامة حديث مسح الرقبة أمان من الغل أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث عمر وهو ضعيف ويقول اللهم فك رقبتي من النار وأعوذ بك من السلاسل والأغلال ثم يغسل رجله اليمنى ثلاثا ويخلل باليد اليسرى من أسفل أصابع الرجل اليمنى ويبدأ بالخنصر من الرجل اليمنى ويختم بالخنصر من الرجل اليسرى ويقول اللهم ثبت قدمي على الصراط المستقيم يوم تزل الأقدام في النار ويقول عند غسل اليسرى أعوذ بك أن تزل قدمي عن الصراط يوم تزل فيه أقدام المنافقين ويرفع الماء إلى أنصاف الساقين فإذا فرغ رفع رأسه إلى السماء وقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي أستغفرك اللهم وأتوب إليك فاغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين واجعلني عبدا صبورا شكورا واجعلني أذكرك كثيرا وأسبحك بكرة وأصيلا يقال إن من قال هذا بعد الوضوء ختم على وضوئه بخاتم ورفع له تحت العرش فلم يزل يسبح الله تعالى ويقدسه ويكتب له ثواب ذلك إلى يوم القيامة ويكره في الوضوء أمور منها أن يزيد على الثلاث فمن زاد فقد ظلم وأن يسرف في الماء توضأ عليه السلام ثلاثا وقال من زاد فقد ظلم وأساء حديث توضأ ثلاثا ثلاثا وقال من زاد فقد أساء وظلم أخرجه أبو داود والنسائي واللفظ له وابن ماجه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال سيكون قوم من هذه الأمة يعتدون في الدعاء والطهور حديث سيكون قوم من هذه الأمة يعتدون في الدعاء والطهور أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن مغفل ويقال من وهن علم الرجل ولوعه بالماء في الطهور حديث من وهن علم الرجل ولوعه في الماء في التطهير لم أجد له أصلا وقال إبراهيم بن أدهم يقال إن أول ما يبتدىء الوسواس من قبل الطهور وقال الحسن إن شيطانا يضحك بالناس في الوضوء يقال له الولهان ويكره أن ينفض اليد فيرش الماء وأن يتكلم في أثناء الوضوء وأن يلطم وجهه بالماءلطما وكره قوم التنشيف وقالوا الوضوء يوزن قاله سعيد بن المسيب والزهري لكن روى معاذ رضي الله عنه أنه عليه السلام مسح وجهه بطرف ثوبه حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح وجهه بطرف ثوبه أخرجه الترمذي وقال غريب وإسناده ضعيف وروت عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كانت له منشفة حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له منشفة أخرجه الترمذي وقال ليس بالقائم قال ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء ولكن طعن في هذه الرواية عن عائشة ويكره أن يتوضأ من إناء صفر وأن يتوضأ بالماء المشمس وذلك من جهة الطب وقد روي عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما كراهية إناء الصفر وقال بعضهم أخرجت لشعبة ماء في إناء صفر فأبى أن يتوضأ منه ونقل كراهيةذلك عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما ومهما فرغ من وضوئه وأقبل على الصلاة فينبغي أن يخطر بباله أنه طهر ظاهره وهو موضع نظر الخلق أن يستحي من مناجاة الله تعالى من غير تطهير قلبه وهو موضع نظر الرب سبحانه وليحقق طهارة القلب بالتوبة والخلو عن الأخلاق المذمومة والتخلق بالأخلاق الحميدة أولى وأن من يقتصر على طهارة الظاهر كمن يدعو ملكا إلى بيته فتركه مشحونا بالقاذورات واشتغل بتجصيص ظاهر الباب البراني من الدار وما أجدر مثل هذا الرجل بالتعرض للمقت والبوار والله سبحانه وتعالى أعلم فضيلة الوضوء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين لم يحدث نفسه فيهما بشيء من الدنيا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه حديث من توضأ وأسبغ الوضوء وصلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وفي لفظ آخر لم يسه فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه أخرجه ابن المبارك في كتاب الزهد والرقائق باللفظين معا وهو متفق عليه من حديث عثمان بن عفان دون قوله بشيء من الدنيا ودون قوله لم يسه فيهما وأخرجه أبو داود من حديث زيد بن خالد ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما الحديث وفي لفظ آخر ولم يسه فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه وقال صلى الله عليه وسلم أيضا ألا أنبئكم بما يكفر الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره ونقل الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط ثلاث مرات حديث ألا أنبئكم بما يكفر الله به الخطايا ويرفع به الدرجات الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة وتوضأ صلى الله عليه وسلم مرة مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به وتوضأ مرتين مرتين وقال من توضأ مرتين مرتين أتاه الله أجره مرتين وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي ووضوء خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام حديث توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم من ذكر الله عند وضوئه طهر الله جسده كله ومن لم يذكر الله لم يطهر منه إلا ما أصاب الماء حديث من ذكر الله عند وضوئه طهر الله جسده كله الحديث رواه الدار قطني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات حديث من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم الوضوء على الوضوء نور على نور حديث الوضوء على الوضوء نور على نور لم أجد له أصلا وهذا كله حث على تجديد الوضوء وقال عليه السلام إذا توضأ العبد المسلم فتمضمض خرجت الخطايا من فيه فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفاره فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من تحت أذنيه وإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له حديث إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث الصنابحي إسناده صحيح ولكن اختلف في صحته وعند مسلم من حديث أبي هريرة وعمرو بن عنبسة نحوه مختصرا ويروى إن الطاهر كالصائم حديث الطاهر النائم كالصائم أخرجه أبو منصور الديلمي من حديث عمرو بن حريث الطاهر النائم كالصائم القائم وسنده ضعيف قال صلى الله عليه وسلم من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء حديث من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله الحديث أخرجه أبو داود من حديث عقبة بن عامر وهو عند مسلم دون قوله ثم رفع هكذا عزاه المزي في الأطراف وقد رواه النسائي في اليوم والليلة من رواية عقبة بن عامر وكذا رواه الدارمي في مسنده وقال عمر رضي الله عنهإن الوضوء الصالح يطرد عنك الشيطان وقال مجاهد من استطاع أن لا يبيت إلا طاهرا ذاكرا مستغفرا فليفعل فإن الأرواح تبعث على ما قبضت عليه كيفية الغسل وهو أن يضع الإناء عن يمينه ثم يسمي الله تعالى ويغسل يديه ثلاثا ثم يستنجي كما وصفت لك ويزيل ما على بدنه من نجاسة إن كانت ثم يتوضأ وضوءه للصلاة كما وصفنا إلا غسل القدمين فإنه يؤخرهما فإن غسلهما ثم وضعهما على الأرض كان إضاعة للماء ثم يصب الماء على رأسه ثلاثا ثم على شقه الأيمن ثلاثا ثم على شقه الأيسر ثلاثا ثم يدلك ما أقبل من بدنه ويخلل شعر الرأس واللحية ويوصل الماء إلى منابت ما كثف منه أو خف وليس على المرأة نقض الضفائر إلا إذا علمت أن الماء لا يصل إلى خلال الشعر ويتعهد معاطف البدن وليتق أن يمس ذكره في أثناء ذلك فإن فعل ذلك فليعد الوضوء وإن توضأ قبل الغسل فلا يعيده بعد الغسل فهذه سنن الوضوء والغسل ذكرنا منها ما لا بد لسالك طريق الآخرة من علمه وعمله وما عداه من المسائل التي يحتاج إليها في عوارض الأحوال فليرجع فيها إلى كتب الفقه والواجب من جملة ما ذكرناه في الغسل أمران النية واستيعاب البدن بالغسل وفروض الوضوء النية وغسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين ومسح ما ينطلق عليه الاسم من الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين والترتيب وأما الموالاة فليست بواجبة والغسل الواجب بأربعة بخروج المني والتقاء الختانين والحيض والنفاس وما عداه من الأغسال سنة كغسل العيدين والجمعة والأعياد والإحرام والوقوف بعرفة ومزدلفة ولدخول مكة وثلاثة أغسال أيام التشريق ولطواف الوداع على قول والكافر إذا أسلم غير جنب والمجنون إذا أفاق ولمن غسل ميتا فكل ذلك مستحب كيفية التيمم من تعذر عليه استعمال الماء لفقده بعد الطلب أو بمانع له عن الوصول إليه من سبع أو حابس أو كان الماء الحاضر يحتاج إليه لعطشه أو لعطش رفيقه أو كان ملكا لغيره ولم يبعه إلا بأكثر من ثمن المثل أو كان به جراحة أو مرض وخاف من استعماله فساد العضو أو شدة الضنا فينبغي أن يصبر حتى يدخل عليه وقت الفريضة ثم يقصد صعيدا طيبا عليه تراب طاهر خالص لين بحيث يثور منه غبار ويضرب عليه كفيه ضاما بين أصابعه ويمسح بهما جميع وجهه مرة واحدة وينوي عند ذلك استباحة الصلاة ولا يكلف إيصال الغبار إلى ما تحت الشعور خفت أو كثفت ويجتهد أن يستوعب بشرة وجهه بالغبار ويحصل ذلك بالضربة الواحدة فإن عرض الوجه لا يزيد على عرض الكفين ويكفي في الاستيعاب غالب الظن ثم ينزع خاتمه ويضرب ضربة ثانية يفرج فيها بين أصابعه ثم يلصق ظهور يده اليمنى ببطون أصابع يده اليسرى بحيث لا يجاوز أطراف الأنامل من إحدى الجهتين عرض المسبحة من الأخرى ثم يمر يده اليسرى من حيث وضعها على ظاهر ساعده الأيمن إلى المرفق ثم يقلب بطن كفه اليسرى على باطن ساعده الأيمن ويمرها إلى الكوع ويمر بطن إبهامه اليسرى على ظاهر إبهامه اليمنى ثم يفعل باليسرى كذلك ثم يمسح كفيه ويخلل بين أصابعه وغرض هذا التكليف تحصيل الأستيعاب إلى المرفقين بضربة واحدة فإن عسر عليه ذلك فلا بأس بأن يستوعب بضربتين وزيادة وإذا صلى به الفرض فله أن يتنفل كيف شاء فإن جمع بين فريضتين فينبغي أن يعيد التيمم للثانية وهكذا يفرد كل فريضة بتيمم والله أعلمالقسم الثالث من النظافة التنظيف عن الفضلات الظاهرة وهي نوعان أوساخ وأجزاء النوع الأول الأوساخ والرطوبات المترشحة وهي ثمانية الأول ما يجتمع في شعر الرأس من الدرن والقمل فالتنظيف عنه مستحب بالغسل والترجيل والتدهين إزالة للشعث عنه وكان صلى الله عليه وسلم يدهن الشعر ويرجله غبا ويأمر به حديث كان يدهن الشعر ويرجله أخرجه الترمذي في الشمائل بإسناد ضعيف من حديث أنس كان يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته وفي الشمائل أيضا بإسناد حسن من حديث صحابي لم يسم أنه كان صلى الله عليه وسلم يترجل غبا ويقول صلى الله عليه وسلم ادهنوا غبا حديث ادهنوا غبا قال ابن الصلاح لم أجد له أصلا وقال النووي غير معروف وعند أبي داود والترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن مغفل النهي عن الترجل إلا غبا بإسناد صحيح وقال صلى الله عليه وسلم من كان له شعرة فليكرمها حديث من كانت له شعرة فليكرمها من حديث أبي هريرة وقال به شعر فليكرمه وليس إسناده بالقوي أي ليصنها عن الأوساخ ودخل عليه رجل ثائر الرأس أشعث اللحية فقال أما كان لهذا دهن يسكن به شعره ثم قال يدخل أحدكم كأنه شيطان حديث دخل عليه رجل ثائر الرأس أشعث اللحية فقال أما كان لهذا دهن يسكن به شعره الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان من حديث جابر بإسناد جيد الثاني ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن والمسح يزيل ما يظهر منه وما يجتمع في قعر الصماخ فينبغي أن ينظف برفق عند الخروج من الحمام فإن كثرة ذلك ربما تضر بالسمع الثالث ما يجتمع في داخل الأنف من الرطوبات المنعقدة الملتصقة بجوانبه ويزيلها بالاستنشاق والاستنثار الرابع ما يجتمع على الأسنان وطرف اللسان من القلح فيزيله السواك والمضمضة وقد ذكرناهما الخامس ما يجتمع في اللحية من الوسخ والقمل إذا لم يتعهد ويستحب إزالة ذلك بالغسل والتسريح بالمشط وفي الخبر المشهور أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يفارقه المشط والمدرى والمرآة في سفر ولا حضر حديث كان لا يفارقه المشط والمدرى في سفر ولا حضر أخرجه ابن طاهر في كتاب صفة التصوف من حديث أبي سعيد كان لايفارق مصلاه سواكه ومشطه ورواه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة وإسنادهما ضعيف وسيأتي في آداب السفر مطولا وهي سنة العرب وفي خبر غريب أنه صلى الله عليه وسلم كان يسرح لحيته في اليوم مرتين حديث كان يسرح لحيته كل يوم مرتين تقدم حديث أنس كان يكثر تسريح لحيته وللخطيب في الجامع من حديث الحكم مرسلا كان يسرح لحيته بالمشط وكان صلى الله عليه وسلم كث اللحية حديث كان كث اللحية أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث هند ابن أبي هالة وأبو نعيم في دلائل النبوة من حديث علي وأصله عند الترمذي وكذلك كان أبو بكر وكان عثمان طويل اللحية رقيقها وكان علي عريض اللحية قد ملأت ما بين منكبيه وفي حديث أغرب منه قالت عائشة رضي الله عنها اجتمع قوم بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فرأيته يطلع في الحب يسوي من رأسه ولحيته حديث عائشة اجتمع قوم بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فرأيته يطلع في الحب يسوي من رأسه ولحيته أخرجه ابن عدي وقال حديث منكر فقلت أوتفعل ذلك يا رسول الله فقال نعم إن الله يحب من عبده أن يتجمل لإخوانه إذا خرج إليهم والجاهل ربما يظن أن ذلك من حب التزين للناس قياسا على أخلاق غيره وتشبيها للملائكة بالحدادين وهيهات فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مأمورا بالدعوة وكان من وظائفه أن يسعى في تعظيم أمر نفسه في قلوبهم كيلا تزدريه نفوسهم ويحسن صورته في أعينهم كيلا تستصغره أعينهم فينفرهم ذلك ويتعلق المنافقون بذلك في تنفيرهم وهذا القصد واجب على كل عالم تصدى لدعوة الخلق إلى الله عز وجل وهو أن يراعى من ظاهره ما لا يوجب نفرة الناس عنه والاعتماد في مثل هذه الأمور على النية فإنها أعمال في أنفسها تكتسب الأوصاف من المقصود فالتزينعلى هذا القصد محبوب وترك الشعث في اللحية إظهارا للزهد وقلة المبالاة بالنفس محذور وتركه شغلا بما هو أهم منه محبوب وهذه أحوال باطنة بين العبد وبين الله عز وجل والناقد بصير والتلبيس غير رائج عليه بحال وكم من جاهل يتعاطى هذه الأمور التفاتا إلى الخلق وهو يلبس على نفسه وعلى غيره ويزعم أن قصده الخير فترى جماعة من العلماء يلبسون الثياب الفاخرة ويزعمون أن قصدهم إرغام المبتدعة والمجادلين والتقرب إلى الله تعالى به وهذا أمر ينكشف يوم تبلى السرائر ويوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور فعند ذلك تتميز السبيكة الخالصة من البهرجة فنعوذ بالله من الخزي يوم العرض الأكبر السادس وسخ البراجم وهي معاطف ظهور الأنامل كانت العرب لا تكثر غسل ذلك لتركها غسل اليد عقيب الطعام فيجتمع في تلك الغضون وسخ فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل البراجم حديث الأمر بغسل البراجم أخرجه الترمذي الحكيم في النوادر من حديث عبد الله ابن بسر نقوا براجمكم ولابن عدي في حديث لأنس وأن يتعاهد البراجم إذا توضأ ولمسلم من حديث عائشة عشر من الفطرة وفيه وغسل البراجم السابع تنظيف الرواجب الأمر بتنظيف الرواجب أخرجه أحمد من حديث ابن عباس أنه قيل له يا رسول الله لقد أبطأ عنك جبريل فقيل ولم لا يبطىء وأنتم لا تستنون ولا تقلمون أظافركم ولا تقصون شواربكم ولا تنقون رواجبكم وفيه إسماعيل بن عياش أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب بتنظيفها وهي رءوس الأنامل وما تحت الأظفار من الوسخ لأنها كانت لا يحضرها المقراض في كل وقت فتجتمع فيها أوساخ فوقت لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أربعين يوما حديث التوقيت في قلم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة أربعين يوما أخرجه مسلم من حديث أنس لكنه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنظيف ما تحت الأظفار حديث الأمر بتنظيف ما تحت الأظافر أخرجه الطبراني من حديث وابصة بن سعيد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن الوسخ الذي يكون بين الأظافر فقال دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وجاء في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم استبطأ الوحي فلما هبط عليه جبريل عليه السلام قال له كيف ننزل عليكم وأنتم لا تغسلون براجمكم ولا تنظفون رواجبكم حديث استبطاء الوحي فلما هبط عليه جبريل قال له كيف ننزل عليكم وأنتم لا تغسلون براجمكم ولا تنظفون رواجبكم تقدم قبل هذا بحديثين وقلحا لا تستاكون مر أمتك بذلك وإلاف وسخ الظفر والتف وسخ الأذن وقوله عز وجل فلا تقل لهما أف تعبهما أي بما تحت الظفر من الوسخ وقيل لا تتأذ بهما كما تتأذى بما تحت الظفر الثامن الدرن الذي يجتمع على جميع البدن برشح العرق وغبار الطريق وذلك يزيله الحمام ولا بأس بدخول الحمام دخل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمامات الشام وقال بعضهم نعم البيت بيت الحمام يطهر البدن ويذكر النار روى ذلك عن أبي الدرداء وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما وقال بعضهم بئس البيت بيت الحمام يبدي العورة ويذهب الحياء فهذا تعرض لآفته وذاك تعرض لفائدته ولا بأس بطلب فائدته عند الاحتراز من آفته ولكن على داخل الحمام وظائف من السنن والواجبات فعليه واجبان في عورته وواجبان في عورة غيره أما الواجبان في عورته فهو أن يصونها عن نظر الغير ويصونها عن مس الغير فلا يتعاطى أمرها وإزالة وسخها إلا بيده ويمنع الدلاك من مس الفخذ وما بين السرة إلى العانة وفي إباحة مس ما ليس بسوءة لإزالة الوسخ احتمال ولكن الأقيس التحريم إذألحق مس السوأتين في التحريم بالنظر فكذلك ينبغي أن تكون بقية العورة أعني الفخذين والواجبان في عورة الغير أن يغض بصر نفسه عنها وأن ينهى عن كشفها لأن النهي عن المنكر واجب وعليه ذكر ذلك وليس عليه القبول ولا يسقط عنه وجوب الذكر إلا لخوف ضرب أو شتم أو ما يجري عليه مما هو حرام في نفسه فليس عليه أن ينكر حراما يرهق المنكر عليه إلى مباشرة حرام آخر فأما قوله أعلم أن ذلك لا يفيد ولا يعمل به فهذالا يكون عذرا بل لا بد من الذكر فلا يخلو قلب عن التأثر من سماع الإنكار واستشعار الاحتراز عند التعبير بالمعاصي وذلك يؤثر في تقبيح الأمر في عينه وتنفير نفسه فلا يجوز تركه ولمثل هذا صار الحزم ترك دخول الحمام في هذه الأوقات إذ لا تخلو عن عورات مكشوفة لا سيما ما تحت السرة إلى ما فوق العانة إذ الناس لا يعدونها عورة وقد ألحقها الشرع بالعورة وجعلها كالحريم لها ولهذا يستحب تخلية الحمام وقال بشر بن الحرث ما أعنف رجلا لا يملك إلا درهما دفعه ليخلى له الحمام ورؤي ابن عمر رضي الله عنهما في الحمام ووجهه إلى الحائط وقد عصب عينيه بعصابة وقال بعضهم لا بأس بدخول الحمام ولكن بإزارين إزار للعورة وإزار للرأس يتقنع به ويحفظ عينيه وأما السنن فعشرة فالأول النية وهو أن لا يدخل لعاجل دنيا ولا عابثا لأجل هوى بل يقصد به التنظف المحبوب تزينا للصلاة ثم يعطى الحمامي الأجرة قبل الدخول فإن ما يستوفيه مجهول وكذا ما ينتظره الحمامي فتسليم الأجرة قبل الدخول دفع للجهالة من أحد العوضين وتطييب لنفسه ثم يقدم رجله اليسرى عند الدخول ويقول بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم ثم يدخل وقت الخلوة أو يتكلف تخلية الحمام فإنه إن لم يكن في الحمام إلا أهل الدين والمحتاطين للعورات فالنظر إلى الأبدان مكشوفة فيه شائبة من قلة الحياء وهو مذكر للنظر في العورات ثم لا يخلو الإنسان في الحركات عن انكشاف العورات بانعطاف في أطراف الإزار فيقع البصر على العورة من حيث لا يدرى ولأجله عصب ابن عمر رضي الله عنهما عينيه ويغسل الجناحين عند الدخول ولا يعجل بدخول البيت الحار حتى يعرق في الأول وأن لا يكثر صب الماء بل يقتصر على قدر الحاجة فإنه المأذون فيه بقرينة الحال والزيادة عليه لو علمه الحمامي لكرهه لا سيما الماء الحار فله مئونة وفيه تعب وأن يتذكر حر النار بحرارة الحمام ويقدر نفسه محبوسا في البيت الحار ساعة ويقيسه إلى جهنم فإنه أشبه بيت بجهنم النار من تحت والظلام من فوق نعوذ بالله من ذلك بل العاقل لا يغفل عن ذكر الآخرة في لحظة فإنها مصيره ومستقره فيكون له في كل ما يراه من ماء أو نار أو غيرهما عبرة وموعظة فإن المرء ينظر بحسب همته فإذا دخل بزاز ونجار وبناء وحائك دارا معمورة مفروشة فإذا تفقدتهم رأيت البزاز ينظر إلى الفرش يتأمل قيمتها والحائك ينظر إلى الثياب يتأمل نسجها والنجار ينظر إلى السقف يتأمل كيفية تركيبها والبناء ينظر إلى الحيطان يتأمل كيفية إحكامها واستقامتها فكذلك سالك طريق الآخرة لا يرى من الأشياء شيئا إلا ويكون له موعظة وذكرى للآخرة بل لا ينظر إلى شيء إلا ويفتح الله عز وجل له طريق عبرة فإن نظر إلى سواد تذكر ظلمة اللحد وإن نظر إلى حية تذكر أفاعي جهنم وإن نظر إلى صورة قبيحة شنيعة تذكر منكرا ونكيرا والزبانية وإن سمع صوتا هائلا تذكر نفخة الصور وإن رأى شيئا حسنا تذكر نعيم الجنة وإن سمع كلمة رد أو قبول في سوق أو دار تذكر ما ينكشف من آخر أمره بعد الحساب من الرد والقبول وما أجدر أن يكون هذا هو الغالب على قلب العاقل إلا لا يصرفه عنه إلا مهمات الدنيا فإذا نسب مدة المقام في الدنيا إلى مدة المقام في الآخرة استحقرها إن لم يكن ممن أغفل قلبه وأعميت بصيرته ومن السنن أن لا يسلم عند الدخول وإن سلم عليه لم يجب بلفظ السلام بل يسكت إن إجاب غيره وإن أحب قال عافاك الله ولا بأس بأن يصافح الداخل ويقول عافاك الله لابتداء الكلام ثم لا يكثر الكلام في الحمام ولا يقرأ القرآن إلا سرا ولا بأس بإظهار الاستعاذة من الشيطان ويكره دخول الحمام بين العشاءين وقريبا من الغروب فإن ذلك وقت انتشار الشياطين ولا بأس أن يدلكه غيره فقد نقل ذلك عن يوسف بن أسباط أوصى بأن يغسله إنسان لم يكن من أصحابه وقال إنه دلكني في الحمام مرة فأردت أن أكافئه بما يفرح به وإنهليفرح بذلك ويدل على جوازه ما روي بعض الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلا في بعض أسفاره فنام على بطنه وعبد أسود يغمز ظهره فقلت ما هذا يا رسول الله فقال إن الناقة تقحمت بي حديث نزل منزلا في بعض أسفاره فنام على بطنه وعبد أسود يغمز ظهره الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عمر بسند ضعيف ثم مهما فرغ من الحمام شكر الله عز وجل على هذه النعمة فقد قيل الماء الحار في الشتاء من النعيم الذي يسأل عنه وقال ابن عمر رضي الله عنهما الحمام من النعيم الذي أحدثوه هذا من جهة الشرع أما من جهة الطب فقد قيل الحمام بعد النورة أمان من الجذام وقيل النورة في كل شهر مرة تطفىء المرة الصفراء وتنقي اللون وتزيد في الجماع وقيل بولة في الحمام قائما في الشتاء أنفع من شربة دواء وقيل نومة في الصيف بعد الحمام تعدل شربة دواء وغسل القدمين بماء بارد بعد الخروج من الحمام أمان من النقرس ويكره صب الماء البارد على الرأس عند الخروج وكذا شربه هذا حكم الرجال وأما النساء فقد قال صلى الله عليه وسلم لا يحل للرجل أن يدخل حليلته الحمام حديث لا يحل لرجل أن يدخل حليلته الحمام الحديث يأتي في الذي يليه مع اختلاف وفي البيت مستحم والمشهور أنه حرام على الرجال دخول الحمام إلا بمئزر حديث حرام على الرجال دخول الحمام إلا بمئزر الحديث أخرجه النسائي والحاكم وصححه من حديث جابر من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام وللحاكم من حديث عائشة الحمام حرام على نساء أمتي قال صحيح الإسناد ولأبي داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر فلا يدخلها الرجال الإ بالإزار وامنعوها النساء إلا من مريضة أو نفساء وحرام على المرأة دخول الحمام إلا نفساء أو مريضة ودخلت عائشة رضي الله عنها حماما من سقم بها فإن دخلت لضرورة فلا تدخل إلا بمئزر سابغ ويكره للرجل أن يعطيها أجرة الحمام فيكون معينا لها على المكروه النوع الثاني فيما يحدث في البدن من الأجزاء وهي ثمانية الأول شعر الرأس ولا بأس بحلقه لمن أراد التنظيف ولا بأس بتركه لمن يدهنه ويرجله إلا إذا تركه قزعا أي قطعا وهو دأب أهل الشطارة أو أرسل الذوائب على هيئة أهل الشرف حيث صار ذلك شعارا لهم فإنه إذا لم يكن شريفا كان ذلك تلبيسا الثاني شعر الشارب وقد قال صلى الله عليه وسلم قصوا الشارب وفي لفظ آخر جزوا الشوارب وفي لفظ آخر حفوا الشوارب وأعفوا اللحى حديث قصوا وفي لفظ جزوا وفي لفظ احفواالشوارب واعفوا اللحى متفق عليه من حديث ابن عمر بلفظ احفوا ولمسلم من حديث أبي هريرة جزوا ولأحمد من حديثه قصوا أي اجعلوها حفاف الشفة أي حولها وحفاف الشيء حوله ومنه وترى الملائكة حافين من حول العرش وفي لفظ آخر احفوا وهذا يشعر بالاستئصال وقوله حفوا يدل على ما دون ذلك وقال الله عز وجل إن يسئلكموها فيحفكم تبخلوا أي يستقصي عليكم وأما الحلق فلم يرد والإحفاء القريب من الحلق نقل عن الصحابة نظر بعض التابعين إلى رجل أحفى شاربه فقال ذكرتني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال المغيرة بن شعبة نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طال شاربي فقال تعال فقصه لي على سواك حديث المغيرة بن شعبة نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طال شاربي فقال تعال فقصه لي على سواك أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل ولا بأس بترك سباليه وهما طرفا الشارب فعل ذلك عمر وغيره لأن ذلك لا يستر الفم ولا يبقى فيه غمر الطعام إذ لا يصل إليه وقوله صلى الله عليه وسلم اعفوا اللحى أي كثروها وفي الخبر إن اليهود يعفون شواربهمويقصون لحاهم فخالفوهم حديث إن اليهود يعفون شواربهم ويقصون لحاهم فخالفوهم أخرجه أحمد من حديث أبي أمامة قلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم فقال قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب قلت والمشهور أن هذا فعل المجوس ففي صحيح ابن عمر في المجوس أنهم يوفرون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم وكره بعض العلماء الحلق ورآه بدعة الثالث شعر الإبط ويستحب نتفه في كل أربعين يوما مرة وذلك سهل على من تعود نتفه في الابتداء فأما من تعود الحلق فيكفيه الحلق إذ في النتف تعذيب وإيلام والمقصود النظافة وأن لا يجتمع الوسخ في خللها ويحصل ذلك بالحلق الرابع شعر العانة ويستحب إزالة ذلك إما بالحلق أو بالنورة ولا ينبغي أن تتأخر عن أربعين يوما الخامس الأظفار وتقليمها مستحب لشناعة صورتها إذا طالت ولما يجتمع فيها من الوسخ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة أقلم أظفارك فإن الشيطان يقعد على ما طال منها حديث يا أبا هريرة قلم ظفرك فإن الشيطان يقعد على ما طال منها أخرجه الخطيب في الجامع بإسناد ضعيف من حديث جابر قصوا أظافيركم فإن الشيطان يجري ما بين اللحم والظفر ولو كان تحت الظفر وسخ فلا يمنع ذلك صحة الوضوء لأنه لا يمنع وصول الماءولأنه يتساهل فيه للحاجة لا سيما في أظفار الرجل وفي الأوساخ التي تجتمع على البراجم وظهور الأرجل والأيدي من العرب وأهل السواد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالقلم وينكر عليهم ما يرى تحت أظفارهم من الأوساخ ولم يأمرهم بإعادة الصلاة ولو أمر به لكان فيه فائدة أخرى وهو التغليظ والزجر عن ذلك ولم أر في الكتب خبرا مرويا في ترتيب قلم الأظفار ولكن سمعت أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بمسبحته اليمنى وختم بإبهامه اليمنى وابتدأ في اليسرى بالخنصر إلى الإبهام حديث البداءة في قلم الأظافر بمسبحة اليمنى والختم بإبهامها وفي اليسرى بالخنصر إلى الإبهام لم أجد له أصلا وقد أنكره أبو عبد الله المازري في الرد على الغزالي وشنع عليه به ولما تأملت في هذا خطر لي من المعنى ما يدل على أن الرواية فيه صحيحة إذ مثل هذا المعنى لا ينكشف ابتداء إلا بنور النبوة وأما العالم ذو البصيرة فغايته أن يستنبطه من العقل بعد نقل الفعل إليه فالذي لاح لي فيه والعلم عند الله سبحانه أنه لا بد من قلم أظفار اليد والرجل واليد أشرف من الرجل فيبدأ بها ثم اليمنى أشرف من اليسرى فيبدأ بها ثم على اليمنى خمسة أصابع والمسبحة أشرفها إذ هي المشيرة في كلمتي الشهادة من جملة الأصابع ثم بعدها ينبغي أن يبتدىء بما على يمينها إذ الشرع يستحب إدارة الطهور وغيره على اليمين وإن وضعت ظهر الكف على الأرض فالإبهام هو اليمين وإن وضعت بطن الكف فالوسطى هي اليمنى واليد إذا تركت بطبعها كان الكف مائلا إلى جهة الأرض إذ جهة حركة اليمين إلى اليسار واستتمام الحركة إلى اليسار يجعل ظهر الكف عاليا فما يقتضيه الطبع أولى ثم إذا وضعت الكف على الكف صارت الأصابع في حكم حلقة دائرة فيقتضي ترتيب الدور الذهاب عن يمين المسبحة إلى أن يعود إلى المسبحة فتقع البداءة بخنصر اليسرى والختم بإبهامها ويبقى إبهام اليمنى فيختم به التقليم وإنما قدرت الكف موضوعة على الكف حتى تصير الأصابع كأشخاص في حلقة ليظهر ترتيبها وتقدير ذلك أولى من تقدير وضع الكف على ظهر الكف أو وضع ظهر الكف على ظهر الكف فإن ذلك لا يقتضيه الطبع وأما أصابع الرجل فالأولى عندي إن لم يثبت فيها نقل أن يبدأ بخنصر اليمنى ويختم بخنصر اليسرى كما في التخليل فإن المعاني التي ذكرها في اليد لا تتجه ههنا إذ لا مسبحة في الرجل وهذه الأصابع في حكم صف واحد ثابت على الأرض فيبدأ من جانب اليمنى فإن تقديرها حلقة بوضع الأخمص على الأخمص يأباه الطبع بخلاف اليدين وهذه الدقائق في الترتيب تنكشف بنور النبوة في لحظة واحدة وإنما يطول التعب علينا ثم لو سئلنا ابتداء عن الترتيب في ذلك ربما لم يخطر لنا وإذا ذكرنا فعله صلى الله عليه وسلموترتيبه ربما تيسر لنا مما عاينه صلى الله عليه وسلم بشهادة الحكم وتنبيهه على المعنى استنباط المعنى ولا تظنن أن أفعاله صلى الله عليه وسلم في جميع حركاته كانت خارجة عن وزن وقانون وترتيب بل جميع الأمور الاختيارية التي ذكرناها يتردد فيها الفاعل بين قسمين أو أقسام كان لا يقدم على واحد معين بالاتفاق بل بمعنى يقتضي الإقدام والتقديم فإن الاسترسال مهملا كما يتفق سجية البهائم وضبط الحركات بموازين المعاني سجية أولياء الله تعالى وكلما كانت حركات الإنسان وخطراته إلى الضبط أقرب وعن الإهمال وتركه سدى أبعد كانت مرتبته إلى رتبة الأنبياء والأولياء أكثر وكان قربه من الله عز وجل أظهر إذ القريب من النبي صلى الله عليه وسلم هو القريب من الله عز وجل والقريب من الله لا بد أن يكون قريبا فالقريب من القريب قريب بالإضافة إلى غيره فنعوذ بالله أن يكون زمام حركاتنا وسكناتنا في يد الشيطان بواسطة الهوى واعتبر في ضبط الحركات باكتحاله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاثا وفي اليسرى اثنين حديث كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاثا وفي اليسرى اثنين أخرجه الطبراني من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف فيبدأ باليمنى لشرفها وتفاوته بين العينين لتكون الجملة وترا فإن للوتر فضلا عن الزوج فإن الله سبحانه وتر يحب الوتر فلا ينبغي أن يخلو فعل العبد من مناسبة لوصف من أوصاف الله تعالى ولذلك استحب الإيتار في الاستجمار وإنما لم يقتصر على الثلاث وهو وتر لأن اليسرى لا يخصها إلا واحدة والغالب أن الواحدة لا تستوعب أصول الأجفان بالكحل وإنما خصص اليمين بالثلاث لأن التفضيل لا بد منه للإيتار واليمين أفضل فهي بالزيادة أحق فإن قلت فلم اقتصر على اثنين لليسرى وهي زوج فالجواب أن ذلك ضرورة إذ لو جعل لكل واحدة وتر لكان المجموع زوجا إذ الوتر مع الوتر زوج ورعايته الإيتار في مجموع الفعل وهو في حكم الخصلة الواحدة أحب من رعايته في الآحاد ولذلك أيضا وجه وهو أن يكتحل في كل واحدة ثلاثا على قياس الوضوء حديث الاكتحال في كل عين ثلاثا قال الغزالي ونقل ذلك في الصحيح قلت هو عند الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس قال الترمذي حديث حسن وقد نقل ذلك في الصحيح وهو الأولى ولو ذهبت أستقصي دقائق ما راعاه صلى الله عليه وسلم في حركاته لطال الأمر فقس بما سمعته ما لم تسمعه واعلم أن العالم لا يكون وارثا للنبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا اطلع على جميع معاني الشريعة حتى لا يكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا درجة واحدة وهي درجة النبوة وهي الدرجة الفارقة بين الوارث والموروث إذ الموروث هو الذي حصل المال له واشتغل بتحصيله واقتدر عليه والوارث هو الذي لم يحصل ولم يقدر عليه ولكن انتقل إليه وتلقاه منه بعد حصوله له فأمثال هذه المعاني مع سهولة أمرها بالإضافة إلى الأغوار والأسرار لا يستقل بدركها ابتداء إلا الأنبياء ولا يستقل باستنباطها تلقيا بعد تنبيه الأنبياء عليها إلا العلماء الذين هم ورثة الأنبياء عليهم السلام السادس والسابع زيادة السرة وقلفة الحشفة أما السرة فتقطع في أول الولادة وأما التطهير بالختان فعادة اليهود في اليوم السابع من الولادة ومخالفتهم بالتأخير إلى أن يثغر الولد أحب وأبعد عن الخطر قال صلى الله عليه وسلم الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء حديث الختان سنة للرجال مكرمة للنساء أخرجه أحمد والبيهقي من رواية أبي المليح بن أسامة عن أبيه بإسناد ضعيف وينبغي أن لا يبالغ في خفض المرأة قال صلى الله عليه وسلم لأم عطية وكانت تخفض يا أم عطية أشمي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج حديث أم عطية أشمي ولا تنهكي الحديث أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث الضحاك بن قيس ولأبي داود نحوه من حديث أم عطية وكلاهما ضعيف أي أكثر لماء الوجه ودمه وأحسن في جماعها فانظر إلى جزالة لفظه صلى الله عليه وسلم في الكناية وإلى إشراق نور النبوة من مصالح الآخرة التي هي أهم مقاصد النبوة إلىمصالح الدنيا حتى انكشف له وهو أمي من هذا الأمر النازل قدره ما لو وقعت الغفلة عنه خيف ضرره فسبحان من أرسله رحمة للعالمين ليجمع لهم بيمن بعثته مصالح الدنيا والدين صلى الله عليه وسلم الثامنة ما طال من اللحية وإنما أخرناها لنلحق بها ما في اللحية من السنن والبدع إذ هذا أقرب موضع يليق به ذكرها وقد اختلفوا فيما طال منها فقيل إن قبض الرجل على لحيته وأخذ ما فضل عن القبضة فلا بأس فقد فعله ابن عمر وجماعة من التابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين وكرهه الحسن وقتادة وقالا تركها عافية أحب لقوله صلى الله عليه وسلم اعفوا اللحى والأمر في هذا قريب إن لم ينته إلى تقصيص اللحية وتدويرها من الجوانب فإن الطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين بالنبذ إليه فلا بأس بالاحتراز عنه على هذه النية وقال النخعي عجبت لرجل عاقل طويل اللحية كيف لا يأخذ من لحيته ويجعلها بين لحيتين فإن التوسط في كل شيء حسن ولذلك قيل كلما طالت اللحية تشمر العقل فصل وفي اللحية عشر خصال مكروهة وبعضها أشد كراهة من بعض خضابها بالسواد وتبييضها بالكبريت ونتفها ونتف الشيب منها والنقصان منها والزيادة وتسريحها تصنعا لأجل الرياء وتركها شعثة إظهارا للزهد والنظر إلى سوادها عجبا بالشباب وإلى بياضها تكبرا بعلو السن وخضابها بالحمرة والصفرة من غير نية تشبها بالصالحين أما الأول وهو الخضاب بالسواد فهو منهي عنه لقوله صلى الله عليه وسلم خير شبابكم من تشبه بشيوخكم وشر شيوخكم من تشبه بشبابكم حديث خير شبابكم من تشبه بكهولكم الحديث أخرجه الطبراني من حديث وائلة بإسناد ضعيف والمراد بالتشبه بالشيوخ في الوقار لا في تبييض الشعر و نهى عن الخضاب بالسواد حديث نهى عن الخضاب بالسواد أخرجه ابن سعد في الطبقات من حديث عمرو بن العاص بإسناد منقطع ولمسلم من حديث جابر وغيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد قاله حين رأى بياض شعر أبي قحافة وقال هو خضاب أهل النار حديث الخضاب بالسواد خضاب أهل النار وفي لفظ خضاب الكفار أخرجه الطبراني والحاكم من حديث ابن عمر بلفظ الكافر قال ابن أبي حاتم منكر وفي لفظ آخر الخضاب بالسواد خضاب الكفار وتزوج رجل على عهد عمر رضي الله عنه وكان يخضب بالسواد فنصل خضابه وظهرت شيبته فرفعه أهل المرأة إلى عمر رضي الله عنه فرد نكاحه وأوجعه ضربا وقال غررت القوم بالشباب ولبست عليهم شيبتك ويقال أول من خضب بالسواد فرعون لعنه الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة حديث يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد الحديث أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس بإسناد جيد الثاني الخضاب بالصفرة والحمرة وهو جائز تلبيسا للشيب على الكفار في الغزو والجهاد فإن لم يكن على هذه النية بل للتشبه بأهل الدين فهو مذموم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفرة خضاب المسلمين والحمرة خضاب المؤمنين حديث الصفرة خضاب المسلمين والحمرة خضاب المؤمنين أخرجه الطبراني والحاكم بلفظ الإفراد من حديث ابن عمر قال ابن أبي حاتم منكر وكانوا يخضبون بالحناء للحمرة وبالخلوق والكتم للصفرة وخضب بعض العلماء بالسواد لأجل الغزو وذلك لا بأس به إذا صحت النية ولم يكن فيه هوى وشهوة الثالث تبييضها بالكبريت استعجالا لإظهار علو السن توصلا إلى التوقير وقبول الشهادة والتصديق بالرواية عن الشيوخ وترفعا عن الشباب وإظهارا لكثرة العلم ظنا بأن كثرة الأيام تعطيه فضلا وهيهات فلا يزيد كبر السن للجاهل إلا جهلا فالعلم ثمرة العقل وهي غريزة ولا يؤثر الشيب فيها ومن كانت غريزته الحمق فطول المدة يؤكد حماقته وقد كان الشيوخ يقدمون الشباببالعلم كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقدم ابن عباس وهو حديث السن على أكابر الصحابة ويسأله دونهم وقال ابن عباس رضي الله عنهما ما آتى الله عز وجل عبدا علما إلا شابا والخير كله في الشباب ثم تلا قوله عز وجل قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم وقوله تعالى إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وقوله تعالى وآتيناه الحكم صبيا وكان أنس رضي الله عنه يقول قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء فقيل له يا أبا حمزة فقد أسن فقال لم يشنه الله بالشيب فقيل أهو شين فقال كلكم يكرهه حديث قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء فقيل له يا أبا حمزة وقد أسن فقال لم يشبه الله بالشيب متفق عليه من حديث أنس دون قوله فقيل الخ ولمسلم من حديثه وسئل عن شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما شانه الله ببيضاء ويقال إن يحيى بن أكثم ولي القضاء وهو ابن إحدى وعشرين سنة فقال له رجل في مجلسه يريد أن يخجله بصغر سنه كم سن القاضي أيده الله فقال مثل سن عتاب بن أسيد حين ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إمارة مكة وقضاءها فأفحمه حديث يحيى بن أكثم ولي القضاء وهو ابن إحدى وعشرين سنة فقيل له كم سن القاضي فقال مثل سن عتاب بن أسيد حين ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إمارة مكة وقضاءها يوم الفتح وأنا أكبر من معاذ بن جبل حين وجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا على أهل اليمن أخرجه الخطيب في التاريخ بإسناد فيه نظر وما ذكره ابن أكثم صحيح بالنسبة إلى عتاب بن أسيد فإنه كان حين الولاية ابن عشرين وأما بالنسبة إلى معاذ فإنما يتم له ذلك على قول يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك وابن أبي حاتم إنه كان حين مات ابن ثمان وعشرين سنة والمرجح أنه مات ابن ثلاث وثلاثين سنة في الطاعون سنة ثمانية عشر والله أعلم وروي عن مالك رحمه الله أنه قال قرأت في بعض الكتب لا تغرنكم اللحى فإن التيس له لحية وقال أبو عمرو بن العلاء إذا رأيت الرجل طويل القامة صغير الهامة عريض اللحية فاقض عليه بالحمق ولو كان أمية بن عبد شمس وقال أيوب السختياني أدركت الشيخ ابن ثمانين سنة يتبع الغلام يتعلم منه وقال علي بن الحسين من سبق فيه العلم قبلك فهو إمامك فيه وإن كان أصغر سنا منك وقيل لأبي عمرو بن العلاء أيحسن من الشيخ أن يتعلم من الصغير فقال إن كان الجهل يقبح به فالتعلم يحسن به وقال يحيى بن معين لأحمد بن حنبل وقد رآه يمشي خلف بغلة الشافعي يا أبا عبد الله تركت حديث سفيان بعلوه وتمشي خلف بغلة هذا الفتى وتسمع منه فقال له أحمد لو عرفت لكنت تمشي من الجانب الآخر إن علم سفيان إن فاتني بعلو أدركته بنزول وإن عقل هذا الشاب إن فاتني لم أدركه بعلو ولا نزول الرابع نتف بياضها استنكافا من الشيب وقد نهى عليه السلام عن نتف الشيب وقال هو نور المؤمن حديث نهى عن نتف الشيب وقال هو نور المؤمن أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه النسائي وابن ماجه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهو في معنى الخضاب بالسواد وعلة الكراهية ما سبق والشيب نور الله تعالى والرغبة عنه رغبة عن النور الخامس نتفها أو نتف بعضها بحكم العبث والهوس وذلك مكروه ومشوه للخلقة ونتف الفنيكين بدعة وهما جانبا العنفقة شهد عند عمر بن عبد العزيز رجل كان ينتف فنيكيه فرد شهادته ورد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن أبي ليلى قاضي المدينة شهادة من كان ينتف لحيته وأما نتفها في أول النبات تشبها بالمرد فمن المنكرات الكبار فإن اللحية زينة الرجال فإن لله سبحانه ملائكة يقسمون والذي زين بني آدم باللحى وهو من تمام الخلق وبها يتميز الرجال عن النساء وقيل في غريب التأويل اللحية هي المراد بقوله تعالى يزيد في الخلق ما يشاء قال أصحاب الأحنف بن قيس وددنا أن نشتري للأحنف لحية ولو بعشرين ألفا وقال شريح القاضي وددت أن لي لحية ولو بعشرة آلاف وكيف تكره اللحية وفيها تعظيم الرجل والنظر إليه بعين العلم والوقار والرفع في المجالس وإقبال الوجوه إليه والتقديم على الجماعة ووقاية العرض فإن من يشتم يعرض باللحية إن كان للمشتوم لحية وقد قيل إن أهل الجنة مرد إلا هارون أخا موسى صلى الله عليهما وسلم فإن له لحية إلى سرته تخصيصا له وتفضيلا السادس تقصيصها كالتعبية طاقة على طاقةللتزين للنساء والتصنع قال كعب يكون في آخر الزمان أقوام يقصون لحاهم كذنب الحمامة ويعرقبون نعالهم كالمناجل أولئك لا خلاق لهم السابع الزيادة فيها وهو أن يزيد في شعر العارضين من الصدغين وهو من شعر الرأس حتى يجاوز عظم اللحى وينتهي إلى نصف الخد وذلك يباين هيئة أهل الصلاح الثامن تسريحها لأجل الناس قال بشر في اللحية شركان تسريحها لأجل الناس وتركها متفتلة لإظهار الزهد التاسع والعاشر النظر في سوادها أو في بياضها بعين العجب وذلك مذموم في جميع أجزاء البدن بل في جميع الأخلاق والأفعال على ما سيأتي بيانه فهذا ما أردنا أن نذكره من أنواع التزين والنظافة وقد حصل من ثلاثة أحاديث من سنن الجسد اثنتا عشرة خصلة خمس منها في الرأس وهي فرق شعر الرأس حديث فرق شعر الرأس الخ من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره إلى أن قال ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه والمضمضة والاستنشاق حديث عشر من الفطرة الحديث أخرجه مسلم من حديث عائشة ولفظه قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاقه الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء قال وكيع يعني الاستنجاء قال مصعب ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة ضعفه النسائي ولأبي داود وابن ماجه من حيث عمار بن ياسر نحوه فذكر فيه المضمضة والاختتان والانتضاح ولم يذكر إعفاء اللحية وانتقاص الماء قال أبو داود روى نحوه عن ابن عباس قال خمس كلها في الرأس وذكر منها الفرق ولم يذكر إعفاء اللحية وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة الفطرة خمس الختان الحديث وقص الشارب والسواك وثلاثة في اليد والرجل وهي القلم وغسل البراجم وتنظيف الرواجب حديث تنظيف الرواجب تقدم وأربعة في الجسد وهي نتف الإبط والاستحداد والختان والاستنجاء بالماء فقد وردت الأخبار بمجموع ذلك وإذا كان غرض هذا الكتاب التعرض للطهارة الظاهرة دون الباطنة فلنتقصر على هذا وليتحقق أن فضلات الباطن وأوساخه التي يجب التنظيف منها أكثر من أن تحصى وسيأتي تفصيلها في ربع المهلكات مع تعريف الطرق في إزالتها وتطهير القلب منها إن شاء الله عز وجل تم كتاب أسرار الطهارة بحمد الله تعالى وعونه ويتلوه إن شاء الله تعالى كتاب أسرار الصلاة والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى كل عبد مصطفى.



كتاب أسرار الصلاة ومهماتها
وهو الكتاب الرابع من ربع العبادات
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي غمر العباد بلطائفه وعمر قلوبهم بأنوار الدين ووظائفه التي تنزل عن عرش الجلال إلى السماء الدنيا من درجات الرحمة إحدى عواطفه فارق الملوك مع التفرد بالجلال والكبرياء بترغيب الخلق في السؤال والدعاء فقال هل من داع فأستجيب له وهل من مستغفر فأغفر له وباين السلاطين بفتح الباب ورفع الحجاب فرخص للعباد في المناجاة بالصلوات كيفما تقلبت بهم الحالات في الجماعات والخلوات ولم يقتصر على الرخصة بل تلطف بالترغيب والدعوة وغيره من ضعفاء الملوك لا يسمح بالخلوة إلا بعد تقديم الهدية والرشوة فسبحانه ما أعظم شأنه وأقوى سلطانه وأتم لطفه وأعم إحسانه والصلاة على محمد نبيه المصطفى ووليه المجتبى وعلى آله وأصحابه مفاتيح الهدى ومصابيح الدجى وسلم تسليما.
 أما بعد فإن الصلاة عماد الدين وعصام اليقين ورأس القربات وغرة الطاعات وقد استقصينا في فن الفقه في بسيط المذهب ووسيطه ووجيزه أصولها وفروعها صارفين جمام العناية إلى تفاريعها النادرة ووقائعها الشاذة لتكون خزانة للمفتي منها يستمد ومعولا له إليها يفزع ويرجع ونحن الآن في هذا الكتاب نقتصر على ما لا بد للمريد منه من أعمالها الظاهرة وأسرارها الباطنة وكاشفون من دقائق معانيها الخفية في معاني الخشوع والإخلاص والنية ما لم تجر العادة بذكره في فن الفقه ومرتبون الكتاب على سبعة أبواب الباب الأول في فضائل الصلاة الباب الثاني في تفضيل الأعمال الظاهرة من الصلاة الباب الثالث في تفضيل الأعمال الباطنة منها الباب الرابع في الإمامة والقدوة الباب الخامس في صلاة الجمعة وآدابها الباب السادس في مسائل متفرقة تعم بها البلوى يحتاج المريد إلى معرفتها الباب السابع في التطوعات وغيرها الباب الأول في فضائل الصلاة السجود والجماعة والأذان وغيرها فضيلة الأذان قال صلى الله عليه وسلم ثلاثة يوم القيامة على كثيب من مسك أسود لا يهولهم حساب ولا ينالهم فزع حتى يفرغ مما بين الناس رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله عز وجل وأم بقوم وهم به راضون ورجل أذن في مسجد ودعا إلى الله عز وجل ابتغاء وجه الله ورجل ابتلي بالرزق في الدنيا فلم يشغله ذلك عن عمل الآخرة حديث ثلاثة يوم القيامة على كثيب من مسك الحديث أخرجه الترمذي وحسنه من حديث ابن عمر مختصرا وهو في الصغير للطبراني بنحو مما ذكره المؤلف وقال صلى الله عليه وسلم لا يسمع نداء المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة حديث لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولاشيء إلا شهد له يوم القيامة أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد وقال صلى الله عليه وسلم يد الرحمن على رأس المؤذن حتى يفرغ من أذانه حديث يد الرحمن على رأس المؤذن حتى يفرغ من أذانه أخرجه الطبراني في الأوسط والحسن بن سعيد في مسنده من حديث أنس بإسناد ضعيف وقيل في تفسير قوله عز وجل ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا نزلت في المؤذنين وقال صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن حديث إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن متفق عليه من حديث أبي سعيد وذلك مستحب إلا في الحيعلتين فإنه يقول فيهما لا حول ولا قوة إلا بالله وفي قوله قد قامت الصلاة أقامها الله وأدامها ما دامت السموات والأرض وفي التثويب صدقت وبررت ونصحت وعند الفراغ يقول اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد وقال سعيد بن المسيب من صلى بأرض فلاة صلى عن يمينه ملك وعن شماله ملك فإن أذن وأقام صلى وراءه أمثال الجبال من الملائكة فضيلة المكتوبة قال الله تعالى إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وقال صلى الله عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة حديث خمس صلوات كتبهن الله على العباد الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث عبادة بن الصامت وصححه ابن عبد البر وقال صلى الله عليه وسلم مثل الصلوات الخمس كمثل نهر عذب غمر بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات فما ترون ذلك يبقي من درنه قالوا لا شيء قال صلى الله عليه وسلمفإن الصلوات الخمس تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن حديث مثل خمس صلوات كمثل نهر الحديث أخرجه مسلم من حديث جابر ولهما نحوه من حديث أبي هريرة وقال صلى الله عليه وسلم إن الصلوات كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر حديث الصلوات كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وقال صلى الله عليه وسلم بيننا وبين المنافقين شهود العتمة والصبح لا يستطيعونهما حديث بيننا وبين المنافقين شهود العتمة والصبح أخرجه مالك من رواية سعيد بن المسيب مرسلا وقال صلى الله عليه وسلم من لقي الله وهو مضيع للصلاة لم يعبأ الله بشيء من حسناته حديث من لقي الله مضيعا للصلاة لم يعبأ الله بشيء من حسناته وفي معناه حديث أول ما يحاسب به العبد الصلاة وفيه فإن فسدت فسد سائر عمله رواه الطبراني في الأوسط من حديث أنس وقال صلى الله عليه وسلم الصلاة عماد الدين فمن تركها فقد هدم الدين حديث الصلاة عماد الدين رواه البيهقي في الشعب بسند ضعفه من حديث عمر قال الحاكم عكرمة لم يسمع من عمر قال ورواه ابن عمر لم يقف عليه ابن الصلاح فقال في مشكل الوسيط إنه غير معروف وسئل صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل فقال الصلاة لمواقيتها حديث سئل أي الأعمال أفضل فقال الصلاة لمواقيتها متفق عليه من حديث ابن مسعود وقال صلى الله عليه وسلم من حافظ على الخمس بإكمال طهورها ومواقيتها كانت له نورا وبرهانا يوم القيامة ومن ضيعها حشر مع فرعون وهامان حديث من حافظ على الخمس بإكمال طهورها ومواقيتها كانت له نورا وبرهانا الحديث أخرجه أحمد وابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو وقال صلى الله عليه وسلم مفتاح الجنة الصلاة حديث مفاتيح الجنة الصلاة رواه أبو داود والطيالسي من حديث جابر وهو عند الترمذي ولكن ليس داخلا في الرواية وقال ما افترض الله على خلقه بعد التوحيد أحب إليه من الصلاة ولو كان شيء أحب إليه منها لتعبد به ملائكته فمنهم راكع ومنهم ساجد ومنهم قائم وقاعد حديث ما افترض الله على خلقه بعد التوحيد شيئا أحب إليه من الصلاة الحديث لم أجده هكذا وآخر الحديث عند الطبراني من حديث جابر وعند الحاكم من حديث ابن عمر وقال النبي صلى الله عليه وسلم من ترك صلاة متعمدا فقد كفر حديث من ترك صلاة متعمدا فقد كفر أخرجه البزار من حديث أبي الدرداء بإسناد فيه مقال أي قارب أن ينخلع عن الإيمان بانحلال عروته وسقوط عماده كما يقال لمن قارب البلدة إنه بلغها ودخلها وقال صلى الله عليه وسلم من ترك صلاة متعمدا فقد برىء من ذمة محمد عليه السلام حديث من ترك صلاة متعمدا فقد تبرأ من ذمة محمد صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد والبيهقي من حديث أم أيمن بنحوه ورجاله ثقات وقال أبو هريرة رضي الله عنه من توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى الصلاة فإنه في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة وأنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة وتمحى عنه بالأخرى سيئة فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا ينبغي له أن يتأخر فإن أعظمكم أجرا أبعدكم دارا قالوا لم يا أبا هريرة قال من أجل كثرة الخطا ويروى إن أول ما ينظر فيه من عمل العبد يوم القيامة الصلاة حديث أول ما ينظر الله فيه يوم القيامة من عمل العبد الصلاة الحديث رويناه في الطيوريات من حديث أبي سعيد بإسناد ضعيف ولأصحاب السنن الحاكم وصحح إسناده نحوه من حديث أبي هريرة وسيأتي فإن وجدت تامة قبلت منه وسائر عمله وإن وجدت ناقصة ردت عليه وسائر عمله وقال صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة مر أهلك بالصلاة فإن الله يأتيك بالرزق من حيث لا تحتسب حديث يا أبا هريرة مر أهلك بالصلاة فإن الله يأتيك بالرزق من حيث لا تحتسب لم أقف له على أصل وقال بعض العلماء مثل المصلي مثل التاجر الذي لا يحصل له الربح حتى يخلص له رأس المال وكذلك المصلي لا تقبل له نافلة حتى يؤدي الفريضة وكان أبو بكر رضي الله عنه يقول إذا حضرت الصلاة قوموا إلى ناركم التي أوقدتموها فأطفئوها فضيلة إتمام الأركان قال صلى الله عليه وسلم مثل الصلاة المكتوبة كمثل الميزان من أوفى استوفى حديث مثل الصلاة المكتوبة كمثل الميزان من أوفى استوفى أخرجه ابن المبارك في الزهد من حديث الحسن مرسلا وأسنده البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس بإسناد فيه جهالة وقال يزيد الرقاشي كانتصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مستوية كأنها موزونة حديث يزيد الرقاشي كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مستوية كأنها موزونة رواه ابن المبارك في الزهد ومن طريقه أبو الوليد الصفار في كتاب الصلاة وهو مرسل ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم إن الرجلين من أمتي ليقومان إلى الصلاة وركوعهما وسجودهما واحد وإن ما بين صلاتيهما ما بين السماء والأرض حديث إن الرجلين من أمتي ليقومان إلى الصلاة وركوعها وسجودهما واحد الحديث أخرجه ابن المجبر في العقل من حديث أبي أيوب الأنصاري بنحوه وهو موضوع ورواه الحارث ابن أبي أسامة في مسنده عن ابن المجبر وأشار إلى الخشوع وقال صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله يوم القيامة إلى العبد لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده حديث لا ينظر الله إلى عبد لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح وقال صلى الله عليه وسلم أما يخاف الذي يحول وجهه في الصلاة أن يحول الله وجهه وجه حمار حديث أما يخاف الذي يحول وجهه في الصلاة أن يحول الله وجهه وجه حمار أخرجه ابن عدي في عوالي مشايخ مصر من حديث جابر ما يؤمنه إذا التفت في صلاته أن يحول الله عز وجل وجهه وجه كلب أو وجه خنزير قال منكر بهذا الإسناد وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله وجهه وجه حمار وقال صلى الله عليه وسلم من صلى صلاة لوقتها وأسبغ وضوءها وأتم ركوعها وسجودها وخشوعها عرجت وهي بيضاء مسفرة تقول حفظك الله كما حفظتني ومن صلى لغير وقتها ولم يسبغ وضوءها ولم يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها عرجت وهي سوداء مظلمة تقول ضيعك الله كما ضيعتني حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه حديث من صلى الصلاة لوقتها فأسبغ وضوءها وأتم ركوعها وسجودها وخشوعها عرضت وهي بيضاء مسفرة تقول حفظك الله كما حفظتني الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أنس بسند ضعيف والطيالسي والبيهقي في الشعب من حديث عبادة ابن الصامت بسند ضعيف نحوه وقال صلى الله عليه وسلم أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته حديث أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته أخرجه أحمد والحاكم وصحح إسناده من حديث أبي قتادة وقال ابن مسعود رضي الله عنه وسلمان رضي الله عنه الصلاة مكيال فمن أوفى استوفى ومن طفف فقد علم ما قال الله في المطففين فضيلة الجماعة قال صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة حديث صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة متفق عليه من حديث ابن عمر وروى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم فقد ناسا في بعض الصلوات فقال لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فأحرق عليهم بيوتهم حديث أبي هريرة لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون الحديث متفق عليه وفي رواية أخرى ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر بهم فتحرق عليهم بيوتهم بحزم الحطب ولو علم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين لشهدها يعني صلاة العشاء وقال عثمان رضي الله عنه مرفوعا من شهد العشاء فكأنما قام نصف ليلة ومن شهد الصبح فكأنما قام ليلة حديث عثمان من شهد صلاة العشاء فكأنما قام نصف ليلة الحديث أخرجه مسلم من حديثه مرفوعا قال الترمذي وروي عن عثمان موقوفا وقال صلى الله عليه وسلم من صلى صلاة في جماعة فقد ملأ نحره عبادة حديث من صلى صلاة في جماعة فقد ملأ نحره عبادة لم أجده مرفوعا وإنما هو من قول سعيد بن المسيب رواه محمد بن نصر في كتاب الصلاة وقال سعيد بن المسيب ما أذن مؤذن منذ عشرين سنة إلا وأنا في المسجد وقال محمد بن واسع ما أشتهي من الدنيا إلا ثلاثة أخا إنه إن تعوجت قومني وقوتا من الرزق عفوا من غير تبعة وصلاة في جماعة يرفع عني سهوها ويكتب لي فضلها وروي أن أبا عبيدة بن الجراح أم قوما مرة فلما انصرف قال ما زال الشيطان بي آنفا حتى أريت أن لي فضلا عن غيري لا أؤم أبدا وقال الحسن لا تصلوا خلف رجل لا يختلف إلى العلماء وقال النخعي مثل الذي يؤم الناس بغير علم مثل الذي يكيل الماء في البحر لا يدريزيادته من نقصانه وقال حاتم الأصم فاتتني الصلاة في الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشر آلاف لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا وقال ابن عباس رضي الله عنهما من سمع المنادي فلم يجب لم يرد خيرا لم يرد به خير وقال أبو هريرة رضي الله عنه لأن تملأ أذن ابن آدم رصاصا مذابا خير له من أن يسمع النداء ثم لا يجيب وروي أن ميمون بن مهران أتى المسجد فقيل له إن الناس قد انصرفوا فقال إنا لله وإنا إليه راجعون لفضل هذه الصلاة أحب إلي من ولاية العراق وقال صلى الله عليه وسلم من صلى أربعين يوما الصلوات في جماعة لا تفوته فيها تكبيرة الإحرام كتب الله له براءتين براءة من النفاق وبراءة من النار حديث من صلى أربعين يوما الصلوات في جماعة لا تفوته تكبيرة الإحرام الحديث أخرجه الترمذي من حديث أنس بإسناد رجاله ثقات ويقال إنه إذا كان يوم القيامة يحشر قوم وجوههم كالكوكب الدري فتقول لهم الملائكة ما كانت أعمالكم فيقولون كنا إذا سمعنا الأذان قمنا إلى الطهارة لا يشغلنا غيرها ثم تحشر طائفة وجوههم كالأقمار فيقولون بعد السؤال كنا نتوضأ قبل الوقت ثم تحشر طائفة وجوههم كالشمس فيقولون كنا نسمع الأذان في المسجد وروي أن السلف كانوا يعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتتهم التكبيرة الأولى ويعزون سبعا إذا فاتتهم الجماعة فضيلة السجود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقرب العبد إلى الله بشيء أفضل من سجود خفي حديث ما تقرب العبد إلى الله بشيء أفضل من سجود خفي رواه ابن المبارك في الزهد من حديث ضمرة بن حبيب مرسلا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها سيئة حديث ما من مسلم يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه خطيئة أخرجه ابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت بإسناد صحيح ولمسلم نحوه من حديث ثوبان وأبي الدرداء وروي أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ادع الله أن يجعلني من أهل شفاعتك وأن يرزقني مرافقتك في الجنة فقال صلى الله عليه وسلم أعني بكثرة السجود حديث إن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ادع الله أن يجعلني من أهل شفاعتك ويرزقني مرافقتك في الجنة الحديث أخرجه مسلم من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي نحوه وهو الذي سأله ذلك وقيل إن أقرب ما يكون العبد من الله تعالى أن يكون ساجدا حديث إن أقرب ما يكون العبد إلى الله أن يكون ساجدا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وهو معنى قوله عز وجل واسجد واقترب وقال عز وجل سيماهم في وجوههم من أثر السجود فقيل هو ما يلتصق بوجوههم من الأرض عند السجود وقيل هو نور الخشوع فإنه يشرق من الباطن على الظاهر وهو الأصح وقيل هي الغرر التي تكون في وجوههم يوم القيامة من أثر الوضوء وقال صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويلاه أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت أنا بالسجود فعصيت فلى النار حديث إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ويروى عن علي بن عبد الله بن عباس أنه كان يسجد في كل يوم ألف سجدة وكانوا يسمونه السجاد ويروى أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان لا يسجد إلا على التراب وكان يوسف بن أسباط يقول يا معشر الشباب بادروا بالصحة قبل المرض فما بقي أحد أحسده إلا رجل يتم ركوعه وسجوده وقد حيل بيني وبين ذلك وقال سعيد بن جبير ما آسى على شيء من الدنيا إلا على السجود وقال عقبة بن مسلم ما من خصلة في العبد أحب إلى الله عز وجل من رجل يحب لقاء الله عز وجل وما من ساعة العبد فيها أقرب إلى الله عز وجلمنه حيث يخر ساجدا وقال أبو هريرة رضي الله عنه أقرب ما يكون للعبد إلى الله عز وجل إذا سجد فأكثروا الدعاء عند ذلك فضيلة الخشوع قال الله تعالى وأقم الصلاة لذكري وقال تعالى ولا تكن من الغافلين وقال عز وجل لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون قيل سكارى من كثرة الهم وقيل من حب الدنيا وقال وهب المراد به ظاهره ففيه تنبيه على سكر الدنيا إذ بين فيه العلة فقال حتى تعلموا ما تقولون وكم من مصل لم يشرب خمرا وهو لا يعلم ما يقول في صلاته وقال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى ركعتين لم يحدث نفسه فيهما بشيء من الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه حديث من صلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف من حديث صلة بن أشيم مرسلا وهو في الصحيحين من حديث عثمان بزيادة في أوله دون قوله بشيء من الدنيا وزاد الطيالسي إلا بخير وقال صلى الله عليه وسلم إنما الصلاة تمسكن وتواضع وتضرع وتأوه وتنادم وتضع يديك فتقول اللهم اللهم فمن لم يفعل فهي خداج حديث إنما الصلاة تمسكن ودعاء وتضرع الحديث أخرجه الترمذي والنسائي بنحوه من حديث الفضل بن عباس بإسناد مضطرب وروي عن الله سبحانه في الكتب السالفة أنه قال ليس كل مصل أتقبل صلاته إنما أقبل صلاة من تواضع لعظمتي ولم يتكبر على عبادي وأطعم الفقير الجائع لوجهي وقال صلى الله عليه وسلم إنما فرضت الصلاة وأمر بالحج والطواف وأشعرت المناسك لإقامة ذكر الله تعالى فإذا لم يكن في قلبك للمذكور الذي هو المقصود والمبتغى عظمة ولا هيبة فما قيمة ذكرك حديث إنما فرضت الصلاة وأمر بالحج والطواف وأشعرت المناسك لإقامة ذكر الله أخرجه أبو داود والترمذي من حديث عائشة نحوه دون ذكر الصلاة قال الترمذي حسن صحيح وقال صلى الله عليه وسلم للذي أوصاه وإذا صليت فصل صلاة مودع حديث إذا صليت فصل صلاة مودع أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أيوب والحاكم من حديث سعد بن أبي وقاص وقال صحيح الإسناد والبيهقي في الزهد من حديث ابن عمر ومن حديث أي مودع لنفسه مودع لهواه مودع لعمره سائر إلى مولاه كما قال عز وجل يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه وقال تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله وقال تعالى واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وقال صلى الله عليه وسلم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا حديث من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا أخرجه علي بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية من حديث الحسن مرسلا بإسناد صحيح ورواه الطبراني وأسنده ابن مردويه في تفسيره من حديث ابن عباس بإسناد لين والطبراني من قول ابن مسعود من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهه عن المنكر الحديث وإسناده صحيح والصلاة مناجاة فكيف تكون مع الغفلة وقال بكر بن عبد الله يا ابن آدم إذاشئت أن تدخل على مولاك بغير إذن وتكلمه بلا ترجمان دخلت قيل وكيف ذلك قال تسبغ وضوءك وتدخل محرابك فإذا أنت قد دخلت على مولاك بغير إذن فتكلمه بغير ترجمان وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه أخرجه الأزدي في الضعفاء من حديث سويد بن غفلة مرسلا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع الأذان كأنه لا يعرف أحدا من الناس اشتغالا بعظمة الله عز وجل وقال صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه حديث لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه لم أجده بهذا اللفظ وروى محمد بن نصر في كتاب الصلاة من رواية عثمان بن دهرش مرسلا لا يقبل الله من عبد عملا حتى يهد قلبه مع بدنه ورواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي بن كعب وإسناده ضعيف وكان إبراهيم الخليل إذا قام إلى الصلاة يسمع وجيب قلبه على ميلين وكان سعيد التنوخي إذا صلى لم تنقطع الدموع من خديه على لحيتهورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه حديث رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه أخرجه الترمذي الحكيم في النوادر من حديث أبي هريرة بسند ضعيف أنه من قول سعيد بن المسيب رواه ابن أبي شيبة في المصنف وفيه رجل لم يسم ويروى أن الحسن نظر إلى رجل يعبث بالحصى ويقول اللهم زوجني الحور العين فقال بئس الخاطب أنت تخطب الحور العين وأنت تعبث بالحصى وقيل لخلف بن أيوب ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها قال لا أعود نفسي شيئا يفسد علي صلاتي قيل له وكيف تصبر على ذلك قال بلغني أن الفساق يصبرون تحت أسواط السلطان ليقال فلان صبور ويفتخرون بذلك فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرك لذبابة ويروى عن مسلم بن يسار أنه كان إذا أراد الصلاة قال لأهله تحدثوا أنتم فإني لست أسمعكم ويروى عنه أنه كان يصلي يوما في جامع البصرة فسقطت ناحية من المسجد فاجتمع الناس لذلك فلم يشعر به حتى انصرف من الصلاة وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه إذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه فقيل له مالك يا أمير المؤمنين فيقول جاء وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها ويروى عن علي بن الحسين أنه كان إذا توضأ اصفر لونه فيقول له أهله ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء فيقول أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال قال داود عليه السلام في مناجاته إلهي من يسكن بيتك وممن تتقبل الصلاة فأوحى الله إليه يا داود إنما يسكن بيتي وأقبل الصلاة منه من تواضع لعظمتي وقطع نهاره بذكري وكف نفسه عن الشهوات من أجلي يطعم الجائع ويؤوى الغريب ويرحم المصاب فذلك الذي يضيء نوره في السموات كالشمس إن دعاني لبيته وإن سألني أعطيته أجعل له في الجهل حلما وفي الغفلة ذكرا وفي الظلمة نورا وإنما مثله في الناس كالفردوس في أعلى الجنان لا نيبس أنهارها ولا تتغير ثمارها ويروى عن حاتم الأصم رضي الله عنه أنه سئل عن صلاته فقال إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي ثم أقوم إلى صلاتي وأجعل الكعبة بين حاجبي والصراط تحت قدمي والجنة عن يميني والنار عن شمالي وملك الموت ورائي أظنها آخر صلاتي ثم أقوم بين الرجاء والخوف وأكبر تكبيرا بتحقيق وأقرأ قراءة بترتيل وأركع ركوعا بتواضع وأسجد سجودا بتخشع وأقعد على الورك الأيسر وأفرش ظهر قدمها وأنصب القدم اليمنى على الإبهام وأتبعها الإخلاص ثم لا أدري أقبلت مني أم لا وقال ابن عباس رضي الله عنهما ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه فضيلة المسجد وموضع الصلاة قال الله عز وجل إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وقال صلى الله عليه وسلم من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له قصرا في الجنة حديث من بنى لله مسجدا ولو مثل مفحص قطاة الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث جابر بسند صحيح وابن حبان من حديث أبي ذر وهو متفق عليه من حديث عثمان دون قوله ولو مثل مفحص القطاة وقال صلى الله عليه وسلم من ألف المسجد ألفه الله تعالى حديث من ألف المسجد ألفه الله تعالى أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد بسند ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس حديث إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس متفق عليه من حديث أبي قتادة وقال صلى الله عليه وسلم لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد حديث لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد أخرجه الدار قطني من حديث جابر وأبي هريرة بإسنادين ضعيفين والحاكم من حديث أبي هريرة وقال صلى الله عليه وسلم الملائكة تصلي على أحدكم ما دامفي مصلاه الذي يصلي فيه تقول اللهم صل عليه اللهم ارحمه اللهم اغفر له ما لم يحدث أو يخرج من المسجد حديث الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وقال صلى الله عليه وسلم يأتي في آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا حلقا ذكرهم الدنيا وحب الدنيا لا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة حديث يأتي في آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا حلقا ذكرهم الدنيا الحديث أخرجه ابن حبان من حديث ابن مسعود والحاكم من حديث أنس وقال صحيح الإسناد وقال صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل في بعض الكتب إن بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره حديث قال الله تعالى إن بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري فيها عمارها الحديث أخرجه أبو نعيم من حديث أبي سعيد بسند ضعيف يقول الله عز وجل يوم القيامة أين جيراني فتقول الملائكة من هذا الذي ينبغي له أن يجاورك فيقول أين قراء القرآن وعمار المساجد وهو في الشعب نحوه موقوفا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح وأسند ابن حبان في الضعفاء آخر الحديث من حديث سلمان وضعفه وقال صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان حديث إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد وقال سعيد بن المسيب من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه فما حقه أن يقول إلا خيرا ويرى في الأثر أو الخبر الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهائم الحشيش حديث الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش لم أقف له على أصل وقال النخعي كانوا يرون أن المشي في الليلة المظلمة إلى المسجد موجب للجنة وقال أنس بن مالك من أسرج في المسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوءه وقال علي كرم الله وجهه إذا مات العبد يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء ثم قرأ فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين وقال ابن عباس تبكي عليه الأرض أربعين صباحا وقال عطاء الخراساني ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت وقال أنس بن مالك ما من بقعة يذكر الله تعالى عليها بصلاة أو ذكر إلا افتخرت على ما حولها من البقاع واستبشرت بذكر الله عز وجل إلى منتهاها من سبع أرضين وما من عبد يقوم يصلي إلا تزخرفت له الأرض ويقال ما من منزل ينزل فيه قوم إلا أصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم الباب الثاني في كيفية الأعمال الظاهرة من الصلاة والبداءة بالتكبير وما قبله ينبغي للمصلي إذا فرغ من الوضوء والطهارة من الخبث في البدن والمكان والثياب وستر العورة من السرة إلى الركبة أن ينتصب قائما متوجها إلى القبلة ويزاوج بين قدميه ولا يضمهما فإن ذلك مما كان يستدل به على فقه الرجل وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الصفن والصفد في الصلاة حديث النهي عن الصفن والصفد في الصلاة عزاه رزين إلى الترمذي ولم أجده عنده ولا عند غيره وإنما ذكره أصحاب الغريب كابن الأثير في النهاية وروى سعيد بن منصور أن ابن مسعود رأى رجلا صافا أو صافنا قدميه فقال أخطأ هذا السنة والصفد هو اقتران القدمين معا ومنه قوله تعالى مقرنين في الأصفاد والصفن هو رفع إحدى الرجلين ومنه قوله عز وجل الصافنات الجياد هذا ما يراعيه في رجليه عند القيام ويراعي في ركبتيه ومعقد نطاقه الانتصاب وأما رأسه إن شاء تركه على استواء القيام وإن شاء أطرق والإطراق أقرب للخشوع وأغض للبصر وليكن بصره محصورا على مصلاه الذي يصلي عليه فإن لم يكن لهمصلى فليقرب من جدار الحائط أو ليخط خطا فإن ذلك يقصر مسافة البصر ويمنع تفوق الفكر وليحجر على بصره أن يجاوز أطراف المصلى وحدود الخط وليدم على هذا القيام كذلك إلى الركوع من غير التفات هذا أدب القيام فإذا استوى قيامه واستقباله وإطراقه كذلك فليقرأ قل أعوذ برب الناس تحصنا به من الشيطان ثم ليأت بالإقامة وإن كان يرجو حضور من يقتدي به فليؤذن أولا ثم ليحضر النية وهو أن ينوي في الظهر مثلا ويقول بقلبه أؤدي فريضة الظهر لله ليميزها بقوله أؤدي عن القضاء وبالفريضة عن النفل وبالظهر عن العصر وغيره ولتكن معاني هذه الألفاظ حاضرة في قلبه فإنه هو النية والألفاظ مذكرات وأسباب لحضورها ويجتهد أن يستديم ذلك إلى آخر التكبير حتى لا يعزب فإذا حضر في قلبه ذلك فليرفع يديه إلى حذو منكبيه بعد إرسالهما بحيث يحاذي بكفيه منكبيه وبإبهاميه شحمتي أذنيه وبرؤوس أذنيه حديث رفع اليدين إلى حذو المنكبين ورد إلى شحمة أذنيه وورد إلى رؤوس أذنيه متفق عليه من حديث ابن عمر باللفظ الأول وأبو داود من حديث وائل بن حجر بإسناد ضعيف إلى شحمة أذنيه ولمسلم من حديث مالك بن الحويرث فروع أذنيه ليكون جامعا بين الأخبار الواردة فيه ويكون مقبلا بكفيه وإبهاميه إلى القبلة ويبسط الأصابع ولا يقبضها ولا يتكلف فيها تفريجا ولا ضما بل يتركها على مقتضى طبعها إذ نقل في الأثر النشر والضم حديث نشر الأصابع عند الافتتاح ونقل ضمها وقال عطاء وابن خزيمة من حديث أبي هريرة والبيهقي ولم يفرج بين أصابعه ولم يضمها ولم أجد التصريح بضم الأصابع وهذا بينهما فهو أولى وإذا استقرت اليدان في مقرهما ابتدأ التكبير مع إرسالهما وإحضار النية ثم يضع اليدين على ما فوق السرة وتحت الصدر ويضع اليمنى على اليسرى إكراما لليمنى بأن تكون محمولة وينشر المسبحة والوسطى من اليمنى على طول الساعد ويقبض بالإبهام والخنصر والبنصر على كوع اليسرى وقد روي أن التكبير مع رفع اليدين حديث التكبير مع رفع اليدين أخرجه البخاري من حديث ابن عمر كان يرفع يديه حين يكبر ولأبي داود من حديث وائل يرفع يديه مع التكبير مع استقرارهما حديث التكبير مع استقرار اليدين أي مرفوعتين أخرجه مسلم من حديث ابن عمر كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم كبر زاد أبو داود وهما كذلك ومع الإرسال حديث التكبير مع إرسال اليدين أخرجه أبو داود من حديث أبي حميد كان إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم كبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا قال ابن الصلاح في المشكل فكلمة حتى التي هي للغاية تدل بالمعنى على ما ذكره أي من ابتداء التكبير مع الإرسال فكل ذلك لا حرج فيه وأراه بالإرسال أليق فإنه كلمة العقد ووضع إحدى اليدين على الأخرى في صورة العقد ومبدؤه الإرسال وآخره الوضع ومبدأ التكبير الألف وآخره الراء فيليق مراعاة التطابق بين الفعل والعقد وأما رفع اليد فكالمقدمة لهذه البداية ثم لا ينبغي أن يرفع يديه إلى قدام رفعا عند التكبير ولا يردهما إلى خلف منكبيه ولا ينفضهما عن يمين وشمال نفضا إذا فرغ من التكبير ويرسلهما إرسالا خفيفا رفيقا ويستأنف وضع اليمين على الشمال بعد الإرسال وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر أرسل يديه وإذا أراد أن يقرأ وضع اليمنى على اليسرى كان إذا كبر أرسل يديه فإذا أراد أن يقرأ وضع اليمنى على اليسرى أخرجه الطبراني من حديث معاذ بإسناد ضعيف فإن صح هذا فهو أولى مما ذكرناه وأما التكبير فينبغي أن يضم الهاء من قوله الله ضمة خفيفة من غير مبالغة ولا يدخل بين الهاء والألف شبه الواو وذلك ينساق إليه بالمبالغة ولا يدخل بين باء أكبر ورائه ألفا كأنه يقول أكبار ويجزم راء التكبير ولا يضمها فهذه هيئة التكبير وما معه القراءة ثم يبتدىء بدعاء الاستفتاح وحسن أن يقول عقب قوله الله أكبر الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحانالله بكرة وأصيلا حديث أنه يقول بعد قوله الله أكبر الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا أخرجه مسلم من حديث ابن عمر قال بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم الله أكبر كبيرا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة قال الله أكبر كبيرا الحديث وجهت وجهي إلى قوله وأنا من المسلمين حديث دعاء الاستفتاح وجهت وجهي الحديث أخرجه مسلم من حديث علي ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وجل ثناؤك ولا إله غيرك حديث سبحانك اللهم وبحمدك الحديث في الاستفتاح أيضا أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه من حديث عائشة وضعفه الترمذي والدار قطني ورواه مسلم موقوفا على عمر وعند البيهقي من حديث جابر الجمع بين وجهت وبين سبحانك اللهم ليكون جامعا بين متفرقات ما ورد في الأخبار وإن كان خلف الإمام اختصر إن لم يكن للإمام سكتة طويلة يقرأ فيها ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يقرأ الفاتحة يبتدىء فيها ب بسم الله الرحمن الرحيم بتمام تشديداتها وحروفها ويجتهد في الفرق بين الضاد والظاء ويقول آمين في آخر الفاتحة ويمدها مدا ولا يصل آمين بقوله ولا الضالين وصلا ويجهر بالقراءة في الصبح والمغرب والعشاء إلا أن يكون مأموما ويجهر بالتأمين ثم يقرأ السورة أو قدر ثلاث آيات من القرآن فما فوقها ولا يصل آخر السورة بتكبير الهوى بأن يفصل بينهما بقدر قوله سبحان الله ويقرأ في الصبح من السور الطوال من المفضل وفي المغرب من قصاره وفي الظهر والعصر والعشاء نحوه والسماء ذات البروج وما قاربها وفي الصبح في السفر قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد وكذلك في ركعتي الفجر والطواف والتحية وهو في جميع ذلك مستديم للقيام ووضع اليدين كما وصفنا في أول الصلاة الركوع ولواحقه ثم يركع ويراعي فيه أمورا وهو أن يكبر للركوع وأن يرفع يديه مع تكبيرة الركوع وأن يمد التكبير مدا إلى الانتهاء إلى الركوع وأن يضع راحتيه على ركبتيه في الركوع وأصابعه منشورة موجهة نحو القبلة على طول الساق وأن ينصب ركبتيه ولا يثنيهما وأن يمد ظهره مستويا وأن يكون عنقه ورأسه مستويين مع ظهره كالصفيحة الواحدة لا يكون رأسه أخفض ولا أرفع وأن يجافي مرفقيه عن جنبيه وتضم المرأة مرفقيها إلى جنبيها وأن يقول سبحان ربي العظيم ثلاثا والزيادة إلى السبعة وإلى العشرة حسن إن لم يكن إماما ثم يرتفع من الركوع إلى القيام ويرفع يديه ويقول سمع الله لمن حمده ويطمئن في الاعتدال ويقول ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ولا يطول هذا ا لقيام إلا في صلاة التسبيح والكسوف والصبح ويقنت في الصبح في الركعة الثانية بالكلمات المأثورة قبل السجود حديث القنوت في الصبح بالكلمات المأثورة أخرجه البيهقي من حديث ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح وفي وتر الليل بهؤلاء الكلمات اللهم اهدني فيمن هديت الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي من حديث الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمه هؤلاء الكلمات يقولهن في الوتر وإسناده صحيح السجود ثم يهوي إلى السجود مكبرا فيضع ركبتيه على الأرض ويضع جبهته وأنفه وكفيه مكشوفة ويكبر عند الهوى ولا يرفع يديه في غير الركوع وينبغي أن يكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه وأن يضع بعدهما يديه ثم يضع بعدهما وجهه وأن يضع جبهته وأنفه على الأرض وأن يجافي مرفقيه عن جنبيه ولا تفعل المرأة ذلك وأن يفرج بين رجليه ولا تفعل المرأة ذلك وأن يكون في سجوده مخويا على الأرض ولا تكون المرأة مخويةوالتخوية رفع البطن عن الفخذين والتفريج بين الركبتين وأن يضع يديه على الأرض حذاء منكبيه ولا يفرج بين أصابعهما بل يضمهما ويضم الإبهام إليهما وإن لم يضم الإبهام فلا بأس ولا يفترش ذراعيه على الأرض كما يفترش الكلب حديث النهي عن أن يفرش ذراعيه على الأرض كما يفرش الكلب متفق عليه من حديث أنس فإنه منهي عنه وأن يقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا فإن زاد فحسن إلا أن يكون إماما ثم يرفع من السجود فيطمئن جالسا معتدلا فيرفع رأسه مكبرا ويجلس على رجله اليسرى وينصب قدمه اليمنى ويضع يديه على فخذيه والأصابع منشورة ولا يتكلف ضمها ولا تفريجها ويقول رب اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني واجبرني وعافني واعف عني ولا يطول هذه الجلسة إلا في سجود التسبيح ويأتي بالسجدة الثانية كذلك ويستوي منها جالسا جلسة خفيفة للاستراحة في كل ركعة لا تشهد عقيبها ثم يقوم فيضع اليد على الأرض ولا يقدم إحدى رجليه في حال الارتفاع ويمد التكبير حتى يستغرق ما بين وسط ارتفاعه من القعود إلى وسط ارتفاعه إلى القيام بحيث تكون الهاء من قوله الله عند استوائه جالسا وكاف أكبر عند اعتماده على اليدللقيام وراء أكبر في وسط ارتفاعه إلى القيام ويبتدىء في وسط ارتفاعه إلى القيام حتى يقع التكبير في وسط انتقاله ولا يخلو عنه إلا طرفاه وهو أقرب إلى التعميم ويصلي الركعة الثانية كالأولى ويعيد التعوذ كالابتداء التشهد ثم يتشهد في الركعة الثانية التشهد الأول ثم يصلي عى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويقبض أصابعه اليمنى إلا المسبحة ولا بأس بإرسال الإبهام أيضا ويشير بمسبحة يمناه وحدها عند قوله إلا الله لا عند قوله لا إله ويجلس في هذا التشهد على رجله اليسرى كما بين السجدتين وفي التشهد الأخير يستكمل الدعاء المأثور حديث الدعاء المأثور بعد التشهد أخرجه مسلم من حديث علي في دعاء الاستفتاح قال ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت الحديث وفي الصحيحين من حديث عائشة إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع من عذاب جهنم الحديث وفي الباب غير ذلك جميعها في الأصل بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسننه كسنن التشهد الأول لكن يجلس في الأخير على وركه الأيسر لأنه ليس مستوفزا للقيام بل هو مستقر ويضجع رجله اليسرى خارجة من تحته وينصب اليمنى ويضع رأس الإبهام إلى جهة القبلة إن لم يشق عليه ثم يقول السلام عليكم ورحمة الله ويلتفت يمينا بحيث يرى خده الأيمن من وراءه من الجانب اليمين ويلتفت شمالا كذلك ويسلم تسليمة ثانية وينوي الخروج من الصلاة بالسلام وينوي بالسلام من على يمينه الملائكة والمسلمين في الأولى وينوي مثل ذلك في الثانية ويجزم التسليم حديث جزم السلام سنة أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة وقال حسن صحيح وضعفه ابن القطان ولا يمده مدا فهو السنة وهذه هيئة صلاة المنفرد ويرفع صوته بالتكبيرات ولا يرفع صوته إلا بقدر ما يسمع نفسه وينوي الإمام الإمامة لينال الفضل فإن لم ينو صحت صلاة القوم إذا نووا الاقتداء ونالوا فضل الجماعة ويسر بدعاء الاستفتاح والتعوذ كالمنفرد ويجهر بالفاتحة والسورة في جميع الصبح وأوليي العشاء والمغرب وكذلك المنفرد ويجهر بقوله آمين في الصلاة الجهرية وكذلك المأموم ويقرن المأموم تأمينه بتأمين الإمام معا لا تعقيبا ويسكت الإمام سكتة عقيب الفاتحة ليثوب إليه نفسه ويقرأ المأموم الفاتحة في الجهرية في هذه السكتة ليتمكن من الاستماع عند قراءة الإمام ولايقرأ المأموم السور في الجهرية إلا إذا لم يسمع صوت الإمام ويقول الإمام سمع الله لمن حمده عند رفع رأسه من الركوع وكذا المأموم ولا يزيد الإمام على الثلاث في تسبيحات الركوع والسجود ولا يزيدفي التشهد الأول بعد قوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ويقتصر في الركعتين الأخيرتين على الفاتحة ولا يطول على القوم ولا يزيد في دعائه في التشهد الأخير على قدر التشهد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينوي عند السلام السلام على القوم والملائكة وينوي القوم بتسليمهم جوابه ويثبت الإمام ساعة حتى يفرغ الناس من السلام ويقبل على الناس بوجهه والأولى أن يثبت إن كان خلف الرجال نساء لينصرفن قبله ولا يقوم واحد من القوم حتى يقوم وينصرف الإمام حيث يشاء عن يمينه وشماله واليمين أحب إلي ولا يخص الإمام نفسه بالدعاء في قنوت الصبح بل يقول اللهم اهدنا ويجهر به ويؤمن القوم ويرفعون أيديهم حذاء الصدور ويمسح لوجه عند ختم الدعاء لحديث نقل فيه وإلا فالقياس أن لا يرفع اليد كما في آخر التشهد المنهيات نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصفن في الصلاة والصفد وقد ذكرناهما وعن الإقعاء حديث النهي عن الإقعاء أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث علي بسند ضعيف لا يقع بين السجدتين ومسلم من حديث عائشة كان ينهى عن عقبة الشيطان والحاكم من حديث سمرة وصححه نهى عن الإقعاء وعن السدل حديث نهى عن السدل في الصلاة أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة والكفت حديث النهي عن الكفت في الصلاة متفق عليه من حديث ابن عباس أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نسجد على سبعة أعظم ولا نكفت شعرا ولا ثوبا وعن الاختصار حديث النهي عن الاختصار أخرجه أبو داود والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة وهو متفق عليه بلفظ نهى أن يصلي الرجل مختصرا وعن الصلب حديث النهي عن الصلب في الصلاة أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عمر بإسناد صحيح وعن المواصلة حديث النهي عن المواصلة عزاه رزين إلى الترمذي ولم أجده عنده وقد فسره الغزالي بوصل القراءة بالتكبير ووصل القراءة بالركوع وغير ذلك وقد روى أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث سمرة سكتتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في صلاته إذا فرغ من قراءته وإذا فرغ من قراءة القرآن وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة كان يسكت بين التكبير والقراءة إسكاتة الحديث وعن صلاة الحاقن حديث النهي عن صلاة الحاقن أخرجه ابن ماجه والدار قطني من حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل وهو حاقن وأبو داود من حديث أبي هريرة لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حاقن وله وللترمذي وحسنه نحوه من حديث ثوبان ومسلم من حديث عائشة لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان والحاقب حديث النهي عن صلاة الحاقب لم أجده بهذا اللفظ وفسره المصنف تبعا للأزهري بمدافعة الغائط وفيه حديث عائشة الذي قبل هذا والحازق حديث النهي عن صلاة الحازق عزاه رزين إلى الترمذي ولم أجده عنده والذي ذكره أصحاب الغريب حديث لا رأي لحازق وهو صاحب الخف الضيق وعن صلاة الجائع والغضبان والمتلثم حديث النهي عن التلثم في الصلاة أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة بسند حسن نهى أن يغطي الرجل فاه في الصلاة رواه الحاكم وصححه وقال الخطابي هو التلثم على الأفواه وهو ستر الوجه أما الإقعاء فهو عند أهل اللغة أن يجلس على وركيه وينصب ركبتيه ويجعل يديه على الأرض كالكلب وعند أهل الحديث أن يجلس على ساقيه جاثيا وليس على الأرض منه إلا رؤوس أصابع الرجلين والركبتين وأما السدل فمذهب أهل الحديث فيه أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد كذلك وكان هذا فعل اليهود في صلاتهم فنهوا عن التشبه بهم والقميص في معناه فلا ينبغي أن يركع ويسجد ويداه في بدن القميص وقيل معناه أن يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه والأول أقرب وأما الكف فهو أن يرفع ثيابه من بين يديه أو من خلفه إذا أراد السجود وقد يكون الكف في شعر الرأس فلا يصلين وهو عاقص شعره والنهي للرجال وفي الحديث أمرتأن أسجد على سبعة أعضاء ولا أكفت شعرا ولا ثوبا حديث أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء ولا أكفت شعرا ولا ثوبا متفق عليه من حديث ابن عباس وكره أحمد بن حنبل رضي الله عنه أن يأتزر فوق القميص في الصلاة ورآه من الكفت وأما الاختصار فأن يضع يديه على خاصرتيه وأما الصلب فأن يضع يديه على خاصرتيه في القيام ويجافي بين عضديه في القيام وأما المواصلة فهي خمسة اثنان على الإمام أن لا يصل قراءته بتكبيرة الإحرام ولا ركوعه بقراءته واثنان على المأموم أن لا يصل تكبيرة الإحرام بتكبيرة الإمام ولا تسليمه بتسليمه وواحدة بينهما أن لا يصل تسليمة الفرض بالتسليمة الثانية وليفصل بينهما وأما الحاقن فمن البول والحاقب من الغائط والحازق صاحب الخف الضيق فإن كل ذلك يمنع من الخشوع وفي معناه الجائع والمهتم وفهم نهي الجائع من قوله صلى الله عليه وسلم إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء إلا أن يضيق الوقت أو يكون ساكن القلب حديث إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء متفق عليه من حديث ابن عمر وعائشة وفي الخبر لا يدخلن أحدكم الصلاة وهو مقطب ولا يصلين أحدكم وهو غضبان حديث لا يدخل أحدكم الصلاة وهو مقطب ولا يصلين أحدكم وهو غضبان لم أجده وقال الحسن كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع وفي الحديث سبعة أشياء في الصلاة من الشيطان الرعاف والنعاس والوسوسة والتثاؤب والحكاك والالتفات والعبث بالشيء حديث سبعة أشياء من الشيطان في الصلاة الرعاف والنعاس والوسوسة والتثاؤب والالتفات وزاد بعضهم السهو والشك أخرجه الترمذي من رواية عدي بن ثابت عن أبيه عن جده فذكر منها الرعاف والنعاس والتثاؤب وزاد ثلاثة أخرى وقال حديث غريب ولمسلم من حديث عثمان بن أبي العاص يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي الحديث وللبخاري من حديث عائشة في الالتفات في الصلاة وهو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم وللشيخين من حديث أبي هريرة التثاؤب من الشيطان ولهما من حديث أبي هريرة إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فليس عليه صلاته حتى لا يدري كم صلى وزاد بعضهم السهو والشك وقال بعض السلف أربعة في الصلاة من الجفاء الإلتفات ومسح الوجه وتسوية الحصى وأن تصلى بطريق من يمر بين يديك ونهى أيضا عن أن يشبك أصابعه حديث النهي عن تشبيك الأصابع أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان نحوه من حديث كعب بن عجره أو يفرقع أصابعه حديث النهي عن تفقيع الأصابع في الصلاة أخرجه ابن ماجه من حديث علي بإسناد ضعيف لا تفقع في أصابعك الصلاة أو يستر وجهه حديث النهي عن ستر الوجه أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة أو يضع إحدى كفيه على الأخرى يدخلهما بين فخذيه في الركوع حديث النهي عن التطبيق في الركوع متفق عليه من حديث سعد بن أبي وقاص كنا نفعله فنهينا عنه وأمرنا أن نضع الأيدي على الركب وقال بعض الصحابة رضي الله عنهم كنا نفعل ذلك فنهينا عنه ويكره أيضا أن ينفخ في الأرض عند السجود للتنظيف وأن يسوي الحصى بيده فإنها أفعال مستغنى عنها ولا يرفع إحدى قدميه فيضعها على فخذه ولا يستند في قيامه إلى حائط فإن استند بحيث لو سل ذلك الحائط لسقط فالأظهر بطلان صلاته والله أعلم تمييز الفرائض والسنن جملة ما ذكر يشتمل على فرائض وسنن وآداب وهيئات مما ينبغي لمريد طريق الآخرة أن يراعى جميعها فالفرض من جملتها اثنتا عشرة خصلة النية والتكبير والقيام والفاتحة والانحناء في الركوع إلى أن تنال راحتاه ركبتيه مع الطمأنينة والاعتدال عنه قائما والسجود مع الطمأنينة ولا يجب وضع اليدين والاعتدال عنه قاعدا والجلوس للتشهد الأخير والتشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والسلام الأول فأما نية الخروج فلا تجب وما عدا هذا فليس بواجب بل هي سنن وهيئات فيها وفي الفرائض أما السنن فمن الأفعال أربعة رفع اليدين في تكبيرة الإحرام وعند الهوى إلى الركوع وعند الارتفاع إلى القيام والجلسة للتشهد الأول فأما ما ذكرناه من كيفيةنشر الأصابع وحد رفعها فهي هيئات تابعة لهذه السنة والتورك والافتراش هيئات تابعة للجلسة والإطراق وترك الالتفات هيئات للقيام وتحسين صورته وجلسة الاستراحة لم نعدها من أصول السنة في الأفعال لأنها كالتحسين لهيئة الارتفاع من السجود إلى القيام لأنها ليست مقصودة في نفسها ولذلك لم تفرد بذكر وأما السنن من الأذكار فدعاء الاستفتاح ثم التعوذ ثم قوله آمين فإنه سنة مؤكدة ثم قراءة السورة ثم تكبيرات الانتقالات ثم الذكر في الركوع والسجود والاعتدال عنهما ثم التشهد الأول والصلاة فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء في آخر التشهد الأخير ثم التسليمة الثانية وإن جمعناها في اسم السنة فلها درجات متفاوتة إذ تجبر أربعة منها بسجود السهو وأما من الأفعال فواحدة وهي الجلسة الأولى للتشهد الأول فإنها مؤثرة في ترتيب نظم الصلاة في أعين الناظرين حتى يعرف بها أنها رباعية أم لا بخلاف رفع اليدين فإنه لا يؤثر في تغيير النظم فعبر عن ذلك بالبعض وقيل الأبعاض تجبر بالسجود وأما الأذكار فكلها لا تقتضي سجود السهو إلا ثلاثة القنوت والتشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه بخلاف تكبيرات الانتقالات وأذكار الركوع والسجود والإعتدال عنهما لأن الركوع والسجود في صورتهما مخالفان للعادة ويحصل بهما معنى العبادة مع السكوت عن الأذكار وعن تكبيرات الإنتقالات فعدم تلك الأذكار لا تغير صورة العبادة وأما الجلسة للتشهد الأول ففعل معتاد وما زيدت إلا للتشهد فتركها ظاهر التأثير وأما دعاء الاستفتاح والسورة فتركهما لا يؤثر مع أن القيام صار معمورا بالفاتحة ومميزا عن العادة بها وكذلك الدعاء في التشهد الأخير والقنوت أبعد ما يجبر بالسجود ولكن شرع مد الاعتدال في الصبح لأجله فكان كمد جلسة الاستراحة إذ صارت بالمد مع التشهد جلسة للتشهد الأول فبقي هذا قياما ممدودا معتادا ليس فيه ذكر واجب وفي الممدود احتراز عن غير الصبح وفي خلوه عن ذكر واجب احتراز عن أصل القيام في الصلاة فإن قلت تمييز السنن عن الفرائض معقول إذ تفوت الصحة بفوت الفرض دون السنة ويتوجه العقاب به دونها فأما تمييز سنة عن سنة والكل مأمور به على سبيل الاستحباب ولا عقاب في ترك الكل والثواب موجود على الكل فما معناه فاعلم أن اشتراكهما في الثواب والعقاب والاستحباب لا يرفع تفاوتهما ولنكشف ذلك لك بمثال وهو أن الإنسان لا يكون إنسانا موجودا كاملا إلا بمعنى باطن وأعضاء ظاهرة فالمعنى الباطن هو الحياة والروح والظاهر أجسام أعضائه ثم بعض تلك الأعضاء ينعدم الإنسان بعدمها كالقلب والكبد والدماغ وكل عضو تفوت الحياة بفواته وبعضها لا تفوت بها الحياة ولكن يفوت بها مقاصد الحياة كالعين واليد والرجل واللسان وبعضها لا يفوت بها الحياة ولا مقاصدها ولكن يفوت بها الحسن كالحاجبين واللحية والأهداب وحسن اللون وبعضها لا يفوت بها أصل الجمال ولكن كماله كاستقواس الحاجبين وسواد شعر اللحية والأهداب وتناسب خلقة الأعضاء وامتزاج الحمرة بالبياض في اللون فهذه درجات متفاوتة فكذلك العبادة صورة صورها الشرع وتعبدنا باكتسابها فروحها وحياتها الباطنة الخشوع والنية وحضور القلب والإخلاص كما سيأتي ونحن الآن فى أجزائها الظاهرة فالركوع والسجود والقيام وسائر الأركان تجري منها مجرى القلب والرأس والكبد إذ يفوت وجود الصلاة بفواتها والسنن التي ذكرناها من رفع اليدين ودعاء الاستفتاح والتشهد الأول تجري منها مجرى اليدين والعينين والرجلين ولا تفوت الصحة بفواتها كما لا تفوت الحياة بفوات هذه الأعضاء ولكن يصير الشخص بسبب فواتها مشوه الخلقة مذموما غير مرغوب فيه فكذلك من اقتصر على أقل ما يجزي من الصلاة كان كمن أهدى إلى ملك من الملوك عبدا حيا مقطوع الأطراف وأما الهيئات وهي ما وراء السنن فتجري مجرى أسباب الحسن من الحاجبين واللحية والأهدابوحسن اللون وأما وظائف الأذكار في تلك السنن فهي مكملات للحسن كاستقواس الحاجبين واستدارة اللحية وغيرهما فالصلاة عندك قربة وتحفة تتقرب بها إلى حضرة ملك الملوك كوصيفة يهديها طالب القربة من السلاطين إليهم وهذه التحفة تعرض على الله عز وجل ثم ترد عليك يوم العرض الأكبر فإليك الخيرة في تحسين صورتها وتقبيحها فإن أحسنت فلنفسك وإن أسأت فعليها ولا ينبغي أن يكون حظك من ممارسة الفقه أن يتميز لك السنة عن الفرض فلا يعلق بفهمك من أوصاف السنة إلا أنه يجوز تركها فتتركها فإن ذلك يضاهي قول الطبيب إن فقء العين لا يبطل وجود الإنسان ولكن يخرجه عن أن يصدق رجاء المتقرب في قبول السلطان إذا أخرجه في معرض الهدية فهكذا ينبغي أن تفهم مراتب السنن والهيئات والآداب فكل صلاة لم يتم الإنسان ركوعها وسجودها فهي الخصم الأول على صاحبها تقول ضيعك الله كما ضيعتني فطالع الأخبار التي أوردناها في كمال أركان الصلاة ليظهر لك وقعها الباب الثالث في الشروط الباطنة من أعمال القلب ولنذكر في هذا الباب ارتباط الصلاة بالخشوع وحضور القلب ثم نذكر المعاني الباطنة وحدودها وأسبابها وعلاجها ثم لنذكر تفصيل ما ينبغي أن يحضر في كل ركن من أركان الصلاة لتكون صالحة لزاد الآخرة بيان اشتراط الخشوع وحضور القلب اعلم أن أدلة ذلك كثيرة فمن ذلك قوله تعالى أقم الصلاة لذكري وظاهر الأمر الوجوب والغفلة تضاد الذكر فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيما للصلاة لذكره وقوله تعالى ولا تكن من الغافلين نهى وظاهره التحريم وقوله عز وجل حتى تعلموا ما تقولون تعليل لنهي السكران وهو مطرد في الغافل المستغرق الهم بالوسواس وأفكار الدنيا وقوله صلى الله عليه وسلم إنما الصلاة تمسكن وتواضع حصر بالألف واللام وكلمة إنما للتحقيق والتوكيد وقد فهم الفقهاء من قوله صلى الله عليه وسلم إنما الشفعة فيما لم يقصر الحصر والإثبات والنفي وقوله صلى الله عليه وسلم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا وصلاة الغافل لا تمنع من الفحشاء والمنكر وقال صلى الله عليه وسلم كم من قائم حظه من صلاته التعب والنصب حديث كم من قائم حظه من صلاته التعب والنصب أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة رب قائم ليس له من قيامه إلا السهر ولأحمد رب قائم حظه من صلاته السهر وإسناده حسن وما أراد به إلا الغافل وقال صلى الله عليه وسلم ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها حديث ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل لم أجده مرفوعا وروى محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة من رواية عثمان ابن أبي دهرش مرسلا لا يقبل الله من عبد عملا حتى يشهد قلبه مع بدنه ورواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي بن كعب ولابن المبارك في الزهد موقوفا على عمار لا يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه والتحقيق فيه أن المصلي مناج ربه عز وجل حديث المصلي يناجي ربه متفق عليه من حديث أنس كما ورد به الخبر والكلام مع الغفلة ليس بمناجاة ألبتة وبيانه أن الزكاة إن غفل الإنسان عنها مثلا فهي في نفسها مخالفة للشهوة شديدة على النفس وكذا الصوم قاهر للقوى كاسر لسطوة الهوى الذي هو آلة للشيطان عدو الله فلا يبعد أن يحصل منها مقصود مع الغفلة وكذلك الحج أفعاله شاقة شديدة وفيه من المجاهدة ما يحصل بهالإيلام كان القلب حاضرا مع أفعاله أو لم يكن أما الصلاة فليس فيها إلا ذكر وقراءة وركوع وسجود وقيام وقعود فأما الذكر فإنه مجاورة ومناجاة مع الله عز وجل فأما أن يكون المقصود منه كونه خطابا ومحاورة أو المقصود منه الحروف والأصوات امتحانا للسان بالعمل كما تمتحن المعدة والفرج بالإمساك في الصوم وكما يمتحن البدن بمشاق الحج ويمتحن بمشقة إخراج الزكاة واقتطاع المال المعشوق ولا شك أن هذا القسم باطل فإن تحريك اللسان بالهذيان ما أخفه على الغافل فليس فيه امتحان من حيث أنه عمل بل المقصود الحروف من حيث أنه نطق ولا يكون نطقا إلا إذا أعرب عما في الضمير ولا يكون معربا إلا بحضور القلب فأي سؤال في قوله إهدنا الصراط المستقيم إذا كان القلب غافلا وإذا لم يقصد كونه تضرعا ودعاء فأي مشقة في تحريك اللسان به مع الغفلة لا سيما بعد الاعتياد هذا حكم الأذكار بل أقول لو حلف الإنسان وقال لأشكرن فلانا وأثني عليه وأسأله حاجة ثم جرت الألفاظ الدالة على هذه المعاني على لسانه في النوم لم يبر في يمينه ولو جرت على لسانه في ظلمة وذلك الإنسان حاضر وهو لا يعرف حضوره ولا يراه لا يصير بارا في يمينه إذ لا يكون كلامه خطابا ونطقا معه ما لم يكن هو حاضرا في قلبه فلو كانت تجري هذه الكلمات على لسانه وهو حاضر إلا أنه في بياض النهار غافل لكونه مستغرق الهم بفكر من الأفكار ولم يكن له قصد توجيه الخطاب إليه عند نطقه لم يصر بارا في يمينه ولا شك أن المقصود من القراءة والأذكار الحمد والثناء والتضرع والدعاء والمخاطب هو الله عز وجل وقلبه بحجاب الغفلة محجوب عنه فلا يراه ولا يشاهده بل هو غافل عن المخاطب ولسانه يتحرك بحكم العادة فما أبعد هذا عن المقصود بالصلاة التي شرعت لتصقيل القلب وتجديد ذكر الله عز وجل ورسوخ عقد الإيمان به هذا حكم القراءة والذكر وبالجملة فهذه الخاصية لا سبيل إلى إنكارها في النطق وتمييزها عن الفعل وأما الركوع والسجود فالمقصود بهما التعظيم قطعا ولو جاز أن يكون معظما لله عز وجل بفعله وهو غافل عنه لجاز أن يكون معظما لصنم موضوع بين يديه وهو غافل عنه أو يكون معظما للحائط الذي بين يديه وهو غافل عنه وإذا خرج عن كونه تعظيما لم يبق إلا مجرد حركة الظهر والرأس وليس فيه من المشقة ما يقصد الإمتحان به ثم يجعله عماد الدين والفاصل بين الكفر والإسلام ويقدم على الحج وسائر العبادات ويجب القتل بسبب تركه على الخصوص وما أرى أن هذه العظمة كلها للصلاة من حيث أعمالها الظاهرة إلا أن يضاف إليها مقصود المناجاة فإن ذلك يتقدم على الصوم والزكاة والحج وغيره بل الضحايا والقرابين التي هي مجاهدة للنفس بتنقيص المال قال الله تعالى لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم أي الصفة التي استولت على القلب حتى حملته على امتثال الأوامر هي المطلوبة فكيف الأمر في الصلاة ولا أرب في أفعالها فهذا ما يدل من حيث المعنى على اشتراط حضور القلب فإن قلت إن حكمت ببطلان الصلاة وجعلت حضور القلب شرطا في صحتها خالفت إجماع الفقهاء فإنهم لم يشترطوا إلا حضور القلب عند التكبير فاعلم أنه قد تقدم في كتاب العلم أن الفقهاء لا يتصرفون في الباطن ولا يشقون عن القلوب ولا في طريق الآخرة بل يبنون أحكام الدين على ظاهر أعمال الجوارح وظاهر الأعمال كاف لسقوط القتل وتعزير السلطان فأما أنه ينفع في الآخرة فليس هذا من حدود الفقه على أنه لا يمكن أن يدعي الإجماع فقد نقل عن بشر بن الحارث فيما رواه عنه أبو طالب المكي عن سفيان الثوري أنه قال من لم يخشع فسدت صلاته وروى عن الحسن أنه قال كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع وعن معاذ بن جبل من عرف من على يمينه وشماله متعمدا وهو في الصلاة فلا صلاة له وروي أيضا مسندا قال رسول الله صلى الله عليه وسلمإن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له سدسها ولا عشرها وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها حديث إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له سدسها ولا عشرها الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث عمار بن ياسر بنحوه وهذا لو نقل عن غيره لجعل مذهبا فكيف لا يتمسك به وقال عبد الواحد بن زيد أجمعت العلماء على أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها فجعله إجماعا وما نقل من هذا الجنس عن الفقهاء المتورعين وعن علماء الآخرة أكثر من أن يحصى والحق الرجوع إلى أدلة الشرع والأخبار والآثار ظاهرة في هذا الشرط إلا أن مقام الفتوى في التكليف الظاهر يتقدر بقدر قصور الخلق فلا يمكن أن يشترط على الناس إحضار القلب في جميع الصلاة فإن ذلك يعجز عنه كل البشر إلا الأقلين وإذا لم يمكن اشتراط الاستيعاب للضرورة فلا مرد له إلا أن يشترط منه ما يطلق عليه الاسم ولو في اللحظة الواحدة وأولى اللحظات به لحظة التكبير فاقتصرنا على التكليف بذلك ونحن مع ذلك نرجو أن لا يكون حال الغافل في جميع صلاته مثل حال التارك بالكلية فإنه على الجملة أقدم على العمل ظاهرا وأحضر القلب لحظة وكيف لا والذي صلى مع الحدث ناسيا صلاته باطلة عند الله تعالى ولكن له أجر ما يحسب فعله وعلى قدر قصوره وعذره ومع هذا الرجاء فيخشى أن يكون حاله أشد من حال التارك وكيف لا والذي يحضر الخدمة ويتهاون بالحضرة ويتكلم بكلام الغافل المستحقر أشد حالا من الذي يعرض عن الخدمة وإذا تعارض أسباب الخوف والرجاء وصار الأمر مخطرا في نفسه فإليك الخيرة بعده في الاحتياط والتساهل ومع هذا فلا مطمع في مخالفة الفقهاء فيما أفتوا به من الصحة مع الغفلة فإن ذلك من ضرورة الفتوى كما سبق التنبيه عليه ومن عرف سر الصلاة علم أن الغفلة تضادها ولكن قد ذكرنا في باب الفرق بين العلم الباطن والظاهر في كتاب قواعد العقائد أن قصور الخلق أحد الأسباب المانعة عن التصريح بكل ما ينكشف من أسرار الشرع فلنقتصر على هذا القدر من البحث فإن فيه مقنعا للمريد الطالب لطريق الآخرة وأما المجادل المشغب فلسنا نقصد مخاطبته الآن وحاصل الكلام أن حضور القلب هو روح الصلاة وأن أقل ما يبقى به رمق الروح الحضور عند التكبير فالنقصان منه هلاك وبقدر الزيادة عليه تنبسط الروح في أجزاء الصلاة وكم من حي لا حراك به قريب من ميت فصلاة الغافل في جميعها إلا عند التكبير كمثل حي لا حراك به نسأل الله حسن العون بيان المعاني الباطنة التي تتم بها حياة الصلاة اعلم أن هذه المعاني تكثر العبارات عنها ولكن يجمعها ست جمل وهي حضور القلب والتفهم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء فلنذكر تفاصيلها ثم أسبابها ثم العلاج في اكتسابها أما التفاصيل فالأول حضور القلب ونعني به أن يفرغ القلب عن غير ما هو ملابس له ومتكلم به فيكون العلم بالفعل والقول مقرونا بهما ولا يكون الفكر جائلا في غيرهما ومهما انصرف في الفكر عن غير ما هو فيه وكان في قلبه ذكر لما هو فيه ولم يكن فيه غفلة عن كل شيء فقد حصل حضور القلب ولكن التفهم لمعنى الكلام أمر وراء حضور القلب فربما يكون القلب حاضرا مع اللفظ ولا يكون حاضرا مع معنى اللفظ فاشتمال القلب على العلم بمعنى اللفظ هو الذي أردناه بالتفهم وهذا مقام يتفاوت الناس فيه إذ ليس يشترك الناس في تفهم المعاني للقرآن والتسبيحات وكم من معان لطيفة يفهمها المصلي في أثناء الصلاة ولم يكن قد خطر بقلبه ذلك قبله ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر فإنها تفهم أمورا تلك الأمور تمنع عن الفحشاء لا محالة وأما التعظيم فهو أمر وراء حضور القلب والفهم إذ الرجل يخاطب عبده بكلام هو حاضر القلبفيه ومتفهم لمعناه ولا يكون معظما له فالتعظيم زائد عليهما وأما الهيبة فزائدة على التعظيم بل هي عبارة عن خوف منشؤه التعظيم لأن من لا يخاف لا يسمى هائبا والمخافة من العقرب وسوء خلق العبد وما يجري مجراه من الأسباب الخسيسة لا تسمى مهابة بل الخوف من السلطان المعظم يسمى مهابة والهيبة خوف مصدرها الإجلال وأما الرجا فلا شك أنه زائد فكم من معظم ملكا من الملوك يهابه أو يخاف سطوته ولكن لا يرجو مثوبته والعبد ينبغي أن يكون راجيا بصلاته ثواب الله عز وجل كما أنه خائف بتقصيره عقاب الله عز وجل وأما الحياء فهو زائد على الجملة لأن مستنده استشعار تقصير وتوهم ذنب ويتصور التعظيم والخوف والرجاء من غير حياء حيث لا يكون توهم تقصير وارتكاب ذنب وأما أسباب هذه المعاني الستة فاعلم أن حضور القلب سببه الهمة فإن قلبك تابع لهمتك فلا يحضر إلا فيما يهمك ومهما أهمك أمر حضر القلب فيه شاء أم أبى فهو مجبول على ذلك ومسخر فيه والقلب إذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلا بل جائلا فيما الهمة مصروفة إليه من أمور الدنيا فلا حيلة ولا علاج لإحضار القلب إلا بصرف الهمة إلى الصلاة والهمة لا تنصرف إليها ما لم يتبين أن الغرض المطلوب منوط بها وذلك هو الإيمان والتصديق بأن الآخرة خير وأبقى وأن الصلاة وسيلة إليها فإذا أضيف هذا إلى حقيقة العلم بحقارة الدنيا ومهماتها حصل من مجموعها حضور القلب في الصلاة وبمثل هذه العلة يحضر قلبك إذا حضرت بين يدي بعض الأكابر ممن لا يقدر على مضرتك ومنفعتك فإذا كان لا يحضر عند المناجاة مع ملك الملوك الذي بيده الملك والملكوت والنفع والضر فلا تظنن أن له سببا سوى ضعف الإيمان فاجتهد الآن في تقوية الإيمان وطريقه يستقصى في غير هذا الموضع وأما التفهم فسببه بعد حضور القلب إدمان الفكر وصرف الذهن إلى إدراك المعنى وعلاجه ما هو علاج إحضار القلب مع الإقبال على الفكر والتشمر لدفع الخواطر وعلاج دفع الخواطر الشاغلة قطع موادها أعني النزوع عن تلك الأسباب التي تنجذب الخواطر إليها وما لم تنقطع تلك المواد لا تنصرف عنها الخواطر فمن أحب شيئا أكثر ذكره فذكر المحبوب يهجم على القلب بضرورة لذلك ترى أن من أحب غير الله لا تصفو له صلاة عن الخواطر وأما التعظيم فهي حالة للقلب تتولد من معرفتين إحداهما معرفة جلال الله عز وجل وعظمته وهو من أصول الإيمان فإن من لا يعتقد عظمته لا تذعن النفس لتعظيمه الثانية معرفة حقارة النفس وخستها وكونها عبدا مسخرا مربوبا حتى يتولد من المعرفتين الاستكانة والانكسار والخشوع لله سبحانه فيعبر عنه بالتعظيم وما لم تمتزج معرفة حقارة النفس بمعرفة جلال الله لا تنتظم حالة التعظيم والخشوع فإن المستغنى عن غيره الآمن على نفسه يجوز أن يعرف من غيره صفات العظمة ولا يكون الخشوع والتعظيم حاله لأن القرينة الأخرى وهي معرفة حقارة النفس وحاجتها لم تقترن إليه وأما الهيبة والخوف فحالة للنفس تتولد من المعرفة بقدرة الله وسطوته ونفوذ مشيئته فيه مع قلة المبالاة به وأنه لو أهلك الأولين والآخرين لم ينقص من ملكه ذرة هذا مع مطالعة ما يجري على الأنبياء والأولياء من المصائب وأنواع البلاء مع القدرة على الدفع على خلاف ما يشاهد من ملوك الأرض وبالجملة كلما زاد العلم بالله زادت الخشية والهيبة وسيأتي أسباب ذلك في كتاب الخوف من ربع المنجيات وأما الرجاء فسببه معرفة لطف الله عز وجل وكرمه وعميم إنعامه ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة فإذا حصل اليقين بوعده والمعرفة بلطفه انبعث من مجموعهما الرجاء لا محالة وأما الحياء فباستشعاره التقصير في العبادة وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق الله عز وجل ويقوى ذلك بالمعرفة بعيوب النفس وآفاتها وقلة إخلاصها وخبث دخلتها وميلها إلى الحظ العاجل في جميع أفعالها مع العلم بعظيم ما يقتضيه جلال الله عز وجل والعلمبأنه مطلع على السر وخطرات القلب وإن دقت وخفيت وهذه المعارف إذا حصلت يقينا انبعث منها بالضرورة حالة تسمى الحياء فهذه أسباب هذه الصفات وكل ما طلب تحصيله فعلاجه إحضار سببه ففي معرفة السبب معرفة العلاج ورابطة جميع هذه الأسباب الإيمان واليقين أعني به هذه المعارف التي ذكرناها ومعنى كونها يقينا انتفاء الشك واستيلاؤها على القلب كما سبق في بيان اليقين من كتاب العلم وبقدر اليقين يخشع القلب ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة كأنه لم يعرفنا ولم نعرفه وقد روي أن الله سبحانه أوحى إلى موسى عليه السلام يا موسى إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك وكن عند ذكري خاشعا مطمئنا وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك وإذا قمت بين يدي فقم قيام العبد الذليل وناجني بقلب وجل ولسان صادق وروي أن الله تعالى أوحى إليه قل لعصاة أمتك لا يذكروني فإني آليت على نفسي أن من ذكرني ذكرته فإذا ذكروني ذكرتهم باللعنة هذا في عاص غير غافل في ذكره فكيف إذا اجتمعت الغفلة والعصيان وباختلاف المعاني التي ذكرناها في القلوب انقسم الناس إلى غافل يتمم صلاته ولم يحضر قلبه في لحظة منها وإلى من يتمم ولم يغب قلبه في لحظة بل ربما كان مستوعب الهم بها بحيث لا يحس بما يجري بين يديه ولذلك لم يحس مسلم بن يسار بسقوط الأسطوانة في المسجد اجتمع الناس عليها وبعضهم كان يحضر الجماعة مدة ولم يعرف قط من على يمينه ويساره ووجيب قلب إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه كان يسمع على ميلين وجماعة كانت تصفر وجوههم وترتعد فرائصهم وكل ذلك غير مستبعد فإن أضعافه مشاهد في همم أهل الدنيا وخوف ملوك الدنيا مع عجزهم وضعفهم وخساسة الحظوظ الحاصلة منهم حتى يدخل الواحد على ملك أو وزير ويحدثه بمهمته ثم يخرج ولو سئل عمن حواليه أو عن ثوب الملك لكان لا يقدر على الإخبار عنه لاشتغال همه به عن ثوبه وعن الحاضرين حواليه ولكل درجات مما عملوا فحظ كل واحد من صلاته بقدر خوفه وخشوعه وتعظيمه فإن موضع نظر الله سبحانه القلوب دون ظاهر الحركات ولذلك قال بعض الصحابة رضي الله عنهم يحشر الناس يوم القيامة على مثال هيئتهم في الصلاة من الطمأنينة والهدوء ومن وجود النعيم بها واللذة ولقد صدق فإنه يحشر كل على ما مات عليه ويموت على ما عاش عليه ويراعى في ذلك حال قلبه لا حال شخصه فمن صفات القلوب تصاغ الصور في الدار الآخرة ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه بيان الدواء النافع في حضور القلب اعلم أن المؤمن لا بد أن يكون معظما لله عز وجل وخائفا منه وراجيا له ومستحييا من تقصيره فلا ينفك عن هذه الأحوال بعد إيمانه وإن كانت قوتها بقدر قوة يقينه فانفكاكه عنها في الصلاة لا سبب له إلا تفرق الفكر وتقسيم الخاطر وغيبة القلب عن المناجاة والغفلة عن الصلاة ولا يلهى عن الصلاة إلا الخواطر الواردة الشاغلة فالدواء في إحضار القلب هو دفع تلك الخواطر ولا يدفع الشيء إلا بدفع سببه فلتعلم سببه وسبب موارد الخواطر إما أن يكون أمرا خارجا أو أمرا في ذاته باطنا أما الخارج فما يقرع السمع أو يظهر للبصر فإن ذلك قد يختطف الهم حتى يتبعه ويتصرف فيه ثم تنجر منه الفكرة إلى غيره ويتسلسل ويكون الإبصار سببا للافتكار ثم تصير بعض تلك الأفكار سببا للبعض ومن قويت نيته وعلت همته لم يلهه ما جرى على حواسه ولكن الضعيف لا بد وأن يتفرق به فكره وعلاجه قطع هذه الأسباب بأن يغض بصره أو يصلى في بيت مظلم أو لا يترك بين يديه ما يشغل حسه ويقرب من حائط عند صلاته حتى لا تتسع مسافة بصره ويحترز من الصلاة على الشوارعوفي المواضع المنقوشة المصنوعة وعلى الفرش المصبوغة ولذلك كان المتعبدون يتعبدون في بيت صغير مظلم سعته قدر السجود ليكون ذلك أجمع للهم والأقوياء منهم كانوا يحضرون المساجد ويغضون البصر ولا يجاوزون به موضع السجود ويرون كمال الصلاة في أن لا يعرفوا من على يمينهم وشمالهم وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يدع في موضع الصلاة مصحفا ولا سيفا إلا نزعه ولا كتابا إلا محاه وأما الأسباب الباطنة فهي أشد فإن من تشعبت به الهموم في أودية الدنيا لا ينحصر فكره في فن واحد بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب وغض البصر لا يغنيه فإن ما وقع في القلب من قبل كاف للشغل فهذا طريقة أن يرد النفس قهرا إلى فهم ما يقرؤه في الصلاة ويشغلها به عن غيره ويعينه على ذلك أن يستعد له قبل التحريم بأن يحدد على نفسه ذكر الآخرة وموقف المناجاة وخطر المقام بين يدي الله سبحانه وهو المطلع ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي شيبة إني نسيت أن أقول لك أن تخمر القدر الذي في البيت حديث إني نسيت أن أقول لك بخمر القربتين اللتين في البيت الحديث أخرجه أبو داود من حديث عثمان الحجبي وهو عثمان بن طلحة كما في مسند أحمد ووقع للمصنف أنه قال ذلك لعثمان بن أبي شيبة وهو وهم فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل الناس عن صلاتهم فهذا طريق تسكين الأفكار فإن كان لا يسكن هوائج أفكاره بهذا الدواء المسكن فلا ينجيه إلا المسهل الذي يقمع مادة الداء من أعماق العروق وهو أن ينظر في الأمور الصارفة الشاغلة عن إحضار القلب ولا شك أنها تعود إلى مهماته وأنها إنما صارت مهمات لشهواته فيعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات وقطع تلك العلائق فكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دينه وجند إبليس عدوه فإمساكه أضر عليه من إخراجه فيتخلص منه بإخراجه كما روى أنه صلى الله عليه وسلم لما لبس الخميصة التي أتاه بها أبو جهم وعليها علم وصلى بها نزعها بعد صلاته وقال صلى الله عليه وسلم اذهبوا بها إلى أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي وائتوني بأنبجانية أبي جهم حديث نزع الخميصة وقال ائتوني بأنبجانية أبي جهم متفق عليه من حديث عائشة وقد تقدم في العلم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجديد شراك نعله ثم نظر إليه في صلاته إذ كان جديدا فأمر أن ينزع منها ويرد الشراك الخلق حديث أمره بنزع الشراك الجديد ورد الشراك الخلق إذ نظر إليه في صلاته أخرجه ابن المبارك في الزهد من حديث أبي النضر مرسلا بإسناد صحيح وكان صلى الله عليه وسلم قد احتذى نعلا فأعجبه حسنها فسجد وقال تواضعت لربي عز وجل كي لا يمقتني ثم خرج بها فدفعها إلى أول سائل لقيه ثم أمر عليا رضي الله عنه أن يشتري له نعلين سبتيتين جرداوين فلبسهما حديث احتذى نعلا فأعجبه حسنها فسجد وقال تواضعت لربي الحديث أخرجه أبو عبد الله ابن حقيق في شرف الفقراء من حديث عائشة بإسناد ضعيف وكان صلى الله عليه وسلم في يده خاتم من ذهب قبل التحريم وكان على المنبر فرماه وقال شغلني هذا نظرة إليه ونظرة إليكم حديث رميه بالخاتم الذهب من يده وقال شغلني هذا نظرة إليه ونظرة إليكم أخرجه النسائي من حديث ابن عباس بإسناد صحيح وليس فيه بيان أن الخاتم كان ذهبا ولا فضة إنما هو مطلق وروى أن أبا طلحة صلى في حائط وفيه شجر فأعجبه دبسي طار في الشجر يلتمس مخرجا فأتبعه بصره ساعة ثم لم يدركم صلى فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصابه من الفتنة ثم قال يا رسول الله هو صدقة فضعه حيث شئت حديث إن أبا طلحة صلى في حائط له فيه شجر فأعجبه ريش طائر في الشجر الحديث أخرجه في سهوه في الصلاة وتصدقه بالحائط مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا طلحة الأنصاري فذكره بنحوه وعن رجل آخر أنه صلى في حائط له والنخل مطوقة بثمرها فنظر إليها فأعجبته ولم يدر كم صلى فذكر ذلك لعثمان رضي الله عنه وقال هو صدقة فاجعله في سبيل الله عز وجلفباعه عثمان بخمسين ألفا فكانوا يفعلون ذلك قطعا لمادة الفكر وكفارة لما جرى من نقصان الصلاة وهذا هو الدواء القاطع لمادة العلة ولا يغني غيره فأما ما ذكرناه من التلطف بالتسكين والرد إلى فهم الذكر فذلك ينفع في الشهوات الضعيفة والهمم التي لا تشغل إلا حواشي القلب فأما الشهوة القوية المرهقة فلا ينفع فيها التسكين بل لا تزال تجاذبها وتجاذبك ثم تغلبك وتنقضي جميع صلاتك في شغل المجاذبة ومثاله رجل تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره وكانت أصوات العصافير تشوش عليه فلم يزل يطيرها بخشبة في يده ويعود إلى فكره فتعود العصافير فيعود إلى التنفير بالخشبة فقيل له إن هذا أسير السواني ولا ينقطع فإن أردت الخلاص فاقطع الشجرة فكذلك شجرة الشهوات إذا تشعبت وتفرعت أغصانها انجذبت إليها الأفكار انجذاب العصافير إلى الأشجار وانجذاب الذباب إلى الأقذار والشغل يطول في دفعها فإن الذباب كلما ذب آب ولأجله سمي ذبابا فكذلك الخواطر وهذه الشهوات كثيرة وقلما يخلو العبد عنها ويجمعها أصل واحد وهو حب الدنيا وذلك رأس كل خطيئة وأساس كل نقصان ومنبع كل فساد ومن انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال إلى شيء منها لا ليتزود منها ولا ليستعين بها على الآخرة فلا يطمعن في أن تصفو له لذة المناجاة في الصلاة فإن من فرح بالدنيا لا يفرح بالله سبحانه وبمناجاته وهمة الرجل مع قرة عينه فإن كانت قرة عينه في الدنيا انصرف لا محالة إليها همه ولكن مع هذا فلا ينبغي أن يترك المجاهدة ورد القلب إلى الصلاة وتقليل الأسباب الشاغلة فهذا هو الدواء المر ولمرارته استبشعته الطباع وبقيت العلة مزمنة وصار الداء عضالا حتى إن الأكابر اجتهدوا أن يصلوا ركعتين لا يحدثوا أنفسهم فيها بأمور الدنيا فعجزوا عن ذلك فإذن لا مطمع فيه لأمثالنا وليته سلم لنا من الصلاة شطرها أو ثلثها من الوسواس لنكون ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا وعلى الجملة فهمة الدنيا وهمة الآخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح مملوء بخل فبقدر ما ندخل فيه من الماء يخرج منه من الخل لا محالة ولا يجتمعان بيان تفصيل ما ينبغي أن يحضر في القلب عند كل ركن وشرط من أعمال الصلاة فنقول حقك إن كنت من المريدين للآخرة أن لا تغفل أولا عن التنبيهات التي في شروط الصلاة وأركانها أما الشروط السوابق فهي الأذان والطهارة وستر العورة واستقبال القبلة والانتصاب قائما والنية فإذا سمعت نداء المؤذن فأحضر في قلبك هول النداء يوم القيامة وتشمر بظاهرك وباطنك للإجابة والمسارعة فإن المسارعين إلى هذا النداء هم الذين ينادون باللطف يوم العرض الأكبر فاعرض قلبك على هذا النداء فإن وجدته مملوءا بالفرح والاستبشار مشحونا بالرغبة إلى الابتدار فاعلم أنه يأتيك النداء بالبشرى والفوز يوم القضاء ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أرحنا يا بلال حديث بها أرحنا يا بلال أخرجه الدارقطني في العلل من حديث بلال ولأبي داود نحوه من حديث رجل من الصحابة لم يسم بإسناد صحيح أي أرحنا بها وبالنداء إليها إذ كان قرة عينه فيها صلى الله عليه وسلم وأما الطهارة فإذا أتيت بها في مكانك وهو ظرفك الأبعد ثم في ثيابك وهي غلافك الأقرب ثم في بشرتك وهي قشرك الأدنى فلا تغفل عن لبك الذي هو ذاتك وهو قلبك فاجتهد له تطهيرا بالتوبة والندم على ما فرطت وتصميم العزم على الترك في المستقبل فطهر بها باطنك فإنه موضع نظر معبودك وأما ستر العورة فاعلم أن معناه تغطية مقابح بدنك عن أبصار الخلق فإن ظاهر بدنك مرتع لنظر الخلق فما بالك في عورات باطنك وفضائح سرائرك التي لا يطلع عليها إلا ربك عز وجل فاحضر تلك الفضائح ببالك وطالب نفسك بسترها وتحقق أنه لا يستر عن عين الله سبحانهساتر وإنما يغفرها الندم والحياء والخوف فتستفيد بإحضارها في قلبك انبعاث جنود الخوف والحياء من مكامنهما فتدل بها بنفسك ويستكين تحت الخجلة قلبك وتقوم بين يدي الله عز وجل قيام العبد المجرم المسيء الآبق الذي ندم فرجع إلى مولاه ناكسا رأسه من الحياء والخوف وأما الاستقبال فهو صرف ظاهر وجهك عن سائر الجهات إلى جهة بيت الله تعالى أفترى أن صرف القلب عن سائر الأمور إلى الله عز وجل ليس مطلوبا منك هيهات فلا مطلوب سواه وإنما هذه الظواهر تحريكات للبواطن وضبط للجوارح وتسكين لها بالإثبات في جهة واحدة حتى لا تبغي على القلب فإنها إذا بغت وظلمت في حركاتها والتفاتها إلى جهاتها استتبعت القلب وانقلبت به عن وجه الله عز وجل فليكن وجه قلبك مع وجه بدنك فاعلم أنه كما لا يتوجه الوجه إلى جهة البيت إلا بالانصراف عن غيرها فلا ينصرف القلب إلى الله عز وجل إلا بالتفرغ عما سواه وقد قال صلى الله عليه وسلم إذا قام العبد إلى صلاته فكان هواه ووجهه وقلبه إلى الله عز وجل انصرف كيوم ولدته أمه حديث إذا قام العبد إلى صلاته وكان وجهه وهواه إلى الله انصرف كيوم ولدته أمه لم أجده وأما الاعتدال قائما فإنما هو مثول بالشخص والقلب بين يدي الله عز وجل فليكن رأسك الذي هو أرفع أعضائك مطرقا مطأطئا متنكسا وليكن وضع الرأس عن ارتفاعه تنبيها على إلزام القلب التواضع والتذلل والتبري عن الترؤس والتكبر وليكن على ذكرك ههنا خطر القيام بين يدي الله عز وجل في هول المطلع عند العرض للسؤال واعلم في الحال أنك قائم بين يدي الله عز وجل وهو مطلع عليك فقم بين يديه قيامك بين يدي بعض ملوك الزمان إن كنت تعجز عن معرفة كنه جلاله بل قدر في دوام قيامك في صلاتك أنك ملحوظ ومرقوب بعين كالئة من رجل صالح من أهلك أو ممن ترغب في أن يعرفك بالصلاح فإنه تهدأ عند ذلك أطرافك وتخشع جوارحك وتسكن جميع أجزائك خيفة أن ينسبك ذلك العاجز المسكين إلى قلة الخشوع وإذا أحسست من نفسك بالتماسك عند ملاحظة عبد مسكين فعاتب نفسك وقل لها إنك تدعين معرفة الله وحبه أفلا تستحين من استجرائك عليه مع توقيرك عبدا من عباده أو تخشين الناس ولا تخشينه وهو أحق أن يخشى ولذلك لما قال أبو هريرة كيف الحياء من الله فقال صلى الله عليه وسلم تستحي منه كما تستحي من الرجل الصالح من قومك حديث قال أبو هريرة كيف الحياء من الله قال تستحي منه كما تستحي من الرجل الصالح من قومك أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي في الشعب من حديث سعيد بن زيد مرسلا بنحوه وأرسله البيهقي بزيادة ابن عمر في السند وفي العلل الدارقطني عن ابن عمر له وقال إنه أشبه شيء بالصواب لوروده من حديث سعيد بن زيد أحد العشرة وروي من أهلك وأما النية فاعزم على إجابة الله عز وجل في امتثال أمره بالصلاة وإتمامها والكف عن نواقضها ومفسداتها وإخلاص جميع ذلك لوجه الله سبحانه رجاء لثوابه وخوفا من عقابه وطلبا للقربة منه متقلدا للمنة منه بإذنه إياك في المناجاة مع سوء أدبك وكثرة عصيانك وعظم في نفسك قدر مناجاته وانظر من تناجي وكيف تناجي وبماذا تناجي وعند هذا ينبغي أن يعرق جبينك من الخجل وترتعد فرائصك من الهيبة ويصفر وجهك من الخوف وأما التكبير فإذا نطق به لسانك فينبغي أن لا يكذبه قلبك فإن كان في قلبك شيء هو أكبر من الله سبحانه فالله يشهد إنك لكاذب وإن كان الكلام صدقا كما شهد على المنافقين في قولهم إنه صلى الله عليه وسلم رسول الله فإن كان هواك أغلب عليك من أمر الله عز وجل فأنت أطوع له منك لله تعالى فقد اتخذته إلهك وكبرته فيوشك أن يكون قولك الله أكبر كلاما باللسان المجرد وقد تخلف القلب عن مساعدته وما أعظم الخطر في ذلك لولا التوبة والاستغفار وحسن الظن بكرم الله تعالى وعفوه وأما دعاء الاستفتاح فأول كلماته قولك وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض وليس المراد بالوجه الوجه الظاهر فإنك إنما وجهته إلى جهة القبلة والله سبحانه يتقدسعن أن تحده الجهات حتى تقبل بوجه بدنك عليه وإنما وجه القلب هو الذي تتوجه به إلى فاطر السماوات والأرض فانظر إليه أمتوجه هو إلى أمانيه وهمه في البيت والسوق ومتبع للشهوات أو مقبل على فاطر السموات وإياك أن تكون أول مفاتحتك للمناجاة بالكذب والاختلاق ولن ينصرف الوجه إلى الله تعالى إلا بانصرافه عما سواه فاجتهد في الحال في صرفه إليه وإن عجزت عنه على الدوام فليكن قولك في الحال صادقا وإذا قلت حنيفا مسلما فينبغي أن يخطر ببالك أن المسلم هو الذي سلم المسلمون من لسانه ويده فإن لم تكن كذلك كنت كاذبا فاجتهد في أن تعزم عليه في الاستقبال وتندم على ما سبق من الأحوال وإذا قلت وما أنا من المشركين فأخطر ببالك الشرك الخفي فإن قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا نزل فيمن يقصد بعبادته وجه الله وحمد الناس وكن حذرا مشفقا من هذا الشرك واستشعر الخجلة في قلبك إن وصفت نفسك بأنك لست من المشركين من غير براءة عن هذا الشرك فإن اسم الشرك يقع على القليل والكثير منه وإذا قلت محياي ومماتي لله فاعلم أن هذا حال عبد مفقود لنفسه موجود لسيده وأنه إن صدر ممن رضاه وغضبه وقيامه وقعوده ورغبته في الحياة ورهبته من الموت لأمور الدنيا لم يكن ملائما للحال وإذا قلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فاعلم أنه عدوك ومترصد لصرف قلبك عن الله عز وجل حسدا لك على مناجاتك مع الله عز وجل وسجودك له مع أنه لعن بسبب سجدة واحدة تركها ولم يوفق لها وأن استعاذتك بالله سبحانه منه بترك ما يحبه وتبديله بما يحب الله عز وجل لا بمجرد قولك فإن من قصده سبع أو عدو ليفترسه أو يقتله فقال أعوذ منك بذلك الحصن الحصين وهو ثابت على مكانه فإن ذلك لا ينفعه بل لا يعيذه إلا تبديل المكان فكذلك من يتبع الشهوات التي هي محاب الشيطان ومكاره الرحمن فلا يغنيه مجرد القول فليقترن قوله بالعزم على التعوذ بحصن الله عز وجل عن شر الشيطان وحصنه لا إله إلا الله إذ قال عز وجل فيما أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي حديث قال الله تعالى لا إله إلا الله حصني أخرجه الحاكم في التاريخ وأبو نعيم في الحلية من طريق أهل البيت من حديث علي بإسناد ضعيف جدا وقول أبي منصور الديلمي إنه حديث ثابت مردود عليه والمتحصن به لا معبود له سوى الله سبحانه فأما من اتخذ إلهه هواه فهو في ميدان الشيطان لا في حصن الله عز وجل واعلم أن من مكايده أن يشغلك في صلاتك بذكر الآخرة وتدبير فعل الخيرات ليمنعك عن فهم ما تقرأ فاعلم أن كل ما يشغلك عن فهم معاني قراءتك فهو وسواس فإن حركة اللسان غير مقصودة بل المقصود معانيها فأما القراءة فالناس فيها ثلاثة رجل يتحرك لسانه وقلبه غافل ورجل يتحرك لسانه وقلبه يتبع اللسان فيفهم ويسمع منه كأنه يسمعه من غيره وهي درجات أصحاب اليمين ورجل يسبق قلبه إلى المعاني أولا ثم يخدم اللسان القلب فيترجمه ففرق بين أن يكون اللسان ترجمان القلب أو يكون معلم القلب والمقربون لسانهم ترجمان يتبع القلب ولا يتبعه القلب وتفصيل ترجمة المعاني أنك إذا قلت بسم الله الرحمن الرحيم فانو به التبرك لابتداء القراءة لكلام الله سبحانه وافهم أن الأمور كلها بالله سبحانه وأن المراد بالاسم ههنا هو المسمى وإذا كانت الأمور بالله سبحانه فلا جرم كان الحمد لله ومعناه أن الشكر لله إذ النعم من الله ومن يرى من غير الله نعمة أو يقصد غير الله سبحانه بشكر لا من حيث إنه مسخر من الله عز وجل ففي تسميته وتحميده نقصان بقدر التفاته إلى غير الله تعالى فإذا قلت الرحمن الرحيم فأحضر في قلبك جميع أنواع لطفه لتتضح لك رحمته فينبعث بها رجاؤك ثم استثر من قلبك التعظيم والخوف بقولك مالك يوم الدين أما العظمة فلأنه لا ملك إلا لهوأما الخوف فلهول يوم الجزاء والحساب الذي هو مالكه ثم جدد الإخلاص بقولك إياك نعبد وجدد العجز والاحتياج والتبري من الحول والقوة بقولك وإياك نستعين وتحقق أنه ما تيسرت طاعتك إلا بإعانته وأن له المنة إذ وفقك لطاعته واستخدمك لعبادته وجعلك أهلا لمناجاته ولو حرمك التوفيق لكنت من المطرودين مع الشيطان اللعين ثم إذا فرغت من التعوذ ومن قولك بسم الله الرحمن الرحيم ومن التحميد ومن إظهار الحاجة إلى الإعانة مطلقا فعين سؤالك ولا تطلب إلا أهم حاجاتك وقل إهدنا الصراط المستقيم الذي يسوقنا إلى جوارك ويفضي بنا إلى مرضاتك وزده شرحا وتفصيلا وتأكيدا واستشهادا بالذين أفاض عليهم نعمة الهداية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين دون الذين غضب عليهم من الكفار والزائغين من اليهود والنصارى والصابئين ثم التمس الإجابة وقل آمين فإذا تلوت الفاتحة كذلك فيشبه أن تكون من الذين قال الله تعالى فيهم فيما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل حديث قسمت الصلاة بيني وبينعبدي نصفين الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة يقول العبد الحمد لله رب العالمين فيقول الله عز وجل حمدني عبدي وأثنى علي وهو معنى قوله سمع الله لمن حمده الحديث الخ فلو لم يكن لك من صلاتك حظ سوى ذكر الله لك في جلاله وعظمته فناهيك بذلك غنيمة فكيف بما ترجوه من ثوابه وفضله وكذلك ينبغي أن تفهم ما تقرؤه من السور كما سيأتي في كتاب تلاوة القرآن فلا تغفل عن أمره ونهيه ووعده ووعيده ومواعظه وأخبار أنبيائه وذكر مننه وإحسانه ولكل واحد حق فالرجاء حق الوعد والخوف حق الوعيد والعزم حق الأمر والنهي والاتعاظ حق الموعظة والشكر حق ذكر المنة والاعتبار حق إخبار الأنبياء وروي أن زرارة بن أوفى لما انتهى إلى قوله تعالى فإذا نقر في الناقور خر ميتا وكان إبراهيم النخعي إذا سمع قوله تعالى إذا السماء انشقت اضطرب حتى تضطرب أوصاله وقال عبد الله بن واقد رأيت ابن عمر يصلي مغلوبا عليه وحق له أن يحترق قلبه بوعد سيده ووعيده فإنه عبد مذنب ذليل بين يدي جبار قاهر وتكون هذه المعاني بحسب درجات الفهم ويكون الفهم بحسب وفور العلم وصفاء القلب ودرجات ذلك لا تنحصر والصلاة مفتاح القلوب فيها تنكشف أسرار الكلمات فهذا حق القراءة وهو حق الأذكار والتسبيحات أيضا ثم يراعى الهيبة في ا لقراءة فيرتل ولا يسرد فإن ذلك أيسر للتأمل ويفرق بين نغماته في آية الرحمة والعذاب والوعد والوعيد والتحميد والتعظيم والتمجيد كان النخعي إذا مر بمثل قوله عز وجل ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله يخفض صوته كالمستحيي عن أن يذكره بكل شيء لا يليق به وروي أنه يقال لقارىء القرآن إقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا حديث يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن عمر وقال الترمذي حسن صحيح وأما دوام القيام فإنه تنبيه على إقامة القلب مع الله عز وجل على نعت واحد من الحضور قال صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل مقبل على المصلي ما لم يلتفت إن الله يقبل على المصلي ما لم يلتفت أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصحح إسناده أبي ذر وكما تجب حراسة الرأس والعين عن الالتفات إلى الجهات فكذلك تجب حراسة السر عن الالتفات إلى غير الصلاة فإذا التفت إلى غيره فذكره باطلاع الله عليه وبقبح التهاون بالمناجي عند غفلة المناجي ليعود إليه وألزم لخشوع القلب فإن الخلاص عن الالتفات باطنا وظاهرا ثمرة الخشوع ومهما خشع الباطن خشع الظاهر قال صلى الله عليه وسلم وقد رأى رجلا مصليا يعبث بلحيته أما هذالو خشع قلبه لخشعت جوارحه فإن الرعية بحكم الراعي ولهذا ورد في الدعاء اللهم أصلح الراعي والرعية حديث اللهم أصلح الراعي والرعية لم أقف له على أصل فسره المصنف بالقلب والجوارح وهو القلب والجوارح وكان الصديق رضي الله عنه في صلاته كأنه وتد وابن الزبير رضي الله عنه كأنه عود وبعضهم كان يسكن في ركوعه بحيث تقع العصافير عليه كأنه جماد وكل ذلك يقتضيه الطبع بين يدي من يعظم من أبناء الدنيا فكيف لا يتقاضاه بين يدي ملك الملوك عند من يعرف ملك الملوك وكل من يطمئن بين يدي غير الله عز وجل خاشعا وتضطرب أطرافه بين يدي الله عابثا فذلك لقصور معرفته عن جلال الله عز وجل وعن اطلاعه على سره وضميره وقال عكرمة في قوله عز وجل الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين قال قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه وأما الركوع والسجود فينبغي أن تجدد عندهما ذكر كبرياء الله سبحانه وترفع يديك مستجيرا بعفو الله عز وجل من عقابه بتجديد نية ومتبعا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثم تستأنف له ذلا وتواضعا بركوعك وتجتهد في ترقيق قلبك وتجديد خشوعك وتستشعر ذلك وعز مولاك واتضاعك وعلو ربك وتستعين على تقرير ذلك في قلبك بلسانك فتسبح ربك وتشهد له بالعظمة وأنه أعظم من كل عظيم وتكرر ذلك على قلبك لتؤكده بالتكرار ثم ترتفع من ركوعك راجيا أنه راحم لك ومؤكدا للرجاء في نفسك بقولك سمع الله لمن حمده أي أجاب لمن شكره ثم تردف ذلك الشكر المتقاضي للمزيد فتقول ربنا لك الحمد وتكثر الحمد بقولك ملء السموات وملء الأرض ثم تهوى إلى السجود وهو أعلى درجات الاستكانة فتمكن أعز أعضائك وهو الوجه من أذل الأشياء وهو التراب وإن أمكنك أن لا تجعل بينهما حائلا فتسجد على الأرض فافعل فإنه أجلب للخشوع وأدل على الذل وإذا وضعت نفسك موضع الذل فاعلم أنك وضعتها موضعها ورددت الفرع إلى أصله فإنك من التراب خلقت وإليه تعود فعند هذا جدد على قلبك عظمة الله وقل سبحان ربي الأعلى وأكده بالتكرار فإن الكرة الواحدة ضعيفة الأثر فإذا رق قلبك وظهر ذلك فلتصدق رجاءك في رحمة الله فإن رحمته تتسارع إلى الضعف والذل لا إلى التكبر والبطر فارفع رأسك مكبرا وسائلا حاجتك وقائلا رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم أو ما أردت من الدعاء ثم أكد التواضع بالتكرار فعد إلى السجود ثانيا كذلك وأما التشهد فإذا جلست له فاجلس متأدبا وصرح بأن جميع ما تدلي به من الصلوات والطيبات أي من الأخلاق الطاهرة لله وكذلك الملك لله وهو معنى التحيات وأحضر في قلبك النبي صلى الله عليه وسلم وشخصه الكريم وقل سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وليصدق أملك في أنه يبلغه ويرد عليك ما هو أوفى منه ثم تسلم على نفسك وعلى جميع عباد الله الصالحين ثم تأمل أن يرد الله سبحانه عليك سلاما وافيا بعدد عباده الصالحين ثم تشهد له تعالى بالوحدانية ولمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة مجددا عهد الله سبحانه بإعادة كلمتي الشهادة ومستأنفا للتحصن بها ثم ادع في آخر صلاتك بالدعاء المأثور مع التواضع والخشوع والضراعة والابتهال وصدق الرجاء بالإجابة وأشرك في دعائك أبويك وسائر المؤمنين واقصد عند التسليم السلام على الملائكة والحاضرين وانو ختم الصلاة به واستشعر شكر الله سبحانه على توفيقه لإتمام هذه الطاعة وتوهم أنك مودع لصلاتك هذه وأنك ربما لا تعيش لمثلها وقال صلى الله عليه وسلم للذي أوصاه صل صلاة مودع ثم أشعر قلبك الوجل والحياء من التقصير في ا الصلاة وخف أن لا تقبل صلاتك وأن تكون ممقوتا بذنب ظاهر أو باطن فترد صلاتك في وجهك وترجو مع ذلك أن يقلبها بكرمه وفضله كان يحيى بن وثاب إذا صلى مكث ما شاء الله تعرف عليه كآبة الصلاةوكان إبراهيم يمكث بعد الصلاة ساعة كأنه مريض فهذا تفصيل صلاة الخاشعين الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم على صلواتهم يحافظون والذين هم على صلاتهم دائمون والذين هم يناجون الله على قدر استطاعتهم في العبودية فليعرض الإنسان نفسه على هذه الصلاة فبالقدر الذي يسر له منه ينبغي أن يفرح وعلى ما يفوته ينبغي أن يتحسر وفي مداراة ذلك ينبغي أن يجتهد وأما صلاة الغافلين فهي مخطرة إلا أن يتغمده الله برحمته والرحمة واسعة والكرم فائض فنسأل الله أن يتغمدنا برحمته ويغمرنا بمغفرته إذ لا وسيلة لنا إلا الاعتراف بالعجز عن القيام بطاعته واعلم أن تخليص الصلاة عن الآفات وإخلاصها لوجه الله عز وجل وأداءها بالشروط الباطنة التي ذكرناها من الخشوع والتعظيم والحياء سبب لحصول أنوار في القلب تكون تلك الأنوار مفاتيح علوم المكاشفة فأولياء الله المكاشفون بملكوت السموات والأرض وأسرار الربوبية إنما يكاشفون في الصلاة لا سيما في السجود إذ يتقرب العبد من ربه عز وجل بالسجود ولذلك قال تعالى واسجد واقترب وإنما تكون مكاشفة كل مصل على قدر صفائه عن كدورات الدنيا ويختلف ذلك بالقوة والضعف والقلة والكثرة وبالجلاء والخفاء حتى ينكشف لبعضهم الشيء بعينه وينكشف لبعضهم الشيء بمثاله كما كشف لبعضهم الدنيا في صورة جيفة والشيطان في صورة كلب جاثم عليها يدعو إليها ويختلف أيضا بما فيه المكاشفة فبعضهم ينكشف له من صفات الله تعالى وجلاله ولبعضهم من أفعاله ولبعضهم من دقائق علوم المعاملة ويكون لتعين تلك المعاني في كل وقت أسباب خفية لا تحصى وأشدها مناسبة الهمة فإنها إذا كانت مصروفة إلى شيء معين كان ذلك أولى بالانكشاف ولما كانت هذه الأمور لا تتراءى إلا في المرائي الصقيلة وكانت المرآة كلها صدئة فاحتجبت عنها الهداية لا لبخل من جهة المنعم بالهداية بل لخبث متراكم الصدأ على مصب الهداية تسارعت الألسنة إلى إنكار مثل ذلك إذ الطبع مجبول على إنكار غير الحاضر ولو كان للجنين عقل لأنكر إمكان وجود الإنسان في متسع الهواء ولو كان للطفل تمييز ما ربما أنكر ما يزعم العقلاء إدراكه من ملكوت السموات والأرض وهكذا الإنسان في كل طور يكاد ينكر ما بعده ومن أنكر طور الولاية لزمه أن ينكر طور النبوة وقد خلق الخلق أطوارا فلا ينبغي أن ينكر كل واحد ما وراء درجته نعم لما طلبوا هذا من المجادلة والمباحثة المشوشة ولم يطلبوها من تصفية القلوب عما سوى الله عز وجل فقدوه فأنكروه ومن لم يكن من أهل المكاشفة فلا أقل من أن يؤمن بالغيب ويصدق به إلى أن يشاهد بالتجربة ففي الخبر إن العبد إذا قام في الصلاة رفع الله سبحانه الحجاب بينه وبين عبده وواجهه بوجهه وقامت الملائكة من لدن منكبيه إلى الهواء بصلاته ويؤمنون على دعائه وإن المصلي لينثر عليه البر من عنان السماء إلى مفرق رأسه وينادي مناد لو علم هذا المناجي ما التفت وإن أبواب السماء تفتح للمصلين وإن الله عز وجل يباهي ملائكته بعبده المصلي حديث إن العبد إذا قام في الصلاة رفع الله الحجاب بينه وبين عبده الحديث لم أجده ففتح أبواب السماء ومواجهة الله تعالى إياه بوجهه كناية عن الكشف الذي ذكرناه وفي التوراة مكتوب يا ابن آدم لا تعجز أن تقوم بين يدي مصليا باكيا فأنا الله الذي اقتربت من قلبك وبالغيب رأيت نوري قال فكنا نرى أن تلك الرقة والبكاء والفتوح الذي يجده المصلي في قلبه من دنو الرب سبحانه من القلب وإذا لم يكن هذا الدنو هو القرب بالمكان فلا معنى له إلا الدنو بالهداية والرحمة وكشف الحجاب ويقال إن العبد إذا صلى ركعتين عجب منه عشرة صفوف من الملائكة كل صف منهم عشرة آلاف وباهى الله به مائة ألف ملك وذلك أن العبد قد جمع في الصلاة بين القيام والقعود والركوع والسجود وقد فرق الله ذلك على أربعين ألف ملك فالقائمونلا يركعون إلى يوم القيامة والساجدون لا يرفعون إلى يوم القيامة وهكذا الراكعون والقاعدون فإن ما رزق تعالى الملائكة من القرب والرتبة لازم مستمر على حال واحد لا يزيد ولا ينقص لذلك أخبر الله عنهم أنهم قالوا وما منا إلا له مقام معلوم وفارق الإنسان الملائكة في الترقي من درجة إلى درجة فإنه لا يزال يتقرب إلى الله تعالى فيستفيد مزيد قربه وباب المزيد مسدود على الملائكة عليهم السلام وليس لكل واحد إلا رتبته التي هي وقف عليه وعبادته التي هو مشغول بها لا ينتقل إلى غيرها ولا يفتر عنها لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون ومفتاح مزيد الدرجات هي الصلوات قال الله عز وجل قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون فمدحهم بعد الإيمان بصلاة مخصوصة وهي المقرونة بالخشوع ثم ختم أوصاف المفلحين بالصلاة أيضا فقال تعالى والذين هم على صلواتهم يحافظون ثم قال تعالى في ثمرة تلك الصفات أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون فوصفهم بالفلاح أولا وبوراثة الفردوس آخرا وما عندي أن هذرمة اللسان مع غفلة القلب تنتهي إلى هذا الحد ولذلك قال الله عز وجل في أضدادهم ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين فالمصلون هم ورثة الفردوس وهم المشاهدون لنور الله تعالى والمتمتعون بقربه ودنوه من قلوبهم نسأل الله أن يجعلنا منهم وأن يعيذنا من عقوبة من تزينت أقواله وقبحت أفعاله إنه الكريم المنان القديم الإحسان وصلى الله على كل عبد مصطفى حكايات وأخبار في صلاة الخاشعين رضي الله عنهم اعلم أن الخشوع ثمرة الإيمان ونتيجة اليقين الحاصل بجلال الله عز وجل ومن رزق ذلك فإنه يكون خاشعا في الصلاة وفي غير الصلاة بل في خلوته وفي بيت المال عند الحاجة فإن موجب الخشوع معرفته اطلاع الله تعالى على العبد ومعرفة جلاله ومعرفة تقصير العبد فمن هذه المعارف يتولد الخشوع وليست مختصة بالصلاة ولذلك روى عن بعضهم أنه لم يرفع رأسه إلى السماء أربعين سنة حياء من الله سبحانه وخشوعا له وكان الربيع بن خيثم من شدة غضه لبصره وإطراقه يظن بعض الناس أنه أعمى وكان يختلف إلى منزل ابن مسعود عشرين سنة فإذا رأته جاريته قالت لابن مسعود صديقك الأعمى قد جاء فكان يضحك ابن مسعود من قولها وكان إذا دق الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقا غاضا بصره وكان ابن مسعود إذا نظر إليه يقول وبشر المخبتين أما والله لو رآك محمد صلى الله عليه وسلم لفرح بك وفي لفظ آخر لأحبك وفي لفظ آخر لضحك ومشى ذات يوم مع ابن مسعود في الحدادين فلما نظر إلى الأكوار تنفخ وإلى النار تلتهب صعق وسقط مغشيا عليه وقعد ابن مسعود عند رأسه إلى وقت الصلاة فلم يفق فحمله على ظهره إلى منزله فلم يزل مغشيا عليه إلى مثل الساعة التي صعق فيها ففاتته خمس صلوات وابن مسعود عند رأسه يقول هذا والله هو الخوف وكان الربيع يقول ما دخلت في صلاة قط فأهمني فيها إلا ما أقول وما يقال لي وكان عامر بن عبد الله من خاشعي المصلين وكان إذا صلى ربما ضربت ابنته بالدف وتحدث النساء بما يردن في البيت ولم يكن يسمع ذلك ولا يعقله وقيل له ذات يوم هل تحدثك نفسك في الصلاة بشيء قال نعم بوقوفي بين يدي الله عز وجل ومنصرفي إحدى الدارين قيل فهل تجد شيئا مما نجد من أمور الدنيا فقال لأن تختلف الأسنة في أحب إلي من أن أجد في صلاتي ما تجدون وكان يقول لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا وقد كان مسلم بن يسار منهم وقد نقلنا أنه لم يشعر بسقوط اسطوانة في المسجد وهو في الصلاة وتآكل طرف من أطراف بعضهم واحتيج فيه إلى القطع فلم يمكن منه فقيل إنه في الصلاة لا يحس بما يجري عليه فقطع وهو في الصلاة وقال بعضهم الصلاة من الآخرة فإذا دخلت فيهاخرجت من الدنيا وقيل لآخر هل تحدث نفسك بشيء من الدنيا في الصلاة فقال لا في الصلاة ولا في غيرها وسئل بعضهم هل تذكر في الصلاة شيئا فقال وهل شيء أحب إلي من الصلاة فأذكره فيها وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول من فقه الرجل أن يبدأ بحاجته قبل دخوله في الصلاة ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ وكان بعضهم يخفف الصلاة خيفة الوسواس وروى أن عمار بن ياسر صلى صلاة فأخفها فقيل له خففت يا أبا اليقظان فقال هل رأيتموني نقصت من حدودها شيئا قالوا لا قال إني بادرت سهو الشيطان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له نصفها ولا ثلثها ولا ربعها ولا خمسها ولا سدسها ولا عشرها وكان يقول إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها حديث إن عمار بن ياسر صلى فأخفها فقيل له خففت يا أبا اليقظان الحديث وفيه إن العبد ليصلي صلاة لا يكتب له نصفها ولا ثلثها إلى آخره أخرجه أحمد بإسناد صحيح وتقدم المرفوع عنه وهو عند أبي داود والنسائي ويقال إن طلحة والزبير وطائفة من الصحابة رضي الله عنهم كانوا أخف الناس صلاة وقالوا نبادر بها وسوسة الشيطان وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال على المنبر إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل لله تعالى صلاة قيل وكيف ذلك قال لا يتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله عز وجل فيها وسئل أبو العالية عن قوله تعالى الذين هم عن صلاتهم ساهون قال هو الذي يسهو في صلاته فلا يدري على كم ينصرف أعلى شفع أم على وتر وقال الحسن هو الذي يسهو عن وقت الصلاة حتى تخرج وقال بعضهم هو الذي إن صلاها في أول الوقت لم يفرح وإن أخرها عن الوقت لم يحزن فلا يرى تعجيلها خيرا ولا تأخيرا إثما واعلم أن الصلاة قد يحسب بعضها ويكتب بعضها دون بعض كما دلت الأخبار عليه وإن كان الفقيه يقول إن الصلاة في الصحة لا تتجزأ ولكن ذلك له معنى آخر ذكرناه وهذا المعنى دلت عليه الأحاديث إذ ورد جبر نقصان الفرائض بالنوافل حديث جبر نقصان الفرائض بالنوافل رواه أصحاب السنن والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته وفيه فإن انتقص من فرضه شيئا قال الرب عز وجل انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما نقص من الفريضة وفي الخبر قال عيسى عليه السلام يقول الله تعالى بالفرائض نجا مني عبدي وبالنوافل تقرب إلي عبدي وقال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى لا ينجو مني عبدي إلا بأداء ما افترضته عليه حديث قال الله تعالى لا ينجو مني عبدي إلا بأداء ما افترضت عليه لم أجده وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فترك من قراءتها آية فلما انفتل قال ماذا قرأت فسكت القوم فسأل أبي بن كعب رضي الله عنه فقال قرأت سورة كذا وتركت آية كذا فما ندري أنسخت أم رفعت فقال أنت لها يا أبي ثم أقبل على الآخرين فقال ما بال أقوام يحضرون صلاتهم ويتمون صفوفهم ونبيهم بين أيديهم لا يدرون ما يتلو عليهم من كتاب ربهم ألا إن بني إسرائيل كذا فعلوا فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن قل لقومك تحضروني أبدانكم وتعطوني ألسنتكم وتغيبون عني بقلوبكم باطل ما تذهبون إليه حديث صلى صلاة فترك من قراءتها آية فلما التفت قال ماذا قرأت فسكت القوم فسأل أبي بن كعب الحديث رواه محمد بن نصر في كتاب الصلاة مرسلا وأبو منصور الديلمي من حديث أبي بن كعب ورواه النسائي مختصرا من حديث عبد الرحمن بن أبزى بإسناد صحيح وهذا يدل على أن استماع ما يقرأ الإمام وفهمه يدل على قراءة السور بنفسه وقال بعضهم إن الرجل يسجد السجدة عنده أنه تقرب بها إلى الله عز وجل ولو قسمت ذنوبه في سجدته على أهل مدينته لهلكوا قيل وكيف يكون ذلك قال يكون ساجدا عند الله وقلبه مصغ إلى هوى ومشاهد لباطل قد استولى عليه فهذه صفة الخاشعين فدلت هذه الحكايات والأخبار مع ما سبق على أن الأصل في الصلاة الخشوع وحضور القلب وأن مجرد الحركات مع الغفلة قليل الجدوى في المعاد والله أعلم نسأل الله حسن التوفيق 3
 الباب الرابع في الإمامة والقدوة وعلى الإمام وظائف قبل الصلاة وفي القراءة وفي أركان الصلاة وبعد السلام أما الوظائف التي هي قبل الصلاة فستة أولها أن لا يتقدم للإمامة على قوم يكرهونه فإن اختلفوا كان النظر إلى الأكثرين فإن كان الأقلون هم أهل الخير والدين فالنظر إليهم أولى وفي الحديث ثلاثة لا تجاوز صلاتهم رءوسهم العبد الآبق وامرأة زوجها ساخط عليها وإمام أم قوما وهم له كارهون حديث ثلاثة لا تجاوز صلاتهم رءوسهم العبد الآبق الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة وقال حسن غريب وضعفه البيهقي وكما ينهى عن تقدمه مع كراهيتهم فكذلك ينهى عن التقدمة إن كان وراء من هو أفقه منه إلا إذا امتنع من هو أولى منه فله التقدم فإن لم يكن شيء من ذلك فليتقدم مهما قدم وعرف من نفسه القيام بشروط الإمامة ويكره عند ذلك المدافعة فقد قيل إن قوما تدافعوا الإمامة بعد إقامة الصلاة فخسف بهم وما روى من مدافعة الإمامة بين الصحابة رضي الله عنهم فسببه إيثارهم من رأوه أنه أولى بذلك أو خوفهم على أنفسهم السهو وخطر ضمان صلاتهم فإن الأئمة ضمناء وكأن من لم يتعود ذلك ربما يشتغل قلبه ويتشوش عليه الإخلاص في صلاته حياء من المقتدين لا سيما في جهره بالقراءة فكان لاحتراز من احترز أسباب من هذا الجنس الثانية إذا خير المرء بين الأذان والإمامة فينبغي أن يختار الإمامة فإن لكل واحد منهما فضلا ولكن الجمع مكروه بل ينبغي أن يكون الإمام غير المؤذن وإذا تعذر الجمع فالإمامة أولى وقال قائلون الأذان أولى لما نقلناه من فضيلة الأذان ولقوله صلى الله عليه وسلم الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن حديث جبر الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة وحكي عن ابن المديني أنه لم يثبته ورواه أحمد من حديث أبي أمامة بإسناد حسن فقالوا فيها خطر الضمان وقال صلى الله عليه وسلم الإمام أمين فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا حديث الإمام أمين فإذا ركع فاركعوا الحديث أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة دون قوله الإمام أمين وهو بهذه الزيادة في مسند الحميري وهو متفق عليه من حديث أنس دون هذه الزيادة وفي الحديث فإن أتم فله ولهم وإن نقص فعليه لا عليهم حديث فإن أتم فله ولهم وإن انتقص فعليه ولا عليهم أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث عقبة بن عامر والبخاري من حديث أبي هريرة يصلون بكم فإن أصابوا فلكم وإن أخطئوا فلكم وعليهم ولأنه صلى الله عليه وسلم قال اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين حديث اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين هو بقية حديث الإمام ضامن وتقدم قبل بحديثين والمغفرة أولى بالطلب فإن الرشد يراد للمغفرة وفي الخبر من أم في مسجد سبع سنين وجبت له الجنة بلا حساب ومن أذن أربعين عاما دخل الجنة بغير حساب حديث من أذن في مسجد سبع سنين وجبت له الجنة ومن أذن أربعين عاما دخل الجنة بغير حساب أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس بالشطر الأول نحوه قال الترمذي حديث غريب ولذلك نقل عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يتدافعون الإمامة والصحيح أن الإمامة أفضل إذ واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما والأئمة بعدهم نعم فيها خطر الضمان والفضيلة مع الخطر كما أن رتبة الإمارة أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم ليوم من سلطان عادل أفضل من عبادة سبعين سنة حديث ليوم من سلطان عادل أفضل من عبادة سبعين سنة أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس بسند حسن بلفظ ستين ولكن فيها خطر ولذلك وجب تقديم الأفضلوالأفقه فقد قال صلى الله عليه وسلم أئمتكم شفعاؤكم أو قال وفدكم إلى الله فإن أردتم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم حديث أئمتكم وفدكم إلى الله تعالى فإن أردتم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم أخرجه الدارقطني والبيهقي وضعف إسناده من حديث ابن عمر والبغوي وابن قانع والطبراني في معاجمهم والحاكم من حديث مرثد بن أبي مرثد نحوه وهو منقطع وفيه يحيى بن يحيى الأسلمي وهو ضعيف وقال بعض السلف ليس بعد الأنبياء أفضل من العلماء ولا بعد العلماء أفضل من الأئمة المصلين لأن هؤلاء قاموا بين يدي الله عز وجل وبين خلقه هذا بالنبوة وهذا بالعلم وهذا بعماد الدين وهو الصلاة وبهذه الحجة احتج الصحابة في تقديم أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعنهم للخلافة إذ قالوا نظرنا فإذا الصلاة عماد الدين فاخترنا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا حديث تقديم الصحابة أبا بكر وقولهم اخترنا لدنيانا من اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أخرجه ابن شاهين في شرح مذهب أهل السنة من حديث علي قال لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس وإني شاهد ما أنا بغائب ولا بي مرض فرضينا لدنيانا ما رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا والمرفوع منه متفق عليه من حديث عائشة وأبي موسى في حديث قال مروا أبا بكر فليصل بالناس وما قدموا بلالا احتجاجا بأنه رضيه للأذان حديث تقديم الصحابة بلالا احتجاجا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضيه للأذان أما المرفوع منه فرواه أبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان من حديث عبد الله بن زيد في بدء الأذان وفيه قم مع بلال فألق عليه ما رأيت فيؤذن به الحديث وأما تقديمهم له بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فروى الطبراني أن بلالا جاء إلى أبي بكر فقال يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أردت أن أربط نفسي في سبيل الله حتى أموت فقال أبو بكر أنشدك بالله يا بلال وحرمتي وحقي لقد كبرت سني وضعفت قوتي واقترب أجلي فأقام بلال معه فلما توفي أبو بكر جاء عمر فقال له مثل ما قال لأبي بكر فأبى عليه فقال عمر فمن يا بلال فقال إلى سعد فإنه قد أذن بقباء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل عمر الأذان إلى سعد وعقبة وفي إسناده جهالة وما روي أنه قال له رجل يا رسول الله دلني على عمل أدخل به الجنة قال كن مؤذنا قال لا أستطيع قال كن إماما قال لا أستطيع قال صل بإزاء الإمام حديث قال له رجل يا رسول الله دلني على عمل أدخل به الجنة فقال كن مؤذنا الحديث أخرجه البخاري في التاريخ والعقيلي في الضعفاء والطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف فلعله ظن أنه لا يرضى بإمامته إذ الأذان إليه والإمامة إلى الجماعة وتقديمهم له ثم بعد ذلك توهم أنه ربما يقدر عليها الثالثة أن يراعي الإمام أوقات الصلوات فيصلي في أوائلها ليدرك رضوان الله سبحانه ففضل أول الوقت على آخره كفضل الآخرة على الدنيا حديث فضل أول الوقت على آخره كفضل الآخرة على الدنيا أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر بسند ضعيف هكذا روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث إن العبد ليصلي الصلاة في آخر وقتها ولم تفته ولما فاته من أول وقتها خير له من الدنيا وما فيها حديث إن العبد ليصلي الصلاة في آخر وقتها ولم تفته الحديث أخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة نحوه بإسناد ضعيف ولا ينبغي أن يؤخر الصلاة لانتظار كثرة الجماعة بل عليهم المبادرة لحيازة فضيلة أول الوقت فهي أفضل من كثرة الجماعة ومن تطويل السورة وقد قيل كانوا إذا حضر اثنان في الجماعة لم ينتظروا الثالث وإذا حضر أربعة في الجنازة لم ينتظروا الخامس وقد تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الفجر وكانوا في سفر وإنما تأخر للطهارة فلم ينتظر وقدم عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم حتى فاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة فقام يقضيها قال فأشفقنا من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أحسنتم هكذا فافعلوا حديث تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما عن صلاة الفجر وكان في سفر وإنما تأخر للطهارة فقدموا عبد الرحمن بن عوف الحديث متفق عليه من حديث المغيرة وقد تأخر في صلاة الظهر فقدموا أبا بكر رضي الله عنه حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فقام إلى جانبه حديث تأخر في صلاة الظهر فقدموا أبا بكر الحديث متفق عليه من حديث سهل بن سعد وليس على الإمام انتظار المؤذن وإنما على المؤذن انتظار الإمام للإقامة فإذا حضر فلا ينتظر غيره الرابعة أن يؤم مخلصا لله عز وجل ومؤديا أمانة الله تعالى في طهارته وجميع شروطصلاته أما الإخلاصفبأن لا يأخذ عليها أجرة فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص الثقفي وقال اتخذ مؤذنا لا يأخذ على الأذان أجرا حديث اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرة أخرجه أصحاب السنن والحاكم وصححه من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي فالأذان طريق إلى الصلاة فهي أولى بأن لا يؤخذ عليها أجر فإن أخذ رزقا من مسجد قد وقف على من يقوم بإمامته أو من السلطان أو آحاد الناس فلا يحكم بتحريمه ولكنه مكروه والكراهية في الفرائض أشد منها في التراويح وتكون أجرة له على مداومته على حضور الموضع ومراقبة مصالح المسجد في إقامة الجماعة لا على نفس الصلاة وأما الأمانة فهي الطهارة باطنا عن الفسق والكبائر والإصرار على الصغائر فالمترشح للإمامة ينبغي أن يحترز عن ذلك بجهده فإنه كالوفد والشفيع للقوم فينبغي أن يكون خير القوم وكذا الطهارة ظاهرا عن الحدث والخبث فإنه لا يطلع عليه سواه فإن تذكر في أثناء صلاته حدثا أو خرج منه ريح فلا ينبغي أن يستحي بل يأخذ بيد من يقرب منه ويستخلفه فقد تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنابة في أثناء الصلاة فاستخلف واغتسل ثم رجعودخل في الصلاة حديث تذكر النبي صلى الله عليه وسلم الجنابة في صلاته فاستخلف واغتسل ثم رجع أخرجه أبو داود من حديث أبي بكرة بإسناد صحيح وليس فيه ذكر الاستخلاف وإنما قال ثم أومأ إليهم أن مكانكم الحديث وورد الاستخلاف من فعل عمر وعلي وعند البخاري استخلاف عمر في قصة طعنه وقال سفيان صل خلف كل بر وفاجر إلا مدمن خمر أو معلن بالفسوق أو عاق لوالديه أو صاحب بدعة أو عبد آبق الخامسة أن لا يكبر حتى تستوي الصفوف فليلتفت يمينا وشمالا فإن رأى خللا أمر بالتسوية قيل كانوا يتحاذون بالمناكب ويتضامون بالكعاب ولا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة والمؤذن يؤخر الإقامة عن الأذان بقدر استعداد الناس في الصلاة ففي الخبر ليتمهل المؤذن بين الأذان والإقامة بقدر ما يفرغ الآكل من طعامه والمعتصر من اعتصاره حديث يمهل المؤذن بين الأذان والإقامة بقدر ما يفرغ الآكل من طعامه والمعتصر من اعتصاره أخرجه الترمذي والحاكم من حديث جابر يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته قال الترمذي إسناده مجهول وقال الحاكم ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن قايد قلت بل فيه عبد المنعم الدياجي منكر الحديث قاله البخاري وغيره وذلك لأنه نهى عن مدافعة الأخبثين حديث النهي عن مدافعة الأخبثين أخرجه مسلم من حديث عائشة بلفظ صلاة وللبيهقي لا يصلين أحدكم الحديث وأمر بتقديم العشاء على العشاء الأمر بتقديم العشاء على العشاء تقدم من حديث ابن عمر وعائشة إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء متفق عليه طلبا لفراغ القلب السادسة أن يرفع صوته بتكبيرة الإحرام وسائر التكبيرات ولا يرفع المأموم صوته إلا بقدر ما يسمع نفسه وينوي الإمامة لينال الفضل فإن لم ينو صحت صلاته وصلاة القوم إذا نووا الاقتداء ونالوا فضل القدوة وهو لا ينال فضل الإمامة وليؤخر المأموم تكبيره عن تكبيرة الإمام فيبتدىء بعد فراغه والله أعلم واما وظائف القراءة فثلاثة أولها أن يسر بدعاء الاستفتاح والتعوذ كالمنفرد ويجهر بالفاتحة والسورة بعدها في جميع الصبح وأوليي العشاء والمغرب وكذلك المنفرد ويجهر بقوله آمين في الصلاة الجهرية وكذا المأموم ويقرن المأموم تأمينه بتأمين الإمام معا لا تعقيبا حديث الجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم أخرجه الدارقطني والحاكم وصححه من حديث ابن عباس ويجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم والأخبار فيه متعارضة حديث ترك الجهر بها أخرجه مسلم من حديث أنس صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم وللنسائي يجهر له ببسم الله الرحمن الرحيم واختيار الشافعي رضي الله عنه الجهر الثانية أن يكون للإمام في القيام ثلاث سكتات حديث سمرة بن جندب وعمران بن حصين في سكتات الإمام رواه الإمام أحمد من حديث سمرة قال كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سكتات في صلاته وقال عمران أنا أحفظها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتبوا في ذلك إلى أبي بن كعب فكتب إن سمرة قد حفظ هكذا وجدته في غير نسخة صحيحة من المسند والمعروف أن عمران أنكر ذلك على سمرة هكذا في غير موضع من المسند رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان وروى الترمذي فأنكر ذلك عمران وقال حفظنا سكتة وقال حديث حسن انتهى وليس في حديث سمرة إلا سكتتان ولكن اختلف عنه في محل الثانية فروى عنه بعد الفاتحة وروى عنه بعد السورة وللدارقطني من حديث أبي هريرة وضعفه من صلى صلاة مكتوبة مع الإمام فليقرأ بفاتحة الكتاب في سكتاته هكذا رواه سمرة بن جندب وعمران بن الحصين عنرسول الله صلى الله عليه وسلم أولاهن إذا كبر وهي الطولى منهن مقدار ما يقرأ من خلفه فاتحة الكتاب وذلك وقت قراءته لدعاء الاستفتاح فإنه إن لم يسكت يفوتهم الاستماع فيكون عليه ما نقص من صلاتهم فإن لم يقرءوا الفاتحة في سكوته واشتغلوا بغيرها فذلك عليه لا عليهم السكتة الثانية إذا فرغ من الفاتحة ليتم من يقرأ الفاتحة في السكتة الأولى فاتحته وهي كنصف السكتة الأولى السكتة الثالثة إذا فرغ من السورة قبل أن يركع وهي أخفها وذلك بقدر ما تنفصل القراءة عن التكبير فقد نهى عن الوصل فيه ولا يقرأ المأموم وراء الإمام إلا الفاتحة فإن لم يسكت الإمام قرأ فاتحة الكتاب معه والمقصر هو الإمام وإن لم يسمع المأموم في الجهرية لبعده أو كان في السرية فلا بأس بقراءة السورة الوظيفة الثالثة أن يقرأ في الصبح سورتين من المثاني ما دون المائة فإن الإطالة في قراءة الفجر والتغليس بها سنة ولا يضره الخروج منها مع الإسفار ولا بأس بأن يقرأ في الثانية بأواخر السور نحو الثلاثين أو العشرين إلى أن يختمها لأن ذلك لا يتكرر على الأسماع كثيرا فيكون أبلغ في الوعظ وأدعى إلى التفكر وإنما كره بعض العلماء قراءة بعض أول السور وقطعها وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بعض سورة يونس فلما انتهى إلى ذكر موسى وفرعون قطع فركع حديث قرأ بعض سورة يونس فلما انتهى إلى ذكر موسى وفرعون قطع وركع أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن السائب وقال سورة المؤمنين وقال موسى وهارون وعلقه البخاري وروي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر آية من البقرة حديث قرأ في الفجر قولوا آمنا بالله الآية وفي الثانية ربنا آمنا بما أنزلت أخرجه مسلم من حديث ابن عباس كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منها قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا الآية التي في البقرة وفي الآخرة منها آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون رواه أبو داود من حديث أبي هريرة قل آمنا بالله وما أنزل علينا الآية وفي الركعة الآخرة ربنا آمنا بما أنزلت أو إنا أرسلناك بالحق وهي قوله قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وفي الثانية ربنا آمنا بما أنزلت وسمع بلالا يقرأ من ههنا وههنا فسأله عن ذلك فقال أخلط الطيب بالطيب فقال أحسنت حديث سمع بلالا يقرأ من ههنا ومن ههنا فسأله عن ذلك فقال أخلط الطيب بالطيب فقال أحسنت أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح نحوه ويقرأ في الظهر بطوال المفصل إلى ثلاثين آية وفي العصر بنصف ذلك وفي المغرب بأواخر المفصل وآخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب قرأ فيها سورة المرسلات ما صلى بعدها حتى قبض حديث قراءته في المغرب بالمرسلات وهي آخر صلاة صلاها متفق عليه من حديث أم الفضل وبالجملة التخفيف أولى لا سيما إذا كثر الجمع قال صلى الله عليه وسلم في هذه الرخصة إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء حديث إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد كان معاذ بن جبل يصلي بقوم العشاء فقرأ البقرة فخرج رجل من الصلاة وأتم لنفسه فقالوا نافق الرجل فتشاكيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزجر رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا فقال أفتان أنت يا معاذ اقرأ سورة سبح والسماء والطارق والشمس وضحاها حديث صلى معاذ بقوم العشاء فقرأ البقرة فخرج رجل من الصلاة الحديث متفق عليه من حديث جابر وليس فيه ذكر والسماء والطارق وهي عند البيهقي وأما وظائف الأركان فثلاثة أولها أن يخفف ا لركوع والسجود فلا يزيد في التسبيحات على ثلاث فقد روي عن أنس أنه قال ما رأيت أخف صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام حديث أنس ما رأيت أخف صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام متفق عليه نعم روي أيضا أن أنس بن مالك لما صلى خلف عمر بن عبد العزيز وكان أميرا بالمدينة قال ما صليت وراء أحد أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلممن هذا الشاب قال وكنا نسبح وراءه عشرا عشرا حديث أنس أنه صلى خلف عمر بن عبد العزيز فقال ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الشاب الحديث أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد جيد وضعفه ابن القطان وروى مجملا أنهم قالوا كنا نسبح وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود عشرا عشرا حديث كنا نسبح وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود عشرا لم أجد له أصلا في الحديث الذي قبله وفيه فخررنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات وذلك حسن ولكن الثلاث إذا كثر الجمع أحسن فإذا لم يحضر إلا المتجردون للدين فلا بأس بالعشر هذا وجه الجمع بين الروايات وينبغي أن يقول الإمام عند رفع رأسه من الركوع سمع الله لمن حمده الثانية في المأموم ينبغي أن لا يساوي الإمام في الركوع والسجود بل يتأخر فلا يهوى للسجود إلا إذا وصلت جبهة الإمام إلى المسجد هكذا كان اقتداء الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم حديث كان الصحابة لا يهوون للسجود إلا إذا وصلت جبهة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأرض متفق عليه من حديث البراء بن عازب ولا يهوي للركوع حتى يستوي الإمام راكعا وقد قيل إن الناس يخرجون من الصلاة على ثلاثة أقسام طائفة بخمس وعشرين صلاة وهم الذين يكبرون ويركعون بعد الإمام وطائفة بصلاة واحدة وهم الذين يساوونه وطائفة بلا صلاة وهم الذين يسابقون الإمام وقد اختلف في أن الإمام في الركوع هل ينتظر لحوق من يدخل لينال فضل الجماعة وإدراكهم لتلك الركعة ولعل الأولى أن ذلك مع الإخلاص لا بأس به إذا لم يظهر تفاوت ظاهر للحاضرين فإن حقهم مرعي في ترك التطويل عليهم الثالثة لا يزيد في دعاء التشهد على مقدار التشهد حذرا من التطويل ولا يخص نفسه في الدعاء بل يأتي بصيغة الجمع فيقول اللهم اغفر لنا ولا يقول اغفر لي فقد كره للإمام أن يخص نفسه ولا بأس أن يستعيذ في التشهد بالكلمات الخمس المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول نعوذ بك من عذاب جهنم وعذاب القبر ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين حديث التعوذ في التشهد من عذاب جهنم وعذاب القبر الحديث تقدم وزاد فيه الغزالي هنا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ولم أجده مقيدا بآخر الصلاة وللترمذي من حديث ابن عباس وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون روى الحاكم نحوه من حديث ثوبان وعبد الرحمن بن عايش وصححهما وسيأتي في الدعاء وقيل سمي مسيحا لأنه يمسح الأرض بطولها وقيل لأنه ممسوح العين أي مطموسها وأما وظائف التحلل فثلاثة أولها أن ينوي بالتسليمتين السلام على القوم والملائكة الثانية أن يثبت عقيب السلام كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما فيصلي النافلة في موضع آخر فإن كان خلفه نسوة لم يقم حتى ينصرفن حديث المكث بعد السلام أخرجه البخاري من حديث أم سلمة وفي الخبر المشهور أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقعد إلا قدر قوله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام حديث إنه لم يكن يقعد إلا بقدر قوله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام أخرجه مسلم من حديث عائشة الثالثة إذا وثب فينبغي أن يقبل بوجهه على الناس ويكره للمأموم القيام قبل انتقال الإمام فقد روى عن طلحة والزبير رضي الله عنهما أنهما صليا خلف إمام فلما سلما قالا للإمام ما أحسن صلاتك وأتمها إلا شيئا واحدا أنك لما سلمت لم تتفتل بوجهك ثم قالا للناس ما أحسن صلاتكم إلا أنكم انصرفتم قبل أن ينفتل إمامكم ثم ينصرف الإمام حيث شاء من يمينه وشماله واليمين أحب هذه وظيفة الصلوات وأما الصبح فزيد فيها القنوت فيقول اللهم اهدنا ولا يقول اللهم اهدني ويؤمن المأموم فإذا انتهى إلى قوله إنك تقضي ولا يقضى عليك فلا يليق به التأمين وهو ثناء فيقرأ معه فيقول مثل قوله أو يقول بلى وأنا على ذلك من الشاهدين أو صدقت وبررت وما أشبه ذلك وقد روى حديث في رفع اليدين في القنوت حديث رفع اليدين في القنوت أخرجه البيهقي من حديث أنس بسند جيد في قصة قتل القراء ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم فإذا صحالحديث استحب ذلك وإن كان على خلاف الدعوات في آخر التشهد إذ لا يرفع بسببها اليد بل التعويل على التوقيف وبينهما أيضا فرق أن للأيدي وظيفة في التشهد وهو الوضع على الفخذين على هيئة مخصوصة ولا وظيفة لهما ههنا فلا يبعد أن يكون رفع اليدين هو الوظيفة في القنوت فإنه لائق بالدعاء والله أعلم فهذه جمل آداب القدوة والإمامة والله الموفق الباب الخامس فضل الجمعة وآدابها وسننها وشروطها فضيلة الجمعة اعلم أن هذا يوم عظيم عظم الله به الإسلام وخصص به المسلمين قال الله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع فحرم الاشتغال بأمور الدنيا وبكل صارف عن السعي إلى الجمعة وقال صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل فرض عليكم الجمعة في يومي هذا في مقامي هذا حديث إن الله فرض عليكم الجمعة في يومي هذا الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث جابر بإسناد ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر طبع الله على قلبه حديث من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر طبع الله على قلبه أخرجه أحمد واللفظ له وأصحاب السنن ورواه الحاكم وصححه من حديث أبي الجعد الضمري وفي لفظ آخر فقد نبذ الإسلام وراء ظهره حديث من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر فقد نبذ الإسلام وراء ظهره أخرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس واختلف رجل إلى ابن عباس يسأله عن رجل مات لم يكن يشهد جمعة ولا جماعة فقال في النار فلم يزل يتردد إليه شهرا يسأله عن ذلك وهو يقول في النار وفي الخبر إن أهل الكتابين أعطوا يوم الجمعة فاختلفوا فيه فصرفوا عنه وهدانا الله تعالى له وأخره لهذه الأمة وجعله عيدا لهم فهم أولى الناس به سبقا وأهل الكتابين لهم تبع حديث إن أهل الكتابين أعطوا يوم الجمعة فاختلفوا فيه الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة بنحوه وفي حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أتاني جبريل عليه السلام في كفة مرآة بيضاء وقال هذه الجمعة يفرضها عليك ربك لتكون لك عيدا ولأمتك من بعدك قلت فما لنا فيها قال لكم فيها خير ساعة من دعا فيها بخير قسم له أعطاه الله سبحانه إياه أو ليس له قسم ذخر له ما هو أعظم منه أو تعوذ من شر مكتوب عليه إلا أعاذه الله عز وجل من أعظم منه وهو سيد الأيام عندنا ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد قلت ولم قال إن ربك عز وجل اتخذ في الجنة واديا أفيح من المسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة نزل تعالى من عليين على كرسيه فيتجلى لهم حتى ينظروا إلى وجهه الكريم حديث أنس أتاني جبريل في كفة مرآة بيضاء فقال هذه الجمعة الحديث أخرجه الشافعي في المسند والطبراني في الأوسط وابن مردويه في التفسير بأسانيد ضعيفة مع اختلاف وقال صلى الله عليه وسلم خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم عليه السلام وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط إلى الأرض وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وهو عند الله يوم المزيد كذلك تسميه الملائكة في السماء وهو يوم النظر إلى الله تعالى في الجنة حديث خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وفي الخبر إن لله عز وجل في كل جمعة ستمائة ألف عتيق من النار حديث إن لله في كل جمعة ستمائة ألف عتيق من النار أخرجه ابن عدي وابن حبان في الضعفاء وفي الشعب من حديث أنس قال الدارقطني في العلل والحديث غير ثابت وفي حديث أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلمقال إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام حديث أنس إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام أخرجه ابن حبان في الضعفاء وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب من حديث عائشة ولم أجده من حديث أنس وقال صلى الله عليه وسلم إن الجحيم تسعر في كل يوم قبل الزوال عند استواء الشمس في كبد السماء فلا تصلوا فى هذه الساعة إلا يوم الجمعة فإنه صلاة كله وإن جهنم لا تسعر فيه حديث إن الجحيم تسعر كل يوم قبل الزوال عند استواء الشمس إلى أن قال إلا يوم الجمعة الحديث أخرجه أبو داود من حديث أبي قتادة وأعله بالانقطاع وقال كعب إن الله عز وجل فضل من البلدان مكة ومن الشهور رمضان ومن الأيام الجمعة ومن الليالي ليلة القدر ويقال إن الطير والهوام يلقى بعضها بعضا في يوم الجمعة فتقول سلام سلام يوم صالح وقال صلى الله عليه وسلم من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة كتب الله له أجر شهيد ووقي فتنة القبر حديث من مات يوم الجمعة كتب الله له أجر شهيد ووقي فتنة القبر أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث جابر روى الزندي نحوه مختصرا من حديث عبد الله بن عمر وقال غريب ليس إسناده بمتصل قلت وصله الترمذي الحكيم في النوادر بيان شروط الجمعة اعلم أنها تشارك جميع الصلوات في الشروط وتتميز عنها بستة شروط الأول الوقت فإن وقعت تسليمة الإمام في وقت العصر فاتت الجمعة وعليه أن يتمها ظهرا أربعا والمسبوق إذا وقعت ركعته الأخيرة خارجا من الوقت ففيه خلاف الثاني المكان فلا تصح في الصحاري والبراري وبين الخيام بل لا بد من بقعة جامعة لأبنية لا تنقل يجمع أربعين ممن تلزمهم الجمعة والقرية فيه كالبلد ولا يشترط فيه حضور السلطان ولا إذنه ولكن الأحب استئذانه الثالث العدد فلا تنعقد بأقل من أربعين ذكورا مكلفين أحرارا مقيمين لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفا فإن انفضوا حتى نقص العدد إما في الخطبة أو في الصلاة لم تصح الجمعة بل لا بد منهم من الأول إلى الآخر الرابع الجماعة فلو صلى أربعون في قرية أو في بلد متفرقين لم تصح جمعتهم ولكن المسبوق إذا أدرك الركعة الثانية جاز له الانفراد بالركعة الثانية وإن لم يدرك ركوع الركعة الثانية اقتدى ونوى الظهر وإذا سلم الإمام تممها ظهرا الخامس أن لا تكون الجمعة مسبوقة بأخرى في ذلك البلد فإن تعذر اجتماعهم في جامع واحد جاز في جامعين وثلاثة وأربعة بقدر الحاجة وإن لم تكن حاجة فالصحيح الجمعة التي يقع بها التحريم أولا وإذا تحققت الحاجة فالأفضل الصلاة خلف الأفضل من الإمامين فإن تساويا فالمسجد الأقدم فإن تساويا ففي الأقرب ولكثرة الناس أيضا فضل يراعى السادس الخطبتان فهما فريضتان والقيام فيهما فريضة والجلسة بينهما فريضة وفي الأولى أربع فرائض التحميد وأقله الحمد لله والثانية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والثالثة الوصية بتقوى الله سبحانه وتعالى والرابعة قراءة آية من القرآن وكذا فرائض الثانية أربعة إلا أنه يجب فيها الدعاء بدل القراءة واستماع الخطبتين واجب من الأربعين وأما السنن فإذا زالت الشمس وأذن المؤذن وجلس الإمام على المنبر انقطعت الصلاة سوى التحية والكلام لا ينقطع إلا بافتتاح الخطبة ويسلم الخطيب على الناس إذا أقبل عليهم بوجهه ويردون عليه السلام فإذا فرغ المؤذن قام مقبلا على الناس بوجهه لا يلتفت يمينا ولا شمالا ويشغل يديه بقائم السيف أو العنزة والمنبر كي لا يعبث بهما أو يضع إحداهما على الأخرى ويخطب خطبتين بينهما جلسة خفيفة ولا يستعمل غريب اللغة ولا يمطط ولا يتغنى وتكون الخطبة قصيرة بليغة جامعة ويستحب أن يقرأ آية في الثانية أيضا ولا يسلم من دخل والخطيب يخطب فإن سلم لم يستحق جوابا والإشارة بالجواب حسن ولا يشمت العاطسين أيضا هذه شروط الصحة فأما شروط الوجوب فلا تجب الجمعة إلا على ذكر بالغ عاقل مسلم حر مقيم في قرية تشتمل على أربعين جامعينلهذه الصفات أو في قرية من سواد البلد يبلغها نداء البلد من طرف بابها والأصوات ساكنة والمؤذن رفيع الصوت لقوله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ويرخص لهؤلاء في ترك الجمعة لعذر المطر والوحل والفزع والمرض والتمريض إذا لم يكن للمريض قيم غيره ثم يستحب لهم أعني أصحاب الأعذار تأخير الظهر إلى أن يفرغ الناس من الجمعة فإن حضر الجمعة مريض أو مسافر أو عبد أو امرأة صحت جمعتهم وأجزأت عن الظهر والله أعلم بيان آداب الجمعة على ترتيب العادة وهي عشر جمل الأول أن يستعد لها يوم الخميس عزما عليها واستقبالا لفضلها فيشتغل بالدعاء والاستغفار والتسبيح بعد العصر يوم الخميس لأنها ساعة قوبلت بالساعة المبهمة في يوم الجمعة قال بعض السلف إن لله عز وجل فضلا سوى أرزاق العباد لا يعطى من ذلك الفضل إلا من سأله عشية الخميس ويوم الجمعة ويغسل في هذا اليوم ثيابه ويبيضها ويعد الطيب إن لم يكن عنده ويفرغ قلبه من الأشغال التي تمنعه من البكور إلى الجمعة وينوي في هذه الليلة صوم يوم الجمعة فإن له فضلا وليكن مضموما إلى يوم الخميس أو السبت لا مفردا فإنه مكروه ويشتغل بإحياء هذه الليلة بالصلاة وختم القرآن فلها فضل كثير وينسحب عليها فضل يوم الجمعة ويجامع أهله في هذه الليلة أو في يوم الجمعة فقد استحب ذلك قوم حملوا عليه قوله صلى الله عليه وسلم رحم الله من بكر وابتكر وغسل واغتسل حديث رحم الله من بكر وابتكر وغسل واغتسل الحديث رواه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم وصححه من حديث أوس بن أوس من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر الحديث وحسنه الترمذي وهو حمل الأهل على الغسل وقيل معناه غسل ثيابه فروي بالتخفيف واغتسل لجسده وبهذا تتم آداب الاستقبال ويخرج من زمرة الغافلين الذين إذا أصبحوا قالوا ما هذا اليوم قال بعض السلف أوفى الناس نصيبا من الجمعة من انتظرها ورعاها من الأمس وأخفهم نصيبا من إذا أصبح يقول أيش اليوم وكان بعضهم يبيت ليلة الجمعة في الجامع لأجلها الثاني إذا أصبح ابتدأ بالغسل بعد طلوع الفجر وإن كان لا يبكر فأقربه إلى الرواح أحب ليكون أقرب عهدا بالنظافة فالغسل مستحب استحبابا مؤكدا وذهب بعض العلماء إلى وجوبه قال صلى الله عليه وسلم غسل الجمعة واجب على كل محتلم حديث غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم متفق عليه من حديث أبي سعيد والمشهور من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما من أتى الجمعة فليغتسل حديث نافع عن ابن عمر من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل متفق عليه وهذا لفظ ابن حبان وقال صلى الله عليه وسلم من شهد الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل حديث من شهد الجمعة من الرجال والنساء فليغتسلوا أخرجه ابن حبان والبيهقي من حديث ابن عمر وكان أهل المدينة إذا تساب المتسابان يقول أحدهما للآخر لأنت أشر ممن لا يغتسل يوم الجمعة وقال عمر لعثمان رضي الله عنهما لما دخل وهو يخطب أهذه الساعة منكرا عليه ترك البكور فقال ما زدت بعد أن سمعت الأذان على أن توضأت وخرجت فقال والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالغسل حديث قال عمر لعثمان لما دخل وهو يخطب أهذه الساعة الحديث إلى أن قال والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل متفق عليه من حديث أبي هريرة ولم يسم البخاري عثمان وقد عرف جواز ترك الغسل بوضوء عثمان رضي الله تعالى عنه وبما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل حديث من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ورواه النسائي من حديث سمرة ومن اغتسل للجنابة فليفض الماء على بدنه مرة أخرىعلى نية غسل الجمعة فإن اكتفى بغسل واحد أجزأه وحصل له الفضل إذا نوى كليهما ودخل غسل الجمعة في غسل الجنابة وقد دخل بعض الصحابة على ولده وقد اغتسل فقال له أللجمعة فقال بل عن الجنابة فقال أعد غسلا ثانيا وروى الحديث في غسل الجمعة على كل محتلم وإنما أمره به لأنه لم يكن نواه وكان لا يبعد أن يقال المقصود النظافة وقد حصلت دون النية ولكن هذا ينقدح في الوضوء أيضا وقد جعل في الشرع قربة فلا بد من طلب فضلها ومن اغتسل ثم أحدث توضأ ولم يبطل غسله والأحب أن يحترز عن ذلك الثالثة الزينة وهي مستحبة في هذا اليوم وهي ثلاثة الكسوة والنظافة وتطييب الرائحة أما النظافة فبالسواك وحلق الشعر وقلم الظفر وقص الشارب وسائر ما سبق في كتاب الطهارة قال ابن مسعود من قلم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله عز وجل منه داء وأدخل فيه شفاء فإن كان قد دخل الحمام في الخميس أو الأربعاء فقد حصل المقصود فليتطيب في هذا اليوم بأطيب طيب عنده ليغلب بها الروائح الكريهة ويوصل بها الروح والرائحة إلى مشام الحاضرين في جواره وأحب طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه حديث طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي من حديث أبي هريرة وروي ذلك في الأثر وقال الشافعي رضي الله عنه من نظف ثوبه قل همه ومن طاب ريحه زاد عقله وأما الكسوة فأحبها البياض من الثياب إذ أحب الثياب إلى الله تعالى البيض ولا يلبس ما فيه شهرة ولبس السواد ليس من السنة ولا فيه فضل بل كره جماعة النظر إليه لأنه بدعة محدثة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمامة مستحبة في هذا اليوم وروى واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة حديث واثلة بن الأسقع إن الله وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة أخرجه الطبراني وعدي وقال منكر من حديث أبي الدرداء ولم أره من حديث واثلة فإن أكربه الحر فلا بأس بنزعها قبل الصلاة وبعدها ولكن لا ينزع في وقت السعي من المنزل إلى الجمعة ولا في وقت الصلاة ولا عند صعود الإمام المنبر وفي خطبته الرابع البكور إلى الجامع ويستحب أن يقصد الجامع من فرسخين وثلاث وليبكر ويدخل وقت البكور بطلوع الفجر وفضل البكور عظيم وينبغي أن يكون في سعيه إلى الجمعة خاشعا متواضعا ناويا للاعتكاف في المسجد إلى وقت الصلاة قاصدا للمبادرة إلى جواب نداء الله عز وجل إلى الجمعة إياه والمسارعة إلى مغفرته ورضوانه وقد قال صلى الله عليه وسلم من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما أهدى دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما أهدى بيضة فإذا خرج الإمام طويت الصحف ورفعت الأقلام واجتمعت الملائكة عند المنبر يستمعون الذكر فمن جاء بعد ذلك فأنما جاء لحق الصلاة ليس له من الفضل شيء حديث من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وأنس وفيه رفعت الأقلام وهذه اللفظة عند البيهقي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والساعة الأولى طلوع الشمس والثانية إلى ارتفاعها والثالثة إلى انبساطها حين ترمض الأقدام والرابعة والخامسة بعد الضحى الأعلى إلى الزوال وفضلها قليل ووقت الزوال حق الصلاة ولا فضل فيه وقال صلى الله عليه وسلم ثلاث لو يعلم الناس ما فيهن لركضوا ركض الإبل في طلبهن الأذان والصف الأول والغدو إلى الجمعة حديث ثلاث لو يعلم الناس ما فيهن لركضوا ركض الإبل في طلبهن الأذان والصف الأول والغدو إلى الجمعة أخرجه أبو الشيخ في ثواب الأعمال من حديث أبي هريرة ثلاث لو يعلم الناس ما فيهن ما أخذنهن إلا بالإستهام عليهن حرصا على ما فيهن من الخير والبركة الحديث قال والتهجير إلى الجمعة وفي الصحيحين من حديثه لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه أفضلهن الغدو إلى الجمعة وفي الخبرإذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المساجد بأيديهم صحف من فضة وأقلام من ذهب يكتبون الأول فالأول على مراتبهم حديث إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد بأيديهم صحف من فضة وأقلام من ذهب الحديث أخرجه ابن مردويه في التفسير من حديث علي بإسناد ضعيف إذا كان يوم الجمعة نزل جبريل فركز لواء بالمسجد الحرام وغدا سائر الملائكة إلى المساجد التي يجمع فيها يوم الجمعة فركزوا ألويتهم وراياتهم بباب المسجد ثم نشروا قراطيس من فضة وأقلاما من ذهب وجاء في الخبر أن الملائكة يتفقدون الرجل إذا تأخر عن وقته يوم الجمعة فيسأل بعضهم بعضا عنه ما فعل فلان وما الذي أخره عن وقته فيقولون اللهم إن كان أخره فقر فأغنه وإن كان أخره مرض فاشفه وإن كان أخره شغل ففرغه لعبادتك وإن كان أخره لهو فأقبل بقلبه إلى طاعتك حديث إن الملائكة يفتقدون العبد إذا تأخر عن وقته يوم الجمعة فيسأل بعضهم بعضا ما فعل فلان أخرجه البيهقي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مع زيادة ونقص بإسناد حسن واعلم أن المصنف ذكر هذا فإن لم يرد به حديثا مرفوعا فليس من شرطنا وإنما ذكرناه احتياطا وكان يرى في القرن الأول سحرا وبعد الفجر الطرقات مملوءة من الناس يمشون في السرج ويزدحمون بها إلى الجامع كأيام العيد حتى اندرس ذلك فقيل أول بدعة حدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجامع وكيف لا يستحي المسلمون من اليهود والنصارى وهم يبكرون إلى البيع والكنائس يوم السبت والأحد وطلاب الدنيا كيف يبكرون إلى رحاب الأسواق للبيع والشراء والربح فلم لا يسابقهم طلاب الآخرة ويقال إن الناس يكونون في قربهم عند النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى على قدر بكورهم إلى الجمعة ودخل ابن مسعود رضي الله عنه بكرة الجامع فرأى ثلاثة نفر قد سبقوه بالبكور فاغتم لذلك وجعل يقول في نفسه معاتبا لها رابع أربعة وما رابع أربعة من البكور ببعيد الخامس في هيئة الدخول ينبغي أن لا يتخطى رقاب الناس ولا يمر بين أيديهم والبكور يسهل ذلك عليه فقد ورد وعيد شديد في تخطي الرقاب وهو أنه يجعل جسرا يوم القيامة يتخطاه الناس حديث من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم أخرجه الترمذي وضعفه وابن ماجه من حديث معاذ بن أنس وروى ابن جريج مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ رأى رجلا يتخطى رقاب الناس حتى تقدم فجلس فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته عارض الرجل حتى لقيه فقال يا فلان ما منعك أن تجمع اليوم معنا قال يا نبي الله قد جمعت معكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألم نرك تتخطى رقاب الناس حديث ابن جريج مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو يخطب إذ رأى رجلا يتخطى رقاب الناس الحديث وفيه ما منعك أن تجمع معنا اليوم أخرجه ابن المبارك في الرقائق أشار به إلى أنه أحبط عمله وفي حديث مسند أنه قال ما منعك أن تصلي معنا قال أو لم ترني يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم رأيتك تأنيت وآذيت حديث ما منعك أن تصلي معنا فقال أو لم ترني قال رأيتك آنيت وآذيت أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن بسر مختصرا أي تأخرت عن البكور وآذيت الحضور ومهما كان الصف الأول متروكا خاليا فله أن يتخطى رقاب الناس لأنهم ضيعوا حقهم وتركوا موضع الفضيلة قال الحسن تخطوا رقاب الناس الذين يقعدون على أبواب الجوامع يوم الجمعة فإنه لا حرمة لهم وإذا لم يكن في المسجد إلا من يصلي فينبغي أن لا يسلم لأنه تكليف جواب في غير محله السادس أن لا يمر بين يدي الناس ويجلس حيث هو إلى قرب أسطوانة أو حائط حتى لا يمرون بين يديه أعني بين يدي المصلي فإن ذلك لا يقطع الصلاة ولكنه منهي عنه قال صلى الله عليه وسلم لأن يقف أربعين عاما خير له من أن يمر بين يدي المصلي حديث لأن يقف أربعين سنة خير له من أن يمر بين يدي المصلي أخرجه البزار من حديث زيد بن خالد وفي الصحيحين من حديث أبي جهم أن يقف أربعين قال أبو النضر لا أدري أربعين يوما أو شهرا أو سنة رواه أبو داود وابن حبان من حديث أبي هريرة مائة عام وقال صلى الله عليه وسلم لأن يكون الرجل رمادا أو رميماتذروه الرياح خير من أن يمر بين يدي المصلي حديث لأن يكون الرجل رمادا تذروه الرياح خيرا له من أن يمر بين يدي المصلي أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان وابن عبد البر في التمهيد موقوفا على عبد الله بن عمر وزاد متعمدا وقد روي في حديث آخر في المار والمصلي حيث صلى على الطريق أو قصر في الدفع فقال لو يعلم المار بين يدي المصلي والمصلى ما عليهما في ذلك لكان أن يقف أربعين سنة خيرا له من أن يمر بين يديه حديث لو يعلم المار بين يدي المصلى والمصلي ما عليهما في ذلك الحديث رواه هكذا أبو العباس محمد بن يحيى السراج في مسنده من حديث زيد بن خالد بإسناد صحيح والأسطوانة والحائط والمصلى المفروش حد للمصلي فمن اجتاز به فينبغي أن يدفعه قال صلى الله عليه وسلم ليدفعه فإن أبى فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنه شيطان حديث أبي سعيد فليدفعه فإنأبى فليقابله فإنما هو شيطان متفق عليه وكان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يدفع من يمر بين يديه حتى يصرعه فربما تعلق به الرجل فاستعدى عليه عند مروان فيخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك فإن لم يجد أسطوانة فلينصب بين يديه شيئا طوله قدر ذراع ليكون ذلك علامة لحده السابع أن يطلب الصف الأول فإن فضله كثير كما رويناه وفي الحديث من غسل واغتسل وبكر وابتكر ودنا من الإمام واستمع كان ذلك له كفارة لما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام حديث من غسل واغتسل وبكر وابتكر ودنا من الإمام واستمع الحديث أخرجه الحاكم من حديث أوس بن أوس وأصله عند أصحاب السنن وفي لفظ آخر غفر الله له إلى الجمعة الأخرى وقد اشترط في بعضها ولم يتخط رقاب الناس حديث أنه اشترط في بعضها ولم يتخط رقاب الناس أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وقال صحيح على شرط مسلم ولا يغفل في طلب الصف الأول عن ثلاثة أمور أولها أنه إذا كان يرى بقرب الخطيب منكرا يعجز عن تغييره من لبس حرير من الإمام أو غيره أو صلى في سلاح كثير ثقيل شاغل أو سلاح مذهب أو غير ذلك مما يجب فيه الإنكار فالتأخر له أسلم وأجمع للهم فعل ذلك جماعة من العلماء طلبا للسلامة قيل لبشر بن الحرث نراك تبكر وتصلي في آخر الصفوف فقال إنما يراد قرب القلوب قرب الأجساد وأشار به إلى أن ذلك أقرب لسلامة قلبه ونظر سفيان الثوري إلى شعيب بن حرب عند المنبر يسمع إلى الخطبة من أبي جعفر المنصور فلما فرغ من الصلاة قال شغل قلبي قربك من هذا هل أمنت أن تسمع كلاما يجب عليك إنكاره فلا تقوم به ثم ذكر ما أحدثوا من لبس السواد فقال يا أبا عبد الله أليس في الخبر أدن واستمع حديث ادن فاستمع أخرجه أبو داود من حديث سمرة احضروا الذكر وادنوا من الإمام وتقدم بلفظ من هجر ودنا واستمع وهو عند أصحاب السنن من حديث شداد فقال ويحك ذاك للخلفاء الراشدين المهديين فأما هؤلاء فكلما بعدت عنهم ولم تنظر إليهم كان أقرب إلى الله عز وجل وقال سعيد بن عامر صليت إلى جنب أبي الدرداء فجعل يتأخر في الصفوف حتى كنا في آخر صف فلما صلينا قلت له أليس يقال خير الصفوف أولها قال نعلم إلا أن هذه الأمة مرحومة منظور إليها من بين الأمم حديث أبي الدرداء إن هذه الأمة مرحومة منظور إليها من بين الأمم وإن الله إذا نظر إلى عبد في الصلاة غفر له ولمن وراءه من الناس لم أجده فإن الله تعالى إذا نظر إلى عبد في الصلاة غفر له ولمن وراءه من الناس فإنما تأخرت رجاء أن يغفر لي بواحد منهم ينظر الله إليه وروى بعض الرواة أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك فمن تأخر على هذه النية إيثارا وإظهارا لحسن الخلق فلا بأس وعند هذا يقال الأعمال بالنيات ثانيها إن لم تكن مقصورة عند الخطيب مقتطعة عن المسجد للسلاطين فالصف الأول محبوب وإلا فقد كره بعض العلماء دخول المقصورة كان الحسن وبكر المزني لا يصليان في المقصورة ورأيا أنها قصرت على السلاطين وهي بدعة أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المساجد والمسجد مطلق لجميع الناس وقد اقتطع ذلك على خلافة وصلى أنس بن مالكوعمران بن حصين في المقصورة ولم يكرها ذلك لطلب القرب ولعل الكراهية تختص بحالة التخصيص والمنع فأما مجرد المقصورة إذا لم يكن منع فلا يوجد كراهة وثالثها أن المنبر يقطع بعض الصفوف وإنما الصف الأول الواحد المتصل الذي في فناء المنبر وما على طرفيه مقطوع وكان الثوري يقول الصف الأول هو الخارج بين يدي المنبر وهو متجه لأنه متصل ولأن الجالس فيه يقابل الخطيب ويسمع منه ولا يبعد أن يقال الأقرب إلى القبلة هو الصف الأول ولا يراعى هذا المعنى وتكره الصلاة في الأسواق والرحاب الخارجة عن المسجد وكان بعض الصحابة يضرب الناس ويقيمهم من الرحاب الثامن أن يقطع الصلاة عند خروج الإمام ويقطع الكلام أيضا بل يشتغل بجواب المؤذن ثم باستماع الخطبة وقد جرت عادة بعض العوام بالسجود عند قيام المؤذنين ولم يثبت له أصل في أثر ولا خبر ولكنه إن وافق سجود تلاوة فلا بأس بها للدعاء لأنه وقت فاضل ولا يحكم بتحريم هذا السجود فإنه لا سبب لتحريمه وقد روي عن علي وعثمان رضي الله عنهما أنهما قالا من استمع وأنصت فله أجران ومن لم يستمع وأنصت فله أجر ومن سمع ولغا فعليه وزران ومن لم يستمع ولغا فعليه وزر واحد وقال صلى الله عليه وسلم من قال لصاحبه والإمام يخطب أنصت أو مه فقد لغا ومن لغا والإمام يخطب فلا جمعة له حديث من قال لصاحبه والإمام يخطب أنصت فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة روى الترمذي قوله ومن لغا فلا جمعة له قال الترمذي حديث حسن صحيح وهو في الصحيحين بلفظ إذا قلت لصاحبك أخرجه أبو داود من حديث علي من قال صه فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له وهذا يدل على أن الإسكات ينبغي أن يكون بإشارة أو رمي حصاة لا بالنطق وفي حديث أبي ذر أنه لما سأل أبيا والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال متى أنزلت هذه السورة فأومأ إليه أن أسكت فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبي اذهب فلا جمعة لك فشكاه أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال صدق أبي حديث أبي ذر لما سأل أبيا والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب وقال متى أنزلت هذه السورة الحديث أخرجه البيهقي وقال في المعرفة إسناده صحيح أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي بن كعب بسند صحيح أن السائل له أبو الدرداء وأبو ذر ولأحمد من حديث أبي الدرداء أنه سأل أبيا ولابن حبان من حديث جابر أن السائل عبد الله بن مسعود ولأبي يعلى من حديث جابر قال قال سعد بن أبي وقاص لرجل لا جمعة لك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لم يا سعد فقال لأنه كان يتكلم وأنت تخطب فقال صدق سعد وإن كان بعيدا من الإمام فلا ينبغي أن يتكلم في العلم وغيره بل يسكت لأن كل ذلك يتسلل ويفضي إلى هينمة حتى ينتهي إلى المستمعين ولا يجلس في حلقة من يتكلم فمن عجز عن الاستماع بالبعد فلينصت فهو المستحب وإذا كان تكره الصلاة في وقت خطبة الإمام فالكلام أولى بالكراهية وقال علي كرم الله وجهه تكره الصلاة في أربع ساعات بعد الفجر وبعد العصر ونصف النهار والصلاة والإمام يخطب التاسع أن يراعى في قدوة الجمعة ما ذكرناه في غيرها فإذا سمع قراءة الإمام لم يقرأ سوى الفاتحة فإذا فرغ من الجمعة قرأ الحمد لله سبع مرات قبل أن يتكلم وقل هو الله أحد والمعوذتين سبعا سبعا وروى بعض السلف أن من فعله عصم من الجمعة إلى الجمعة وكان حرزا له من الشيطان ويستحب أن يقول بعد الجمعة اللهم يا غني يا حميد يا مبدىء يا معيد يا رحيم يا ودود أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك يقال من داوم على هذا الدعاء أغناه الله سبحانه عن خلقه ورزقه من حيث لا يحتسب ثم يصلي بعد الجمعة ست ركعات فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين حديث ابن عمر في الركعتين بعد الجمعة متفق عليه وروى أبو هريرة أربعا حديث أبي هريرة في الأربع ركعات بعد الجمعة أخرجه مسلم إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا وروى علي وعبد الله ابن عباس رضي الله عنهم ستا حديث علي وعبد الله في صلاة ست ركعات بعد الجمعة أخرجه البيهقي مرفوعا عن علي وله موقوفا على ابن مسعود أربعا وأبو داود من حديث ابن عمر كان إذا كان بمكة صلى بعد الجمعة ستا والكل صحيح في أحوال مختلفة والأكمل أفضلالعاشر أن يلازم المسجد حتى يصلي العصر فإن أقام إلى المغرب فهو الأفضل يقال من صلى العصر في الجامع كان له ثواب الحج ومن صلى المغرب فله ثواب حجة وعمرة فإن لم يأمن التصبع ودخول الآفة عليه من نظر الخلق إلى اعتكافه أو خاف الخوض فيما لا يعني فالأفضل أن يرجع إلى بيته ذاكرا الله عز وجل مفكرا في آلائه شاكر الله تعالى على توفيقه خائفا من تقصيره مراقبا لقلبه ولسانه إلى غروب الشمس حتى لا تفوته الساعة الشريفة ولا ينبغي أن يتكلم في الجامع وغيره من المساجد بحديث الدنيا قال صلى الله عليه وسلم يأتي على الناس زمان يكون حديثهم في مساجدهم أمر دنياهم ليس لله تعالى فيهم حاجة فلا تجالسوهم حديث يأتي على أمتي زمن يكون حديثهم في مساجدهم أمر دنياهم الحديث أخرجه البيهقي في الشعب من حديث الحسن مرسلا وأسنده الحاكم من حديث أنس وصحح إسناده وأخرج ابن حبان نحوه من حديث ابن مسعود وقد تقدم بيان الآداب والسنن الخارجة عن الترتيب السابق الذي يعم جميع النهار وهي سبعة أمور الأول أن يحضر مجالس العلم بكرة أو بعد العصر ولا يحضر مجالس القصاص فلا خير في كلامهم ولا ينبغي أن يخلو المريد في جميع يوم الجمعة عن الخيرات والدعوات حتى توافيه الساعة الشريفة وهو في خير ولا ينبغي أن يحضر الحلق قبل الصلاة وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة حديث عبد الله بن عمر في النهي عن التحلق يوم الجمعة أخرجه أبو داود والنسائي ورواه ابن ماجه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده من حديث ابن عمر إلا أن يكون عالما بالله يذكر بأيام الله ويفقه في دين الله يتكلم في الجامع بالغداة فيجلس إليه فيكون جامعا بين البكور وبين الاستماع واستماع العلم النافع في الآخرة أفضل من اشتغاله بالنوافل فقد روى أبو ذر إن حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة حديث أبي ذر حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة تقدم في العلم قال أنس بن مالك في قوله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله أما إنه ليس بطلب دنيا لكن عيادة مريض وشهود جنازة وتعلم علم وزيارة أخ في الله عز وجل وقد سمى الله عز وجل العلم فضلا في مواضع قال تعالى وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما وقال تعالى ولقد آتينا داود منا فضلا يعني العلم فتعلم العلم في هذا اليوم وتعليمه من أفضل القربات والصلاة أفضل من مجالس القصاص إذ كانوا يرونه بدعة ويخرجون القصاص من الجامع بكر ابن عمر رضي الله عنهما إلى مجلسه في المسجد الجامع فإذا قاص في موضعه فقال قم عن مجلسي فقال لا أقوم وقد جلست وسبقتك إليه فأرسل ابن عمر إلى صاحب الشرطة فأقامه فلو كان ذلك من السنة لما جازت إقامته فقد قال صلى الله عليه وسلم لا يقيمن أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا حديث لا يقيمن أحدكم أخاه من مجلسه الحديث متفق عليه من حديث ابن عمر وكان ابن عمر إذا قام الرجل له من مجلسه لم يجلس فيه حتى يعود إليه وروى أن قاصا كان يجلس بفناء حجرة عائشة رضي الله عنها فأرسلت إلى ابن عمر إن هذا قد آذاني بقصصه وشغلني عن سبحتي فضربه ابن عمر حتى كسر عصاه على ظهره ثم طرده الثاني أن يكون حسن المراقبة للساعة الشريفة ففي الخبر المشهور إن في الجمعة ساعة لايوافقها عبد مسلم يسأل الله عز وجل فيها شيئا إلا أعطاه حديث إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن عوف المزني وفي خبر آخر لا يصادفها عبد يصلي حديث لا يصادفها عبد يصلي متفق عليه من حديث أبي هريرة واختلف فيها فقيل إنها عند طلوع الشمس وقيل عند الزوال وقيل مع الأذان وقيل إذا صعد الإمام المنبر وأخذ في الخطبة وقيل إذا قامالناس إلى الصلاة وقيل آخر وقت العصر أعني وقت الاختيار وقيل قبل غروب الشمس وكانت فاطمة رضي الله عنها تراعي ذلك الوقت وتأمر خادمتها أن تنظر إلى الشمس فتؤذنها بسقوطها فتأخذ في الدعاء والاستغفار إلى أن تغرب الشمس وتخبر بأن تلك الساعة هي المنتظرة وتؤثره عن أبيها صلى الله عليه وسلم وعليها حديث فاطمة في ساعة الجمعة أخرجه الدار قطني في العلل والبيهقي في الشعب وعلته الاختلاف وقال بعض العلماء هي مبهمة في جميع اليوم مثل ليلة القدر تتوفر الدواعي على مراقبتها وقيل إنها تنتقل في ساعات يوم الجمعة كتنقل ليلة القدر وهذا هو الأشبه وله سر لا يليق بعلم المعاملة ذكره ولكن ينبغي أن يصدق بما قال صلى الله عليه وسلم إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها حديث إن لربكم في أيام دهركم نفحات الحديث أخرجه الحكيم في النوادر والطبراني في الأوسط من حديث محمد بن مسلمة ولابن عبد البر في التمهيد نحوه من حديث أنس ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الفرج من حديث أبي هريرة واختلف في إسناده ويوم الجمعة من جملة تلك الأيام فينبغي أن يكون العبد في جميع نهاره متعرضا لها بإحضار القلب وملازمة الذكر والنزوع عن وساوس الدنيا فعساه يحطى بشيء من تلك النفحات وقد قال كعب الأحبار إنها في آخر ساعة من يوم الجمعة وذلك عند الغروب فقال أبو هريرة وكيف تكون آخر ساعة وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يوافقها عبد يصلي ولات حين صلاة فقال كعب ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من قعد ينتظر الصلاة فهو في الصلاة حديث اختلاف كعب وأبي هريرة في ساعة الجمعة وقول أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يوافقها عبد يصلي ولات حين صلاة فقال كعب ألم يقل صلى الله عليه وسلم من قعد ينتظر الصلاة فهو في صلاة قلت في الإحياء أن كعبا هو القائل إنها آخر ساعة وليس كذلك وإنما هو عبد الله بن سلام وأما كعب فإنما قال إنها في كل سنة مرة ثم رجع والحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان من حديث أبي هريرة وابن ماجه ونحوه من حديث عبد الله بن سلام قال بلى قال فذلك صلاة فسكت أبو هريرة وكان كعب مائلا إلى أنها رحمة من الله سبحانه للقائمين بحق هذا اليوم وأوان إرسالها عند الفراغ من تمام العمل وبالجملة هذا وقت شريف مع وقت صعود الإمام المنبر فليكثر الدعاء فيهما الثالث يستحب أن يكثر الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم فقد قال صلى الله عليه وسلم من صلى علي في يوم الجمعة ثمانين مرة غفر الله له ذنوب ثمانين سنة قيل يا رسول الله كيف الصلاة عليك قال تقول اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وتعقد واحدة وإن قلت اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد صلاة تكون لك رضاء ولحقه أداء وأعطه الوسيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته واجزه عنا ما هو أهله واجزه أفضل ما جازيت نبيا عن أمته وصل عليه وعلى جميع إخوانه من النبيين والصالحين يا أرحم الراحمين حديث من صلى علي في يوم الجمعة ثمانين مرة الحديث أخرجه الدار قطني من رواية ابن المسيب قال أظنه عن أبي هريرة وقال حديث غريب وقال ابن النعمان حديث حسن تقول هذا سبع مرات فقد قيل من قالها في سبع جمع في كل جمعة سبع مرات وجبت له شفاعته صلى الله عليه وسلم وإن أراد أن يزيد أتى بالصلاة المأثورة فقال اللهم اجعل فضائل صلواتك ونوامي بركاتك وشرائف زكواتك ورأفتك ورحمتك وتحيتك على محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين ورسول رب العالمين قائد الخير وفاتح البر ونبي الرحمة وسيد الأمة اللهم ابعثه مقاما محمودا تزلف به قربه وتقر به عينه يغبطه به الأولون والآخرون اللهم أعطه الفضل والفضيلة والشرف والوسيلة والدرجة الرفيعة والمنزلة الشامخة المنيفة اللهم أعط محمدا سؤله وبلغه مأموله واجعله أول شافع وأول مشفع اللهم عظم برهانه وثقل ميزانه وأبلج حجته وارفع في أعلى المقربين درجته اللهم احشرنا في زمرته واجعلنا من أهل شفاعته وأحينا على سنته وتوفنا على ملتهوأوردنا حوضه واسقنا بكأسه غير خزايا ولا نادمين ولا شاكين ولا مبدلين ولا فاتنين ولا مفتونين آمين يا رب العالمين حديث اللهم اجعل فضائل صلواتك الحديث أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود نحوه بسند ضعيف وقفه على ابن مسعود وعلى الجملة فكل ما أتى به من ألفاظ الصلاة ولو بالمشهورة في التشهد كان مصليا وينبغي أن يضيف إليه الاستغفار فإن ذلك أيضا مستحب في هذا اليوم الرابع قراءة القرآن فليكثر منه وليقرأ سورة الكهف خاصة فقد روى عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما أن من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أو ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أعطي نورا من حيث يقرؤها إلى مكة وغفر له إلى يوم الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام وصلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصح وعوفي من الداء والدبيلة وذات الجنب والبرص والجذام وفتنة الدجال حديث ابن عباس وأبي هريرة من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أو يوم الجمعة الحديث لم أجده من حديثهما ويستحب أن يختم القرآن في يوم الجمعة وليلتها إن قدر وليكن ختمه للقرآن في ركعتي الفجر إن قرأ بالليل أو في ركعتي المغرب أو بين الأذان والإقامة للجمعة فله فضل عظيم وكان العابدون يستحبون أن يقرءوا يوم الجمعة قل هو الله أحد ألف مرة ويقال إن من قرأها في عشر ركعات أو عشرين فهو أفضل من ختمة وكانوا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ألف مرة وكانوا يقولون سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ألف مرة وإن قرأ المسبعات الست في يوم الجمعة أو ليلتها فحسن وليس يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ سورا بأعيانها إلا في يوم الجمعة وليلتها كان يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين حديث القراءة في المغرب ليلة الجمعة قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وفي عشائها الجمعة والمنافقين أخرجه ابن حبان والبيهقي من حديث سمرة وفي ثقات ابن حبان المحفوظ عن سماك مرسلا قلت لا يصح مسندا ولا مرسلا وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرؤهما في ركعتي الجمعة وكان يقرأ في الصبح يوم الجمعة سورة سجدة لقمان وسورة هل أتى على الإنسان حديث القراءة في الجمعة بالجمعة والمنافقين وفي صبح الجمعة بالسجدة وهل أتى أخرجه مسلم من حديث ابن عباس وأبي هريرة الخامس الصلوات يستحب إذا دخل الجامع أن لا يجلس حتى يصلي أربع ركعات يقرأ فيهن قل هو الله أحد مائتي مرة في كل ركعة خمسين مرة حديث من دخل يوم الجمعة المسجد فصلى أربع ركعات يقرأ فيها قل هو الله أحد مائتي مرة الحديث أخرجه الخطيب في الرواة عن مالك من حديث ابن عمر وقال غريب جدا فقد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من فعله لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له ولا يدع ركعتي التحية وإن كان الإمام يخطب ولكن يخفف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك حديث الأمر بالتخفيف في التحية إذا دخل والإمام يخطب أخرجه مسلم من حديث جابر والبخاري والأمر بالركعتين ولم يذكر التخفيف وفي حديث غريب أنه صلى الله عليه وسلم سكت للداخل حتى صلاهما حديث سكوته صلى الله عليه وسلم عن الخطبة للداخل حتى فرغ من التحية أخرجه الدار قطني من حديث أنس وقال أسنده عبيد بن محمد ووهم فيه والصواب عن معتمر عن أبيه مرسلا فقال الكوفيون إن سكت له الإمام صلاهما ويستحب في هذا اليوم أو في ليلته أن يصلي أربع ركعات بأربع سور الأنعام والكهف وطه ويس فإن لم يحسن قرأ يس وسورة سجدة لقمان وسورة الدخان وسورة الملك ولا يدع قراءة هذه الأربع سور في ليلة الجمعة ففيها فضل كثير ومن لا يحسن القرآن قرأ ما يحسن فهو له بمنزلة الختمة ويكثر من قراءة سورة الإخلاص ويستحب أن يصلي صلاة التسبيح كما سيأتي في باب التطوعات كيفيتها لأنه صلى الله عليه وسلم قال لعمه العباس صلها في كل جمعة حديث صلاة التسبيح وقوله لعمه العباس صلها في كل جمعة أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم من حديث ابن عباس وقال العقيلي وغيره ليس فيها حديث صحيح وكان ابن عباس رضي الله عنهما لا يدع هذه الصلاة يوم الجمعة بعد الزوالوكان يخبر عن جلالة فضلها والأحسن أن يجعل وقته إلى الزوال للصلاة وبعد صلاة الجمعة إلى العصر لاستماع العلم وبعد العصر إلى المغرب للتسبيح والاستغفار السادس الصدقة مستحبة في هذا اليوم خاصة فإنها تتضاعف إلا على من سأل والإمام يخطب وكان يتكلم في كلام الإمام فهذا مكروه وقال صالح بن محمد سأل مسكين يوم الجمعة والإمام يخطب وكان إلى جانب أبي فأعطى رجل أبي قطعة ليناوله إياها فلم يأخذها منه أبي وقال ابن مسعود إذا سأل الرجل في المسجد فقد استحق أن لا يعطى وإذا سأل على القرآن فلا تعطوه ومن العلماء من كره الصدقة على السؤال في الجامع الذين يتخطون رقاب الناس إلا أن يسأل قائما أو قاعدا في مكانه من غير تخط وقال كعب الأحبار من شهد الجمعة ثم انصرف فتصدق بشيئين مختلفين من الصدقة ثم رجع فركع ركعتين يتم ركوعهما وسجودهما وخشوعهما ثم يقول اللهم إني أسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم وباسمك الذي لا إله إلا الله هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم لم يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه وقال بعض السلف من أطعم مسكينا يوم الجمعة ثم غدا وابتكر ولم يؤذ أحدا ثم قال حين يسلم الإمام بسم الله الرحمن الرحيم الحي القيوم أسألك أن تغفر لي وترحمني وتعافيني من النار ثم دعا بما بدا له استجيب له السابع أن يجعل يوم الجمعة للآخرة فيكف فيه عن جميع أشغال الدنيا ويكثر فيه الأوراد ولا يبتدىء فيه السفر فقد روي أنه من سافر في ليلة الجمعة دعا عليه ملكاه حديث من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه أخرجه الدار قطني في الأفراد من حديث ابن عمر وفيه ابن لهيعة وقال غريب والخطيب في الرواة عن مالك من حديث أبي هريرة بسند ضعيف وهو بعد طلوع الفجر حرام إلا إذا كانت الرفقة تفوت وكره بعض السلف شراء الماء في المسجد من السقاء ليشربه أو يسبله حتى لا يكون مبتاعا في المسجد فإن البيع والشراء في المسجد مكروه وقالوا لا بأس لو أعطى القطعة خارج المسجد ثم شرب أو سبل في المسجد وبالجملة ينبغي أن يزيد في الجمعة في أوراده وأنواع خيراته فإن الله سبحانه إذا أحب عبدا استعمله في الأوقات الفاضلة بفواضل الأعمال وإذا مقته استعمله في الأوقات الفاضلة بسيء الأعمال ليكون ذلك أوجع في عقابه وأشد لمقته لحرمانه بركة الوقت وانتهاكه حرمة الوقت ويستحب في الجمعة دعوات وسيأتي ذكرها في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وصلى الله على كل عبد مصطفى الباب السادس في مسائل متفرقة تعم بها البلوى ويحتاج المريد إلى معرفتها فأما المسائل التي تقع نادرة فقد استقصيناها في كتب الفقه مسألة الفعل القليل وإن كان لا يبطل الصلاة فهو مكروه إلا لحاجة وذلك في دفع المار وقتل العقرب التي تخاف ويمكن قتلها بضربة أو ضربتين فإذا صارت ثلاثة فقد كثرت وبطلت الصلاة وكذلك القملة والبرغوث مهما تأذى بهما كان له دفعهما وكذلك حاجته إلى الحك الذي يشوش عليه الخشوع كان معاذ يأخذ القملة والبرغوث في الصلاة وابن عمر كان يقتل القملة في الصلاة حتى يظهر الدم على يده وقال النخعي يأخذها ويوهنها ولا شيء عليه إن قتلها وقال ابن المسيب يأخذها ويخدرها ثم يطرحها وقال مجاهد الأحب إلى أن يدعها إلا أن تؤذيه فتشغله عن صلاته فيوهنها قدر ما لا تؤذي ثم يلقيها وهذه رخصة وإلا فالكمال الاحتراز عن الفعل وإن قل ولذلك كان بعضهم لا يطرد الذباب وقال لا أعود نفسي ذلك فأفسد علي صلاتي وقد سمعت أن الفساق بين يديالملوك يصبرون على أذى كثير ولا يتحركون ومهما تثاءب فلا بأس أن يضع يده على فيه وهو الأولى وإن عطس حمد الله عز وجل في نفسه ولا يحرك لسانه وأن تجشأ فينبغي أن لا يرفع رأسه إلى السماء وإن سقط رداؤه فلا ينبغي أن يسويه وكذلك أطراف عمامته فكل ذلك مكروه إلا لضرورة مسألة الصلاة في النعلين جائزة وإن كان نزع النعلين سهلا وليست الرخصة في الخف لعسر النزع بل هذه النجاسة معفو عنها وفي معناها المداس صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نعليه ثم نزع فنزع الناس نعالهم فقال لم خلعتم نعالكم قالوا رأيناك خلعت فخلعنا قال صلى الله عليه وسلم إن جبرائيل عليه السلام أتاني فأخبرني أن بهما خبثا فإذا أراد أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن رأى خبثا فليمسحه بالأرض وليصل فيهما حديث صلى في نعليه ثم نزع فنزع الناس نعالهم الحديث أخرجه أحمد واللفظ لابن ماجه وأبو داود والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد وقال بعضهم الصلاة في النعلين أفضل لأنه صلى الله عليه وسلم قال لم خلعتم نعالكم وهذه مبالغة فإنه صلى الله عليه وسلم سألهم ليبين لهم سبب خلعه إذ علم أنهم خلعوا على موافقته وقد روى عبد الله بن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعليه حديث عبد الله بن السائب في خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه أخرجه مسلم فإذن قد فعل كليهما فمن خلع فلا ينبغي أن يضعهما عن يمينه ويساره فيضيق الموضع ويقطع الصف بل يضعهما بين يديه ولا يتركهما وراءه فيكون قلبه ملتفتا إليهما ولعل من رأى الصلاة فيهما أفضل راعى هذا المعنى وهو التفات القلب إليهما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا صلى أحدكم فليجعل نعليه بين رجليه حديث أبي هريرة إذا صلى أحدكم فليجعل نعليه بين رجليه أخرجه أبو داود بسند صحيح وضعفه المنذري وليس بجيد وقال أبو هريرة لغيره اجعلهما بين رجليك ولا تؤذ بهما مسلما ووضعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على يساره وكان إماما حديث وضعه نعليه على يساره أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن السائب فللإمام أن يفعل ذلك إذ لا يقف أحد على يساره والأولى أن لا يضعهما بين قدميه فتشغلانه ولكن قدام قدميه ولعله المراد بالحديث وقد قال جبير بن مطعم وضع الرجل نعليه بين قدميه بدعة مسألة إذا بزق في صلاته لم تبطل صلاته لأنه فعل قليل وما لا يحصل به صوت لا يعد كلاما وليس على شكل حروف الكلام إلا أنه مكروه فينبغي أن يحترز منه إلا كما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه إذ روى بعض الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في القبلة نخامة فغضب غضبا شديدا ثم حكها بعرجون كان في يده وقال ائتوني بعبير فلطخ أثرها بزعفران ثم التفت إلينا وقال أيكم يحب أن يبزق في وجهه فقلنا لا أحد قال فإن أحدكم إذا دخل في الصلاة فإن الله عز وجل بينه وبين القبلة حديث رأى في القبلة نخامة فغضب الحديث أخرجه مسلم من حديث جابر واتفقا عليه مختصرا من حديث أنس وعائشة وأبي سعيد وأبي هريرة وابن عمر وفي لفظ آخر واجهه الله تعالى فلا يبزقن أحدكم تلقاء وجهه ولا عن يمينه ولكن عن شماله أو تحت قدمه اليسرى فإن بدرته بادرة فليبصق في ثوبه وليقل به هكذا ودلك بعضه ببعض مسألة لوقوف المقتدي سنة وفرض أما السنة فأن يقف الواحد عن يمين الإمام متأخرا عنه قليلا والمرأة الواحدة تقف خلف الإمام فإن وقفت بجنب الإمام لم يضر ذلك ولكن خالفت السنة فإن كان معها رجلوقف الرجل عن يمين الإمام وهي خلف الرجل ولا يقف أحد خلف الصف منفردا بل يدخل في الصف أو يجر إلى نفسه واحدا من الصف فإن وقف منفردا صحت صلاته مع الكراهية وأما الفرض فاتصال الصف وهو أن يكون بين المقتدي والإمام رابطة جامعة فإنهما في جماعة فإن كانا في مسجد كفى ذلك جامعا لأنه بنى له فلا يحتاج إلى اتصال صف بل إلى أن يعرف أفعال الإمام صلى أبو هريرة رضي الله عنه على ظهر المسجد بصلاة الإمام وإذا كان المأموم على فناء المسجد في طريق أو صحراء مشتركة وليس بينهما اختلاف بناء مفرق فيكفي القرب بقدر غلوة سهم وكفى بها رابطة إذ يصل فعل أحدهما إلى الآخر وإنما يشترط إذا وقف في صحن دار على يمين المسجد أو يساره وبابها لاطىء في المسجد فالشرط أن يمد صف المسجد في دهليزها من غير انقطاع إلى الصحن ثم تصح صلاة من في ذلك الصف ومن خلفه دون من تقدم عليه وهكذا حكم الأبنية المختلفة فأما البناء الواحد والعرصة الواحدة فكالصحراء مسألة المسبوق إذا أدرك آخر صلاة الإمام فهو أول صلاته فليوافق الإمام وليبن عليه وليقنت في الصبح في آخر صلاة نفسه وإن قنت مع الإمام وإن أدرك مع الإمام بعض القيام فلا يشتغل بالدعاء وليبدأ بالفاتحة وليخففها فإن ركع الإمام قبل تمامها وقدر على لحوقه في اعتداله من الركوع فليتم فإن عجز وافق الإمام وركع وكان لبعض الفاتحة حكم جميعها فتسقط عنه بالسبق وإن ركع الإمام وهو في السورة فليقطعها وإن أدرك الإمام في السجود أو التشهد كبر للإحرام ثم جلس ولم يكبر بخلاف ما إذا أدركه في الركوع فإنه يكبر ثانيا في الهوى لأن ذلك انتقال محسوب له والتكبيرات للانتقالات الأصلية في ا لصلاة لا للعوارض بسبب القدوة ولا يكون مدركا الركعة ما لم يطمئن راكعا في الركوع والإمام بعد في حد الراكعين فإن لم يتم طمأنينته إلا بعد مجاوزة الإمام حد الراكعين فاتته تلك الركعة مسألة من فاتته صلاة الظهر إلى وقت العصر فليصل الظهر أولا ثم العصر فإن ابتدأ بالعصر أجزأه ولكن ترك الأولى واقتحم شبهة الخلاف فإن وجد إماما فليصل العصر ثم ليصل الظهر بعده فإن الجماعة بالأداء أولى فإن صلى منفردا في أول الوقت ثم أدرك جماعة صلى في الجماعة ونوى صلاة الوقت والله يحتسب أيهما شاء فإن نوى فائتة أو تطوعا جاز وإن كان قد صلى في الجماعة فأدرك جماعة أخرى فلينو الفائتة أو النافلة فإعادة المؤداة بالجماعة مرة أخرى لا وجه له وإنما احتمل ذلك لدرك فضيلة الجماعة مسألة من صلى ثم رأى على ثوبه نجاسة فالأحب قضاء الصلاة ولا يلزمه ولو رأى النجاسة في أثناء الصلاة رمى بالثوب وأتم والأحب الاستئناف وأصل هذا قصة خلع النعلين حين أخبر جبرائيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن عليهما نجاسة فإنه صلى الله عليه وسلم لم يستأنف الصلاة مسألة من ترك التشهد الأول أو القنوت أو ترك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول أو فعل فعلا سهوا وكانت تبطل الصلاة بتعمده أو شك فلا يدر أصلى ثلاثا أو أربعا أخذ باليقين وسجد سجدتي السهو قبل السلام فإن نسي فبعد السلام مهما تذكر على القرب فإن سجد بعد السلام وبعد أن أحدث بطلت صلاته فإنه لما دخل في السجود كأنه جعل سلامه نسيانا في غير محله فلا يحصل التحلل به وعاد إلى الصلاة فلذلك يستأنف السلام بعد السجود فإن تذكر سجود السهو بعد خروجه من المسجد أو بعد طول الفصل فقد فات مسألة الوسوسة في نية الصلاة سببها خبل في العقل أو جهل بالشرع لأن امتثال أمر الله عز وجل مثلامتثال أمر غيره وتعظيمه كتعظيم غيره في حق القصد ومن دخل عليه عالم فقام له فلو قال نويت أن أنتصب قائما تعظيما لدخول زيد الفاضل لأجل فضله مقبلا عليه بوجهي كان سفها في عقله بل كما يراه ويعلم فضله تنبعث داعية التعظيم فتقيمه ويكون معظما إلا إذا قام لشغل آخر أو في غفلة واشتراط كون الصلاة ظهرا أداء فرضا في كونه امتثالا كاشتراط كون القيام مقرونا بالدخول مع الإقبال بالوجه على الداخل وانتفاء باعث آخر سواه وقصد التعظيم به ليكون تعظيما فإنه لو قام مدبرا عنه أو صبر فقام بعد ذلك بمدة لم يكن معظما ثم هذه الصفات لا بد وأن تكون معلومة وأن تكون مقصودة ثم لا يطول حضورها في النفس في لحظة واحدة وإنما يطول نظم الألفاظ الدالة عليها إما تلفظا باللسان وإما تفكرا بالقلب فمن لم يفهم نية الصلاة على هذا الوجه فكأنه لم يفهم النية فليس فيه إلا أنك دعيت إلى أن تصلي في وقت فأجبت وقمت فالوسوسة محض الجهل فإن هذه القصود وهذه العلوم تجتمع في النفس في حالة واحدة ولا تكون مفصلة الآحاد في الذهن بحيث تطالعها النفس وتتأملها وفرق بين حضور الشيء في النفس وبين تفصيله بالفكر والحضور مضاد للعزوب والغفلة وإن لم يكن مفصلا فإن من علم الحادث مثلا فيعلمه بعلم واحد في حالة واحدة وهذا العلم يتضمن علوما هي حاضرة وإن لم تكن مفصلة فإن من علم الحادث فقد علم الموجود والمعدوم والتقدم والتأخر والزمان وأن التقدم للعدم وأن التأخر للوجود فهذه العلوم منطوية تحت العلم بالحادث بدليل أن العالم بالحادث إذا لم يعلم غيره لو قيل له هل علمت التقدم فقط أو التأخر أو العدم أو تقدم العدم أو تأخر الوجود أو الزمان المنقسم إلى المتقدم والمتأخر فقال ما عرفته قط كان كاذبا وكان قوله مناقضا لقوله إني أعلم الحادث ومن الجهل بهذه الدقيقة يثور الوسواس فإن الموسوس يكلف نفسه أن يحضر في قلبه الظهرية والأدائية والفرضية في حالة واحدة مفصلة بألفاظها وهو يطالعها وذلك محال ولو كلف نفسه ذلك في القيام لأجل العالم لتعذر عليه فبهذه المعرفة يندفع الوسواس وهو أن امتثال أمر الله سبحانه في النية كامتثال أمر غيره ثم أزيد على سبيل التسهيل والترخص وأقول لو لم يفهم الموسوس النية إلا بإحضار هذه الأمور مفصلة ولم يمثل في نفسه الامتثال دفعة واحدة وأحضر جملة ذلك في أثناء التكبير من أوله إلى أخره بحيث لا يفرغ من التكبير إلا وقد حصلت النية كفاه ذلك ولا نكلفه أن يقرن الجميع بأول التكبير أو آخره فإن ذلك تكليف شطط ولو كان مأمورا به لوقع للأولين سؤال عنه ولوسوس واحد من الصحابة في النية فعدم وقوع ذلك دليل على أن الأمر على التساهل فكيفما تيسرت النية للموسوس ينبغي أن يقنع به حتى يتعود ذلك وتفارقه الوسوسة ولا يطالب نفسه بتحقيق ذلك فإن التحقيق يزيد في الوسوسة وقد ذكرنا في الفتاوى وجوها من التحقيق في تحقيق العلوم والقصود المتعلقة بالنية تفتقر العلماء إلى معرفتها أما العامة فربما ضرها سماعها ويهيج عليها الوسواس فلذلك تركناها مسألة ينبغي أن لا يتقدم المأموم على الإمام في الركوع والسجود والرفع منهما ولا في سائر الأعمال ولا ينبغي أن يساويه بل يتبعه ويقفو أثره فهذا معنى الاقتداء فإن ساواه عمدا لم تبطل صلاته كما لو وقف بجنيه غير متأخر عنه فإن تقدم عليه ففي بطلان صلاته خلاف ولا يبعد أن يقضي بالبطلان تشبيها بما لو تقدم في الموقف على الإمام بل هذا أولى لأن الجماعة اقتداء في الفعل لا في الموقف فالتبعية في الفعل أهم وإنما شرط ترك التقدم في الموقف تسهيلا للمتابعة في الفعل وتحصيلا لصورة التبعية إذ اللائق بالمقتدى به أن يتقدم فالتقدم عليه في الفعل لا وجه له إلا أن يكون سهوا ولذلك شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم النكير فيه فقال أما يخشىالذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار حديث أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام متفق عليه من حديث أبي هريرة وأما التأخر عنه بركن واحد فلا يبطل الصلاة وذلك بأن يعتدل الإمام عن ركوعه وهو بعد لم يركع ولكن التأخر إلى هذا الحد مكروه فإن وضع الإمام جبهته على الأرض وهو بعد لم ينته إلى حد الراكعين بطلت صلاته وكذا إن وضع الإمام جبهته للسجود الثاني وهو بعد لم يسجد السجود الأول مسألة حق على من حضر الصلاة إذا رأى من غيره إساءة في صلاته أن يغيره وينكر عليه وإن صدر من جاهل رفق بالجاهل وعلمه فمن ذلك الأمر بتسوية الصفوف ومنع المنفرد بالوقوف خارج الصف والإنكار على من يرفع رأسه قبل الإمام إلى غير ذلك من الأمور فقد قال صلى الله عليه وسلم ويل للعالم من الجاهل حيث لا يعلمه حديث ويل للعالم من الجاهل الحديث أخرجه صاحب مسند الفردوس من حديث أنس بسند ضعيف وقال ابن مسعود رضي الله عنه من رأى من يسيء صلاته فلم ينهه فهو شريكه في وزرها وعن بلال بن سعد أنه قال الخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها فإذا أظهرت فلم تغير أضرت بالعامة وجاء في الحديث أن بلالا كان يسوي الصفوف ويضرب عراقيبهم بالدرة حديث أن بلالا كان يسوي الصفوف ويضرب عراقيبهم بالدرة لم أجده وعن عمر رضي الله عنه قال تفقدوا إخوانكم في الصلاة فإذا فقدتموهم فإن كانوا مرضى فعودوهم وإن كانوا أصحاء فعاتبوهم والعتاب إنكار على من ترك الجماعة ولا ينبغي أن يتساهل فيه وقد كان الأولون يبالغون فيه حتى كان بعضهم يحمل الجنازة إلى بعض من تخلف عن الجماعة إشارة إلى أن الميت هو الذي يتأخر عن الجماعة دون الحي ومن دخل المسجد ينبغي أن يقصد يمين الصف ولذلك تزاحم الناس عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قيل له تعطلت الميسرة فقال صلى الله عليه وسلم من عمر ميسرة المسجد كان له كفلان من الأجر حديث قيل له قد تعطلت الميسرة فقال من عمر ميسرة المسجد الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث عمر بسند ضعيف ومهما وجد غلاما في الصف ولم يجد لنفسه مكانا فله أن يخرجه إلى خلف ويدخل فيه أعني إذا لم يكن بالغا وهذا ما أردنا أن نذكره من المسائل التي تعم بها البلوى وسيأتي أحكام الصلوات المتفرقة في كتاب الأوراد إن شاء الله تعالى الباب السابع في النوافل من الصلوات اعلم أن ما عدا الفرائض من الصلوات ينقسم إلى ثلاثة أقسام سنن ومستحبات وتطوعات ونعني بالسنن ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المواظبة عليه كالرواتب عقيب الصلوات وصلاة الضحى والوتر والتهجد وغيرها لأن السنة عبارة عن الطريق المسلوكة ونعني بالمستحبات ما ورد الخبر بفضله ولم ينقل المواظبة عليه كما سننقله في صلوات الأيام والليالي في الأسبوع وكالصلاة عند الخروج من المنزل والدخول فيه وأمثاله ونعني بالتطوعات ما وراء ذلك مما لم يرد في عينه أثر ولكنه تطوع به العبد من حيث رغب في مناجاة الله عز وجل بالصلاة التي ورد الشرع بفضلها مطلقا فكأنه متبرع به إذا لم يندب إلى تلك الصلاة بعينها وإن ندب إلى الصلاة مطلقا والتطوع عبارة عن التبرع وسميت الأقسام الثلاثة نوافل من حيث إن النفل هو الزيادة وجملتها زائد على الفرائض فلفظ النافلة والسنة والمستحب والتطوع أردنا الإصطلاح عليه لتعريف هذه المقاصد ولا حرج على من يغير هذا الإصطلاح فلا مشاحة في الألفاظ بعد فهم المقاصد وكل قسم من هذه الأقاسم تتفاوت درجاته فيالفضل بحسب ما ورد فيها من الأخبار والآثار المعرفة لفضلها وبحسب طول مواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وبحسب صحة الأخبار الواردة فيها واشتهارها ولذلك يقال سنن الجماعات أفضل من سنن الانفراد وأفضل سنن الجماعات صلاة العيد ثم الكسوف ثم الاستسقاء وأفضل سنن الانفراد الوتر ثم ركعتا الفجر ثم ما بعدهما من الرواتب على تفاوتها واعلم أن النوافل باعتبار الإضافة إلى معلقاتها تنقسم إلى ما يتعلق بأسباب كالكسوف والاستسقاء وإلى ما يتعلق بأوقات والمتعلق بالأوقات ينقسم إلى ما يتكرر بتكرر اليوم والليلة أو بتكرر الأسبوع أو بتكرر السنة فالجملة أربعة أقسام القسم الأول ما يتكرر بتكرر الأيام والليالي وهي ثمانية خمسة هي رواتب الصلوات الخمس وثلاثة وراءها وهي صلاة الضحى وإحياء ما بين العشاءين والتهجد الأولى راتبة الصبح وهي ركعتان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها حديث ركعتا الفجر خير من الدنيا الحديث أخرجه مسلم من حديث عائشة ويدخل وقتها بطلوع الفجر الصادق وهو المستطير دون المستطيل وإدراك ذلك بالمشاهدة عسير في أوله إلا أن يتعلم منازل القمر أو يعلم اقتراع طلوعه بالكواكب الظاهرة للبصر فيستدل بالكواكب عليه ويعرف بالقمر في ليلتين من الشهر فإن القمر يطلع مع الفجر في ليلة ست وعشرين ويطلع الصبح مع غروب القمر ليلة اثني عشر من الشهر هذا هو الغالب ويتطرق إليه تفاوت في بعض البروج وشرح ذلك يطول وتعلم منازل القمر من المهمات للمريد حتى يطلع به على مقادير الأوقات بالليل وعلى الصبح ويفوت وقت ركعتي الفجر بفوات وقت فريضة الصبح وهو طلوع الشمس ولكن السنة أداؤهما قبل الفرض فإن دخل المسجد وقد قامت الصلاة فليشتغل بالمكتوبة فإنه صلى الله عليه وسلم قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة حديث إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ثم إذا فرغ من المكتوبة قام إليهما وصلاهما والصحيح أنهما أداء ما وقعتا قبل طلوع الشمس لأنهما تابعتان للفرض في وقته وإنما الترتيب بينهما سنة في التقديم والتأخير إذا لم يصادف جماعة فإذا صادف جماعة انقلب الترتيب وبقيتا أداء والمستحب أن يصليهما في المنزل ويخففهما ثم يدخل المسجد ويصلي ركعتين تحية المسجد ثم يجلس ولا يصلي إلى أن يصلي المكتوبة وفيما بين الصبح إلى طلوع الشمس الأحب فيه الذكر والفكر والاقتصار على ركعتي الفجر والفريضة الثانية راتبة الظهر وهي ست ركعات ركعتان بعدها وهي أيضا سنة مؤكدة وأربع قبلها وهي أيضا سنة وإن كانت دون الركعتين الأخيرتين روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى أربع ركعات بعد زوال الشمس يحسن قراءتهن وركوعهن وسجودهن صلى معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى الليل حديث أبي هريرة من صلىأربع ركعات بعد زوال الشمس يحسن قراءتهن الحديث ذكره عبد الملك بن حبيب بلاغا من حديث أبي مسعود ولم أره من حديث أبي هريرة وكان صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعا بعد الزوال يطيلهن ويقول إن أبواب السماء تفتح في هذه الساعة فأحب أن يرفع لي فيها عمل حديث أبي أيوب كان لا يدع أربعا بعد الزوال الحديث أخرجه أحمد بسند ضعيف نحوه وهو عند أبي داود وابن ماجه مختصرا وروى الترمذي نحوه من حديث عبد الله بن السائب وقال حسن رواه أبو أيوب الأنصاري وتفرد به ودل عليه أيضا ما روت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى في كل يوم اثنتي عشرة ركعة غير المكتوبة بني له بيت في الجنةركعتين قبل الفجر وأربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين قبل العصر وركعتين بعد المغرب حديث أم حبيبة من صلى في يوم اثنتي عشرة ركعة الحديث أخرجه النسائي والحاكم وصحح إسناده على شرط مسلم ورواه مسلم مختصرا ليس فيه تعيين أوقات الركعات وقال ابن عمر رضي الله عنهما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم عشر ركعات حديث ابن عمر حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم عشر ركعات الحديث متفق عليه واللفظ للبخاري ولم يقل في كل يوم فذكر ما ذكرته أم حبيبة رضي الله عنها إلا ركعتي الفجر فإنه قال تلك ساعة لم يكن يدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حدثتني أختي حفصة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين في بيتها ثم يخرج وقال في حديثه ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد العشاء فصارت الركعتان قبل الظهر آكد من جملة الأربعة ويدخل وقت ذلك بالزوال والزوال يعرف بزيادة ظل الأشخاص المنتصبة مائلة إلى جهة الشرق إذ يقع للشخص ظل عند الطلوع في جانب المغرب يستطيل فلا تزال الشمس ترتفع والظل ينقص وينحرف عن جهة المغرب إلى أن تبلغ الشمس منتهى ارتفاعها وهو قوس نصف النهار فيكون ذلك منتهى نقصان الظل فإذا زالت الشمس عن منتهى الارتفاع أخذ الظل في الزيادة فمن حيث صارت الزيادة مدركة بالحس دخل وقت الظهر ويعلم قطعا أن الزوال في علم الله سبحانه وقع قبله ولكن التكاليف لا ترتبط إلا بما يدخل تحت الحس والقدر الباقي من الظل الذي منه يأخذ في الزيادة يطول في الشتاء ويقصر في الصيف ومنتهى طوله بلوغ الشمس أول الجدي ومنتهى قصره بلوغها أول السرطان ويعرف ذلك بالأقدام والموازين ومن الطرق القريبة من التحقيق لمن أحسن مراعاته أن يلاحظ القطب الشمالي بالليل ويضع على الأرض لوحا مربعا وضعا مستويا بحيث يكون أحد أضلاعه من جانب القطب بحيث لو توهمت سقوط حجر من القطب إلى الأرض ثم توههمت خطا من مسقط الحجر إلى الضلع الذي يليه من اللوح لقام الخط على الضلع على زاويتين قائمتين أي لا يكون الخط مائلا إلى أحد الضلعين ثم تنصب عمودا على اللوح نصبا مستويا في موضع علامة وهو بإزاء القطب فيقع ظله على اللوح في أول النهار مائلا إلى جهة المغرب في صوب خط أ ثم لا يزال يميل على أن ينطبق على خط ب بحيث لو مد رأسه لانتهى على الاستقامة إلى مسقط الحجر ويكون موازيا للضلع الشرقي والغربي غير مائل إلى أحدهما فإذا بطل ميله إلى الجانب الغربي فالشمس في منتهى الإرتفاع فإذا انحرف الظل عن الخط الذي على اللوح إلى جانب الشرق فقد زالت الشمس وهذا يدرك بالحس تحقيقا في وقت هو قريب من أول الزوال في علم الله تعالى ثم يعلم على رأس الظل عند انحرافه علامة فإذا صار الظل من تلك العلامة مثل العمود دخل وقت العصر فهذا القدر لا بأس بمعرفته في علم الزوال وهذه صورته الثالثة راتبة العصر وهي أربع ركعات قبل العصر روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال رحم الله عبدا صلى قبل العصر أربعا حديث أبي هريرة رحم الله عبدا صلى أربعا قبل العصر أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان من حديث ابن عمر وأعله ابن القطان ولم أره من حديث أبي هريرة ففعل ذلك على رجاء الدخول في دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم مستحب استحبابا مؤكدا فإن دعوته تستجاب لا محالة له ولم تكن مواظبته على السنة قبل العصر كمواظبته على ركعتين قبل الظهر الرابعة راتبة المغرب وهما ركعتان بعد الفريضة لمتختلف الرواية فيهما وأما ركعتان قبلهما بين أذان المؤذن وإقامة المؤذن على سبيل المبادرة فقد نقل عن جماعة من الصحابة كأبي بن كعب وعبادة بن الصامت وأبي ذر وزيد بن ثابت وغيرهم قال عبادة أو غيره كان المؤذن إذا أذن لصلاة المغرب ابتدر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السواري يصلون ركعتين حديث عبادة أو غيره في ابتدار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السواري إذا أذن لصلاة المغرب متفق عليه من حديث أنس لا من حديث عبادة وروى عبد الله بن أحمد في زيادات المسند أن أبي بن كعب وعبد الرحمن بن عوف كانا يركعان حين تغرب الشمس ركعتين قبل المغرب وقال بعضهم كنا نصلي الركعتين قبل المغرب حتى يدخل الداخل فيحسب أنا صلينا فيسأل أصليتم المغرب حديث كنا نصلي الركعتين قبل المغرب حتى يدخل الداخل فيحسب أنا صلينا أخرجه مسلم من حديث أنس وذلك يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة لمن شاء حديث بين كل أذانين صلاة لمن شاء متفق عليه من حديث عبد الله بن مغفل وكان أحمد بن حنبل يصليهما فعابه الناس فتركهما فقيل له في ذلك فقال لم أر الناس يصلونهما فتركتهما وقال لئن صلاهما الرجل في بيته أو حيث لا يراه الناس فحسن ويدخل وقت المغرب بغيبوبة الشمس عن الأبصار في الأراضي المستوية التي ليست محفوفة بالجبال فإن كانت محفوفة بها في جهة المغرب فيتوقف إلى أن يرى إقبال السواد من جانب المشرق قال صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم حديث إذا أقبل الليل من ههنا الحديث متفق عليه من حديث عمر والأحب المبادرة في صلاة المغرب خاصة وإن أخرت وصليت قبل غيبوبة الشفق الأحمر وقعت أداء ولكنه مكروه وأخر عمر رضي الله عنه صلاة المغرب ليلة حتى طلع نجم فأعتق رقبة وأخرها ابن عمر حتى طلع كوكبان فأعتق رقبتين الخامسة راتبة العشاء الآخرة أربع ركعات بعد الفريضة قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العشاء الآخرة أربع ركعات ثم ينام حديث عائشة كان يصلي بعد العشاء الآخرة أربع ركعات ثم ينام أخرجه أبو داود واختار بعض العلماء من مجموع الأخبار أن يكون عدد الرواتب سبع عشرة كعدد المكتوبة ركعتان قبل الصبح وأربع قبل الظهر وركعتان بعدها وأربع قبل العصر وركعتان بعد المغرب وثلاث بعد العشاء الآخرة وهي الوتر حديث الوتر بثلاث بعد العشاء أخرجه أحمد واللفظ له والنسائي من حديث عائشة كان يوتر بثلاث لا يفصل بينهن ومهما عرفت الأحاديث الواردة فيه فلا معنى للتقدير فقد قال صلى الله عليه وسلم الصلاة خير موضع فمن شاء أكثر ومن شاء أقل حديث الصلاة خير موضع أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه من حديث أبي ذر فإذا اختيار كل مريد من هذه الصلاة بقدر رغبته في الخير فقد ظهر فيما ذكرناه أن بعضها آكد من بعض وترك الآكد أبعد لا سيما والفرائض تكمل بالنوافل فمن لم يستكثر منها يوشك أن لا تسلم له فريضة من غير جابر السادسة الوتر قال أنس بن مالك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بعد العشاء بثلاث ركعات يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد حديث أنس كان يوتر بعد العشاء بثلاث ركعات يقرأ في الأولى سبح الحديث أخرجه ابن عدي في ترجمة محمد بن أبان ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس بسند صحيح وجاء في الخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسا وفي بعضها متربعا حديث كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسا أخرجه مسلم من حديث عائشة وفي بعض الأخبار إذا أراد أن يدخل فراشه زحف إليه وصلى فوقه ركعتين قبل أن يرقد يقراء فيهما إذا زلزلت الأرض وسورة التكاثر حديث إذا أراد أن يدخل فراشه زحف إليه ثم صلى ركعتين الحديث أخرجه البيهقي من حديث أبي أمامة وأنس نحوه وضعفه وليس فيه زحف إليه ولا ذكر ألهاكم التكاثر وفي رواية أخرى قل يا أيها الكافرون ويجوز الوتر مفصولا وموصولا بتسليمة واحدةوتسليمتين وقد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم بركعة حديث الوتر بركعة متفق عليه من حديث ابن عمر وهو لمسلم من حديث عائشة وثلاث حديث الوتر بثلاث تقدم وخمس حديث الوتر بخمس من حديث عائشة يوتر من ذلك بخمس ولا يجلس في شىء إلا في آخرها وهكذا بالأوتار حديث الوتر بسبع أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي واللفظ من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كبر وضعف أوتر بسبع ركعات لا يقعد إلا في السادسة ثم ينهض ولا يسلم فيصلي السابعة حديث الوتر بتسع أخرجه مسلم من حديث عائشة وهو في الذي قبله إلى إحدى عشرة ركعة حديث الوتر بإحدى عشرة أخرجه أبو داود بإسناد صحيح من حديث عائشة كان يوتر أربع وثلاث وست وثلاث وثمان وثلاث وعشر وثلاث الحديث ولمسلم من حديثها كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة الحديث والرواية مترددة في ثلاث عشرة حديث الوتر بثلاث عشرة تقدم في الذي قبله وللترمذي والنسائي من حديث أم سلمة كان يوتر بثلاث عشرة وقال الترمذي حسن ولمسلم من حديث عائشة كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة زاد في رواية بركعتي الفجر وفي حديث شاذ سبع عشرة ركعة حديث الوتر سبع عشرة أخرجه ابن المبارك من حديث طاوس مرسلا كان يصلي سبع عشرة ركعة من الليل وكانت هذه الركعات أعني ما سمينا جملتها وترا صلاة بالليل وهو التهجد والتهجد بالليل سنة مؤكدة وسيأتي ذكر فضائلها في كتاب الأوراد وفي الأفضل خلاف فقيل إن الإيتار بركعة فردة أفضل إذ صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يواظب على الإيتار بركعة فردة وقيل الموصولة أفضل للخروج عن شبهة الخلاف لا سيما الإمام إذ قد يقتدي به من لا يرى الركعة الفردة صلاة فإن صلى موصولا نوى بالجميع الوتر وإن اقتصر على ركعة واحدة بعد ركعتي العشاء أو بعد فرض العشاء نوى الوتر وصح لأن شرط الوتر أن يكون في نفسه وترا وأن يكون موترا لغيره مما سبق قبله وقد أوتر الفرض ولو أوتر قبل العشاء لم يصح أي لا ينال فضيلة الوتر الذي هو خير له من حمر النعم حديث الوتر خير من حمر النعم أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث خارجة بن حذافة إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وضفه البخاري وغيره كما ورد به الخبر وإلا فركعة فردة صحيحة في أي وقت كان وإنما لم يصح قبل العشاء لأنه خرق إجماع الخلق في الفعل ولأنه لم يتقدم ما يصير به وترا فأما إذا أراد أن يوتر بثلاث مفصولة ففي نيته في الركعتين نظر فإنه إن نوى بهما التهجد أو سنة العشاء لم يكن هو من الوتر وإن نوى الوتر لم يكن هو في نفسه وترا وإنما الوتر ما بعده ولكن الأظهر أن ينوى الوتر كما ينوى في الثلاث الموصولة الوتر ولكن للوتر معنيان أحدهما أن يكون في نفسه وترا والآخر أن ينشأليجعل وترا بما بعده فيكون مجموع الثلاثة وترا والركعتان من جملة الثلاث إلا أن وتريته موقوفة على الركعة الثالثة وإذا كان هو على عزم أن يوترهما بثالثة كان له أن ينوي بهما الوتر والركعة الثالثة وتر بنفسها وموترة لغيرها والركعتان لا يوتران غيرهما وليستا وترا بأنفسهما ولكنهما موترتان بغيرهما والوتر ينبغي أن يكون آخر صلاة الليل فيقع بعد التهجد وسيأتي فضائل الوتر والتهجد وكيفية الترتيب بينهما في كتاب ترتيب الأوراد السابعة صلاة الضحى فالمواظبة عليها من عزائم الأفعال وفواضلها أما عدد ركعاتها فأكثر ما نقل فيه ثمان ركعات روت أم هانىء أخت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ثماني ركعات أطالهن وحسنهن حديث أم هانىء صلى الضحى ثماني ركعات أطالهن وأحسنهن متفق عليه دون زيادة أطالهن وأحسنهن وهي منكرة ولم ينقل هذا القدر غيرها فأما عائشة رضي الله عنها فإنها ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله سبحانه حديث عائشة كان يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله أخرجه مسلم فلم تحد الزيادة إلى أنه كان يواظب على الأربعة ولا ينقص منها وقد يزيد زيادات وروى في حديث مفرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى ست ركعات حديث كان يصلي الضحى ست ركعات أخرجه الحاكم في فضل صلاة الضحى من حديث جابر ورجاله ثقات وأما وقتها فقد روى علي رضي الله عنه أنهصلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى ستا في وقتين إذا أشرقت الشمس وارتفعت قام وصلى ركعتين وهو أول الورد الثاني من أوراد النهار كما سيأتي وإذا انبسطت الشمس وكانت في ربع السماء من جانب الشرق صلى أربعا حديث كان إذا أشرقت وارتفعت قام وصلى ركعتين وإذا انبسطت الشمس وكانت في ربع النهار من جانب المشرق صلى أربعا أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث علي كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس من مطلعها قيد رمح أو رمحين كقدر صلاة العصر من مغربها صلى ركعتين ثم أمهل حتى إذا ارتفع الضحى صلى أربع ركعات لفظ النسائي وقال الترمذي حسن فالأول إنما يكون إذا ارتفعت الشمس قيد نصف رمح والثاني إذا مضى من النهار ربعه بإزاء صلاة العصر فإن وقته أن يبقى من النهار ربعه والظهر على منتصف النهار ويكون الضحى على منتصف ما بين طلوع الشمس إلى الزوال كما أن العصر على منتصف ما بين الزوال إلى الغروب وهذا أفضل الأوقات ومن وقت ارتفاع الشمس إلى ما قبل الزوال وقت للضحى على الجملة الثامنة إحياء ما بين العشاءين وهي سنة مؤكدة ومما نقل عدده من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العشاءين ست ركعات حديث صلى بين العشاءين ست ركعات أخرجه ابن منده في الضحى والطبراني في الأوسط والأصغر من حديث عمار بن ياسر بسند ضعيف والترمذي وضعفه من حديث أبي هريرة من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة ولهذه الصلاة فضل عظيم وقيل إنها المراد بقوله عز وجل تتجافى جنوبهم عن المضاجع وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى بين المغرب والعشاء فإنها من صلاة الأوابين حديث من صلى بين والمغرب والعشاء فإنها من صلاة الأوابين أخرجه ابن المباركك في الرقائق من رواية ابن المنذر مرسلا وقال صلى الله عليه وسلم من عكف نفسه فيما بين المغرب والعشاء في مسجد جماعة لم يتكلم إلا بصلاة أو بقرآن كان حقا على الله أن يبني له قصرين في الجنة مسيرة كل قصر منهما مائة عام ويغرس له بينهما غراسا لوطافة أهل الأرض لوسعهم حديث من عكف نفسه بين المغرب والعشاء في مسجد جماعة أخرجه أبو الوليد الصفار في كتاب الصلاة من طريق عبد الملك بن حبيب بلاغا له من حديث عبد الله بن عمر وسيأتي بقية فضائلها في كتاب الأوراد إن شاء الله تعالى القسم الثاني ما يتكرر بتكرر الأسابيع وهي صلاة أيام الأسبوع ولياليه لكل يوم ولكل ليلة أما الأيام فنبدأ فيها بيوم الأحد يوم الأحد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى يوم الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وآمن الرسول مرة كتب الله له بعدد كل نصراني ونصرانية حسنات وأعطاه الله ثواب نبي وكتب له حجة وعمرة وكتب له بكل ركعة ألف صلاة وأعطاه الله في الجنة بكل حرف مدينة من مسك أذفر حديث من صلى يوم الأحد أربع ركعات الحديث أخرجه أبو موسى المديني من حديث أبي هريرة بسند ضعيف وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وحدوا الله بكثرة الصلاة يوم الأحد فإنه سبحانه واحد لا شريك له فمن صلى يوم الأحد بعد صلاة الظهر أربع ركعات بعد الفريضة والسنة يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وتنزيل السجدة وفي الثانية فاتحة الكتاب وتبارك الملك ثم تشهد وسلم ثم قام فصلى ركعتين أخريين يقرأ فيهما فاتحة الكتاب وسورة الجمعة وسأل الله سبحانه حاجته كان حقا على الله أن يقضي حاجته حديث علي وحدوا الله بكثرة الصلاة يوم الأحد الحديث ذكره أبو موسى المديني فيه بغير إسناد يوم الإثنين روى جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى يوم الإثنين عند ارتفاع النهار ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة وقل هو الله أحد والمعوذتين مرة مرة فإذا سلماستغفر الله عشر مرات وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم عشر مرات غفر الله تعالى له ذنوبه كلها حديث جابر من صلى يوم الإثنين عند ارتفاع النهار ركعتين الحديث أخرجه أبو موسى المديني من حديث جابر عن عمر مرفوعا وهو حديث منكر وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى يوم الإثنين ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة فإذا فرغ قرأ قل هو الله أحد اثنتي عشرة واستغفر اثنتي عشرة مرة ينادي به يوم القيامة أين فلان بن فلان ليقم فليأخذ ثوابه من الله عز وجل فأول ما يعطى من الثواب ألف حلة ويتوج ويقال له ادخل الجنة فيستقبله مائة ألف ملك مع كل ملك هدية يشيعونه حتى يدور على ألف قصر من نور يتلألأ حديث أنس من صلى يوم الإثنين اثنتي عشرة ركعة الحديث ذكره أبو موسى المديني بغير سند وهو منكر يوم الثلاثاء روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال قال صلى الله عليه وسلم من صلى يوم الثلاثاء عشر ركعات عند انتصاف النهار حديث يزيد الرقاشي عن أنس من صلى يوم الثلاثاء عشر ركعات عند انتصاف النهار الحديث أخرجه أبو موسى المديني بسند ضعيف ولم يقل عند انتصاف النهار ولا عند ارتفاعه وفي حديث آخر عند ارتفاع النهار يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات لم تكتب عليه خطيئة إلى سبعين يوما فإن مات إلى سبعين يوما مات شهيدا وغفر له ذنوب سبعين سنة يوم الأربعاء روى أبو إدريس الخولاني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى يوم الأربعاء ثنتي عشرة ركعة عند ارتفاع النهار يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات والمعوذتين ثلاث مرات نادى مناد عند العرش يا عبد الله استأنف العمل فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك ورفع الله سبحانه عنك عذاب القبر وضيقه وظلمته ورفع عنك شدائد القيامة ورفع له من يومه عمل نبي حديث أبي إدريس الخولاني عن معاذ من صلى يوم الأربعاء اثنتي عشرة ركعة الحديث أخرجه أبو موسى المديني وقال رواته ثقات والحديث مركب قلت بل فيه غير مسمى وهو محمد بن حميد الرازي أحد الكذابين يوم الخميس عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى يوم الخميس بين الظهر والعصر ركعتين يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وآية الكرسي مائة مرة وفي الثانية فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد مائة مرة ويصلي على محمد مائة مرة أعطاه الله ثواب من صام رجب وشعبان ورمضان وكان له من الثواب مثل حاج البيت وكتب له بعدد كل من آمن بالله سبحانه وتوكل عليه حسنة حديث عكرمة عن ابن عباس من صلى يوم الخميس بين الظهر والعصر ركعتين الحديث أخرجه أبو موسى المديني بسند ضعيف جدا يوم الجمعة روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الجمعة صلاة كله ما من عبد مؤمن قام إذا استقلت الشمس وارتفعت قدر رمح أو أكثر من ذلك فتوضأ ثم أسبغ الوضوء فصلى سبحة الضحى ركعتين إيمانا واحتسابا إلا كتب الله له مائتي حسنة ومحا عنه مائتي سيئة ومن صلى أربع ركعات رفع الله سبحانه له في الجنة أربعمائة درجة ومن صلى ثماني ركعات رفع الله تعالى له في الجنة ثمانمائة درجة وغفر له ذنوبه كلها ومن صلى ثنتي عشرة ركعة كتب الله له ألفين ومائتي حسنة ومحا عنه ألفين ومائتي سيئة ورفع له في الجنة ألفين ومائتي درجة حديث علي يوم الجمعة صلاة كله ما من عبد مؤمن قام إذا استقلت الشمس الحديث لم أجد له أصلا وهو باطل وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من دخل الجامعيوم الجمعة فصلى أربع ركعات قبل صلاة الجمعة يقرأ في كل ركعة الحمد لله وقل هو الله أحد خمسين مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له حديث نافع عن ابن عمر من دخل الجامع يوم الجمعة فصلى أربع ركعات الحديث أخرجه الدار قطني في غرائب مالك وقال لا يصح وعبد الله بن وصيف مجهول والخطيب في الرواة عن مالك وقال غريب جدا ولا أعرف له وجها غير هذا يوم السبت روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى يوم السبت أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات فإذا فرغ قرأ آية الكرسي كتب الله له بكل حرف حجة وعمرة ورفع له بكل حرف أجر سنة صيام نهارها وقيام ليلها وأعطاه الله عز وجل بكل حرف ثواب شهيد وكان تحت ظل عرش الله مع النبيين والشهداء حديث أبي هريرة من صلى يوم السبت أربع ركعات الحديث أخرجه أبو موسى المديني في كتاب وظائف الليالي والأيام بسند ضعيف جدا وأما الليالي ليلة الأحد روى أنس بن مالك في ليلة الأحد أنه صلى الله عليه وسلم قال من صلى ليلة الأحد عشرين ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد خمسين مرة والمعوذتين مرة مرة واستغفر الله عز وجل مائة مرة واستغفر لنفسه ولوالديه مائة مرة وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة وتبرأ من حوله وقوته والتجأ الله إلى ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن آدم صفوة الله وفطرته وإبراهيم خليل الله وموسى كليم الله وعيسى روح الله ومحمدا حبيب الله كان له من الثواب بعدد من دعا لله ولدا ومن لم يدع لله ولدا وبعثه الله عز وجل يوم القيامة مع الآمنين وكان حقا على الله تعالى أن يدخله الجنة مع النبيين حديث من صلى ليلة الأحد عشرين ركعة الحديث ذكره أبو موسى المديني بغير إسناد وهو منكر وروى أبو موسى من حديث أنس في فضل الصلاة فيها ست ركعات وأربع ركعات وكلاهما ضعيف جدا ليلة الإثنين روى الأعمش عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى ليلة الإثنين أربع ركعات يقرأ في الركعة الأولى الحمد لله وقل هو الله أحد عشر مرات وفي الركعة الثانية الحمد لله وقل هو الله أحد عشر مرات وفي الركعة الثانية الحمد لله وقل هو الله أحد عشرين مرة وفي الثالثة الحمد لله وقل هو الله أحد ثلاثين مرة وفي الرابعة الحمد لله وقل هو الله أحد أربعين مرة ثم يسلم ويقرأ قل هو الله أحد خمسا وسبعين مرة واستغفر الله لنفسه ولوالديه خمسا وسبعين مرة ثم سأل الله حاجته كان حقا على الله أن يعطيه سؤله ما سأل حديث الأعمش عن أنس من صلى ليلة الإثنين أربع ركعات الحديث ذكره أبو موسى المديني هكذا عن الأعمش بغير إسناد من رواية يزيد الرقاشي عن أنس حديثا في صلاة ست ركعات فيها وهو منكر وهي صلاة الحاجة ليلة الثلاثاء من صلى ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد والمعوذتين خمس عشرة مرة ويقرأ بعد التسليم خمس عشرة مرة آية الكرسي واستغفر الله تعالى خمس عشرة مرة كان له ثواب عظيم وأجر جسيم وروي عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى ليلة الثلاثاء ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وإنا أنزلناه وقل هو الله أحد سبع مرات أعتق الله رقبته من النار ويكون له يوم القيامة قائده ودليله إلى الجنة حديث الصلاة في ليلة الثلاثاء ركعتين الحديث ذكره أبو موسى بغير إسناد حكاية عن بعض المصنفين وأسند من حديث ابن مسعود وجابر حديثا في صلاة أربع ركعات فيها وكلها منكرة ليلة الأربعاء روت فاطمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى ليلة الأربعاء ركعتين يقرأ في الأول فاتحة الكتاب وقل أعوذ برب الفلق عشر مرات وفي الثانية بعد الفاتحة قل أعوذ برب الناس عشر مراتثم إذا سلم استغفر الله عشر مرات ثم يصلي على محمد صلى الله عليه وسلم عشر مرات نزل من كل سماء سبعون ألف ملك يكتبون ثوابه إلى يوم القيامة حديث من صلى ليلة الأربعاء ركعتين الحديث لم أجد فيه إلا حديث جابر في صلاة أربع ركعات فيها ورواه أبو موسى المديني وروى من حديث أنس ثلاثين ركعة وفي حديث آخر ست عشرة ركعة يقرأ بعد الفاتحة ما شاء الله ويقرأ في آخر الركعتين آية الكرسي ثلاثين مرة وفي الأوليين ثلاثين مرة قل هو الله أحد يشفع في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت عليهم النار وروت فاطمة رضي الله عنها أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى ليلة الأربعاء ست ركعات قرأ في ركعة بعد الفاتحة قل اللهم مالك الملك إلى آخر الآية فإذا فرغ من صلاته يقول جزى الله محمدا عنا ما هو أهله غفر له ذنوب سبعين سنة وكتب له براءة من النار حديث فاطمة من صلى ست ركعات أي ليلة الأربعاء الحديث أخرجه أبو موسى المديني بسند ضعيف جدا ليلة الخميس قال أبو هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى ليلة الخميس ما بين المغرب والعشاء ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي خمس مرات وقل هو الله أحد خمس مرات والمعوذتين خمس مرات فإذا فرغ من صلاته استغفر الله تعالى خمس عشرة مرة وجعل ثوابه لوالديه فقد أدى حق والديه عليه وإن كان عاقا لهما وأعطاه الله تعالى ما يعطي الصديقين والشهداء حديث أبي هريرة من صلى ليلة الخميس ما بين المغرب والعشاء ركعتين الحديث أخرجه أبو موسى المديني وأبو منصور الديلمي في مسند الفردوس بسند ضعيف جدا وهو منكر ليلة الجمعة قال جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى ليلة الجمعة بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة فكأنما عبد الله تعالى اثنتي عشرة سنة صيام نهارها وقيام ليلها حديث جابر من صلى ليلة الجمعة بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة الحديث باطل لا أصل له وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى ليلى الجمعة صلاة العشاء الآخرة في جماعة وصلى ركعتي السنة ثم صلى بعدهما عشر ركعات قرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد والمعوذتين مرة مرة ثم أوتر بثلاث ركعات ونام على جنبه الأيمن وجهه إلى القبله فكأنما أحيا ليلة القدر حديث أنس من صلى ليلة الجمعة العشاء الآخرة في جماعة وصلى ركعتي السنة ثم صلى بعدها عشر ركعات الحديث باطل لا أصل له وروى المظفر بن الحسين الأرجاني في كتاب فضائل القرآن وإبراهيم بن المظفر في كتاب وصول القرآن للميت من حديث أنس من صلى ركعتين ليلة الجمعة قرأ فيهما بفاتحة الكتاب وإذا زلزلت خمس عشرة مرة وقال إبراهيم بن المظفر خمسين مرة أمنه الله من عذاب القبر ومن أهوال يوم القيامة ورواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من هذا الوجه ومن حديث ابن عباس أيضا وكلها ضعيفة منكرة وليس يصح في أيام الأسبوع ولياليه شيء والله أعلم وقال صلى الله عليه وسلم أكثروا من الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر ليلة الجمعة ويوم الجمعة حديث أكثروا علي من الصلاة في الليلة الغراء واليوم الأزهر أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة وفيه عبد المنعم بن بشير ضعف ابن معين وابن حبان ليلة السبت قال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى ليلة السبت بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة بني له قصر في الجنة وكأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة وتبرأ من اليهود وكان حقا على الله أن يغفر له حديث أنس من صلى ليلة السبت بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة الحديث لم أجد له أصلا القسم الثالث ما يتكرر بتكرر السنين وهي أربعة صلاة العيدين والتراويح وصلاة رجب وشعبان الأولى صلاة العيدين وهي سنة مؤكدة وشعار من شعائر الدين وينبغي أن يراعى فيها سبعة أمور الأول التكبير ثلاثا نسقا فيقول الله أكبر الله أكبرالله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين ولو كره الكافرون يفتتح بالتكبير ليلة الفطر إلى الشروع في صلاة العيد وفي العيد الثاني يفتتح التكبير عقيب الصبح يوم عرفة إلى آخر النهار يوم الثالث عشر وهذا أكمل الأقاويل ويكبر عقيب الصلوات المفروضة وعقيب النوافل وهو عقيب الفرائض آكد الثاني إذا أصبح يوم العيد يغتسل ويتزين ويتطيب كما ذكرناه في الجمعة والرداء والعمامة هو الأفضل للرجال وليجنب الصبيان الحرير والعجائز التزين عند الخروج الثالث أن يخرج من طريق ويرجع من طريق آخر حديث الخروج في طريق والرجوع في أخرى أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور حديث كان يأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور متفق عليه من حديث أم عطية الرابع المستحب الخروج إلى الصحراء إلا بمكة وبيت المقدس فإن كان يوم مطر فلا بأس بالصلاة في المسجد ويجوز في يوم الصحو أن يأمر الإمام رجلا يصلي بالضعفة في المسجد ويخرج بالأقوياء مكبرين الخامس يراعي الوقت فوقت صلاة العيد ما بين طلوع الشمس إلى الزوال ووقت الذبح للضحايا ما بين ارتفاع الشمس بقدر خطبتين وركعتين إلى آخر اليوم الثالث عشر ويستحب تعجيل صلاة الأضحى لأجل الذبح وتأخير صلاة الفطر لأجل تفريق صدقة الفطر قبلها هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث تعجيل صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر أخرجه الشافعي من رواية أبي الحويرث مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران أن عجل الأضحى وأخر الفطر السادس في كيفية الصلاة فليخرج الناس مكبرين في الطريق وإذا بلغ الإمام المصلى لم يجلس ولم يتنفل ويقطع الناس التنفل ثم ينادي مناد الصلاة جامعة ويصلي الإمام بهم ركعتين يكبر في الأولى سوى تكبيرة الإحرام والركوع سبع تكبيرات يقول بين كل تكبيرتين سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ويقول وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض عقيب تكبيرة الافتتاح ويؤخر الاستعاذة إلى ما وراء الثامنة ويقرأ سورة ق في الأولى بعد الفاتحة واقتربت في الثانية والتكبيرات الزائدة في الثانية خمس سوى تكبيرتي القيام والركوع وبين كل تكبيرتين ما ذكرناه ثم يخطب خطبتين بينهما جلسة ومن فاتته صلاة العيد قضاها السابع أن يضحي بكبش ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين وذبح بيده وقال بسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي حديث ضحى بكبشين أملحين وذبح بيده وقال بسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي متفق عليه دون قوله عني الخ من حديث أنس وهذه الزيادة عند أبي داود والترمذي من حديث جابر وقال الترمذي غريب ومنقطع وقال صلى الله عليه وسلم من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حديث من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظفاره أخرجه من حديث أم سلمة قال أبو أيوب الأنصاري كان الرجل يضحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة عن أهل بيته ويأكلون ويطعمون حديث أبي أيوب كان الرجل يضحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاة عن أهله فيأكلون ويطعمون أخرجه الترمذي وابن ماجه قال الترمذي حسن صحيح وله أن يأكل من الضحية بعد ثلاثة أيام فما فوق وردت فيه الرخصة بعد النهي عنه وقال سفيان الثوري يستحب أن يصلي بعد عيد الفطر اثنتي عشرة ركعة وبعد عيد الأضحى ست ركعات قال سفيان الثوري من السنة أن يصلي بعد الفطر اثنتي عشرة ركعة وبعد الأضحى ست ركعات لم أجد له أصلا في كونه سنة وفي الحديث الصحيح ما يخالفه وهو أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها وقد اختلفوا في قول التابعي من السنة كذا وأما قول تابعي التابع كذلك كالثوري فهو مقطوع وقال هو من السنة الثانية التراويح وهي عشرون ركعةوكيفيتها مشهورة وهي سنة مؤكدة وإن كانت دون العيدين واختلفوا في أن الجماعة فيها أفضل أم الانفراد وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ليلتين أو ثلاثا للجماعة ثم لم يخرج وقال أخاف أن توجب عليكم حديث خروجه لقيام رمضان ليلتين أو ثلاثا ثم لم يخرج وقال أخاف أن يوجب عليكم متفق عليه من حديث عائشة بلفظ خشيت أن تفرض عليكم وجمع عمر رضي الله عنه الناس عليها في الجماعة حيث أمن من الوجوب بانقطاع الوحي فقيل إن الجماعة أفضل لفعل عمر رضى الله عنه ولأن الاجتماع بركة وله فضيلة بدليل الفرائض ولأنه ربما يكسل في الانفراد وينشط عند مشاهدة الجمع وقيل الإنفراد أفضل لأن هذه سنة ليست من الشعائر كالعيدين فإلحاقها بصلاة الضحى وتحية المسجد أولى ولم تشرع فيها جماعة وقد جرت العادة بأن يدخل المسجد جمع معا ثم لم يصلوا التحية بالجماعة ولقوله صلى الله عليه وسلم فضل صلاة التطوع في بيته على صلاته في المسجد كفضل صلاة المكتوبة في المسجد على صلاته في البيت حديث فضل صلاة التطوع في بيته على صلاته في المسجد كفضل صلاة المكتوبة في المسجد على صلاته في البيت رواه آدم بن أبي إياس في كتاب القوات من حديث ضمرة بن حبيب مرسلا ورواه ابن أبي شيبة في المصنف فجعله عن ضمرة بن حبيب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم موقوفا وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح من حديث زيد بن ثابت صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجدي هذا أفضل من مائة صلاة في غيره من المساجد وصلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة في مسجدي وأفضل من ذلك كله رجل يصلي في زاوية بيته ركعتين لا يعلمهما إلا الله عز وجل حديث صلاة في مسجدي هذا أفضل من مائة صلاة في غيره وصلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة في مسجدي وأفضل من هذا كله رجل يصلي ركعتين في زاوية بيته لا يعلمها إلا الله أخرجه أبو الشيخ في الثواب من حديث أنس صلاة في مسجدي تعدل بعشرة آلاف صلاة وصلاة في المسجد الحرام تعدل بمائة ألف صلاة والصلاة بأرض الرباط تعدل بألفي ألف صلاة وأكثر من ذلك كله الركعتان يصليهما العبد في جوف الليل لا يريد بهما إلا وجه الله عز وجل وإسناده ضعيف وذكر أبو الوليد الصفار في كتاب الصلاة تعليقا من حديث الأوزاعي قال دخلت على يحيى فأسند لي حديثا فذكره إلا أنه قال في الأولى ألف وفي الثانية مائة وهذا لأن الرياء والتصنع ربما يتطرق إليه في الجمع ويأمن منه في الوحدة فهذا ما قيل فيه والمختار أن الجماعة أفضل كما رآه عمر رضي الله عنه فإن بعض النوافل قد شرعت فيها الجماعة وهذا جدير بأن يكون من الشعائر التي تظهر وأما الإلتفات إلى الرياء في الجمع والكسل في الإنفراد عدول عن مقصود النظر في فضيلة الجمع من حيث إنه جماعة وكأن قائله يقول الصلاة خير من تركها بالكسل والإخلاص خير من الرياء فلنفرض المسألة فيمن يثق بنفسه أنه لا يكسل لو انفرد ولا يرائي لو حضر الجمع فأيهما أفضل له فيدور النظر بين بركة الجمع وبين مزيد قوة الإخلاص وحضور القلب في الوحدة فيجوز أن يكون في تفضيل أحدهما على الآخر تردد ومما يستحب القنوت في الوتر في النصف الأخير من رمضان أما صلاة رجب فقد روي بإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من أحد يصوم أول خميس من رجب ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة يفصل بين كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاث مرات وقل هو الله أحد اثنتي عشرة مرة فإذا فرغ من صلاته صلى علي سبعين مرة يقول اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آله ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة سبوح قدوس رب الملائكة والروح ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم ثم يسجد سجدة أخرى ويقول فيها مثل ما قال في السجدة الأولى ثم يسأل حاجته في سجوده فإنها تقضى حديث ما من أحد يصوم أول خميس من رجب الحديث في صلاة الرغائب أورده رزين في كتابه وهو حديث موضوع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي أحد هذه الصلاة إلا غفرالله تعالى له جميع ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وعدد الرمل ووزن الجبال وورق الأشجار ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار فهذه صلاة مستحبة وإنما أوردناها في هذا القسم لأنها تتكرر بتكرر السنين وإن كانت رتبتها لا تبلغ رتبة التراويح وصلاة العيد لأن هذه الصلاة نقلها الآحاد ولكني رأيت أهل القدس بأجمعهم يواظبون عليها ولا يسمحون بتركها فأحببت إيرادها وأما صلاة شعبان فليلة الخامس عشر منه يصلي مائة ركعة كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة وإن شاء صلى عشر ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة مائة مرة قل هو الله أحد فهذا أيضا مروي في جملة الصلوات كان السلف يصلون هذه الصلاة ويسمونها صلاة الخير ويجتمعون فيها وربما صلوها جماعة روي عن الحسن أنه قال حدثني ثلاثون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن من صلى هذه الصلاة في هذه الليلة نظر الله إليه سبعين نظرة وقضى له بكل نظرة سبعين حاجة أدناها المغفرة حديث صلاة ليلة نصف شعبان حديث باطل رواه ابن ماجه من حديث علي إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها وإسناده ضعيف القسم الرابع من النوافل ما يتعلق بأسباب عارضة ولا يتعلق بالمواقيت وهي تسعة صلاة الخسوف والكسوف والاستسقاء وتحية المسجد وركعتي الوضوء وركعتين بين الأذان والإقامة وركعتين عند الخروج من المنزل والدخول فيه ونظائر ذلك فنذكر منها ما يحضرنا الآن الأولى صلاة الخسوف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة حديث إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله الحديث أخرجاه من حديث المغيرة بن شعبة قال ذلك لما مات ولده إبراهيم صلى الله عليه وسلم وكسفت الشمس فقال الناس إنما كسفت لموته والنظر في كيفيتها ووقتها أما الكيفية فإذا كسفت الشمس في وقت الصلاة فيه مكروهة أو غير مكروهة نودي الصلاة جامعة وصلى الإمام بالناس في المسجد ركعتين وركع في كل ركعة ركوعين أوائلهما أطول من أواخرهما ولا يجهر فيقرأ في الأولى من قيام الركعة الأولى الفاتحة والبقرة وفي الثانية الفاتحة وآل عمران وفي الثالثة الفاتحة وسورة النساء وفي الرابعة الفاتحة وسورة المائدة أو مقدار ذلك من القرآن من حيث أراد ولو اقتصر على الفاتحة في كل قيام أجزأه ولو اقتصر على سور قصار فلا بأس ومقصود التطويل دوام الصلاة إلى الإنجلاء ويسبح في الركوع الأول قدر مائة آية وفي الثاني قدر ثمانين وفي الثالث قدر سبعين وفي الرابع قدر خمسين وليكن السجود على قدر الركوع في كل ركعة ثم يخطب خطبتين بعد الصلاة بينهما جلسة ويأمر الناس بالصدقة والعتق والتوبة وكذلك يفعل بخسوف القمر إلا أنه يجر فيها لأنها ليلية فأما وقتها فعند ابتداء الكسوف إلى تمام الإنجلاء ويخرج وقتها بأن تغرب الشمس كاسفة وتفوت صلاة خسوف القمر بأن يطلع قرص الشمس إذ يبطل سلطان الليل ولا تفوت بغروب القمر خاسفا لأن الليل كله سلطان القمر فإن انجلى في أثناء الصلاة أتمها مخففة ومن أدرك الركوع الثاني مع الإمام فقد فاتته تلك الركعة لأن الأصل هو الركوع الأول الثانية صلاة الاستسقاء فإذا غارت الأنهار وانقطعت الأمطار أو انهارت قناة فيستحب للإمام أن يأمر الناس أولا بصيام ثلاثة أيام وما أطاقوا من الصدقة والخروج من المظالم والتوبة من المعاصي ثم يخرج بهم في اليوم الرابع وبالعجائز والصبيان متنظفين في ثياب بذلة واستكانة متواضعين بخلاف العيد وقيل يستحبإخراج الدواب لمشاركتها في الحاجة ولقوله صلى الله عليه وسلم لولا صبيان رضع ومشايخ ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا حديث لولا صبيان رضع ومشايخ ركع الحديث أخرجه البيهقي وضعفه من حديث أبي هريرة ولو خرج أهل الذمة أيضا متميزين لم يمنعوا فإذا اجتمعوا في المصلى الواصل من الصحراء نودي الصلاة جامعة فصلى بهم الإمام ركعتين مثل صلاة العيد بغير تكبير ثم يخطب خطبتين وبينهما جلسة خفيفة وليكن الإستغفار معظم الخطبتين وينبغي في وسط الخطبة الثانية أن يستدبر الناس ويستقبل القبلة ويحول رداءه في هذه الساعة تفاؤلا بتحويل الحال حديث استدار الناس واستقبال القبلة وتحويل الرداء في الإستسقاء أخرجاه من حديث عبد الله بن زيد المازني هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعل أعلاه أسفله وما على اليمين على الشمال وما على الشمال وما على اليمين وكذلك يفعل الناس ويدعون في هذه الساعة سرا ثم يستقبلهم فيختم الخطبة ويدعون أرديتهم محولة كما هي حتى ينزعوها متى نزعوا الثياب ويقول في الدعاء اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك فقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا اللهم فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتك في سقيانا وسعة أرزاقنا ولا بأس بالدعاء أدبار الصلوات في الأيام الثلاثة قبل الخروج ولهذا الدعاء آداب وشروط باطنة من التوبة ورد المظالم وغيرها وسيأتي ذلك في كتاب الدعوات الثالثة صلاة الجنائز وكيفيتها مشهورة وأجمع دعاء مأثور ما روي في الصحيح عن عوف بن مالك قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فحفظت من دعائه اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار حديث عوف بن مالك في الصلاة على الجنازة اللهم اغفر لي وله وارحمني وارحمه وعافني وعافه الحديث أخرجه مسلم دون الدعاء للمصلي حتى قال عوف تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت ومن أدرك التكبيرة الثانية فينبغي أن يراعى ترتيب الصلاة في نفسه ويكبر مع تكبيرات الإمام فإذا سلم الإمام قضى تكبيره الذي فات كفعل المسبوق فإنه لو بادر التكبيرات لم تبق للقدوة في هذه الصلاة معنى فالتكبيرات هي الأركان الظاهرة وجدير بأن تقام مقام الركعات في سائر الصلوات هذا هو الأوجه عندي وإن كان غيره محتملا والأخبار الواردة في فضل صلاة الجنازة وتشييعها مشهورة فلا نطيل بإيرادها وكيف لا يعظم فضلها وهي من فرائض الكفايات وإنما تصير نفلا في حق من لم تتعين عليه بحضور غيره ثم ينال بها فضل فرض الكفاية وإن لم يتعين لأنهم بجملتهم قاموا بما هو فرض الكفاية وأسقطوا الحرج عن غيرهم فلا يكون ذلك كنفل لا يسقط به فرض عن أحد ويستحب طلب كثرة الجمع تبركا بكثرة الهمم والأدعية واشتماله على ذي دعوة مستجابة لما روى كريب عن ابن عباس أنه مات له ابن فقال يا كريب انظر ما اجتمع له من الناس قال فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته فقال تقول هم أربعون قلت نعم قال أخرجوه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله عز وجل فيه حديث ابن عباس ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون الحديث أخرجه مسلم وإذا شيع الجنازة فوصل المقابر أو دخلها ابتداء قال السلام عليكم أهل هذه الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون والأولى أن لا ينصرف حتى يدفن الميت فإذا سوى على الميت قبره قام عليه وقال اللهم عبدك رد إليك فارأف به وارحمه اللهم جاف الأرض عن جنبيه وافتح أبواب ا لسماء لروحه وتقبله منك بقول حسن اللهمإن كان محسنا فضاعف له في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه الرابعة تحية المسجد ركعتان فصاعدا سنة مؤكدة حتى أنها لا تسقط وإن كان الإمام يخطب يوم الجمعة مع تؤكد وجوب الإصغاء إلى الخطيب وإن اشتغل بفرض أو قضاء تأدى به التحية وحصل الفضل إذ المقصود أن لا يخلو ابتداء دخوله عن العبادة الخاصة بالمسجد قياما بحق المسجد ولهذا يكره أن يدخل المسجد على غير وضوء فإن دخل لعبور أو جلوس فليقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يقولها أربع مرات يقال إنها عدل ركعتين في الفضل ومذهب الشافعي رحمه الله أنه لا تكره التحية في أوقات الكراهية وهي بعد العصر وبعد الصبح ووقت الزوال ووقت الطلوع والغروب لما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد العصر فقيل له أما نهيتنا عن هذا فقال هما ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر فشغلني عنهما الوفد حديث صلى ركعتين بعد العصر قيل له أما نهيتنا عن هذا فقال هما ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر الحديث أخرجاه من حديث أم سلمة ولمسلم من حديث عائشة كان يصلي ركعتين قبل العصر ثم إنه شغل عنهما الحديث فأفاد هذا الحديث فائدتين إحداهما أن الكراهية مقصورة على صلاة لا سبب لها ومن أضعف الأسباب قضاء النوافل إذ اختلف العلماء في أن النوافل هل تقضى وإذا فعل مثل ما فاته هل يكون قضاء وإذا انتفت الكراهية بأضعف الأسباب فبأحرى أن تنتفي بدخول المسجد وهو سبب قوي ولذلك لا تكره صلاة الجنازة إذا حضرت ولا صلاة الخسوف والاستسقاء في هذه الأوقات لأن لها أسبابا الفائدة الثانية قضاء النوافل إذ قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ولنا فيه أسوة حسنة وقالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو مرض فلم يقم تلك الليلة صلى من أول النهار اثنتي عشرة ركعة حديث عائشة كان إذا غلبه نوم أو مرض فلم يقم تلك الليلة الحديث أخرجه مسلم وقد قال العلماء من كان في الصلاة ففاته جواب المؤذن فإذا سلم قضى وأجاب وإن كان المؤذن سكت ولا معنى الآن لقول من يقول إن ذلك مثل الأول وليس يقضى إذ لو كان كذلك لما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت الكراهة نعم من كان له ورد فعاقه عن ذلك عذر فينبغي أن لا يرخص لنفسه في تركه بل يتداركه في وقت آخر حتى لا تميل نفسه إلى الدعة والرفاهية وتداركه حسن على سبيل مجاهدة النفس ولأنه صلى الله عليه وسلم قال أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل حديث أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل أخرجاه من حديث عائشة فيقصد به أن لا يفتر في دوام عمله وروت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من عبد الله عز وجل بعبادة ثم تركها ملالة مقته الله عز وجل حديث عائشة من عبد الله عبادة ثم تركها ملالة مقته الله ورواه ابن السني في رياضة المتعبدين موقوفا على عائشة فليحذر أن يدخل تحت الوعيد وتحقيق هذا الخبر أنه مقته الله تعالى بتركها ملالة فلولا المقت والإبعاد لما سلطت الملالة عليه الخامسة ركعتان بعد الوضوء مستحبتان لأن الوضوء قربة ومقصودها الصلاة والأحداث عارضة فربما يطرأ الحدث قبل صلاة فينتقض الوضوء ويضيع السعي فالمبادرة إلى ركعتين استيفاء المقصود الوضوء قبل الفوات وعرف ذلك بحديث بلال إذ قال صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فرأيت بلالا فيها فقلت لبلال بم سبقتني إلى الجنة فقال بلال لا أعرف شيئا إلا أني لا أحدث وضوءا إلا أصلي عقيبه ركعتين حديث دخلت الجنة فرأيت بلالا فيها فقلت يا بلال بم سبقتني إلى الجنة الحديث أخرجاه من حديث أبي هريرة السادسة ركعتان عند دخول المنزل وعند الخروج منه روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرجت من منزلك فصل ركعتين يمنعانك مخرج السوء وإذا دخلت إلى منزلك فصل ركعتينيمنعانك مدخل السوء حديث أبي هريرة إذا خرجت من منزلك فصلي ركعتين يمنعانك مخرج السوء وإذا دخلت منزلك الحديث أخرجه البيهقي في الشعب من رواية بسكر بن عمرو عن صفوان بن سليم قال بكر حسبته عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره وروى الخرائطي في مكارم الأخلاق وابن عدي في الكامل من حديث أبي هريرة إذا دخل أحدكم بيته فلا يجلس حتى يركع ركعتين فإن الله جاعل له من ركعتيه خيرا قال ابن عدي وهو بهذا الإسناد منكر وقال البخاري لا أصل له وفي معنى هذا كل أمر يبتدأ به مما له وقع ولذلك ورد ركعتان عند الإحرام حديث ركعتي الإحرام أخرجه البخاري من حديث ابن عمر وركعتان عند ابتداء السفر حديث صلاة ركعتين عند ابتداء السفر أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أنس ما استخلف في أهله من خليفة أحب إلى الله من أربع ركعات يصليهن العبد في بيته إذا شد عليه ثياب سفره الحديث وهو ضعيف وركعتان عند الرجوع من السفر حديث الركعتين عند القدوم من السفر أخرجاه من حديث كعب بن مالك في المسجد قبل دخول البيت فكل ذلك مأثور من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بعض الصالحين إذا أكل أكلة صلى ركعتين وإذا شرب شربة صلى ركعتين وكذلك في كل أمر يحدثه وبداية الأمور ينبغي أن يتبرك فيها بذكر الله عز وجل وهي على ثلاث مراتب بعضها يتكرر مرارا كالأكل والشرب فيبدأ فيه باسم الله عز وجل وقال صلى الله عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر حديث كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة الثانية ما لا يكثر تكرره وله وقع كعقد النكاح وابتداء النصيحة والمشورة فالمستحب فيها أن يصدر بحمد الله فيقول المزوج الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجتك ابنتى ويقول القابل الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلت النكاح وكانت عادة الصحابة رضي الله عنهم في ابتداء أداء الرسالة والنصيحة والمشورة تقديم التحميد الثالثة ما لا يتكرر كثيرا وإذا وقع دام وكان له وقع كالسفر وشراء دار جديدة والإحرام وما يجري مجراه فيستحب تقديم ركعتين عليه وأدناه الخروج من المنزل والدخول إليه فإنه نوع سفر قريب السابعة صلاة الاستخارة فمن هم بأمر وكان لا يدري عاقبته ولا يعرف أن الخير في تركه أو في الإقدام عليه فقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يصلي ركعتين يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية الفاتحة وقل هو الله أحد فإذا فرغ دعا وقال اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاقدره لي وبارك لي فيه ثم يسره لي وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاصرفني عنه واصرفه عني واقدر لي الخير أينما كان إنك على كل شيء قدير حديث صلاة الاستخارة أخرجه البخاري من حديث جابر قال أحمد حديث منكر رواه جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن وقال صلى الله عليه وسلم إذا هم أحدكم بأمر فليصل ركعتين ثم ليسم الأمر ويدعو بما ذكرناه وقال بعض الحكماء من أعطي أربعا لم يمنع أربعا من أعطي الشكر لم يمنع المزيد ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب الثامنة صلاة الحاجة حديث ابن مسعود في صلاة الحاجة اثنتي عشرة ركعة أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس بإسنادين ضعيفين جدا فيهما عمرو بن هارون البلحي كذبه ابن معين وفيه علل أخرى وقد وردت صلاة الحاجة ركعتين رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن أبي أوفى وقال الترمذي حديث غريب وفي إسناده مقال فمن ضاق عليه الأمر ومسته حاجة في صلاح دينه ودنياه إلى أمر تعذر عليه فليصل هذه الصلاة فقد روى عن وهيب بن الورد أنه قال إن من الدعاء الذي لا يرد أن يصلي العبد ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعةبأم الكتاب وآية الكرسي وقل هو الله أحد فإذا فرغ خر ساجدا ثم قال سبحان الذي لبس العز وقال به سبحان الذي تعطف بالمجد وتكرم به سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له سبحان ذي المن والفضل سبحان ذي العز والكرم سبحان ذي الطول أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامات العامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر أن تصلى على محمد وعلى آل محمد ثم يسأل حاجته التي لا معصية فيها فيجاب إن شاء الله عز وجل قال وهيب بلغنا أنه كان يقال لا تعلموها لسفهائكم فيتعاونون بها على معصية الله عز وجل التاسعة صلاة التسبيح وهذه الصلاة مأثورة على وجها ولا تختص بوقت ولا بسبب ويستحب أن لا يخلو الأسبوع عنها مرة واحدة أو الشهر مرة فقد روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله منها أنه صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك بشيء إذا أنت فعلته غفر الله لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه خطأه وعمده سره وعلانيته تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشر مرات ثم ترفع من الركوع فتقولها قائما عشرا ثم تسجد فتقولها عشرا ثم ترفع من السجود فتقولها جالسا عشرا ثم تسجد فتقولها وأنت ساجد عشرا ثم ترفع من السجود فتقولها عشرا فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة فإن لم تفعل ففي السنة مرة حديث صلاة التسبيح تقدم وفي رواية أخرى أنه يقول في أول الصلاة سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك ثم يسبح خمس عشرة تسبيحة قبل القراءة وعشرا بعد القراءة والباقي كما سبق عشرا عشرا ولا يسبح بعد السجود الأخير قاعدا وهذا هو الأحسن وهو اختيار ابن المبارك والمجموع من الروايتين ثلثمائة تسبيحة فإن صلاها نهارا فبتسليمة واحدة وإن صلاها ليلا فبتسليمتين أحسن إذ ورد أن صلاة الليل مثنى مثنى حديث صلاة الليل مثنى مثنى أخرجاه من حديث ابن عمر وإن زاد بعد التسبيح قوله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فهو حسن فقد ورد ذلك في بعض الروايات فهذه الصلوات المأثورة ولا يستحب شيء من هذه النوافل في الأوقات المكروهة إلا تحية المسجد وما أوردناه بعد التحية من ركعتي الوضوء وصلاة السفر والخروج من المنزل والاستخارة فلا لأن النهي مؤكد وهذه الأسباب ضعيفة فلا تبلغ درجة الخسوف والاستسقاء والتحية وقد رأيت بعض المتصوفة يصلي في الأوقات المكروهة ركعتي الوضوء وهو في غاية البعد لأن الوضوء لا يكون سببا الصلاة بل الصلاة سبب الوضوء فينبغي أن يتوضأ ليصلي لا أنه يصلي لأنه توضأ وكل محدث يريد أن يصلي في وقت الكراهية فلا سبيل له إلا أن يتوضأ ويصلي فلا يبقى للكراهية معنى ولا ينبغي أن ينوي ركعتي الوضوء كما ينوي ركعتي التحية بل إذا توضأ صلى ركعتين تطوعا كيلا يتعطل وضوءه كما كان يفعله بلال فهو تطوع محض يقع عقيب الوضوء وحديث بلال لم يدل على أن الوضوء سبب كالخسوف والتحية حتى ينوي ركعتي الوضوء فيستحيل أن ينوي بالصلاة الوضوء بل ينبغي أن ينوي بالوضوء الصلاة وكيف ينتظم أن يقول في وضوئه أتوضأ لصلاتي وفي صلاته يقول أصلي لوضوئي بل من أراد أن يحرس وضوءه عن التعطيل في وقت الكراهية فلينو قضاء إن كان يجوز أن يكون في ذمته صلاة تطرق إليها خلل لسبب من الأسباب فإن قضاء الصلوات في أوقات الكراهية غير مكروه فأمانية التطوع فلا وجه لها ففي النهي في أوقات الكراهية مهمات ثلاثةأحدها التوقي من مضاهاة عبدة الشمس والثاني الاحتراز من انتشار الشياطين إذ قال صلى الله عليه وسلم إن الشمس لتطلع ومعها قرن الشيطان فإذا طلعت قارنها وإذا ارتفعت فارقها فإن استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا تضيفت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها حديث إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا طلعت قارنها الحديث أخرجه النسائي من حديث عبد الله الصنابحي وهو مرسل ومالك هو الذي يقول عبد الله الصنابحي ووهم فيه والصواب عبد الرحمن ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عن الصلوات في هذه الأوقات ونبه به على العلة والثالث أن سالكي طريق الآخرة لا يزالون يواظبون على الصلوات في جميع الأوقات والمواظبة على نمط واحد من العبادات يورث الملل ومهما منع منها ساعة زاد النشاط وانبعثت الدواعي والإنسان حريص على ما منع منه ففي تعطيل هذه الأوقات زيادة تحريض وبعث على انتظار انقضاء الوقت فخصصت هذه الأوقات بالتسبيح والاستغفار حذرا من الملل بالمداومة وتفرجا بالانتقال من نوع عبادة إلى نوع آخر ففي الاستطراف والاستجداد لذة ونشاط وفي الاستمرار على شيء واحد استثقال وملالا ولذلك لم تكن الصلاة سجودا مجردا ولا ركوعا مجردا ولا قياما مجردا بل رتبت العبادات من أعمال مختلفة وأذكار متباينة فإن القلب يدرك من كل عمل منهما لذة جديدة عند الانتقال إليها ولو واظب على الشيء الواحد لتسارع إليه الملل فإذا كانت هذه أمورا مهمة في النهي عن ارتكاب أوقات الكراهة إلى غير ذلك من أسرار أخرى ليس في قوة البشر الإطلاع عليها والله ورسوله أعلم بها فهذه المهمات لا تترك إلا بأسباب مهمة في الشرع مثل قضاء الصلوات وصلاة الاستسقاء والخسوف وتحية المسجد فأما ما ضعف عنها فلا ينبغي أن يصادم به مقصود النهي هذا هو الأوجه عندنا والله أعلم كمل كتاب أسرار الصلاة من كتاب إحياء علوم الدين يتلوه إن شاء الله كتاب أسرار الزكاة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه والحمد لله وحده وصلاته على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.


كتاب أسرار الزكاة
وهو الكتاب الخامس من ربع العبادات.
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أسعد وأشقى وأمات وأحيا وأضحك وأبكى وأوجد وأفنى وأفقر وأغنى وأضر وأقنى الذي خلق الحيوان من نطفة تمنى ثم تفرد عن الخلق بوصف الغنى ثم خصص بعض عباده بالحسنى فأفاض عليهم من نعمة ما أيسر به من شاء واستغنى وأحوج إليه من أخفق في رزقه وأكدى إظهارا للامتحان والابتلا ثم جعل الزكاة للدين أساسا ومبنى وبين أن بفضله تزكى من عباده من تزكى ومن غناه زكى ماله من زكى والصلاة على محمد المصطفى سيد الورى وشمس الهدى وعلى آله وأصحابه المخصوصين بالعلم والتقى أما بعد فإن الله تعالى جعل الزكاة إحدى مباني الإسلام وأردف بذكرها الصلاة التي هي أعلى الأعلام فقال تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وقال صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة حديث بني الإسلام على خمس أخرجاه من حديث ابن عمر وشدد الوعيد على المقصرين فيها فقال والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ومعنى الإنفاق في سبيل الله إخراج حق الزكاة قال الأحنف بن قيس كنت في نفر من قريش فمر أبو ذر فقال بشر الكانزين بكى في ظهورهم يخرج من جنوبهم وبكى في أقفائهم يخرج من جباههم وفي رواية أنه يوضع على حلمة ثدي أحدهم فيخرج من نغض كتفيه ويوضع على نغض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل وقال أبو ذر انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال هم الأخسرون ورب الكعبة فقلت ومن هم قال الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضي بين الناس حديث أبي ذر انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال هم الأخسرون ورب الكعبة الحديث أخرجاه مسلم والبخاري وإذا كان هذا التشديد مخرجا في الصحيحين فقد صار من مهمات الدين الكشف عن أسرار الزكاة وشروطها الجلية والخفية ومعانيها الظاهرة والباطنة مع الاقتصار على ما لا يستغنى عن معرفته مؤدى الزكاة وقابضها وينكشف ذلك في أربعة فصول الفصل الأول في أنواع الزكاة وأسباب وجوبها الثاني آدابها وشروطها الباطنة والظاهرة الثالث في القابض وشروط استحقاقه وآداب قبضه الرابع في صدقة التطوع وفضلها الفصل الأول في أنواع الزكاة وأسباب وجوبها والزكوات باعتبار متعلقاتها ستة أنواع زكاة النعم والنقدين والتجارة وزكاة الركاز والمعادن وزكاة المعشرات وزكاة الفطر النوع الأول زكاة النعم ولا تجب هذه الزكاة وغيرها إلا على حر مسلم ولا يشترط البلوغ بل تجب في مال الصبي والمجنون هذا شرط من عليه وأما المال فشروطه خمسة أن يكون نعما سائمة باقية حولا نصابا كاملا مملوكا على الكمال الشرط الأول كونه نعما فلا زكاة إلا في الإبل والبقر والغنم أما الخيل والبغال والحمير والمتولد من بين الظباء والغنم فلا زكاة فيها الثاني السوم فلا زكاة في معلوفة وإذا أسيمت في وقت وعلفت في وقت تظهر بذلك مؤنتها فلا زكاة فيها الثالث الحول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول حديث لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول أخرجه أبو داود من حديث علي بإسناد جيد وابن ماجه من حديث عائشة بإسناد ضعيف ويستثنى من هذا نتاج الحول الرابع كمال الملك والتصرف فتجب الزكاة في الماشية المرهونة لأنه الذي حجر على نفسه فيه ولا تجب في الضال والمغصوب إلا إذا عاد بجميع نمائه فيجب زكاة ما مضى عند عوده ولو كان عليه دين يستغرق ماله فلا زكاة عليه فإنه ليس غنيا به إذ الغنى ما يفضل عن الحاجة الخامس كمال النصاب أما الإبل فلا شيء فيها حتى تبلغ خمسا ففيها جذعة من الضأن والجذعة هي التي تكون في السنة الثانية أو ثنية من المعز وهي التي تكون في السنة الثالثة وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض وهي التي في السنة الثانية فإن لم يكن في ماله بنت مخاض فابن لبون ذكر وهو الذي في السنة الثالثة يؤخذ إن كان قادرا على شرائها وفي ست وثلاثين ابنة لبون ثم إذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة وهي التي في السنة الرابعة فإذا صارت إحدى وستين ففيها جذعة وهي التي في السنة الخامسة فإذا صارت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون فإذا صارت إحدى وتسعين ففيها حقتان فإذا صارت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون فإذا صارت مائة وثلاثين فقد استقر الحساب ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبونوأما البقر فلا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين ففيها تبيع وهو الذي في السنة الثانية ثم في أربعين مسنة وهي التي في السنة الثالثة ثم في ستين تبيعان واستقر الحساب بعد ذلك ففي كل أربعين مسنة وفي كل ثلاثين تبيع وأما الغنم فلا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين ففيها شاة جذعة من الضأن أو ثنية من المعز ثم لا شيء فيها حتى تبلغ مائة وعشرين وواحدة ففيها شاتان إلى مائتي شاة وواحدة فيها ثلاث شياه إلى أربعمائة ففيها أربع شياه ثم استقر الحساب في كل مائة شاة وصدقة الخليطين كصدقة المالك الواحد في النصاب فإذا كان بين رجلين أربعون من الغنم ففيها شاة وإن كان بين ثلاثة نفر مائة شاة وعشرون ففيها شاة واحدة على جميعهم وخلطة الجوار كخلطة الشيوع ولكن يشترط أن يريحا معا ويسقيا معا ويحلبا معا ويسرحا معا ويكون المرعى معا ويكون إنزاء الفحل معا وأن يكونا جميعا من أهل الزكاة ولا حكم للخلطة مع الذمي والمكاتب ومهما نزل في واجب الإبل عن سن إلى سن فهو جائز ما لم يجاوز بنت مخاض في النزول ولكن تضم إليه جبران السن لسنة واحدة شاتين أو عشرين درهما ولسنتين أربع شياه أو اربعين درهما وله أن يصعد في السن ما لم يجاوز الجذعة في الصعود ويأخذ الجبران من الساعين من بيت المال ولا تؤخذ في الزكاة مريضة إذا كان بعض المال صحيحا ولو واحدة ويؤخذ من الكرائم كريمة ومن اللئام لئيمة ولا يؤخذ من المال الأكولة ولا الماخض ولا الربا ولا الفحل ولا غراء المال النوع الثاني زكاة المعشرات فيجب العشر في كل مستنبت مقتات بلغ ثمانمائة من ولا شيء فيما دونها ولا في الفواكه والقطن ولكن في الحبوب التي تقتات وفي التمر والزبيب ويعتبر أن تكون ثمانمائة من تمرا أو زبيبا لا رطبا وعنبا ويخرج ذلك بعد التجفيف ويكمل مال أحد الخليطين بمال الآخر في خلطة الشيوع كالبستان المشترك بين ورثة لجميعهم ثمانمائة من من زبيب فيجب على جميعهم ثمانون منا من زبيب بقدر حصصهم ولا يعتبر خلطة الجوار فيه ولا يكمل نصاب الحنطة بالشعير ويكمل نصاب الشعير بالسلت فإنه نوع منه هذا قدر الواجب إن كان يسقى بسيح أو قناة فإن كان يسقى بنضح أو دالية فيجب نصف العشر فإن اجتمعا فالأغلب يعتبر وأما صفة الواجب فالتمر والزبيب اليابس والحب اليابس بعد التنقية ولا يؤخذ عنب ولا رطب إلا إذا حلت بالأشجار آفة وكانت المصلحة في قطعها قبل تمام الإدراك فيؤخذ الرطب فيكال تسعة للمالك وواحد للفقير ولا يمنع من هذه القسمة قولنا إن القسمة بيع بل يرخص في مثل هذا للحاجة ووقت الوجوب أن يبدو الصلاح في الثمار وأن يشتد الحب ووقت الأداء بعد الجفاف النوع الثالث زكاة النقدين فإذا تم الحول على وزن مائتي درهم بوزن مكة نقرة خالصة ففيها خمسة دراهم وهو ربع العشر وما زاد فبحسابه ولو درهما ونصاب الذهب عشرون مثقالا خالصا بوزن مكة ففيها ربع العشر وما زاد فبحسابه وإن نقص من النصاب حبة فلا زكاة وتجب على من معه دراهم مغشوشة إذا كان فيها هذا المقدار من النقرة الخالصة وتجب الزكاة في التبر وفي الحلي المحظور كأواني الذهب والفضة ومراكب الذهب للرجال ولا تجب في الحلي المباح وتجب في الدين الذي هو على مليء ولكن تجب عند الاستيفاء وإن كان مؤجلا فلا تجب إلا عند حلول الأجل النوع الرابع زكاة التجارة وهي كزكاة النقدين وإنما ينعقد الحول من وقت ملك النقد الذي به اشترى البضاعة إن كان النقد نصابا فإن كان ناقصا أو اشترى بعرض على نية التجارة فالحول من وقت الشراء وتؤدى الزكاة من نقد البلد وبه يقوم فإن كان ما به الشراء نقدا وكان نصابا كاملا كان التقويم به أولى من نقد البلد ومن نوى التجارة من مال قنية فلا ينعقد الحول بمجرد نيته حتى يشتري به شيئا ومهما قطع نية التجارة قبل تمام الحول سقطت الزكاة والأولى أن تؤدى زكاة تلك السنة وما كان من ربح في السلعة في آخر الحول وجبت الزكاة فيه بحول رأس المال ولم يستأنف له حولا كما في النتاج وأموال الصيارفة لا ينقطع حولها بالمبادلة الجارية بينهم كسائر التجارات وزكاة ربح مال القراض على العامل وإن كان قبل القسمة هذا هو الأقيس النوع الخامس الركاز والمعدن والركاز مال دفن في الجاهلية ووجد في أرض لم يجر عليها في الإسلام ملك فعلى واجده في الذهب والفضة منه الخمس والحول غير معتبر والأولى أن لا يعتبر النصاب أيضا لأن إيجاب الخمس يؤكد شبهه بالغنيمة واعتباره أيضا ليس ببعيد لأن مصرف الزكاة ولذلك يخصص على الصحيح بالنقدين وأما المعادن فلا زكاة فيما استخرج منها سوى الذهب والفضة ففيها بعد الطحن والتخليص ربع العشر على أصح القولين وعلى هذا يعتبر النصاب وفي الحول قولان وفي قول يجب الخمس فعلى هذا لا يعتبر وفي النصاب قولان والأشبه والعلم عند الله تعالى أن يلحق في قدر الواجب بزكاة التجارة فإنه نوع اكتساب وفي الحول بالمعشرات فلا يعتبر لأنه عين الرفق ويعتبر النصاب كالمعشرات والاحتياط أن يخرج الخمس من القليل والكثير ومن عين النقدين أيضا خروجا عن شبهة هذه الاختلافات فإنها ظنون قريبة من التعارض وجزم الفتوى فيها خطر لتعارض الاشتباه النوع السادس في صدقة الفطر وهي واجبة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل مسلم فضل عن قوته وقوت من يقوته يوم الفطر وليلته صاع مما يقتات حديث وجوب صدقة الفطر على كل مسلم أخرجاه من حديث ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان الحديث بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منوان وثلثا من يخرجه من جنس قوته أو من أفضل منه فإن اقتات بالحنطة لم يجز الشعير وإن اقتات حبوبا مختلفة اختار خيرها ومن أيها أخرج أجزأه وقسمتها كقسمة زكاة الأموال فيجب فيها استيعاب الأصناف ولا يجوز إخراج الدقيق والسويق ويجب على الرجل المسلم فطرة زوجته ومماليكه وأولاده وكل قريب هو في نفقته أعني من تجب عليه نفقته من الآباء والأمهات والأولاد قال صلى الله عليه وسلم أدوا صدقة الفطر عمن تمونون حديث أدوا زكاة الفطر عمن تمونون أخرجه الدار قطني والبيهقي من حديث ابن عمر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون قال البيهقي إسناده غير قوي وتجب صدقة العبد المشترك على الشريكين ولا تجب صدقة العبد الكافر وإن تبرعت الزوجة بالإخراج عن نفسها أجزأها وللزوج الإخراج عنها دون إذنها وإن فضل عنه ما يؤدي عن بعضهم أدى عن بعضهم وأولاهم بالتقديم من كانت نفقته آكد وقدقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة الولد على نفقة الزوجة ونفقتها على نفقة الخادم حديث قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة الولد على نفقة الزوجة ونفقتها على نفقة الخادم أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة بسند صحيح وابن حبان والحاكم وصححه ورواه النسائي وابن حبان بتقديم الزوجة على الولد وسيأتي فهذه أحكام فقهية لا بد للغني من معرفتها وقد تعرض له وقائع نادرة خارجة عن هذا فله أن يتكل فيها على الاستفتاء عند نزول الواقعة بعد إحاطته بهذا المقدار الفصل الثاني في الأداء وشروطه الباطنة والظاهرة اعلم أنه يجب على مؤدي الزكاة خمسة أمور الأول النية وهو أن ينوي بقلبه زكاة الفرض ويسن عليه تعيين الأموال فإن كان له مال غائب فقال هذا عن مالي الغائب إن كان سالما وإلا فهو نافلة جاز لأنه إن لم يصرح به فكذلك يكون عند إطلاقه ونية الولي تقوم مقام نية المجنون والصبي ونية السلطان تقوم مقام نية المالك الممتنع عن الزكاة ولكن في ظاهر حكم الدنيا أعني في قطع المطالبة عنه أما في الآخرة فلا بل تبقى ذمته مشغولة إلى أن يستأنف الزكاة وإذا وكل بأداء الزكاة ونوى عند التوكيل أو وكل الوكيل بالنية كفاه لأن توكيله بالنية نية الثاني البدار عقيب الحول وفي زكاة الفطر لا يؤخرها عن يوم الفطر ويدخل وقت وجوبها بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان ووقت تعجيلها شهر رمضان كله ومن أخر زكاة ماله مع التمكن عصى ولم يسقط عنه بتلف ماله وتمكنه بمصادقة المستحق وإن أخر لعدم المستحق فتلف ماله سقطت الزكاة عنه وتعجيل الزكاة جائز بشرط أن يقع بعد كمال النصاب وانعقاد الحول ويجوز تعجيل زكاة حولين ومهما عجل فمات المسكين قبل الحول أو ارتد أو صار غنيا بغير ما عجل إليه أو تلف مال المالك أو مات فالمدفوع ليس بزكاة واسترجاعه غير ممكن إلا إذا قيد الدفع بالاسترجاع فليكن المعجل مراقبا آخر الأمور وسلامة العاقبة الثالث أن لا يخرج بدلا باعتبار القيمة بل يخرج المنصوص عليه فلا يجزىء ورق عن ذهب ولا ذهب عن ورق وإن زاد عليه في القيمة ولعل بعض من لا يدرك غرض الشافعي رضي الله عنه يتساهل في ذلك ويلاحظ المقصود من سد الخلة وما أبعده عن التحصيل فإن سد الخلة مقصود وليس هو كل المقصود بل واجبات الشرع ثلاثة أقسام قسم هو تعبد محض لا مدخل للحظوظ والأغراض فيه وذلك كرمي الجمرات مثلا إذ لا حظ للجمرة في وصول الحصى إليها فمقصود الشرع فيه الابتلاء بالعمل ليظهر العبد رقه وعبودته بفعل ما لا يعقل له معنى لأن ما يعقل معناه فقد يساعده الطبع عليه ويدعوه إليه فلا يظهر به خلوص الرق والعبودية إذ العبودية تظهر بأن تكون الحركة لحق أمر المعبود فقط لا لمعنى آخر وأكثر أعمال الحج كذلك ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في إحرامه لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا حديث لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا أخرجه البزار والدار قطني في العلل من حديث أنس تنبيها على أن ذلك إظهار للعبودية بالانقياد لمجرد الأمر وامتثاله كما أمر من غير استئناس العقل منه بما يميل إليه ويحث عليه القسم الثاني من واجبات الشرع ما المقصود منه حظ معقول وليس يقصد منه التعبد كقضاء دين الآدميين ورد المغصوب فلا جرم لا يعتبر فيه فعله ونيته ومهما وصل الحق إلى مستحقه بأخذ المستحق أو ببدل عنه عند رضاه تأدى الوجوب وسقط خطاب الشرع فهذان قسمان لا تركيب فيهما يشترك في دركهما جميع الناس والقسم الثالث هو المركب الذي يقصد منه الأمران جميعا وهو حظ العباد وامتحان المكلف بالاستعباد فيجتمع فيه تعبد رمي الجمار وحظ رد الحقوق فهذا قسم في نفسه معقول فإن ورد الشرع به وجب الجمع بين المعنيين ولا ينبغي أنينسى أدق المعنيين وهو التعبد والاسترقاق بسبب أجلاهما ولعل الأدق هو الأهم والزكاة من هذا القبيل ولم ينتبه له غير الشافعي رضي الله عنه فحظ الفقير مقصود في سد الخلة وهو جلي سابق إلى الأفهام وحق التعبد في اتباع التفاصيل مقصود للشرع وباعتباره صارت الزكاة قرينة للصلاة والحج في كونها من مباني الإسلام ولا شك في أن على المكلف تعبا في تمييز أجناس ماله وإخراج حصة كل مال من نوعه وجنسه وصفته ثم توزيعه على الأصناف الثمانية كما سيأتي والتساهل فيه غير قادح في حظ الفقير لكنه قادح في التعبد ويدل على أن التعبد مقصود بتعيين الأنواع أمور ذكرناها في كتب الخلاف من الفقهيات ومن أوضحها أن الشرع أوجب في خمس من الإبل شاة فعدل من الإبل إلى الشاة ولم يعدل إلى النقدين والتقويم وإن قدر أن ذلك لقلة النقود في أيدي العرب بطل بذكره عشرين درهما في الجبران مع الشاتين فلم يذكر في الجبران قدر النقصان من القيمة ولمقدر بعشرين درهما وشاتين وإن كانت الثياب والأمتعة كلها في معناها فهذا وأمثاله من التخصيصات يدل على أن الزكاة لم تترك خالية عن التعبدات كما في الحج ولكن جمع بين المعنيين والأذهان الضعيفة تقصر عن درك المركبات فهذا شأن الغلط فيه الرابع أن لا ينقل الصدقة إلى بلد آخر فإن أعين المساكين في كل بلدة تمتد إلى أموالها وفي النقل تخييب للظنون فإن فعل ذلك أجزأه في قول ولكن الخروج عن شبهة الخلاف أولى فليخرج زكاة كل مال في تلك البلدة ثم لا بأس أن يصرف إلى الغرباء في تلك البلدة الخامس أن يقسم ماله بعدد الأصناف الموجودين في بلده فإن استيعاب الأصناف واجب وعليه يدل ظاهر قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية فإنه يشبه قول المريض إنما ثلث مال للفقراء والمساكين وذلك يقتضي التشريك في التمليك والعبادات ينبغي أن يتوقى عن الهجوم فيها على الظواهر وقد عدم من الثمانية صنفان في أكثر البلاد وهم المؤلفة قلوبهم والعاملون على الزكاة ويوجد في جميع البلاد أربعة أصناف الفقراء والمساكين والغارمون والمسافرون أعني أبناء السبيل وصنفان يوجدان في بعض البلاد دون البعض وهم الغزاة والمكاتبون فإن وجد خمسة أصناف مثلا قسم بينهم زكاة ماله بخمسة أقسام متساوية أو متقاربة وعين لكل صنف قسم ثم قسم كل قسم ثلاثة أسهم فما فوقه إما متساوية أو متفاوتة وليس عليه التسوية بين آحاد الصنف فإن له أن يقسمه على عشرة وعشرين فينقص نصيب كل واحد وأما الأصناف فلا تقبل الزيادة والنقصان فلاينبغي أن ينقص في كل صنف عن ثلاثة إن وجد ثم لو لم يجب إلا صاع للفطرة ووجد خمسة أصناف فعليه أن يوصله إلى خمسة عشر نفرا ولو نقص منهم واحد مع الإمكان غرم نصيب ذلك الواحد فإن عسر عليه ذلك لقلة الواجب فليتشارك جماعة ممن عليهم الزكاة وليخلط مال نفسه بمالهم وليجمع المستحقين وليسلم إليهم حتى يتساهموا فيه فإن ذلك لا بد منه بيان دقائق الآداب الباطنة في الزكاة اعلم أن على مريد طريق الآخرة بزكاته وظائف الوظيفة الأولى فهم وجوب الزكاة ومعناها ووجه الامتحان فيها وأنها لم جعلت من مباني الإسلام مع أنها تصرف مالي وليست من عبادة الأبدان وفيه ثلاث معان الأول أن التلفظ بكلمتي الشهادة التزام للتوحيد وشهادة بإفراد المعبود وشرط تمام الوفاء به أن لا يبقى للموحد محبوب سوى الواحد الفرد فإن المحبة لا تقبل الشركة والتوحيد باللسان قليل الجدوى وإنما يمتحن به درجة المحب بمفارقة المحبوب والأموال محبوبة عند الخلائق لأنها آلة تمتعهم بالدنيا وبسببها يأنسون بهذا العالم وينفرون عن الموت مع أن فيه لقاء المحبوب فامتحنوا بتصديق دعواهم في المحبوب واستنزلوا عن المال الذي هو مرموقهم ومعشوقهم ولذلك قالالله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وذلك بالجهاد وهو مسامحة بالمهجة شوقا إلى لقاء الله عز وجل والمسامحة بالمال أهون ولما فهم هذا المعنى في بذل الأموال انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام قسم صدقوا التوحيد ووفوا بعهدهم ونزلوا عن جميع أموالهم فلم يدخروا دينارا ولا درهما فأبوا أن يتعرضوا لوجوب الزكاة عليهم حتى قيل لبعضهم كم يجب من الزكاة في مائتي درهم فقال أما على العوام بحكم الشرع فخمسة دراهم وأما نحن فيجب علينا بذل الجميع ولهذا تصدق أبو بكر رضي الله عنه بجميع ماله وعمر رضي الله عنه بشطر ماله فقال صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك فقال مثله وقال لأبي بكر رضي الله عنه ما أبقيت لأهلك قال الله ورسوله فقال صلى الله عليه وسلم بينكما ما بين كلمتيكما حديث جاء أبو بكر بجميع ماله وعمر بشطر ماله الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه من حديث ابن عمر وليس فيه قوله بينكما ما بين كلمتيكما فالصديق وفى بتمام الصدق فلم يمسك سوى المحبوب عنده وهو الله ورسوله القسم الثاني درجتهم دون درجة هذا وهم الممسكون أموالهم المراقبون لمواقيت الحاجات ومواسم الخيرات فيكون قصدهم في الادخار الإنفاق على قدر الحاجة دون التنعم وصرف الفاضل عن الحاجة إلى وجوه البر مهما ظهر وجوهها وهؤلاء لا يقتصرون على مقدار الزكاة وقد ذهب جماعة من التابعين إلى أن في المال حقوقا سوى الزكاة كالنخعي والشعبي وعطاء ومجاهد قال الشعبي بعد أن قيل له هل في المال حق سوى الزكاة قال نعم أما سمعت قوله عز وجل وآتى المال على حبه ذوي القربى الآية واستدلوا بقوله عز وجل ومما رزقناهم ينفقون وبقوله تعالى وأنفقوا مما رزقناكم وزعموا أن ذلك غير منسوخ بآية الزكاة بل هو داخل في حق المسلم على المسلم ومعناه أنه يجب على الموسر مهما وجد محتاجا أن يزيل حاجته فضلا عن مال الزكاة والذي يصح في الفقه من هذا الباب أنه مهما أرهقته حاجته كانت إزالتها فرض كفاية إذ لا يجوز تضييع مسلم ولكن يحتمل أن يقال ليس على الموسر إلا تسليم ما يزيل الحاجة فرضا ولا يلزمه بذله بعد أن أسقط الزكاة عن نفسه ويحتمل أن يقال يلزمه بذله في الحال ولا يجوز له الاقتراض أي لا يجوز له تكليف الفقير قبول القرض وهذا مختلف فيه والاقتراض نزول إلى الدرجة الأخيرة من درجات العوام وهي درجة القسم الثالث الذين يقتصرون على أداء الواجب فلا يزيدون عليه ولا ينقصون عنه وهي أقل الرتب وقد اقتصر جميع العوام عليه لبخلهم بالمال وميلهم إليه وضعف حبهم للآخرة قال الله تعالى إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا يحفكم أي يستقص عليكم فكم بين عبد اشترى منه ماله ونفسه بأن له الجنة وبين عبد لا يستقصى عليه لبخله فهذا أحد معاني أمر الله سبحانه عبادة ببذل الأموال المعنى الثاني التطهير من صفة البخل فإنه من المهلكات قال صلى الله عليه وسلم ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه حديث ثلاث مهلكاتالحديث تقدم وقال تعالى ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وسيأتي في ربع المهلكات وجه كونه مهلكا وكيفية التقصي منه وإنما تزول صفة البخل بأن تتعود بذل المال فحب الشيء لا ينقطع إلا بقهر النفس على مفارقته حتى يصير ذلك اعتيادا فالزكاة بهذا المعنى طهرة أي تطهر صاحبها عن خبث البخل المهلك وإنما طهارته بقدر بذله وبقدر فرحه بإخراجه واستبشاره بصرفه إلى الله تعالى المعنى الثالث شكر النعمة فإن لله عز وجل على عبده نعمة في نفسه وفي ماله فالعبادات البدنية شكر لنعمة البدن والمالية شكر لنعمة المال وما أخس من ينظر إلى الفقير وقد ضيق عليه الرزق وأحوج إليه ثم لا تسمح نفسه بأن يؤدي شكر الله تعالى على إغنائه عن السؤال وإحواج غيره إليه بربع العشر أو العشر من مالهالوظيفة الثانية في وقت الأداء ومن آداب ذوي الدين التعجيل عن وقت الوجوب إظهارا للرغبة في الامتثال بإيصال السرور إلى قلوب الفقراء ومبادرة لعوائق الزمان أن تعوقه عن الخيرات وعلما بأن في التأخير آفات مع ما يتعرض العبد له من العصيان لو أخر عن وقت الوجوب ومهما ظهرت داعية الخير من الباطن فينبغي أن يغتنم فإن ذلك لمة الملك وقلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن فما أسرع تقلبه والشيطان يعد الفقر ويأمر بالفحشاء والمنكر وله لمة عقيب لمة الملك فليغتنم الفرصة فيه وليعين لزكاتها إن كان يؤديها جميعا شهرا معلوما وليجتهد أن يكون من أفضل الأوقات ليكون ذلك سببا لنماء قريته وتضاعف زكاته وذلك كشهر المحرم فإنه أول السنة وهو من الأشهر الحرم أو رمضان فقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الخلق وكان في رمضان كالريح المرسلة لا يمسك فيه شيئا حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الخلق وأجود ما يكون في رمضان الحديث أخرجاه من حديث ابن عباس ولرمضان فضيلة ليلة القدر وأنه أنزل فيه القرآن وكان مجاهد يقول لا تقولوا رمضان فإنه اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان وذو الحجة أيضا من الشهور الكثيرة الفضل فإنه شهر حرام وفيه الحج الأكبر وفيه الأيام المعلومات وهي العشر الأول والأيام المعدودات وهي أيام التشريق وأفضل أيام شهر رمضان العشر الأواخر وأفضل أيام ذي الحجة العشر الأول الوظيفة الثالثة الإسرار فإن ذلك أبعد عن الرياء والسمعة قال صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة جهد المقل إلى فقير في سر حديث أفضل الصدقة جهد المقل إلى فقير في سر أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث أبي ذر ولأبي داود من حديث أبي هريرة أي الصدقة أفضل قال جهد المقل وقال بعض العلماء ثلاث من كنوز البر منها إخفاء الصدقة حديث ثلاث من كنوز البر فذكر منها إخفاء الصدقة أخرجه أبو نعيم في كتاب الإيجاز وجوامع الكلم من حديث ابن عباس بسند ضعيف وقد روي أيضا مسندا وقال صلى الله عليه وسلم إن العبد ليعمل عملا في السر فيكتبه الله له سرا فإن أظهره نقل من السر وكتب في العلانية فإن تحدث به نقل من السر والعلانية وكتب رياء حديث إن العبد ليعمل عملا في السر فيكتبه الله له سرا فإن أظهره نقل من السر الحديث أخرج الخطيب في التاريخ من حديث أنس نحوه بإسناد ضعيف وفي الحديث المشهور سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله أحدهم رجل تصدق بصدقة فلم تعلم شماله بما أعطت يمينه حديث سبعة يظلهم الله في ظله الحديث أخرجاه من حديث أبي هريرة وفي الخبر صدقة السر تطفىء غضب الرب حديث صدقة السر تطفىء غضب الرب أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة ورواه أبو الشيخ في كتاب الثواب والبيهقي في الشعب من حديث أبي سعيد كلاهما ضعيف والترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة إن الصدقة لتطفىء غضب الرب ولابن حبان نحوه من حديث أنس وهو ضعيف أيضا وقال تعالى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم وفائدة الإخفاء الخلاص من آفات الرياء والسمعة فقد قال صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله من مسمع ولا مراء ولا منان والمتحدث بصدقته يطلب السمعة والمعطى في ملأ من الناس يبغي الرياء والإخفاء والسكوت هو المخلص منه حديث لا يقبل الله من مسمع ولا مراء ولا منان لم أظفر به هكذا وقد بالغ في فضل الإخفاء جماعة حتى اجتهدوا أن لا يعرف القابض المعطى فكان بعضهم يلقيه في يد أعمى وبعضهم يلقيه في طريق الفقير وفي موضع جلوسه حيث يراه ولا يرى المعطى وبعضهم كان يصره في ثوب الفقير وهو نائم وبعضهم كان يوصل إلى يد الفقير على يد غيره بحيث لا يعرف المعطي وكان يستكتم المتوسط شأنه ويوصيه بأن لا يفشيه كل ذلك توصلا إلى إطفاء غضب الرب سبحانه واحترازا من الرياء والسمعة ومهما لم يتمكن إلا بأن يعرفه شخص واحد فتسليمه إلى وكيل ليسلم إلى المسكين والمسكين لا يعرف أولى إذ في معرفة المسكين الرياء والمنة جميعا وليس في معرفة المتوسط إلا الرياء ومهما كانت الشهرة مقصودة لهحبط عمله لأن الزكاة إزالة للبخل وتضعيف لحب المال وحب الجاه أشد استيلاء على النفس من حب المال وكل واحد منهما مهلك في الآخرة ولكن صفة البخل تنقلب في القبر في حكم المثال عقربا لادغا وصفة الرياء تقلب في القبر أفعى من الأفاعي وهو مأمور بتضعيفها أو قتلهما لدفع أذاهما أو تخفيف أذاهما فمهما قصد الرياء والسمعة فكأنه جعل بعض أطراف العقرب مقويا للحية فبقدر ما ضعف من العقرب زاد في قوة الحية ولو ترك الأمر كما كان لكان الأمر أهون عليه وقوة هذه الصفات التي بها قوتها العمل بمقتضاها وضعفت هذه الصفات بمجاهدتها ومخالفتها والعمل بخلاف مقتضاها فأي فائدة في أن يخالف دواعي البخل ويجيب دواعي الرياء فيضعف الأدنى ويقوي الأقوى وستأتي أسرار هذه المعاني في ربع المهلكات الوظيفة الرابعة أن يظهر حيث يعلم أن في إظهاره ترغيبا للناس في الاقتداء ويحرس سره من داعية الرياء بالطريق الذي سنذكره في معالجة الرياء في كتاب الرياء فقد قال الله عز وجل إن تبدوا الصدقات فنعما هي وذلك حيث يقتضي الحال الإبداء إما للاقتداء وإما لأن السائل إنما سأل على ملأ من الناس فلا ينبغي أن يترك التصدق خيفة من الرياء في الإظهار بل ينبغي أن يتصدق ويحفظ سره عن الرياء بقدر الإمكان وهذا لأن في الإظهار محذورا ثالثا سوى المن والرياء وهو هتك ستر الفقير فإنه ربما يتأذى بأن يرى في صورة المحتاج فمن أظهر السؤال فهو الذي هتك ستر نفسه فلا يحذر هذا المعنى في إظهاره وهو كإظهار الفسق على من تستر به فإنه محظور والتجسس فيه والاعتياد بذكره منهي عنه فأما من أظهره فإقامة الحد عليه إشاعة ولكن هو السبب فيها وبمثل هذا المعنى قال صلى الله عليه وسلم من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له حديث من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له أخرجه ابن عدي وابن حبان في الضعفاء من حديث أنس بسند ضعيف وقد قال الله تعالى وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ندب إلى العلانية أيضا لما فيها من فائدة الترغيب فليكن العبد دقيق التأمل في وزن هذه الفائدة بالمحذور الذي فيه فإن ذلك يختلف بالأحوال والأشخاص فقد يكون الإعلان في بعض الأحوال لبعض الأشخاص أفضل ومن عرف الفوائد والغوائل ولم ينظر بعين الشهوة اتضح له الأولى والأليق بكل حال الوظيفة الخامسة أن لا يفسد صدقته بالمن والأذى قال الله تعالى لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى واختلفوا في حقيقة المن والأذى فقيل المن أن يذكرها والأذى أن يظهرها وقال سفيان من من فسدت صدقته فقيل له كيف المن فقال أن يذكره ويتحدث به وقيل المن أن يستخدمه بالعطاء والأذى أن يعيره بالفقر وقيل المن أن يتكبر عليه لأجل عطائه والأذى أن ينتهره أو يوبخه بالمسألة وقد قال صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صدقة منان حديث لا يقبل الله صدقة منان هو كالذي قبله بحديث لم أجده وعندي أن المن له أصل ومغرس وهو من أحوال القلب وصفاته ثم يتفرع عليه أحوال ظاهرة على اللسان والجوارح فأصله أن يرى نفسه محسنا إليه ومنعما عليه وحقه أن يرى الفقير محسنا إليه بقبول حق الله عز وجل منه الذي هو طهرته ونجاته من النار وأنه لو يقبله لبقي مرتهنا به فحقه أن يتقلد منه الفقير إذ جعل كفه نائبا عن الله عز وجل في قبض حق الله عز وجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصدقة تقع بيد الله عز وجل قبل أن تقع في يد السائل حديث إن الصدقة تقع بيد الله قبل أن تقع في يد السائل أخرجه الدار قطني في الأفراد من حديث ابن عباس وقال غريب من حديث عكرمة عنه ورواه البيهقي في الشعب بسند ضعيف فليتحقق أنه مسلم إلى الله عز وجل حقه والفقير آخذ من الله تعالى رزقه بعد صيرورته إلى الله عز وجل ولو كان عليه دين لإنسان فأحال به عبده أو خادمه الذي هو متكفل برزقهلكان اعتقاد مؤدى الدين كون القابض تحت منته سفها وجهلا فإن المحسن إليه هو المتكفل برزقه أما هو فإنما يقضي الذي لزمه بشراء ما أحبه فهو ساع في حق نفسه فلم يمن به على غيره ومهما عرف المعاني الثلاثة التي ذكرناها في فهم وجوب الزكاة أو أحدها لم ير نفسه محسنا إلا إلى نفسه إما ببذل ماله إظهارا لحب الله تعالى أو تطهيرا لنفسه عن رذيلة البخل أو شكرا على نعمة المال طلبا للمزيد وكيفما كان فلا معاملة بينه وبين الفقير حتى يرى نفسه محسنا إليه ومهما حصل هذا الجهل بأن رأى نفسه محسنا إليه تفرع منه على ظاهره ما ذكر في معنى المن وهو التحدث به وإظهاره وطلب المكافأة منه بالشكر والدعاء والخدمة والتوقير والتعظيم والقيام بالحقوق والتقديم في المجالس والمتابعة في الأمور فهذه كلها ثمرات المنة ومعنى المنة في الباطن ما ذكرناه وأما الأذى فظاهره التوبيخ والتعيير وتخشين الكلام وتقطيب الوجه وهتك الستر بالإظهار وفنون الاستخفاف وباطنه وهو منبعه أمران أحدهما كراهيته لرفع اليد عن المال وشدة ذلك على نفسه فإن ذلك يضيق الخلق لا محالة والثاني رؤيته أنه خير من الفقير وأن الفقير لسبب حاجته أخس منه وكلاهما منشؤه الجهل أما كراهية تسليم المال فهو حمق لأن من كره بذل درهم في مقابلة ما يساوي ألفا فهو شديد الحمق ومعلوم أنه يبذل المال لطلب رضا الله عز وجل والثواب في الدار الآخرة وذلك أشرف مما بذله أو يبذله لتطهير نفسه عن رذيلة البخل أو شكرا لطلب المزيد وكيفما فرض فالكراهة لا وجه لها وأما الثاني فهو أيضا جهل لأنه لو عرف فضل الفقر على الغنى وعرف خطر الأغنياء لما استحقر الفقير بل تبرك به وتمنى درجته فصلحاء الأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمسمائة عام ولذلك قال صلى الله عليه وسلم هم الأخسرون ورب الكعبة فقال أبو ذر من هم قال هم الأكثرون أموالا الحديث ثم كيف يستحقر الفقير وقد جعله الله تعالى متجرة له إذ يكتسب المال بجهدك ويستكثر منه ويجتهد في حفظه بمقدار الحاجة وقد ألزم أن يسلم إلى الفقير قدر حاجته ويكف عنه الفاضل الذي يضره لو سلم إليه فالغني مستخدم للسعي في رزق الفقير ويتميز عليه بتقليد المظالم والتزام المشاق وحراسة الفضلات إلى أن يموت فيأكله أعداؤه فإن مهما انتقلت الكراهية وتبدلت بالسرور والفرح بتوفيق الله تعالى له أداء الواجب وتفضيله الفقير حتى يخلصه عن عهدته بقبوله منه انتفى الأذى والتوبيخ وتقطيب الوجه وتبدل بالاستبشار والثناء وقبول المنة فهذا منشأ المن والأذى فإن قلت فرؤيته نفسه في درجة المحسن أمر غامض فهل من علامة يمتحن بها قلبه فيعرف بها أنه لم ير نفسه محسنا فاعلم أن له علامة دقيقة واضحة وهو أن يقدر أن الفقير لو جنى عليه جناية أو مالا عدوا له عليه مثلا هل كان يزيد في استنكاره واستبعاده له على استنكاره قبل التصدق فإن زاد لم تخل صدقته عن شائبة المنة لأنه توقع بسببه ما لم يكن يتوقع قبل ذلك فإن قلت فهذا أمر غامض ولا ينفك قلب أحد عنه فما دواؤه فاعلم أن له دواء باطنا ودواء ظاهرا أما الباطن فالمعرفة بالحقائق التي ذكرناها في فهم الوجوب وأن الفقير هو المحسن إليه في تطهيره بالقبول وأما الظاهر فالأعمال التي يتعاطاها متقلد المنة فإن الأفعال التي تصدر عن الأخلاق تصبغ القلب بالأخلاق كما سيأتي أسراره في الشطر الأخير من الكتاب ولهذا كان بعضهم يضع الصدقة بين يدي الفقير ويتمثل قائما بين يديه حتى يسأله قبولها حتى يكون هو في صورة السائلين وهو يستشعر مع ذلك كراهية لو رده وكان بعضهم يبسط كفه ليأخذ الفقير من كفه وتكون يد الفقير هي العليا وكانت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما إذا أرسلتا معروفا إلى فقير قالتا للرسول احفظ ما يدعو به ثم كانتا تردان عليه مثل قوله وتقولان هذا بذاك حتى تخلص لنا صدقتنا فكانوا لا يتوقعون الدعاء لأنه شبه المكافأة وكانوا يقابلون الدعاء بمثله وهكذا فعل عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما وهكذا كان أرباب القلوب يداوون قلوبهم ولا دواء من حيث الظاهر إلا هذه الأعمال الدالة على التذلل والتواضع وقبول المنة ومن حيث الباطن المعارف التي ذكرناها هذا من حيث العمل وذلك من حيث العلم ولا يعالج القلب إلا بمعجون العلم والعمل وهذه الشريطة من الزكوات تجري مجرى الخشوع من الصلاة وثبت ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها حديث ليس للمؤمن من صلاته إلا ما عقل منها تقدم في الصلاة وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم لا يتقبل الله صدقة منان وكقوله عز وجل لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى وأما فتوى الفقيه بوقوعها موقعها وبراءة ذمته عنها دون هذا الشرط فحديث آخر وقد أشرنا إلى معناه في كتاب الصلاة الوظيفة السادسة أن يستصغر العطية فإنه إن استعظمها أعجب بها والعجب من المهلكات وهو محبط للأعمال قال تعالى ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ويقال إن الطاعة كلما استصغرت عظمت عند الله عز وجل والمعصية كلما استعظمت صغرت عند الله عز وجل وقيل لا يتم المعروف إلا بثلاثة أمور تصغيره وتعجيله وستره وليس الاستعظام هو المن والأذى فإنه لو صرف ماله إلى عمارة مسجد أو رباط أمكن فيه الاستعظام ولا يمكن فيه المن والأذى بل العجب والاستعظام يجري في جميع العبادات ودواؤه علم وعمل امام العلم فهو أن يعلم أن العشر أو ربع العشر قليل من كثير وأنه قد قنع لنفسه بأخس درجات البذل كما ذكرنا في فهم الوجوب فهو جدير بأن يستحيي منه فكيف يستعظمه وإن ارتقى إلى الدرجة العليا فبذل كل ماله أو أكثره فليتأمل أنه من أين له المال وإلى ماذا يصرفه فالمال لله عز وجل وله المنة عليه إذ أعطاه ووفقه لبذله فلم يستعظم في حق الله تعالى ما هو عين حق الله سبحانه وإن كان مقامه يقتضي أن ينظر إلى الآخرة وأنه يبذله للثواب فلم يستعظم بذل ما ينتظر عليه أضعافه وأما العمل فهو أن يعطيه عطاء الخجل من بخل بإمساك بقية ماله عن الله عز وجل فتكون هيئته الانكسار والحياء كهيئة من يطالب برد وديعة فيمسك بعضها ويرد البعض لأن المال كله لله عز وجل وبذل جميعه هو الأحب عند الله سبحانه وإنما لم يأمر به عبده لأنه يشق عليه بسبب بخله كما قال الله عز وجل فيحفكم تبخلوا الوظيفة السابعة أن ينتقي من ماله أجوده وأحبه إليه وأجله وأطيبه فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإذا كان المخرج من شبهة فربما لا يكون ملكا له مطلقا فلا يقع الموقع وفي حديث أبان عن أنس بن مالك طوبى لعبد أنفق من مال اكتسبه من غير معصية حديث أنس طوبى لعبد أنفق من مال اكتسبه من غير معصية أخرجه ابن عدي والبزار وإذا لم يكن المخرج من جيد المال فهو من سوء الأدب إذ قد يمسك الجيد لنفسه أو لعبده أو لأهله فيكون قد آثر على الله عز وجل غيره ولو فعل هذا بضيفه وقدم إليه أردأ طعام في بيته لأوغر بذلك صدره هذا إن كان نظره إلى الله عز وجل وإن كان نظره إلى نفسه وثوابه في الآخرة فليس بعاقل من يؤثر غيره على نفسه وليس له من ماله إلا ما تصدق به فأبقى أو أكل فأفنى والذي يأكله قضاء وطر في الحال فليس من العقل قصر النظر على العاجلة وترك الادخار وقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه أي لا تأخذوه إلا مع كراهية وحياء وهو معنى الإغماض فلا تؤثروا به ربكم وفي الخبر سبق درهم مائة ألف درهم حديث سبق درهم مائة ألف أخرجه النسائي وابن حبان وصححه من حديث أبي هريرةوذلك بأن يخرجه الإنسان وهو من أحل ماله وأجوده فيصدر ذلك عن الرضا والفرح بالبذل وقد يخرج مائة ألف درهم مما يكره من ماله فيدل ذلك على أنه ليس يؤثر الله عز وجل بشيء مما يحبه وبذلك ذم الله تعالى قوما جعلوا لله ما يكرهون فقال تعالى ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا وقف بعض القراء على النفي تكذيبا لهم ثم ابتدأ وقال جرم أن لهم النار أي كسب لهم جعلهم لله ما يكرهون النار الوظيفة الثامنة أن يطلب لصدقته من تزكو به الصدقة ولا يكتفي بأن يكون من عموم الأصناف الثمانية فإن في عمومهم خصوص صفات فليراع خصوص تلك الصفات وهي ستة الأولى أن يطلب الأتقياء المعرضين عن الدينا المتجردين لتجارة الآخرة قال صلى الله عليه وسلم لا تأكل إلا طعام تقي ولا يأكل طعامك إلا تقي حديث لا تأكل إلا طعام تقي ولا يأكل طعاعته إلا تقي أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي سعيد بلفظ لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي وهذا لأن التقي يستعين به على التقوى فتكون شريكا في طاعته بإعانتك إياه وقال صلى الله عليه وسلم أطعموا طعامكم الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين حديث أطعموا طعامكم الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين أخرجه ابن المبارك في البر والصلة من حديث أبي سعيد الخدري قال ابن طاهر غريب فيه مجهول وفي لفظ آخر أضف بطعامك من تحبه في الله تعالى حديث أضف بطعامك من يحبه الله أخرجه ابن المبارك أنبأنا جويبر عن الضحاك مرسلا وكان بعض العلماء يؤثر بالطعام فقراء الصوفية دون غيرهم فقيل له لو عممت بمعروفك جميع الفقراء لكان أفضل فقال لا هؤلاء قوم همهم لله سبحانه فإذا طرقتهما فاقة تشتت هم أحدهم فلأن أرد همة واحد إلى الله عز وجل أحب إلي من أن أعطى ألفا ممن همته الدنيا فذكر هذا الكلام للجنيد فاستحسنه وقال هذا ولي من أولياء الله تعالى وقال ما سمعت منذ زمان كلاما أحسن من هذا ثم حكى أن هذا الرجل اختل حاله وهم بترك الحانوت فبعث إليه الجنيد مالا وقال اجعله بضاعتك ولا تترك الحانوت فإن التجارة لا تضر مثلك وكان هذا الرجل بقالا لا يأخذ من الفقراء ثمن ما يبتاعون منه الصفة الثانية أن يكون من أهل العلم خاصة فإن ذلك إعانة له على العلم والعلم أشرف العبادات مهما صحت فيه النية وكان ابن المبارك يخصص بمعروفه أهل العلم فقيل له لو عممت فقال إني لا أعرف بعد مقام النبوة أفضل من مقام العلماء فإذا اشتغل قلب أحدهم بحاجته لم يتفرغ للعلم ولم يقبل على التعلم فتفريغهم للعلم أفضل الصفة الثالثة أن يكون صادقا في تقواه وعلمه بالتوحيد وتوحيده أنه إذا أخذ العطاء حمد الله عز وجل وشكره ورأى أن النعمة منه ولم ينظر إلى واسطة فهذا هو أشكر العباد لله سبحانه وهو أن يرى أن النعمة كلها منه وفي وصية لقمان لابنه لا تجعل بينك وبين الله منعما واعدد نعمة غيره عليك مغرما ومن شكر غير الله سبحانه فكأنه لم يعرف المنعم ولم يتيقن أن الواسطة مقهور مسخر بتسخير الله عز وجل إذ سلط الله تعالى عليه دواعي الفعل ويسر له الأسباب فأعطى وهو مقهور ولو أراد تركه لم يقدر عليه بعد أن ألقى الله عز وجل في قلبه أن صلاح دينه ودنياه في فعله فمهما قوي الباعث أوجب ذلك جزم الإرادة وانتهاض القدرة ولم يستطع العبد مخالفة الباعث القوي الذي لا تردد فيه والله عز وجل خالق للبواعث ومهيجها ومزيل للضعف والتردد عنها ومسخر القدرة للانتهاض بمقتضى البواعث فمن تيقن هذا لم يكن له نظر إلا إلى مسبب الأسباب وتيقن مثل هذا العبد أنفع للمعطى من ثناء غيره وشكره فذلك حركة لسان يقل في الأكثر جدواه وإعانة مثل هذا العبد الموحد لا تضيع وأما الذي يمدح بالعطاء ويدعو بالخير فسيذم بالمنع ويدعو بالشر عند الإيذاء وأحواله متفاوتة وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم بعث معروفا إلى بعض الفقراء وقال للرسول احفظ ما يقول فلما أخذ قال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يضيع من شكره ثم قال اللهم إنك لم تنس فلانا يعني نفسه فاجعل فلانا لا ينساك يعني بفلان نفسه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلكفسر وقال صلى الله عليه وسلم علمت أنه يقول ذلك حديث بعث معروفا إلى بعض الفقراء وقال للرسول احفظ ما يقول فلما أخذه قال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره الحديث لم أجد له أصلا إلا في حديث ضعيف من حديث ابن عمر وروى ابن منده في الصحابة أوله ولم يسق هذه القطعة التي أوردها المصنف وسمى الرجل حديرا فقد رويا من طريق البيهقي أنه وصل لحدير من أبي الدرداء شيء فقال اللهم إنك لم تنس حديرا فاجعل حديرا لا ينساك وقيل إن هذا آخر لا صحبة له يكنى أبا جريرة وقد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين فانظر كيف قصر التفاته على الله وحده وقال صلى الله عليه وسلم لرجل تب فقال أتوب إلى الله وحده ولا أتوب إلى محمد فقال صلى الله عليه وسلم عرف الحق لأهله حديث قال لرجل تب فقال أتوب إلى الله ولا اتوب إلى محمد الحديث أخرجه أحمد والطبراني من حديث الأسود ابن سريع بسند ضعيف ولما نزلت براءة عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك قال أبو بكر رضي الله عنه قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت والله لا أفعل ولا أحمد إلا الله فقال صلى الله عليه وسلم دعها يا أبا بكر حديث لما نزلت براءة عائشة قال أبو بكر قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث أخرجه أبو داود من حديث عائشة بلفظ فقال أبواي قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أحمد الله لا إياكما وللبخاري تعليقا فقال أبواي قومي إليه فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمدكما ولكن أحمد الله وله ولمسلم فقالت لي أمي قومي إليه فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله وللطبراني فقالت بحمد الله لا بحمد صاحبك وله من حديث ابن عباس فقالت لا بحمدك ولا بحمد صاحبك وله من حديث ابن عمر فقال أبو بكر قومي فاحتضني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا والله لا أدنو منه الحديث وفيه أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم بحمد الله لا بحمدك وفي لفظ آخر أنها رضي الله عنها قالت لأبي بكر رضي الله عنه بحمد الله لا بحمدك ولا بحمد صاحبك فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ذلك مع أن الوحي وصل إليها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ورؤية الأشياء من غير الله سبحانه وصف الكافرين قال الله تعالى وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ومن لم يصف باطنه عن رؤية الوسائط إلا من حيث إنهم وسائط فكأنه لم ينفك عن الشرك الخفي سره فليتق الله سبحانه في تصفية توحيده عن كدورات الشرك وشوائبه الصفة الرابعة أن يكون مستترا مخفيا حاجته لا يكثر البث والشكوى أو يكون من أهل المروءة ممن ذهبت نعمته وبقيت عادته فهو يتعيش في جلباب التجمل قال الله تعالى يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا أي لا يلحون في السؤال لأنهم أغنياء بيقينهم أعزة بصبرهم وهذا ينبغي أن يطلب بالتفحص عن أهل الدين في كل محلة ويستكشف عن بواطن أحول أهل الخير والتجمل فثواب صرف المعروف إليهم أضعاف ما يصرف إلى المجاهرين بالسؤال الصفة الخامسة أن يكون معيلا أو محبوسا بمرض أو بسبب من الأسباب فيوجد فيه معنى قوله عز وجل للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله أي حبسوا في طريق الآخرة بعيلة أو ضيق معيشة أو إصلاح قلب لا يستطيعون ضربا في الأرض لأنهم مقصوصوا الجناح مقيدوا الأطراف فبهذه الأسباب كان عمر رضي الله عنه يعطي أهل البيت القطيع من الغنم العشرة فما فوقها وكان صلى الله عليه وسلم يعطي العطاء على مقدار العيلة حديث كان يعطي العطاء على مقدار العيلة لم أر له أصلا ولأبي داود من حديث عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه الفيء قسمه في يومه وأعطى الآهل حظين وأعطى العزب حظا وسأل عمر رضي الله عنه عن جهد البلاء فقال كثرة العيال وقلة المال الصفة السادسة أن يكون من الأقارب وذوي الأرحام فتكون صدقة وصلة رحم وفي صلة الرحم من الثواب ما لا يحصى قال علي رضي الله عنه لأن أصل أخا من إخواني بدرهم أحب إلي من أن أتصدق بعشرين درهما ولأن أصله بعشرين درهما أحب إلي من أن أتصدق بمائة درهم ولأن أصله بمائة درهم أحب إلي من أن أعتق رقبة والأصدقاء وإخوان الخير أيضايقدمون على المعارف كما يتقدم الأقارب على الأجانب فليراع هذه الدقائق فهذه هي الصفات المطلوبة وفي كل صفة درجات فينبغي أن يطلب أعلاها فإن وجد من جمع جملة من هذه الصفات فهي الذخيرة الكبرى والغنيمة العظمى ومهما اجتهد في ذلك وأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد فإن أحد أجريه في الحال تطهيره نفسه عن صفة البخل وتأكيد حب الله عز وجل في قلبه واجتهاده في طاعته وهذه الصفات هي التي تقوى في قلبه فتشوقه إلى لقاء الله عز وجل والأجر الثاني ما يعود إليه من فائدة دعوة الآخذ وهمته فإن قلوب الأبرار لها آثار في الحال والمآل فإن أصاب حصل الأجران وإن أخطأ حصل الأول دون الثاني فبهذا يضاعف أجر المصيب في الاجتهاد ههنا وفي سائر المواضع والله أعلم الفصل الثالث في القابض وأسباب استحقاقه ووظائف قبضه بيان أسباب الاستحقاق اعلم أنه لا يستحق الزكاة إلا حر مسلم ليس بهاشمي ولا مطلبي اتصف بصفة من صفات الأصناف الثمانية المذكورين في كتاب الله عز وجل ولا تصرف زكاة إلى كافر ولا إلى عبد ولا إلى هاشمي ولا إلى مطلبي أما الصبي والمجنون فيجوز الصرف إليهما إذا قبض وليهما فلنذكر صفات الأصناف الثمانية الصنف الأول الفقراء والفقير هو الذي ليس له مال ولا قدرة له على الكسب فإن كان معه قوت يومه وكسوة حاله فليس بفقير ولكنه مسكين وإن كان معه نصف قوت يومه فهو فقير وإن كان معه قميص وليس معه منديل ولا خف ولا سراويل ولم تكن قيمة القميص بحيث تفي بجميع ذلك كما يليق بالفقراء فهو فقير لأنه في الحال قد عدم ما هو محتاج إليه وما هو عاجز عنه فلا ينبغي أن يشترط في الفقير أن لا يكون له كسوة سوى ساتر العورة فإن هذا غلو والغالب أنه لا يوجد مثله ولا يخرجه عن الفقر كونه معتادا للسؤال فلا يجعل السؤال كسبا بخلاف ما لو قدر على كسب فإن ذلك يخرجه عن الفقر فإن قدر على الكسب بآلة فهو فقير ويجوز أن يشتري له آلة وإن قدر على كسب لا يليق بمروءة وبحال مثله فهو فقير وإن كان متفقها ويمنعه الاشتغال بالكسب عن التفقه فهو فقير ولا تعتبر قدرته وإن كان متعبدا يمنعه الكسب من وظائف العبادات وأوراد الأوقات فليكتسب لأن الكسب أولى من ذلك قال صلى الله عليه وسلم طلب الحلال فريضة بعد الفريضة حديث طلب الحلال فريضة بعد الفريضة أخرجه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن مسعود بسند ضعيف وأراد به السعي في الاكتساب وقال عمر رضي الله عنه كسب في شبهة خير من مسألة وإن كان مكتفيا بنفقة أبيه أو من تجب عليه نفقته فهذا أهون من الكسب فليس بفقير الصنف الثاني المساكين والمسكين هو الذي لا يفي دخله بخرجه فقد يملك ألف درهم وهو مسكين وقد لا يملك إلا فأسا وحبلا وهو غني والدويرة التي يسكنها والثوب الذي يستره على قدر حاله لا يسلبه اسم المسكين وكذا أثاث البيت أعني ما يحتاج إليه وذلك ما يليق به وكذا كتب الفقه لا تخرجه عن المسكنة وإذا لم يملك إلا الكتب فلا تلزمه صدقة الفطر وحكم الكتاب حكم الثوب وأثاث البيت فإنه محتاج إليه ولكن ينبغي أن يحتاط في قطع الحاجة بالكتاب فالكتاب محتاج إليه لثلاثة أغراض التعليم والاستفادة والتفرج بالمطالعة أما حاجة التفرج فلا تعتبر كاقتناء كتب الأشعار وتواريخ الأخبار وأمثال ذلك مما لا ينفع في الآخرة ولا يجري في الدنيا إلا مجرى التفرج والاستئناس فهذا يباع في الكفارة وزكاة الفطر وتمنع اسم المسكنة وأما حاجة التعليم إن كان لأجل الكسب كالمؤدب والمعلم والمدرس بأجره فهذه آلته فلا تباع في الفطرة كأدوات الخياط وسائر المحترفين وإن كان يدرس للقيام بفرضالكفاية فلا تباع ولا يسلبه ذلك اسم المسكين لأنها حاجة مهمة وأما حاجة الاستفادة والتعلم من الكتاب كادخاره كتب طب ليعالج بها نفسه أو كتاب وعظ ليطالع فيه ويتعظ به فإن كان في البلد طبيب وواعظ فهذا مستغنى عنه وإن لم يكن فهو محتاج إليه ثم ربما لا يحتاج إلى مطالعة الكتاب إلا بعد مدة فينبغي أن يضبط مدة الحاجة والأقرب أن يقال ما لا يحتاج إليه في السنة فهو مستغنى عنه فإن من فضل من قوت يومه شيء لزمته الفطرة فإذا قدرنا القوت باليوم فحاجة أثاث البيت وثياب البدن ينبغي أن تقدر بالسنة فلا تباع ثياب الصيف في الشتاء والكتب بالثياب والأثاث أشبه وقد يكون له من كتاب نسختان فلا حاجة إلى إحداهما فإن قال إحداهما أصح والأخرى أحسن فأنا محتاج إليهما قلنا اكتف بالأصح وبع الأحسن ودع التفرج والترفه وإن كان نسختان من علم واحد إحداهما بسيطة والأخرى وجيزة فإن كان مقصوده الاستفادة فليكتف بالبسيطة وإن كان قصده التدريس فيحتاج إليهما إذ في كل واحدة فائدة ليست في الأخرى وأمثال هذه الصور لا تنحصر ولم يتعرض له في فن الفقه وإنما أوردناه لعموم البلوى والتنبيه بحسن هذا النظر على غيره فإن استقصاء هذه الصور غير ممكن إذ يتعدى مثل هذا النظر في أثاث البيت في مقدارها وعددها ونوعها وفي ثياب البدن وفي الدار وسعتها وضيقها وليس لهذه الأمور حدود محدودة ولكن الفقيه يجتهد فيها برأيه ويقرب في التحديدات بما يراه ويقتحم فيه خطر الشبهات والمتورع يأخذ فيه بالأحوط ويدع ما يريبه إلى ما لا يريبه والدرجات المتوسطة المشكلة بين الأطراف المتقابلة الجلية كثيرة ولا ينجي منها إلا الاحتياط والله أعلم الصنف الثالث العاملون وهم السعاة الذين يجمعون الزكوات سوى الخليفة والقاضي ويدخل فيه العريف والكاتب والمستوفي والحافظ والنقال ولا يزاد واحد منهم على أجرة المثل فإن فضل شيء من الثمن عن أجر مثلهم رد على بقية الأصناف وإن نقص كمل من مال المصالح الصنف الرابع المؤلفة قلوبهم على الإسلام وهم الأشراف الذين أسلموا وهم مطاعون في قومهم وفي إعطائهم تقريرهم على الإسلام وترغيب نظائرهم وأتباعهم الصنف الخامس المكاتبون فيدفع إلى السيد سهم المكاتب وإن دفع إلى المكاتب جاز ولا يدفع السيد زكاته الىمكاتب نفسه لأنه يعد عبدا له الصنف السادس الغارمون والغارم هو الذي استقرض في طاعة أو مباح وهو فقير فإن استقرض في معصية فلا يعطى إلا إذا تاب وإن كان غنيا لم يقض دينه إلا إذا كان قد استقرض لمصلحة أو إطفاء فتنة الصنف السابع الغزاة الذين ليس لهم مرسوم في ديوان المرتزقة فيصرف إليهم سهم وإن كانوا أغنياء إعانة لهم على الغزو الصنف الثامن ابن السبيل وهو الذي شخص من بلده ليسافر في غير معصية أو اجتاز بها فيعطى إن كان فقيرا وإن كان له مال ببلد آخر أعطى بقدر بلغته فإن قلت فبم تعرف هذه الصفات قلنا أما الفقر والمسكنة فبقول الآخذ ولا يطالب ببينة ولا يحلف بل يجوز اعتماد قوله إذا لم يعلم كذبه وأما الغزو والسفر فهو أمر مستقبل فيعطى بقوله إني غاز فإن لم يف به استرد وأما بقية الأصناف فلا بد فيها من البينة فهذه شروط الاستحقاق وأما مقدار ما يصرف إلى كل واحد فسيأتي بيان وظائف القابض وهي خمسة الأولى أن يعلم أن الله عز وجل أوجب صرف الزكاة إليه ليكفي همه ويجعل همومه هما واحدا فقد تعبد الله عز وجل الخلق بأن يكون همهم واحدا وهو الله سبحانه واليوم الآخر وهو المعني بقوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ولكن لما اقتضت الحكمة أن يسلط على العبد الشهوات والحاجات وهي تفرق همهاقتضى الكرم إفاضة نعمة تكفي الحاجات فأكثر الأموال وصبها في أيدي عباده لتكون آلة لهم في دفع حاجاتهم ووسيلة لتفرغهم لطاعاتهم فمنهم من أكثر ماله فتنة وبلية فأقحمه في الخطر ومنهم من أحبه فحماه عن الدنيا كما يحمى المشفق مريضه فزوى عنه فضولها وساق إليه قدر حاجته على يد الأغنياء ليكون سهل الكسب والتعب في الجمع والحفظ عليهم وفائدته تنصب إلى الفقراء فيتجردون لعبادة الله والاستعداد لما بعد الموت فلا تصرفهم عنها فضول الدنيا ولا تشغلهم عن التأهب الفاقة وهذا منتهى النعمة فحق الفقير أن يعرف قدر نعمة الفقر ويتحقق أن فضل الله عليه فيما زواه عنه أكثر من فضله فيما أعطاه كما سيأتي في كتاب الفقر تحقيقه وبيانه إن شاء الله تعالى فليأخذ ما يأخذه من الله سبحانه رزقا له وعونا له على الطاعة ولتكن نيته فيه أن يتقوى به على طاعة الله فإن لم يقدر عليه فليصرفه إلى ما أباحه الله عز وجل فإن استعان به على معصية الله كان كافرا لأنعم الله عز وجل مستحقا للبعد والمقت من الله سبحانه الثانية أن يشكر المعطى ويدعو له ويثني عليه ويكون شكره ودعاؤه بحيث لا يخرجه عن كونه واسطة ولكنه طريق وصول نعمة الله سبحانه إليه وللطريق حق من حيث جعله الله طريقا وواسطة وذلك لا ينافي رؤية النعمة من الله سبحانه فقد قال صلى الله عليه وسلم من لم يشكر الناس لم يشكر الله حديث من لم يشكر الناس لم يشكر الله أخرجه الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد وله ولأبي داود وابن حبان نحوه من حديث أبي هريرة وقال حسن صحيح وقد أثنى الله عز وجل على عباده في مواضع على أعمالهم وهو خالقها وفاطر القدرة عليها نحو قوله تعالى نعم العبد إنه أواب إلى غير ذلك وليقل القابض في دعائه طهر الله قلبك في قلوب الأبرار وزكى عملك في عمل الأخيار وصلى على روحك في أرواح الشهداء وقد قال صلى الله عليه وسلم من أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تستطيعوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه حديث من أسدى إليكم معروفا فكافئوه الحديث أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عمر بإسناد صحيح بلفظ من صنع ومن تمام الشكر أن يستر عيوب العطاء إن كان فيه عيب ولا يحقره ولا يذمه ولا يعيره بالمنع إذا منع ويفخم عند نفسه وعند الناس صنيعه فوظيفة المعطى الاستصغار ووظيفة القابض تقلد المنة والاستعظام وعلى كل عبد القيام بحقه وذلك لا تناقض فيه إذ موجبات التصغير والتعظيم تتعارض والنافع للمعطي ملاحظة أسباب التصغير ويضره خلافه والآخذ بالعكس منه وكل ذلك لا يناقض رؤية النعمة من الله عز وجل فإن من لا يرى الواسطة واسطة فقد جهل وإنما المنكر أن يرى الواسطة أصلا الثالثة أن ينظر فيما يأخذه فإن لم يكن من حل تورع عنه ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ولن يعدم المتورع عن الحرام فتوحا من الحلال فلا يأخذ من أموال الأتراك والجنود وعمال السلاطين ومن أكثر كسبه من الحرام إلا إذا ضاق الأمر عليه وكان ما يسلم إليه لا يعرف له مالكا معينا فله أن يأخذ بقدر الحاجة فإن فتوى الشرع في مثل هذا أن يتصدق به على ما سيأتي بيانه في كتاب الحلال والحرام وذلك إذا عجز عن الحلال فإذا أخذ لم يكن أخذه أخذ زكاة إذ لا يقع زكاة عن مؤديه وهو حرام الرابعة أن يتوقى مواقع الريبة والاشتباه في مقدار ما يأخذه فلا يأخذ إلا المقدار المباح ولا يأخذ إلا إذا تحقق أنه موصوف بصفة الاستحققا فإن كان يأخذه بالكتابة والغرامة فلا يزيد على مقدار الدين وأن كان يأخذ بالعمل فلا يزيد على أجرة المثل وإن أعطى زيادة أبى وامتنع إذ ليس المال للمعطي حتى يتبرع به وإن كان مسافرا لم يزد على الزاد وكراء الدابة إلى مقصده وإن كان غازيا لم يأخذ إلا ما يحتاج إليه للغزو خاصة من خيل وسلاح ونفقة وتقدير ذلك بالاجتهاد وليس له حد وكذا زاد السفر والورع ترك ما يريبه إلى ما لا يريبه وإن أخذ بالمسكنة فلينظر أولاالى أثاث بيته وثيابهوكتبه هل فيها ما يستغنى عنه بعينه أو يستغنى عن نفاسته فيمكن أن يبدل بما يكفي ويفضل بعض قيمته وكل ذلك إلى اجتهاده وفيه طرف ظاهر يتحقق معه أنه مستحق وطرف آخر مقابل يتحقق معه أنه غير مستحق وبينهما أوساط مشتبهة ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه والاعتماد في هذا على قول الآخذ ظاهرا وللمحتاج في تقدير الحاجات مقامات في التضييق والتوسيع ولا تحصر مراتبه وميل الورع إلى التضييق وميل المتساهل إلى التوسيع حتى يرى نفسه محتاجا إلى فنون من التوسع وهو ممقوت في الشرع ثم إذا تحققت حاجته فلا يأخذن مالا كثيرا بل ما يتمم كفايته من وقت أخذه إلى سنة فهذا أقصى ما يرخص فيه من حيث أن السنة إذا تكررت تكررت أسباب الدخل ومن حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخر لعياله قوت سنة حديث ادخر لعياله قوت سنة أخرجاه من حديث عمر كان يعزل نفقة أهله سنة وللطبراني في الأوسط من حديث أنس كان إذا ادخر لأهله قوت سنة تصدق بما بقي قال الذهبي حديث منكر فهذا أقرب ما يحد به حد الفقير والمسكين ولو اقتصر على حاجة شهره أو حاجة يومه فهو أقرب للتقوى ومذاهب العلماء في قدر المأخوذ بحكم الزكاة والصدقة مختلفة فمن مبالغ في التقليل إلى حد أوجب الاقتصار على قدر قوت يومه وليلته وتمسكوا بما روى سهل بن الحنظلية أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن السؤال مع الغنى فسئل عن غناه فقال صلى الله عليه وسلم غداؤه وعشاؤه حديث سهل بن الحنظلية في النهي عن السؤال مع الغنى فيسأل ما يغنيه فقال غداؤه وعشاؤه أخرجه أبو داود وابن حبان بلفظ من سأل وله ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم الحديث وقال آخرون يأخذ إلى حد الغنى حد الغنى نصاب الزكاة إذ لم يوجب الله تعالى الزكاة إلا على الأغنياء فقالوا له أن يأخذ بنفسه ولكل واحد من عياله نصاب زكاة وقال آخرون حد الغنى خمسون درهما أو قيمتها من الذهب لما روى ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال من سأل وله مال يغنيه جاء يوم القيامة وفي وجهه خموش فسئل وما غناه قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب حديث ابن مسعود من سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة وفي وجهه خموش الحديث أخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وضعفه النسائي والخطابي وقيل راويه ليس بقوي وقال قوم أربعون لما رواه عطاء بن يسار منقطعا أنه صلى الله عليه وسلم قال من سأل وله أوقية فقد ألحف في السؤال حديث عطاء بن يسار منقطعا من سأل وله أوقية فقد ألحف في السؤال أخرجه أبو داود والنسائي من رواية عطاء عن رجل من بني أسد متصلا وليس بمنقطع كما ذكر المصنف لأن الرجل صحابي فلا يضر عدم تسميته وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث أبي سعيد وبالغ آخرون في التوسيع فقالوا له أن يأخذ مقدار ما يشتري به ضيعة فيستغني به طول عمره أو يهيىء بضاعة ليتجر بها ويستغني بها طول عمره لأن هذا هو الغنى وقد قال عمر رضي الله عنه إذا أعطيتم فأغنوا حتى ذهب قوم إلى أن من افتقر فله أن يأخذ بقدر ما يعود به إلى مثل حاله ولو عشرة آلاف درهم إلا إذا خرج عن حد الاعتدال ولما شغل أبو طلحة ببستانه عن الصلاة قال جعلته صدقه فقال صلى الله عليه وسلم اجعله في قرابتك فهو خير لك حديث لما شغل أبا طلحة بستانه عن الصلاة قال جعلته صدقة تقدم في الصلاة فأعطاه حسان وأبا قتادة فحائط من نخل لرجلين كثير مغن وأعطى عمر رضي الله عنه أعرابيا ناقة معها ظئر لها فهذا ما حكى فيه فأما التقليل إلى قوت اليوم أو الأوقية فذلك ورد في كراهية السؤال والتردد على الأبواب وذلك مستنكر وله حكم آخر بل التجويز إلى أن يشتري ضيعة فيستغني بها أقرب إلى الاحتمال وهو أيضا مائل إلى الإسراف والأقرب إلى الاعتدال كفاية سنة فما وراءه فيه خطر وفيما دونه تضييق وهذه الأمور إذا لم يكن فيها تقدير جزم بالتوقيف فليس للمجتهد إلا الحكم بما يقع له ثم يقال للورع استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك حديث استفت قلبك وإن أفتوك تقدم في العلم كما قاله صلى الله عليه وسلم إذ الإثم حزاز القلوب فإذا وجد القابض في نفسه شيئا مما يأخذه فليتق الله فيه ولا يترخص تعللا بالفتوى منعلماء الظاهر فإن لفتواهم قيودا ومطلقات من الضرورات وفيها تخمينات واقتحام شبهات والتوقي من الشبهات من شيم ذوي الدين وعادات السالكين لطريق الآخرة الخامسة أن يسأل صاحب المال عن قدر الواجب عليه فإن كان ما يعطيه فوق الثمن فلا يأخذه منه فإنه لا يستحق مع شريكه إلا الثمن فلينقص من الثمن مقدار ما يصرف إلى اثنين من صنفه وهذا السؤال واجب على أكثر الخلق فإنهم لا يراعون هذه القسمة إما لجهل وإما لتساهل وإنما يجوز ترك السؤل عن مثل هذه الأمور إذا لم يغلب على الظن احتمال التحريم وسيأتي ذكر مظان السؤال ودرجة الاحتمال في كتاب الحلال والحرام إن شاء الله تعالى الفصل الرابع في صدقة التطوع وفضلها وآداب أخذها وإعطائها بيان فضيلة الصدقة من الأخبار قوله صلى الله عليه وسلم تصدقوا ولو بتمرة فإنها تسد من الجائع وتطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار حديث تصدقوا ولو بتمرة فإنها تسد من الجائع وتطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار أخرجه ابن المبارك في الزهد من حديث عكرمة مرسلا ولأحمد من حديث عائشة بسند حسن استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشيعان ولأبي يعلى والبزار من حديث أبي بكر اتقوا النار ولو بشق تمرة فإنها تقوم العوج وتدفع ميتة السوء وتقع من الجائع موقعها من الشبعان وإسناده ضعيف وللترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجه في حديث معاذ والصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار وقال صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة حديث اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة أخرجاه من حديث عدي بن حاتم وقال صلى الله عليه وسلم ما من عبد مسلم يتصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا إلا كان الله آخذها بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم فصيله حتى تبلغ التمرة مثل أحد حديث ما من عبد مسلم يتصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا الحديث أخرجه البخاري تعليقا ومسلم والترمذي والنسائي في الكبرى واللفظ لابن ماجه من حديث أبي هريرة وقال صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها ثم انظر إلى أهل بيت من جيرانك فأصبهم منه بمعروف حديث قال لأبي الدرداء إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها الحديث أخرجه من حديث أبي ذر أنه قال ذلك له وما ذكره المصنف أنه قال لأبي الدرداء وهم وقال صلى الله عليه وسلم ما أحسن عبد الصدقة إلا أحسن الله عز وجل الخلافة على تركته حديث ما أحسن عبد الصدقة إلا أحسن الله الخلافة على تركته أخرجه ابن المبارك في الزهد من حديث ابن شهاب مرسلا بإسناد صحيح وأسنده الخطيب فيمن روى عن مالك من حديث ابن عمر وضعفه وقال صلى الله عليه وسلم كل امرىء في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس حديث كل امرىء في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس أخرجه ابن حبان والحاكم وصححه على شرط مسلم من حديث عقبة بن عامر وقال صلى الله عليه وسلم الصدقة تسد سبعين بابا من الشر حديث الصدقة تسد سبعين بابا من الشر أخرجه ابن المبارك في البر من حديث أنس بسند ضعيف إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين بابا من ميتة السوء وقال صلى الله عليه وسلم صدقة السر تطفىء غضب الرب عز وجل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذي أعطى من سعة بأفضل أجرا من الذي يقبل من حاجة حديث ما المعطي من سعة بأفضل أجرا من الذي يقبل من حاجة أخرجه ابن حبان في الضعفاء والطبراني في الأوسط من حديث أنس ورواه في الكبير من حديث ابن عمر بسند ضعيف ولعل المراد به الذي يقصد من دفع حاجته التفرغ للدين فيكون مساويا للمعطي الذي يقصد بإعطائه عمارة دينه وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل قال أن تصدق وأنت صحيح تأمل البقاء وتخشى الفاقة ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان حديث سئل أي الصدقة أفضل قال أن تصدق وأنت صحيح شحيح الحديث أخرجاه من حديث أبي هريرة وقد قال صلى الله عليه وسلم يوما لأصحابه تصدقوا فقال رجل إن عندي دينارا فقال أنفقه على نفسك فقال إن عندي آخر قال أنفقهعلى زوجتك قال إن عندي آخر قال أنفقه على ولدك قال إن عندي آخر قال أنفقه على خادمك قال إن عندي آخر قال صلى الله عليه وسلم أنت أبصربه حديث قال يوما لأصحابه تصدقوا فقال رجل إن عندي دينارا فقال أنفقه على نفسك الحديث أخرجه أبو داود والنسائي واللفظ له وابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة وقد تقدم قبل بيسير وقال صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لآل محمد إنما هي أوساخ الناس حديث لا تحل الصدقة لآل محمد الحديث أخرجه مسلم من حديث المطلب بن ربيعة وقال ردوا مذمة السائل ولو بمثل رأس الطائر من الطعام حديث ردوا مذمة السائل ولو بمثل رأس الطائر من الطعام أخرجه العقيلي في الضعفاء من حديث عائشة وقال صلى الله عليه وسلم لو صدق السائل ما أفلح من رده حديث لو صدق السائل ما أفلح من رده أخرجه العقيلي في الضعفاء وابن عبد البر في التمهيد من حديث عائشة قال العقيلي لا يصح في هذا الباب شيء وللطبراني نحوه من حديث أبي أمامة بسند ضعيف وقال عيسى عليه السلام من رد سائلا خائبا من بيته لم تغش الملائكة ذلك البيت سبعة أيام وكان نبينا صلى الله عليه وسلم لا يكل خصلتين إلى غيره كان يضع طهوره بالليل ويخمره وكان يناول المسكين بيده حديث كان لا يكل خصلتين إلى غيره الحديث أخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس بسند ضعيف ورواه ابن المبارك في البر مرسلا وقال صلى الله عليه وسلم ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان إنما المسكين المتعفف اقرءوا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافا حديث ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان الحديث متفق عليه من حديث عائشة وقال صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يكسو مسلما إلا كان في حفظ الله عز وجل ما دامت عليه منه رقعه حديث ما من مسلم يكسو مسلما إلا كان في حفظ الله الحديث أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم وصحح إسناده من حديث ابن عباس وفيه خالد بن طهمان ضعيف الآثار قال عروة بن الزبير لقد تصدقت عائشة رضي الله عنها بخمسين ألفا وإن درعها لمرقع وقال مجاهد في قول الله عز وجل ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا فقال وهم يشتهونه وكان عمر رضي الله عنه يقول اللهم اجعل الفضل عند خيارنا لعلهم يعودون به على ذوي الحاجة منا وقال عمر عبد العزيز الصلاة تبلغك نصف الطريق والصوم يبلغك باب الملك والصدقة تدخلك عليه وقال ابن أبي الجعد إن الصدقة لتدفع سبعين بابا من السوء وفضل سرها على علانيتها بسبعين ضعفا وإنها لتفك لحيي سبعين شيطانا وقال ابن مسعود إن رجلا عبد الله سبعين سنة ثم أصاب فاحشة فأحبط عمله ثم مر بمسكين فتصدق عليه برغيف فغفر الله له ذنبه ورد عليه عمل السبعين سنة وقال لقمان لابنه إذا أخطأت خطيئة فأعط الصدقة وقال يحيى بن معاذ ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا الحبة من الصدقة وقال عبد العزيز بن أبي رواد كان يقال ثلاثة من كنوز الجنة كتمان المرض وكتمان الصدقة وكتمان المصائب وروى مسندا وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن الأعمال تباهت فقالت الصدقة أنا أفضلكن وكان عبد الله بن عمر يتصدق بالسكر ويقول سمعت الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون والله يعلم أني أحب السكر وقال النخعي إذا كان الشيء لله عز وجل لا يسرني أن يكون فيه عيب وقال عبيد بن عمير يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط وأعطش ما كانووا قط وأعرى ما كانوا قط فمن أطعم لله عز وجل أشبعه الله ومن سقى لله عز وجل سقاه الله ومن كسا لله عز وجل كساه الله وقال الحسن لو شاء الله لجعلكم أغنياء لا فقير فيكم ولكنه ابتلى بعضكم ببعض وقال الشعبي من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه وقال مالك لا نرى بأسا بشرب المؤمن من الماء الذي يتصدق به ويسقي في المسجد لأنه إنما جعل للعطشان من كان ولم يرد به أهل الحاجة والمسكنة على الخصوص ويقال إن الحسن مر به نخاسومعه جارية فقال للنخاس أترضى في ثمنها الدرهم والدرهمين قال لا قال فاذهب فإن الله عز وجل رضي في الحور العين بالفلس واللقمة بيان إخفاء الصدقة وإظهارها قد اختلف طريق طلاب الإخلاص في ذلك فمال قوم إلى أن الإخفاء أفضل ومال قوم إلى أن الإظهار أفضل ونحن نشير إلى ما في كل واحد من المعاني والآفات ثم نكشف الغطاء عن الحق فيه أما الإخفاء ففيه خمسة معان الأول أنه أبقى للستر على الآخذ فإن أخذه ظاهرا هتك لستر المروءة وكشف عن الحاجة وخروج عن هيئة التعفف والتصون المحبوب الذي يحسب الجاهل أهله أغنياء من التعفف الثاني أنه أسلم لقلوب الناس وألسنتهم فإنهم ربما يحسدون أو ينكرون عليه أخذه ويظنون أنه آخذ مع الاستغناء أو ينسبونه إلى أخذ زيادة والحسد وسوء الظن والغيبة من الذنوب الكبائر وصيانتهم عن هذه الجرائم أولى وقال أبو أيوب السختياني إني لأترك لبس الثوب الجديد خشية أن يحدث في جيران حسدا وقال بعض الزهاد ربما تركت استعمال الشيء لأجل إخواني يقولون من أين له هذا وعن إبراهيم التيمي أنه رؤي عليه قميص جديد فقال بعض إخوانه من أين لك هذا فقال كسانيه أخي خيثمة ولو علمت أن أهله علموا به ما قبلته الثالث إعانة المعطي على إسرار العمل فإن فضل السر على الجهر في الإعطاء أكثر والإعانة على إتمام المعروف معروف والكتمان لا يتم إلا باثنين فمهما أظهر هذا انكشف أمر المعطي ودفع رجل إلى بعض العلماء شيئا ظاهرا فرده إليه ودفع إليه آخر شيئا في السر فقبله فقيل له في ذلك فقال إن هذا عمل الأدب في إخفاء معروفه فقبلته وذاك أساء أدبه في عمله فرددته عليه وأعطى رجل لبعض الصوفية شيئا في الملأ فرده فقال له لم ترد على الله عز وجل ما أعطاك فقال إنك أشركت غير الله سبحانه فيما كان لله تعالى ولم تقنع بالله عز وجل فرددت عليك شركك وقبل بعض العارفين في السر شيئا كان رده في العلانية فقيل له في ذلك فقال عصيت الله بالجهر فلم أك عونا لك على المعصية وأطعته بالإخفاء فأعنتك على برك وقال الثوري لو علمت أن أحدكم لا يذكر صدقته ولا يتحدث بها لقبلت صدقته الرابع أن في إظهار الأخذ ذلا وامتهانا وليس للمؤمن أن يذل نفسه كان بعض العلماء يأخذ في السر ولا يأخذ في العلانية ويقول إن في إظهاره إذلالا للعلم وامتهانا لأهله فما كنت بالذي أرفع شيئا من الدنيا بوضع العلم وإذلال أهله الخامس الاحتراز عن شبهة الشركة قال صلى الله عليه وسلم من أهدى له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها حديث من أهدى له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها أخرجه العقيلي وابن حبان في الضعفاء والطبراني في الأوسط والبيهقي من حديث ابن عباس قال العقيلي لا يصح في هذا المتن حديث وبأن يكون ورقا أو ذهبا لا يخرج عن كونه هدية قال صلى الله عليه وسلم أفضل ما يهدي الرجل إلى أخيه ورقا أو يطعمه خبزا حديث أفضل ما يهدي الرجل إلى أخيه ورقا أو يعطيه خبزا أخرجه ابن عدي وضعفه من حديث ابن عمر أفضل العمل عند الله أن يقضي عن مسلم دينه أو يدخل عليه سرورا أو يطعمه خبزا ولأحمد والترمذي وصححه من حديث البراء من منح منحة ورق أو منحة لبن أو أهدى رقاقا فهو كعتاق نسمة فجعل الورق هدية بانفراده فما يعطى في الملأ مكروه إلا برضا جميعهم ولا يخلو عن شبهة فإذا انفرد سلم من هذه الشبهة أما الإظهار والتحدث به ففيه معان أربعة الأول الإخلاص والصدق والسلامة عن تلبيس الحال والمراءاة والثاني إسقاط الجاه والمنزلة وإظهار العبودية والمسكنة والتبري عن الكبرياء ودعوى الاستغناء وإسقاط النفس من أعين الخلق قال بعض العارفين لتلميذه أظهر الأخذ على كل حال إن كنت آخذ فإنك لا تخلو عن أحد رجلينرجل تسقط من قلبه إذا فعلت ذلك فذلك هو المراد لأنه أسلم لدينك وأقل لآفات نفسك أو رجل تزداد في قلبه بإظهارك الصدق فذلك الذي يريده أخوك لأنه يزداد ثوابا بزيادة حبه لك وتعظيمه إياك فتؤجر أنت إذ كنت سبب مزيد ثوابه الثالث هو أن العارف لا نظر له إلا إلى الله عز وجل والسر والعلانية في حقه واحد فاختلاف الحال شرك في التوحيد قال بعضهم كنا لا نعبأ بدعاء من يأخذ في السر ويرد في العلانية والالتفات إلى الخلق حضروا أم غابوا نقصان في الحال بل ينبغي أن يكون النظر مقصور على الواحد الفرد حكي أن بعض الشيوخ كان كثير الميل إلى واحد من جملة المريدين فشق على الآخرين فأراد أن يظهر لهم فضيلة ذلك المريد فأعطى كل واحد منهم دجاجة وقال لينفرد كل واحد منكم بها وليذبحها حيث لا يراه أحد فانفرد كل واحد وذبح إلا ذلك المريد فإنه رد الدجاجة فسألهم فقالوا فعلنا ما أمرنا به الشيخ فقال الشيخ للمريد ما لك لم تذبح كما ذبح أصحابك فقال ذلك المريد لم أقدر على مكان لا يراني فيه أحد فإن الله يراني في كل موضع فقال الشيخ لهذا أميل إليه لأنه لا يلتفت لغير الله عز وجل الرابع أن الإظهار إقامة لسنة الشكر وقد قال تعالى وأما بنعمة ربك فحدث والكتمان كفران النعمة وقد ذم الله عز وجل من كتم ما آتاه الله عز وجل وقرنه بالبخل فقال تعالى الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وقال صلى الله عليه وسلم إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن ترى نعمته عليه حديث إذا أنعم الله تعالى على عبد نعمة أحب أن ترى عليه أخرجه أحمد من حديث عمران بن حصين بسند صحيح وحسنه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأعطى رجل بعض الصالحين شيئا في السر فرفع به يده وقال هذا من الدنيا والعلانية فيها أفضل والسر في أمور الآخرة أفضل ولذلك قال بعضهم إذا أعطيت في الملأ فخذ ثم اردد في السر والشكر فيه محثوث عليه قال صلى الله عليه وسلم من لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجل حديث من لم يشكر الناس لم يشكر الله تقدم والشكر قائم مقام المكافأة حتى قال صلى الله عليه وسلم من أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تستطيعوا فأثنوا عليه به خيرا وادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه ولما قال المهاجرين في الشكر يا رسول الله ما رأينا خيرا من قوم نزلنا عندهم قاسمونا الأموال حتى خفنا أن يذهبوا بالأجر كله فقال صلى الله عليه وسلم كل ما شكرتم لهم وأثنيتم عليهم به فهو مكافإة حديث قالت المهاجرون يا رسول الله ما رأينا خيرا من قوم نزلنا عليهم الحديث أخرجه الترمذي وصححه من حديث أنس ورواه مختصرا أبو داود والنسائي في اليوم والليلة والحاكم وصححه ابن ماجه فالآن إذا عرفت هذه المعاني فاعلم أن ما نقل من اختلاف الناس فيه ليس اختلافا في المسئلة بل هو اختلاف حال فكشف الغطاء في هذا أنا لا نحكم حكما بتا بأن الإخفاء أفضل في كل حال أو الإظهار أفضل بل يختلف ذلك باختلاف النيات وتختلف النيات باختلاف الأحول والأشخاص فينبغي أن يكون المخلص مراقبا لنفسه حتى لا يتدلى بحبل الغرور ولا ينخدع بتلبيس الطبع ومكر الشيطان والمكر والخداع أغلب في معاني الإخفاء منه في الإظهار مع أن له دخلا في كل واحد منهما فأما مدخل الخداع في الإسرار فمن ميل الطبع إليه لما فيه من في خفض الجاه والمنزلة وسقوط القدر عن أعين الناس ونظر الخلق إليه بعين الازدراء وإلى المعطي بعين المنعم المحسن فهذا هو الداء الدفين ويستكن في النفس وللشيطان بواسطته يظهر معاني الخير حتى يتعلل بالمعاني الخمسة التي ذكرناها ومعيار كل ذلك ومحكه أمر واحد وهو أن يكون تألمه بانكشاف أخذه الصدقة كتألمه بانكشاف صدقة أخذها بعض نظرائه وأمثاله فإنه إن كان يبغي صيانة الناس عن الغيبة والحسد وسوء الظن أو يتقيانتهاك الستر أو إعانة المعطي على الإسرار أو صيانة العلم عن الابتذال فكل ذلك مما يحصل بانكشاف صدقة أخيه فإن كان انكشاف أمره أثقل عليه من انكشاف أمر غيره فتقديره الحذر من هذه المعاني أغاليظ وأباطيل من مكر الشيطان وخدعه فإن إذلال العلم محذور من حيث إنه علم لا من حيث إنه علم زيد أو علم عمرو والغيبة محذورة من حيث إنها تعرض لعرض مصون لا من حيث إنها تعرض لعرض زيد على الخصوص ومن أحسن من ملاحظة مثل هذا ربما يعجز الشيطان عنه وإلا فلا يزال كثير العمل قليل الحظ وأما جانب الإظهار فميل الطبع إليه من حيث إنه تطييب لقلب المعطي واستحثاث له على مثله وإظهاره عند غيره أنه من المبالغين في الشكر حتى يرغبوا في إكرامه وتفقده وهذا داء دفين في الباطن والشيطان لا يقدر على المتدين إلا بأن يروج عليه هذا الخبث في معرض السنة ويقول له الشكر من السنة والإخفاء من الرياء ويورد عليه المعاني التي ذكرناها ليحمله على الإظهار وقصده الباطن ما ذكرناه ومعيار ذلك ومحكه أن ينظر إلى ميل نفسه إلى الشكر حيث لا ينتهي الخبر إلى المعطي ولا إلى من يرغب في عطائه وبين يدي جماعة يكرهون إظهار العطية ويرغبون في إخفائها وعادتهم أنهم لا يعطون إلا من يخفى ولا يشكر فإن استوت هذه الأحوال عنده فليعلم أن باعثه هو إقامة السنة في الشكر والتحدث بالنعمة وإلا فهو مغرور ثم إذا علم أن باعثه السنة في الشكر فلا ينبغي أن يغفل عن قضاء حق المعطي فينظر فإن كان هو ممن يحب الشكر والنشر فينبغي أن يخفى ولا يشكر لأن قضاء حقه أن لا ينصره على الظلم وطلبه الشكر ظلم وإذا علم من حاله أنه لا يحب الشكر ولايقصده فعند ذلك يشكره ويظهر صدقته ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي مدح بين يديه ضربتم عنقه لو سمعها ما أفلح حديث قال للرجل الذي مدح بين يديه ضربتم عنقه لو سمعها ما أفلح متفق عليه من حديث أبي بكرة بلفظ ويحك قطعت عنق صاحبك زاد الطبراني في رواية والله لو سمعها ما أفلح أبدا وفي سنده علي بن زيد بن جدعان متكلم فيه وابن ماجه نحوه من حديث أبي موسى مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يثني على قوم في وجوههم لثقته بيقينهم وعلمه بأن ذلك لا يضرهم بل يزيد في رغبتهم في الخير فقال لواحد إنه سيد أهل الوبر حديث إنه سيد الوبر أخرجه العنبري والطبراني وابن قانع في معاجمهم وابن حبان في الثقات من حديث قيس بن عاصم المقري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ذلك وقال صلى الله عليه وسلم في آخر إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه حديث إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر ورواه أبو داود في المراسيل من حديث الشعبي مرسلا بسند صحيح وقال روى متصلا وهو ضعيف والحاكم نحوه من حديث معبد بن خالد الأنصاري عن أبيه وصحح إسناده وسمع كلام رجل فأعجبه فقال صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا حديث إن من البيان لسحرا أخرجه البخاري من حديث ابن عمر وقال صلى الله عليه وسلم إذا علم أحدكم من أخيه خيرا فليخبره فإنه يزداد رغبة في الخير حديث إذا علم أحدكم من أخيه خيرا فليخبره فإنه يزداد رغبة في الخير أخرجه الدار قطني في العلل من رواية ابن المسيب عن أبي هريرة وقال لايصح عن الزهري وروي عن ابن المسيب مرسلا وقال صلى الله عليه وسلم إذا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه حديث إذا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه أخرجه الطبراني من حديث أسامة بن زيد بسند ضعيف وقال الثوري من عرف نفسه لم يضره مدح الناس وقال أيضا ليوسف بن أسباط إذا أوليتك معروفا كنت أنا أسر به منك ورأيت ذلك نعمة من الله عز وجل علي فاشكر وإلا فلا تشكر ورقائق هذه المعاني ينبغي أن يلحظها من يراعى قلبه فإن أعمال الجوارح مع إهمال هذه الدقائق ضحكة للشيطان وشماته له لكثرة التعب وقلة النفع ومثل هذا العلم هو الذي يقال فيه إن تعلم مسألة واحدة منه أفضل من عبادة سنة إذ بهذا العلم تحيا عبادة العمل وبالجهل به تموت عبادة العمل كله وتتعطل وعلى الجملة فالأخذ في الملأ والرد في السر أحسن المسالك وأسلمها فلا ينبغي أن يدفع بالتزويقات إلا أن تكمل المعرفةبحيث يستوي السر والعلانية وذلك هو الكبريت الأحمر الذي يتحدث به ولا يرى نسأل الله الكريم حسن العون والتوفيق بيان الأفضل من أخذ الصدقة أو الزكاة كان إبراهيم الخواص والجنيد وجماعة يرون أن الأخذ من الصدقة أفضل فإن في أخذ الزكاة مزاحمة للمساكين وتضييقا عليهم ولأنه ربما لا يكمل في أخذه صفة الاستحقاق كما وصف في الكتاب العزيز وأما الصدقة فالأمر فيها أوسع وقال قائلون بأخذ الزكاة دون الصدقة لأنها إعانة على الواجب ولو ترك المساكين كلهم أخذ الزكاة لأثموا ولأن الزكاة لامنه فيها وإنما هو حق واجب لله سبحانه رزقا لعبادة المحتاجين ولأنه أخذ بالحاجة والإنسان يعلم حاجة نفسه قطعا وأخذ الصدقة أخذ بالدين فإن الغالب أن المتصدق يعطى من يعتقد فيه خيرا ولأن مرافقة المساكين أدخل في الذل والمسكنة وأبعد من التكبر إذ قد يأخذ الإنسان الصدقة في معرض الهدية فلا تتميز عنه وهذا تنصيص على ذل الأخذ وحاجته والقول الحق في هذا يختلف بأحوال الشخص وما يغلب عليه وما يحضره من النية فإن كان في شبهة من اتصافه بصفة الاستحقاق فلا ينبغي أن يأخذ الزكاة فإذا علم أنه مستحق قطعا إذا حصل عليه دين صرفه إلى خير وليس له وجه في قضائه فهو مستحق قطعا فإذا خير هذا بين الزكاة وبين الصدقة فإذا كان صاحب الصدقة لا يتصدق بذلك المال لو لم يأخذه هو فليأخذ الصدقة فإن الزكاة الواجبة يصرفها صاحبها إلى مستحقها ففي ذلك تكثير للخير وتوسيع على المساكين وإن كان المال معرضا للصدقة ولم يكن في أخذ الزكاة تضييق على المساكين فهو مخير والأمر فيهما يتفاوت وأخذ الزكاة أشد في كسر النفس وإذلالها في أغلب الأحوال والله أعلم كمل كتاب أسرار الزكاة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه ويتلوه إن شاء الله تعالى كتاب أسرار الصوم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى الملائكة والمقربين من أهل السموات والأرضين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين والحمد لله وحده وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

كتاب أسرار الصوم
وهو الكتاب السادس من ربع العبادات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أعظم  على عباده المنة بما دفع عنهم كيد الشيطان وفنه ورد أمله وخيب ظنه إذ جعل الصوم حصنا لأوليائه وجنة وفتح لهم به أبواب الجنة وعرفهم أن وسيلة الشيطان إلى قلوبهم الشهوات المستكنة وإن بقمعها تصبح النفس المطمئنة ظاهرة الشوكة في قصم خصمها قوية المنة والصلاة على محمد قائد الخلق وممهد السنة وعلى آله وأصحابه ذوي الأبصار الثاقبة والعقول المرجحة وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فإن الصوم ربع الإيمان بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم الصوم نصف الصبر حديث الصوم نصف الصبر أخرجه الترمذي وحسنه من حديث رجل من بني سليم وابن ماجه من حديث أبي هريرة وبمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم الصبر نصفالإيمان حديث الصبر نصف الإيمان أخرجه أبو نعيم في الحلية والخطيب في التاريخ من حديث ابن مسعود بسند حسن ثم هو متميز بخاصية النسبة إلى الله تعالى من بين سائر الأركان إذ قال الله تعالى فيما حكاه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به حديث كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم الحديث أخرجاه من حديث أبي هريرة وقد قال الله تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب والصوم نصف الصبر فقد جاوز ثوابه قانون التقدير والحساب وناهيك في معرفة فضله قوله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يقول الله عز وجل إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجلي فالصوم لي وأنا أجزي به حديث والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائمالحديث أخرجاه من حديثه وهو بعض الذي قبله وقال صلى الله عليه وسلم للجنة باب يقال له الريال لا يدخله إلا الصائمون وهو موعود بلقاء الله تعالى في جزء صومه حديث للجنة باب يقال له الريان الحديث أخرجاه من حديث سهل بن سعد وقال صلى الله عليه وسلم للصائم فرحتان فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه حديث للصائم فرحتانالحديث أخرجاه من حديث أبي هريرة وقال صلى الله عليه وسلم لكل شيء باب وباب العبادة الصوم حديث لكل شيء باب وباب العبادة الصوم أخرجه ابن المبارك في الزهد ومن طريقه أبو الشيخ في الثواب من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم نوم الصائم عبادة حديث نوم الصائم عبادة رويناه في أمالي ابن منده من رواية ابن المغيرة القواس عن عبد الله بن عمر بسند ضعيف ولعله عبد الله بن عمرو فإنهم لم يذكروا لابن المغيرة رواية إلا عنه ورواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث عبد الله بن أبي أوفى وفيه سليمان بن عمرو النخعي أحد الكذابين وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ونادى مناد يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر حديث إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة أخرجه الترمذي وقال غريب وابن ماجه والحاكم وصححه على شرطهما من حديث أبي هريرة وصحح البخاري وقفه على مجاهد وأصله متفق عليه دون قوله ونادى مناد وقال وكيع في قوله تعالى كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية هي أيام الصيام إذ تركوا فيها الأكل والشرب وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رتبة المباهاة بين الزهد في الدنيا وبين الصوم فقال إن الله تعالى يباهي ملائكته بالشاب العابد فيقول أيها الشاب التارك شهوته لأجلي المبذل شبابه لي أنت عندي كبعض ملائكتي حديث إن الله تعالى يباهي ملائكته بالشاب العابد فيقول أيها الشاب التارك شهوته الحديث أخرجه ابن عدي من حديث ابن مسعود بسند ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم في الصائم يقول الله عز وجل انظروا يا ملائكتي إلى عبدي ترك شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي حديث يقول الله تعالى لملائكته يا ملائكتي انظروا إلى عبدي ترك شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي وقيل في قوله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون قيل كان عملهم الصيام لأنه قال إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب فيفرغ للصائم جزاؤه إفراغا ويجازف جزافا فلا يدخل تحت وهم وتقدير وجدير بأن يكون كذلك لأن الصوم إنما كان له ومشرفا بالنسبة إليه وإن كانت العبادات كلها له كما شرف البيت بالنسبة إلى نفسه والأرض كلها له لمعنيين أحدهما أن الصوم كف وترك وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد وجميع أعمال الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى والصوم لا يراه إلا الله عز وجل فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد والثاني أنه قهر لعدو الله عز وجل فإن وسيلة الشيطان لعنه الله الشهوات وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن الشيطانليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع حديث إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم الحديث متفق عليه من حديث صفية دون قوله فضيقوا مجاريه بالجوع ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها داومي قرع باب الجنة قالت بماذا قال صلى الله عليه وسلم بالجوع حديث قال لعائشة داومي قرع باب الجنة الحديث لم أجد له أصلا وسيأتي فضل الجوع في كتاب شره الطعام وعلاجه من ربع المهلكات فلما كان الصوم على الخصوص قمعا للشيطان وسدا لمسالكه وتضييقا لمجاريه استحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل ففي قمع عدو الله نصرة لله سبحانه وناصر الله تعالى موقوف على النصرة له قال الله تعالى إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم فالبداية بالجهد من العبد والجزاء بالهداية من الله عز وجل ولذلك قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وقال تعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإنما التغير تكثير الشهوات فهي مرتع الشياطين ومرعاهم فما دامت مخصبة لم ينقطع ترددهم وما داموا يترددون لم ينكشف للعبد جلال الله سبحانه وكان محجوبا عن لقائه وقال صلى الله عليه وسلم لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات حديث لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم الحديث أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بنحوه فمن هذا الوجه صار الصوم باب العبادة وصار جنة وإذا عظمت فضيلته إلى هذا الحد فلا بد من بيان شروطه الظاهرة والباطنة بذكر أركانه وسننه وشروطه الباطنة ونبين ذلك بثلاثة فصول الفصل الأول في الواجبات والسنن الظاهرة واللوازم بإفساده أما الواجبات الظاهرة فستة الأول مراقبة أول شهر رمضان وذلك برؤية الهلال فإن غم فاستكمال ثلاثين يوما من شعبان ونعني بالرؤية العلم ويحصل ذلك بقول عدل واحد ولا يثبت هلال شوال إلا بقول عدلين احتياطا للعبادة ومن سمع عدلا ووثق بقوله وغلب على ظنه صدقه لزمه الصوم وإن لم يقض القاضي به فليتبع كل عبد في عبادته موجب ظنه وإذا رؤي الهلال ببلدة ولم ير بأخرى وكان بينهما أقل من مرحلتين وجب الصوم على الكل وإن كان أكثر كان لكل بلدة حكمها ولا يتعدى الوجوب الثاني النية ولا بد لكل ليلة من نية مبيتة معينة جازمة فلو نوى أن يصوم شهر رمضان دفعة واحدة لم يكفه وهو الذي عنينا بقولنا كل ليلة ولو نوى بالنهار لم يجزه صوم رمضان ولا صوم الفرض إلا التطوع وهو الذي عنينا بقولنا مبيتة ولو نوى الصوم مطلقا أو الفرض مطلقا لم يجزه حتى ينوي فريضة الله عز وجل صوم رمضان ولو نوى ليلة الشك أن يصوم غدا إن كان من رمضان لم يجزه فإنها ليست جازمة إلا أن تستند نيته إلى قول شاهد عدل واحتمال غلط العدل أو كذبه لايبطل الجزم أو يستند إلى استصحاب حال كالشك في الليلة الأخيرة من رمضان فذلك لا يمنع جزم النية أو يستند إلى اجتهاد كالمحبوس في المطمورة إذا غلب على ظنه دخول رمضان باجتهاده فشكه لا يمنعه من النية ومهما كان شاكا ليلة الشك لم ينفعه جزمه النية باللسان فإن النية محلها القلب ولا يتصور فيه جزم القصد مع الشك كما لو قال في وسط رمضان أصوم غدا إن كان من رمضان فإن ذلك لايضره لأنه ترديد لفظ ومحل النية لا يتصور فيه تردد بل هو قاطع بأنه من رمضان ومن نوى ليلا ثم أكل لم تفسد نيته ولو نوت امرأة في الحيض ثم طهرت قبل الفجر صح صومها الثالث الإمساك عن إيصال شيء إلى الجوف عمدا مع ذكر الصوم فيفسد صومه بالأكل والشرب والسعوط والحقنة ولا يفسد بالفصد والحجامةوالاكتحال وإدخال الميل في الأذن والإحليل إلا أن يقطر فيه ما يبلغ المثانة وما يصل بغير قصد من غبار الطريق أو ذبابة تسبق إلى جوفه أو ما يسبق إلى جوفه في المضمضة فلا يفطر إلا إذا بالغ في المضمضة فيفطر لأنه مقصر وهو الذي أردنا بقولنا عمدا فأما ذكر الصوم فأردنا به الاحتراز عن الناسي فإنه لايفطر أما من أكل عامدا في طرفي النهار ثم ظهر له أنه أكل نهارا بالتحقيق فعليه القضاء وإن بقى على حكم ظنه واجتهاده فلا قضاء عليه ولا ينبغي أن يأكل في طرفى النهار إلا بنظر واجتهاد الرابع الإمساك عن الجماع وحده مغيب الحشفة وإن جامع ناسيا لم يفطر وإن جامع ليلا أو احتلم فأصبح جنبا لم يفطر وإن طلع الفجر وهو مخالط أهله فنزع في الحال صح صومه فإن صبر فسد ولزمته الكفارة الخامس الإمساك عن الاستمناء وهو إخراج المني قصدا بجماع أو بغير جماع فإن ذلك يفطر ولا يفطر بقبلة زوجته ولا بمضاجعتها ما لم ينزل لكن يكره ذلك إلا أن يكون شيخا أو مالكا لإربه فلا بأس بالتقبيل وتركه أولى وإذا كان يخاف من التقبيل أن ينزل فقبل وسبق المني أفطر لتقصيره السادس الإمساك عن إخراج القيء فالاستقاء يفسد الصوم وإن ذرعه القيء لم يفسد صومه وإذا ابتلع نخامة من حلقه أو صدره لم يفسد صومه رخصة لعموم البلوى به إلا أن يبتلعه بعد وصوله إلى فيه فإنه يفطر عند ذلك وأما لوازم الإفطار فأربعة القضاء والكفارة والفدية وإمساك بقية النهار تشبيها بالصائمين أما القضاء فوجوبه عام على كل مسلم مكلف ترك الصوم بعذر أو بغير عذر فالحائض تقضي الصوم وكذا المرتد وأما الكافر والصبي والمجنون فلا قضاء عليهم ولا يشترط التتابع في قضاء رمضان ولكن يقضي كيف شاء متفرقا ومجموعا وأما الكفارة فلا تجب إلا بالجماع وأما الاستمناء والأكل والشرب وما عدا الجماع لا يجب به كفارة فالكفارة عتق رقبة فإن أعسر فصوم شهرين متتابعين وإن عجز فإطعام ستين مسكينا مدا مدا وأما إمساك بقية النهار فيجب على من عصى بالفطر أو قصر فيه ولا يجب على الحائض إذا طهرت إمساك بقية نهارها ولا على المسافر إذا قدم مفطرا من سفر بلغ مرحلتين ويجب الإمساك إذا شهد بالهلال عدل واحد يوم الشك والصوم في السفر أفضل من الفطر إلا إذا لم يطق ولا يفطر يوم يخرج وكان مقيما في أوله ولا يوم يقدم إذا قدم صائما وأما الفدية فتجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على ولديهما لكل يوم مد حنطة لمسكين واحد مع القضاء والشيخ الهرم إذا لم يصم تصدق عن كل يوم مدا وأما السنن فست تأخير السحور وتعجيل الفطر بالتمر أو الماء قبل الصلاة وترك السواك بعد الزوال والجود في شهر رمضان لما سبق من فضائله في الزكاة ومدارسة القرآن والاعتكاف في المسجد لا سيما في العشر الأخير فهو عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر طوى الفراش وشد المئزر ودأب وأدأب أهله حديث كان إذا دخل العشر الأواخر طوى الفراش الحديث متفق عليه من حديث عائشة بلفظ أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر أي أداموا النصب في العبادة إذ فيها ليلة القدر والأغلب أنها في أوتارها وأشبه الأوتار ليلة إحدى وثلاث وخمس وسبع والتتابع في هذا الاعتكاف أولى فإن نذر اعتكافا متتابعا أو نواه انقطع تتابعه بالخروج منغير ضرورة كما لو خرج لعيادة أو شهادة أو جنازة أو زيارة أو تجديد طهارة وإن خرج لقضاء الحاجة لم ينقطع وله أن يتوضأ في البيت ولا ينبغي أن يعرج على شغل آخر كان صلى الله عليه وسلم لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ولا يسأل عن المريض إلا مارا حديث كان لا يخرج إلا لحاجة ولا يسأل عن المريض إلا مارا متفق على الشطر الأول من حديث عائشة والشطر الثاني رواه أبو داود بنحوه بسند لين ويقطع التتابع بالجماع ولا ينقطع بالتقبيل ولا بأس في المسجد بالطيب وعقد النكاح وبالأكل والنوم وغسل اليد في الطست فكل ذلك قد يحتاج إليه في التتابع ولا ينقطع التتابع بخروج بعض بدنه كان صلى الله عليه وسلم يدني رأسه فترجله عائشة رضي الله عنها وهي في الحجرة حديث كان يدني رأسه لعائشة متفق عليه من حديثها ومهما خرج المعتكف لقضاء حاجته فإذا عاد ينبغي أن يستأنف النية إلا إذا كان قد نوى أولا عشرة أيام مثلا والأفضل مع ذلك التجديد الفصل الثاني في أسرار الصوم وشروطه الباطنة اعلم أن الصوم ثلاث درجات صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص وأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله وأما صوم الخصوص فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام وما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهضم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا حتى قال أرباب القلوب من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين ولا يطول النظر في تفصيلها قولا ولكن في تحقيقها عملا فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل وانصراف عن غير الله سبحانه وتلبس بمعنى قوله عز وجل قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وأما صوم الخصوص وهو صوم الصالحين فهو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أمور الأول غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره وإلى كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل قال صلى الله عليه وسلم النظرة سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله فمن تركها خوفا من الله آتاه الله عز وجل إيمانا يجد حلاوته في قلبه حديث النظرة سهم مسموم من سهام إبليس الحديث أخرجه الحاكم وصحح إسناده من حديث حذيفة وروى جابر عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال خمس يفطرن الصائم الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة حديث جابر عن أنس خمس يفطرن الصائم الحديث أخرجه الأزدي في الضعفاء من رواية جابان عن أنس وقوله جابر تصحيف قال أبو حاتم الرازي هذا كذاب الثاني حفظ اللسان عن الهذبان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن فهذا صوم اللسان وقد قال سفيان الغيبة تفسد الصوم رواه بشر بن الحارث عنه وروى ليث عن مجاهد خصلتان يفسدان الصيام الغيبة والكذب وقال صلى الله عليه وسلم إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم حديث الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائما الحديث أخرجاه من حديث أبي هريرة وجاء في الخبر أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهدهما الجوع والعطش من آخر النهار حتى كادتا أن تتلفا فبعثتا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذناه في الإفطار فأرسل إليهما قدحا وقال صلى الله عليه وسلم قل لهماقيئا فيه ما أكلتما فقاءت إحداهما نصفه دما عبيطا ولحما غريضا وقاءت الأخرى مثل ذلك حتى ملأتاه فعجب الناس من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم هتان صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله تعالى عليهما قعدت إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يغتابان الناس فهذا ما أكلتا من لحومهم حديث إن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث في الغيبة للصائم أخرجه أحمد من حديث عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث بسند فيه مجهول الثالث كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى سماعون للكذب أكالون للسحت وقال عز وجل لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت فالسكوت على الغيبة حرام وقال تعالى إنكم إذا مثلهم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم المغتاب والمستمع شريكان في لإثم حديث المغتاب والمستمع شريكان في الإثم غريب وللطبراني من حديث ابن عمر بسند ضعيف نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة وعن الاستماع إلى الغيبة الرابع كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصرا ويهدم مصرا فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه فالصوم لتقليله وتارك الاستكثار من الدواء خوفا من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيها والحرام سم مهلك للدين والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره وقصد الصوم تقليله وقد قال صلى الله عليه وسلم كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش حديث كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة فقيل هو الذي يفطر على الحرام وقيل هو الذي يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام وقيل هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام الخامس أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلىء جوفه فما من وعاء أبغض إلى الله عز وجل من بطن مليء من حلال وكيف يستفاد من الصوم قهر عدو الله وكسر الشهوة إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره وربما يزيد عليه في ألوان الطعام حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى وإذا دفعت المعدة من ضحوة نهار إلى العشاء حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها ثم أطعمت من اللذات وأشبعت زادت لذتها وتضاعفت قوتها وانبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها فروح الصوم وسره تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم فأما إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلا فلم ينتفع بصومه بل من الآداب أن لا يكثر النوم بالنهار حتى يحس بالجوع والعطش ويستشعر ضعف القوى فيصفو عند ذلك قلبه ويستديم في كل ليلة قدرا من الضعف حتى يخف عليه تهجده وأوراده فعسى الشيطان أن لا يحوم على قلبه فينظر إلى ملكوت السماء وليلة القدر عبارة عن الليلة التي ينكشف فيها شيء من الملكوت وهو المراد بقوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر ومن جعل بين قلبه وبين صدره مخلاة من الطعام فهو عنه محجوب ومن أخلى معدته فلا يكفيه ذلك لرفع الحجاب ما لم يخل همته عن غير الله عز وجل وذلك هو الأمر كله ومبدأ جميع ذلك تقليل الطعام وسيأتي له مزيد بيان في كتاب الأطعمة إن شاء الله عز وجل السادس أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقا مضطربا بين الخوف والرجاء إذ ليس يدرى أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغمنها فقد روى عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون فقال إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك وعن الأحنف بن قيس أنه قيل له إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك فقال إني أعده لسفر طويل والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه فهذه هي المعاني الباطنة في الصوم فإن قلت فمن اقتصر على كف شهوة البطن والفرج وترك هذه المعاني فقد قال الفقهاء صومه صحيح فما معناه فاعلم أن فقهاء الظاهر يثبتون شروط الظاهر بأدلة هي أضعف من هذه الأدلة التي أوردناها في هذه الشروط الباطنة لا سيما الغيبة وأمثالها ولكن ليس إلى فقهاء الظاهر من التكليفات إلا ما يتيسر على عموم الغافلين المقبلين على الدنيا الدخول تحته فأما علماء الآخرة فيعنون بالصحة القبول وبالقبول الوصول إلى المقصود ويفهمون أن المقصود من الصوم التخلق بخلق من أخلاق الله عز وجل وهو الصمدية والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات بحسب الإمكان فإنهم منزهون عن الشهوات والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه وكونه مبتلى بمجاهدتها فكلما انهمك في الشهوات انحط إلى أسفل السافلين والتحق بغمار البهائم وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة والملائكة مقربون من الله عز وجل والذي يقتدى بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من الله عز وجل كقربهم فإن الشبيه من القريب قريب وليس القريب ثم بالمكان بل بالصفات وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب فأي جدوى لتأخير أكلة وجمع أكلتين عند العشاء مع الإنهماك في الشهوات الآخر طول النهار ولو كان لمثله جدوى فأي معنى لقوله صلى الله عليه وسلم كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش ولهذا قال أبو الدرداء يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف لا يعيبون صوم الحمقى وسهرهم ولذرة من ذوي يقين وتقوى أفضل وأرجح من أمثال الجبال عبادة من المغتربين ولذلك قال بعض العلماء كم من صائم مفطر وكم من مفطر صائم والمفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه ومن فهم معنى الصوم وسره علم أن مثل من كف عن الأكل والجماع وأفطر بمخالطة الآثام كمن مسح على عضو من أعضائه في الوضوء ثلاث مرات فقد وافق في الظاهر العدد إلا أنه ترك المهم وهو الغسل فصلاته مردودة عليه بجهله ومثل من أفطر بالأكل وصام بجوارحه عن المكاره كمن غسل أعضاؤه مرة مرة فصلاته متقبلة إن شاء الله لإحكامه الأصل وإن ترك الفضل ومثل من جمع بينهما كمن غسل كل عضو ثلاث مرات فجمع بين الأصل والفضل وهو الكمال وقد قال صلى الله عليه وسلم إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته حديث إنما الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث ابن مسعود في حديث في الأمانة والصوم وإسناده حسن ولما تلا قوله عز وجل إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وضع يده على سمعه وبصره فقال السمع أمانة والبصر أمانة حديث لما تلا قوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وضع يده على سمعه وبصره وقال السمع أمانة والبصر أمانة أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة دون قوله السمع أمانة ولولا أنه من أمانات الصوم لما قال صلى الله عليه وسلم فليقل إني صائم أي إني أودعت لساني لأحفظه فكيف أطلقه بجوابك فإذن قد ظهر أن لكل عبادة ظاهرا وباطناوقشرا ولبا ولقشرها درجات ولكل درجة طبقات فإليك الخيرة الآن في أن تقنع بالقشر عن اللباب أو تتحيز إلى غمار أرباب الألباب الفصل الثالث في التطوع بالصيام وترتيب الأوراد فيه اعلم أن استحباب الصوم يتأكد في الأيام الفاضلة وفواضل الأيام بعضها يوجد في كل سنة وبعضها يوجد في كل شهر وبعضها في كل أسبوع أما في السنة بعد أيام رمضان فيوم عرفة ويوم عاشوراء والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من المحرم وجميع الأشهر الحرم مظان الصوم وهي أوقات فاضلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر صوم شعبان حتى كان يظن أنه في رمضان حديث كان يكثر صيام شعبان الحديث متفق عليه من حديث عائشة وفي الخبر أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم حديث أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة لأنه ابتداء السنة فبناؤها على الخير أحب وأرجى لدوام بركته وقال صلى الله عليه وسلم صوم يوم من شهر حرام أفضل من ثلاثين من غيره وصوم يوم من رمضان أفضل من ثلاثين من شهر حرام حديث صوم يوم من شهر حرام أفضل من صوم ثلاثين الحديث لم أجده هكذا وفي المعجم الصغير للطبراني من حديث ابن عباس من صام يوما من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوما وفي الحديث من صام ثلاثة أيام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له بكل يوم عبادة تسعمائة عام حديث من صام ثلاثة أيام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت الحديث أخرجه الأزدي في الضعفاء من حديث أنس وفي الخبر إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان حديث إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان أخرجه الأربعة من حديث أبي هريرة وابن حبان في صحيحه عنه إذا كان النصف من شعبان فأفطروا حتى يجيء رمضان وصححه الترمذي ولهذا يستحب أن يفطر قبل رمضان أياما فإن وصل شعبان برمضان فجائز حديث وصل شعبان برمضان مرة أخرجه الأربعة من حديث أم سلمة لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصل به رمضان وأخرج أبو داود والنسائي نحوه من حديث عائشة فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة وفصل مرارا كثيرة حديث فصل شعبان من رمضان مرارا أخرجه أبو داود من حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام وأخرجه الدارقطني وقال إسناده صحيح والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولا يجوز أن يقصد استقبال رمضان بيومين أو ثلاثة إلا أن يوافق وردا له وكره بعض الصحابة أن يصام رجب كله حتى لا يضاهي بشهر رمضان فالأشهر الفاضلة ذو الحجة والمحرم ورجب وشعبان والأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب واحد فرد وثلاثة سرد وأفضلها ذو الحجة لأن فيه الحج والأيام المعلومات والمعدودات وذو القعدة من الأشهر الحرم وهو من أشهر الحج وشوال من أشهر الحج وليس من الحرم والمحرم ورجب ليسا من أشهر الحج وفي الخبر ما من أيام العمل فيهن أفضل وأحب إلى الله عز وجل من أيام عشر ذي الحجة إن صوم يوم منه يعدل صيام سنة وقيام ليلة منه تعدل قيام ليلة القدر قيل ولا الجهاد في سبيل الله تعالى قال ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا من عقر جواده وأهريق دمه حديث ما من أيام العمل فيهن أفضل وأحب إلى الله من عشر ذي الحجة الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة دون قوله قيل ولا الجهاد الخ وعند البخاري من حديث ابن عباس ما العمل في أيام أفضل من العمل في هذا العشر قالوا ولا الجهاد قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء وأما ما يتكرر في الشهر فأول الشهر وأوسطه وآخره ووسطه الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وأما في الأسبوع فالإثنين والخميس والجمعة فهذه هي الأيام الفاضلة فيستحب فيها الصيام وتكثير الخيرات لتضاعف أجورها ببركة هذه الأوقات وأما صوم الدهر فإنهشامل للكل وزيادة وللسالكين فيه طرق فمنهم من كره ذلك إذ وردت أخبار تدل على كراهته والصحيح أنه إنما يكره لشيئين أحدهما أن لا يفطر في العيدين وأيام التشريق فهو الدهر كله الأحاديث الدالة على كراهة صيام الدهر أخرجها البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو وفي حديث لابن ماجه لا صام من صام الأبد ولمسلم من حديث أبي قتادة قيل يا رسول الله كيف بمن صام الدهر قال لا صام ولا أفطر وأخرج النسائي نحوه من حديث عبد الله بن عمر وعمران بن حصين وعبد الله بن الشخير والآخر أن يرغب عن السنة في الإفطار ويجعل الصوم حجرا على نفسه مع أن الله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه فإذا لم يكن شيء من ذلك ورأى صلاح نفسه في صوم الدهر فليفعل ذلك فقد فعله جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو موسى الأشعري من صام الدهر كله ضيقت عليه جهنم وعقد تسعين حديث أبي موسى الأشعري من صام الدهر كله ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين أخرجه أحمد والنسائي في الكبرى وابن حبان وحسنه أبو علي الطوسي ومعناه لم يكن له فيها موضع ودونه درجة أخرى وهو صوم نصف الدهر بأن يصوم يوما ويفطر يوما وذلك أشد على النفس وأقوى في قهرها وقد ورد في فضله أخبار كثيرة لأن العبد فيه بين صوم يوم وشكر يوم فقد قال صلى الله عليه وسلم عرضت علي مفاتيح خزائن الدنيا وكنوز الأرض فرددتها وقلت أجوع يوما وأشبع يوما أحمدك إذا شبعت وأتضرع إليك إذا جعت حديث عرضت علي مفاتيح خزائن الدنيا الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة بلفظ عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا وقال حسن وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الصيام صوم أخي داود كان يصوم ويفطر يوما حديث أفضل الصيام صوم أخي داود الحديث أخرجاه من حديث عبد الله بن عمر ومن ذلك منازلته صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الصوم وهو يقول إني أطيق أكثر من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم صم يوما وأفطر يوما فقال إني أريد أفضل من ذلك قال صلى الله عليه وسلم لا أفضل من ذلك حديث منازلته لعبد الله بن عمر وقوله صلى الله عليه وسلم صم يوما وأفطر يوما الحديث أخرجاه من حديثه وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم ما صام شهرا كاملا قط إلا رمضان حديث ما صام شهرا كاملا قط إلا رمضان أخرجاه من حديث عائشة بل كان يفطر منه ومن لا يقدر على صوم نصف الدهر فلا بأس بثلثه وهو أن يصوم ويفطر يومين وإذا صام ثلاثة من من أول الشهر وثلاثة من الوسط وثلاثة من الآخر فهو ثلث وواقع في الأوقات الفاضلة وإن صام الإثنين والخميس والجمعة فهو قريب من الثلث وإذا ظهرت أوقات الفضيلة فالكمال في أن يفهم الإنسان معنى الصوم وأن مقصوده تصفية القلب وتفريغ الهم لله عز وجل والفقيه بدقائق الباطن ينظر إلى أحواله فقد يقتضي حاله دوام الصوم وقد يقتضي دوام الفطر وقد يقتضي مزج الإفطار بالصوم وإذا فهم المعنى وتحقق حده في سلوك طريق الآخرة بمراقبة القلب لم يخف عليه صلاح قلبه وذلك لا يوجب ترتيبا مستمرا ولذلك روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم وينام حتى يقال لا يقوم ويقوم حتى يقال لا ينام حديث كان يصوم حتى يقال لا يفطر الحديث أخرجاه من حديث عائشة وابن عباس دون ذكر القيام والنوم والبخاري من حديث أنس كان يفطر من الشهر حتى يظن أن لا يصوم منه شيئا ويصوم حتى يظن أن لا يفطر منه شيئا وكان لا تشاه تراه من الليل مصليا إلا رأيته ولا نائما إلا رأيته وكان ذلك بحسب ما ينكشف له بنور النبوة من القيام بحقوق الأوقات وقد كره العلماء أن يوالي بين الإفطار أكثر من أربعة أيام تقديرا بيوم العيد وأيام التشريق وذكروا أن ذلك يقسي القلب ويولد رديء العادات ويفتح أبواب الشهوات ولعمري هو كذلك في حق أكثر الخلق لا سيما من يأكل في اليوم والليل مرتين فهذا ما أردنا ذكره من ترتيب الصوم المتطوع به والله أعلم بالصواب تم كتاب أسرار الصوم والحمد لله بجميع محامده كلها ما علمنا منها وما لم نعلم على جميع نعمه كلها ما علمنا منها وما لم نعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وكرم وعلى كل عبد مصطفى من أهل الأرض والسماء يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب أسرار الحج والله المعين لا رب غيره وما توفيقي إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.



كتاب أسرار الحج
وهو الكتاب السابع من ربع العبادات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل كلمة التوحيد لعباده حرزا وحصنا وجعل البيت العتيق مثابة للناس وأمنا وأكرمه بالنسبة إلى نفسه تشريفا وتحصينا ومنا وجعل زيارته والطواف به حجابا بين العبد وبين العذاب ومجنا والصلاة على محمد نبي الرحمة وسيد الأمة وعلى آله وصحبه قادة الحق وسادة الخلق وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فإن الحج من بين أركان الإسلام ومبانيه عبادة العمر وختام الأمر وتمام الإسلام وكمال الدين فيه أنزل الله عز وجل اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا وفيه قال صلى الله عليه وسلم من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا حديث من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا أخرجه ابن عدي من حديث أبي هريرة والترمذي نحوه من حديث علي وقال غريب وفي إسناده مقال فأعظم بعبادة يعدم الدين بفقدها الكمال ويساوي تاركها اليهود والنصارى في الضلال وأجدر بها أن تصرف العناية إلى شرحها وتفصيل أركانها وسننها وآدابها وفضائلها وأسرارها وجملة ذلك ينكشف بتوفيق الله عز وجل في ثلاثة أبواب الباب الأول في فضائلها وفضائل مكة والبيت العتيق وجمل أركان وشرائط وجوبها الباب الثاني في أعمالها الظاهرة على الترتيب من مبدأ السفر إلى الرجوع الباب الثالث في آدابها الدقيقة وأسرارها الخفية وأعمالها الباطنة فلنبدأ بالباب الأول وفيه فصلان الفصل الأول في فضائل الحج وفضيلة البيت ومكة والمدينة حرسهما الله تعالى وشد الرحال إلى المساجد فضيلة الحج قال الله عز وجل وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق وقال قتادة لما أمر الله عز وجل إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا وعلى كل عبد مصطفى أن يؤذن في الناس بالحج نادى يا أيها الناس إن الله عز وجل بنى بيتا فحجوه وقال تعالى ليشهدوا منافع لهم قيل التجارة في الموسم والأجر في الآخرة ولما سمع بعض السلف هذا قال غفر لهم ورب الكعبة وقيل في تفسير قوله عز وجل لأقعدن لهم صراطك المستقيم أي طريق مكة يقعد الشيطان عليها ليمنع الناس منها وقال صلى الله عليه وسلم من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه حديث من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه أخرجاه من حديث أبي هريرة وقال أيضا صلى الله عليه وسلم ما رؤيالشيطان في يوم أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة حديث ما رؤي الشيطان في يوم هو أصغر الحديث أخرجه مالك عن إبراهيم بن أبي عيلة عن طلحة بن عبد الله بن كريز مرسلا وما ذلك إلا لما يرى من نزول الرحمة وتجاوز الله سبحانه عن الذنوب العظام إذ يقال إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة حديث من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة لم أجد له أصلا وقد أسنده جعفر بن محمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر بعض المكاشفين من المقربين أن إبليس لعنة الله عليه ظهر له في صورة شخص بعرفة فإذا هو ناحل الجسم مصفر اللون باكي العين مقصوف الظهر فقال له ما الذي أبكى عينك قال خروج الحاج إليه بلا تجارة أقول قد قصدوه أخاف أن لا يخيبهم فيحزنني ذلك قال فما الذي أنحل جسمك قال صهيل الخيل في سبيل الله عز وجل ولو كانت في سبيلي كان أحب إلي قال فما الذي غير لونك قال تعاون الجماعة على الطاعة ولو تعاونوا على المعصية كان أحب إلي قال فما الذي قصف ظهرك قال قول العبد أسألك حسن الخاتمة أقول يا ويلتى متى يعجب هذا بعمله أخاف أن يكون قد فطن وقال صلى الله عليه وسلم من خرج من بيته حاجا أو معتمرا فمات أجرى له أجر الحاج المعتمر إلى يوم القيامة ومن مات في أحد الحرمين لم يعرض ولم يحاسب وقيل له ادخل الجنة حديث من خرج من بيته حاجا أو معتمرا فمات أجرى الله له أجر الحاج المعتمر إلى يوم القيامة ومن مات في أحد الحرمين لم يعرض ولم يحاسب وقيل له ادخل الجنة أخرجه البيهقي في الشعب بالشطر الأول من حديث أبي هريرة وروى هو والدار قطني من حديث عائشة الشطر الثاني نحوه وكلاهما ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم حجة مبرورة خير من الدنيا وما فيها وحجة مبرورة ليس لها جزاء إلا الجنة حديث حجة مبرورة خير من الدنيا وما فيها وحجة مبرورة ليس لها جزاء إلا الجنة أخرجاه من حديث أبي هريرة الشطر الثاني بلفظ الحج المبرور وقال إن الحجة المبرورة وعند ابن عدي حجة مبرورة وقال صلى الله عليه وسلم الحجاج والعمار وفد الله عز وجل وزواره إن سألوه أعطاهم وإن استغفروه غفر لهم وإن دعوا استجيب لهم وإن شفعوا شفعوا حديث الحجاج والعمار وفد الله وزواره الحديث أخرجه من حديث أبي هريرة دون قوله وزواره ودون قوله إن سألوه أعطاهم وإن شفعوا شفعوا وله من حديث ابن عمر وسألوه فأعطاهم ورواه ابن حبان وفي حديث مسند من طريق أهل البيت عليهم السلام أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن أن الله تعالى لم يغفر له حديث أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن أن الله لم يغفر له أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق وأبو منصور شهر دار بن شيرويه الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ينزل على هذا البيت في كل يوم مائة وعشرون رحمة ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين حديث ينزل على هذا البيت في كل يوم مائة وعشرون رحمة أخرجه ابن حبان في الضعفاء والبيهقي في الشعب من حديث ابن عباس بإسناد حسن وقال أبو حاتم حديث منكر وفي الخبر استكثروا من الطواف بالبيت فإنه من أجل شيء تجدونه في صحفكم يوم القيامة وأغبط عمل تجدونه حديث استكثروا من الطواف بالبيت الحديث أخرجه ابن حبان والحاكم من حديث ابن عمر استمتعوا من هذا البيت فإنه هدم مرتين ويرفع في الثالثة وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولهذا يستحب الطواف ابتداء من غير حج ولا عمرة وفي الخبر من طاف أسبوعا حافيا حاسرا كان له كعتق رقبة ومن طاف أسبوعا في المطر غفر له ما سلف من ذنبه حديث من طاف أسبوعا حافيا حاسرا كان له كعتق رقبة ومن طاف أسبوعا في المطر غفر له ما سلف من ذنوبه لم أجده هكذا وعند الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه كان كعتق رقبة لفظ الترمذي وحسنه ويقال إن الله عز وجل إذا غفر لعبد ذنبا في الموقف غفره لكل من أصابه في ذلك الموقف وقال بعض السلف إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكل أهل عرفة وهو أفضليوم في الدنيا وفيه حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان واقفا إذ نزل قوله عز وجل اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا حديث وقوله وقوفه في حجة الوداع يوم الجمعة ونزول اليوم أكملت لكم دينكم الحديث أخرجاه من حديث عمر قال أهل الكتاب لو أنزلت هذه الآية علينا لجعلناها يوم عيد فقال عمر رضي الله عنه أشهد لقد نزلت هذه الآية في يوم عيدين اثنين يوم عرفة ويوم جمعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة وقال صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج حديث اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة وقال صحيح على شرط مسلم ويروى أن علي بن موفق حج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حججا قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي يا ابن موفق حججت عني قلت نعم قال ولبيت عني قلت نعم قال فإني أكافئك بها يوم القيامة آخذ بيدك في الموقف فأدخلك الجنة والخلائق في كرب الحساب وقال مجاهد وغيره من العلماء إن الحجاج إذا قدموا مكة تلقتهم الملائكة فسلموا على ركبان الإبل وصافحوا ركبان الحمر واعتنقوا المشاة اعتناقا وقال الحسن من مات عقيب رمضان أو عقيب غزو أو عقيب حج مات شهيدا وقال عمر رضي الله عنه الحاج مغفور له ولمن يستغفر له في شهر ذي الحجة والمحرم وصفر وعشرين من ربيع الأول وقد كان من سنة السلف رضي الله عنهم أن يشيعوا الغزاة وأن يستقبلوا الحاج ويقبلوا بين أعينهم ويسألوهم الدعاء ويبادرون ذلك قبل أن يتدنسوا بالآثام ويروى عن علي بن موفق قال حججت سنة فلما كان ليلة عرفة نمت بمنى في مسجد الخيف فرأيت في المنام كأن ملكين قد نزلا من السماء عليهما ثياب خضر فنادى أحدهما صاحبه يا عبد الله فقال الآخر لبيك يا عبد الله قال تدري كم حج بيت ربنا عز وجل في هذه السنة قال لا أدري قال حج بيت ربنا ستمائة ألف أفتدري كم قبل منهم قال لا قال ستة أنفس قال ثم ارتفعا في الهواء فغابا عني فانتبهت فزعا واغتممت غما شديدا وأهمني أمري فقلت إذا قبل حج ستة أنفس فأين أكون أنا في ستة أنفس فلما أفضت من عرفة قمت عند المشعر الحرام فجعلت أفكر في كثرة الخلق وفي قلة من قبل منهم فحملني النوم فإذا الشخصان قد نزلا على هيئتهما فنادى أحدهما صاحبه وأعاد الكلام بعينه ثم قال أتدري ماذا حكم ربنا عز وجل في هذه الليلة قال لا قال فإنه وهب لكل واحد من الستة مائة ألف قال فانتبهت وبي من السرور ما يجل عن الوصف وعنه أيضا رضي الله عنه قال حججت سنة فلما قضيت مناسكي تفكرت فيمن لا يقبل حجه فقلت اللهم إني قد وهبت حجتي وجعلت ثوابها لمن لم تقبل حجته قال فرأيت رب العزة في النوم جل جلاله فقال لي يا علي تتسخى علي وأنا خلقت السخاء والأسخياء وأنا أجود الأجودين وأكرم الأكرمين وأحق بالجود والكرم من العالمين قد وهبت كل من لم أقبل حجه لمن قبلته فضيلة البيت ومكة المشرفة قال صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل قد وعد هذا البيت أن يحجه كل سنة ستمائة ألف فإن نقصوا أكملهم الله عز وجل من الملائكة حديث إن الله قد وعد هذا البيت أن يحجه في كل سنة ستمائة ألف الحديث لم أجد له أصلا وإن الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة وكل من حجها يتعلق بأستارها يسعون حولها حتى تدخل الجنة فيدخلون معها وفي الخبر إن الحجر الأسود ياقوتة من يواقيت الجنة وإنه يبعث يوم القيامة له عينان ولسان ينطقبه يشهد لكل من استلمه بحق وصدق حديث إن الحجر ياقوتة من يواقيت الجنة ويبعث يوم القيامة له عينان الحديث أخرجه الترمذي وصححه النسائي من حديث ابن عباس الحجر الأسود من الجنة لفظ النسائي وباقي الحديث رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصحح إسناده من حديث ابن عباس أيضا وللحاكم من حديث أنس إن الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة وصحح إسناده ورواه النسائي وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو وكان صلى الله عليه وسلم يقبله كثيرا حديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبله كثيرا أخرجاه من حديث عمر دون قوله كثيرا والنسائي أنه كان يقبله كل مرة ثلاثا إن رآه خاليا وروي أنه صلى الله عليه وسلم سجد عليه وكان يطوف على الراحلة فيضع المحجن عليه ثم يقبل طرف المحجن حديث إنه كان يسجد عليه أخرجه البزار والحاكم من حديث عمر وصحح إسناده وقبله عمر رضي الله عنه ثم قال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع قبله عمر وقال إني لأعلم أنك حجر أخرجاه دون الزيادة التي رواها علي ورواه بتلك الزيادة الحاكم وقال ليس من شرط الشيخين ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ثم بكى حتى علا نشيجه فالتفت إلى ورائه فرأى عليا كرم الله وجهه ورضي الله عنه فقال يا أبا الحسن ههنا تسكب العبرات وتستجاب الدعوات فقال علي رضي الله عنه يا أمير المؤمنين بل هو يضر وينفع قال وكيف قال إن الله تعالى لما أخذ الميثاق على الذرية كتب عليهم كتابا ثم ألقمه هذا الحجر فهو يشهد للمؤمن بالوفاء ويشهد على الكافر بالجحود قيل فذلك هو معنى قول الناس عند الاستلام اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك وروي عن الحسن البصري رضي الله عنه أن صوم يوم فيها بمائة ألف يوم وصدقة درهم بمائة ألف درهم وكذلك كل حسنة بمائة ألف ويقال طواف سبعة أسابيع أيام يعدل عمرة وثلاث عمر تعدل حجة وفي الخبر الصحيح عمرة في رمضان كحجة معي حديث عمرة في رمضان كحجة معي أخرجاه من حديث ابن عباس دون قوله معي فهي عند مسلم على الشك تقضي حجة أو حجة معي ورواه الحاكم بزيادتها من غير شك وقال صلى الله عليه وسلم أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي ثم آتي أهل مكة فأحشر بين الحرمين حديث أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم آتي أهل البقيع فيحضرون معي الحديث أخرجه الترمذي وحسنه ابن حبان من حديث ابن عمر وفي الخبر إن آدم صلى الله عليه وسلم لما قضى مناسكه لقيته الملائكة فقالوا بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام حديث إن آدم لما قضى مناسكه لقيته الملائكة فقالوا بر حجك يا آدم الحديث رواه المفضل الجعدي ومن طريقه ابن الجوزي في العلل من حديث ابن عباس وقال لا يصح ورواه الأزرقي في تاريخ مكة موقوفا على ابن عباس وجاء في الأثر إن الله عز وجل ينظر في كل ليلة إلى أهل الأرض فأول من ينظر إليه أهل الحرم وأول من ينظر إليه من أهل الحرم أهل المسجد الحرام فمن رآه طائفا غفر له ومن رآه مصليا غفر له ومن رآه قائما مستقبل الكعبة غفر له وكوشف بعض الأولياء رضي الله عنهم قال إني رأيت الثغور كلها تسجد لعبادان ورأيت عبادان ساجدة لجدة ويقال لا تغرب الشمس من يوم إلا ويطوف بهذا البيت رجل من الأبدال ولا يطلع الفجر من ليلة إلا طاف به واحد من الأوتاد وإذا انقطع ذلك كان سبب رفعه من الأرض فيصبح الناس وقد رفعت الكعبة لا يرى الناس لها أثرا وهذا إذا أتى عليها سبع سنين لم يحجها أحد ثم يرفع القرآن من المصاحف فيصبح الناس فإذا الورق أبيض يلوح ليس فيه حرف ثم ينسخ القرآن من القلوب فلا يذكر منه كلمه ثم يرجع الناس إلى الأشعار والأغاني وأخبار الجاهلية ثم يخرج الدجال وينزل عيسى عليه السلام فيقتله والساعة عند ذلك بمنزلة الحامل المقرب التي تتوقع ولادتها وفي الخبر استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يرفع فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة حديث استكثروا من الطواف بهذا البيت الحديث أخرجه البزار وابن حبان والحاكم وصححه من حديث ابن عمر استمتعوا من هذا البيت فإنه هدم مرتين ويرفع في الثالثة وروي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قالالله تعالى إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي فخربته ثم أخرب الدنيا على أثره حديث قال الله إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي فخربته ثم أخرب الدنيا على أثره ليس له أصل فضيلة المقام بمكة حرسها الله تعالى وكراهيته كره الخائفون المحتاطون من العلماء المقام بمكة لمعان ثلاثة الأول خوف التبرم والأنس بالبيت فإن ذلك ربما يؤثر في تسكين حرقة القلب في الاحترام وهكذا كان عمر رضي الله عنه يضرب الحجاج إذا حجوا ويقول يا أهل اليمن يمنكم ويا أهل الشام شامكم ويا أهل العراق عراقكم ولذلك هم عمر رضي الله عنه بمنع الناس من كثرة الطواف وقال خشيت أن يأنس الناس بهذا البيت الثاني تهييج الشوق بالمفارقة لتنبعث داعية العودة فإن الله تعالى جعل البيت مثابة للناس وأمنا أي يثوبون ويعودون إليه مرة بعد أخرى ولا يقضون منه وطرا وقال بعضهم تكون في بلد وقلبك مشتاق إلى مكة متعلق بهذا البيت خير لك من أن تكون فيه وأنت متبرم بالمقام وقلبك في بلد آخر وقال بعض السلف كم من رجل بخراسان هو أقرب إلى هذا البيت ممن يطوف به ويقال إن لله تعالى عبادا تطوف بهم الكعبة تقربا إلى الله عز وجل الثالث الخوف من ركوب الخطايا والذنوب بها فإن ذلك مخطر وبالحرى أن يورث مقت الله عز وجل لشرف الموضع وروي عن وهيب بن الورد المكي قال كنت ذات ليلة في الحجر أصلي فسمعت كلاما بين الكعبة والأستار يقول إلى الله أشكو ثم إليك يا جبرائيل ما ألقى من الطائفين حولي من تفكرهم في الحديث ولغوهم ولهوهم لئن لم ينتهوا عن ذلك لأنتفضن انتفاضة يرجع كل حجر مني إلى الجبل الذي قطع منه وقال ابن مسعود رضي الله عنه ما من بلد يؤاخذ فيه العبد بالنية قبل العمل إلا مكة وتلا قوله تعالى ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم أي أنه على مجرد الإرادة ويقال إن السيئات تضاعف بها كما تضاعف الحسنات وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول الاحتكار بمكة من الإلحاد في الحرم وقيل الكذب أيضا وقال ابن عباس لأن أذنب سبعين ذنبا بركية أحب إلي من أن أذنب ذنبا واحدا بمكة وركية منزل بين مكة والطائف والخوف ذلك انتهى بعض المقيمين إلى أن لم يقض حاجته في الحرم بل كان يخرج إلى الحل عند قضاء الحاجة وبعضهم أقام شهرا وما وضع جنبه على الأرض وللمنع من الإقامة كره بعض العلماء أجور دور مكة ولا تظنن أن كراهة المقام يناقض فضل البقعة لأن هذه كراهة علتها ضعف الخلق وقصورهم عن القيام بحق الموضع فمعنى قولنا إن ترك المقام به أفضل أي بالإضافة إلى مقام مع التقصير والتبرم أما أن يكون أفضل من المقام مع الوفاء بحقه فهيهات وكيف لا ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة استقبل الكعبة وقال إنك لخير أرض الله عز وجل وأحب بلاد الله تعالى إلي ولولا أني أخرجت منك لما خرجت حديث إنك لخير أرض الله وأحب بلاد الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت أخرجه الترمذي وصححه النسائي في الكبرى وابن ماجه وابن حبان من حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء وكيف لا والنظر إلى البيت عبادة والحسنات فيها مضاعفة كما ذكرناه فضيلة المدينة الشريفة على سائر البلاد ما بعد مكة بقعة أفضل من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأعمال فيها أيضا مضاعفة قال صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام حديث صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام متفق عليه من حديث أبي هريرة ورواه مسلم من حديث ابن عمر وكذلك كل عمل بالمدينة بألفوبعد مدينته الأرض المقدسة فإن الصلاة فيها بخمسمائة صلاة فيما سواها إلا المسجد الحرام وكذلك سائر الأعمال وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة في مسجد المدينة بعشرة آلاف صلاة وصلاة في المسجد الأقصى بألف صلاة وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة حديث ابن عباس صلاة في مسجد المدينة بعشرة آلاف صلاة وصلاة في المسجد الأقصى بألف صلاة وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة غريب لم أجده بجملته هكذا وأخرجه ابن ماجه من حديث ميمونة بإسناد جيد في بيت المقدس ائتوه فصلوا فيه فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره ولابن ماجه من حديث أنس صلاة بالمسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة وصلاة في مسجدي بخمسين ألف صلاة وليس في إسناده من ضعف وقال الذهبي إنه منكر وقال صلى الله عليه وسلم من صبر على شدتها ولأوائها كنت له شفيعا يوم القيامة حديث لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا يوم القيامة من حديث أبي هريرة وابن عمر وأبي سعيد وقال صلى الله عليه وسلم من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت فإنه لن يموت بها أحد إلا كنت له شفيعا يوم القيامة حديث من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر قال الترمذي حسن صحيح وما بعد هذه البقاع الثلاث فالمواضع فيها متساوية إلا الثغور فإن المقام بها للمرابطة فيها فيه فضل عظيم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى حديث لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وقد ذهب بعض العلماء إلى الاستدلال بهذا الحديث في المنع من الرحلة لزيارة المشاهد وقبور العلماء والصلحاء وما تبين لي أن الأمر كذلك بل الزيارة مأمور بها قال صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا حديث كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها أخرجه مسلم من حديث بريدة بن الحصيب والحديث إنما ورد في المساجد وليس في معناها المشاهد لأن المساجد بعد المساجد الثلاثة متماثلة ولا بلد إلا وفيه مسجد فلا معنى للرحلة إلى مسجد آخر وأما المشاهد فلا تتساوى بل بركة زيارتها على قدر درجاتهم عند الله عز وجل نعم لو كان في موضع لا مسجد فيه فله أن يشد الرحال إلى موضع فيه مسجد وينتقل إليه بالكلية إن شاء ثم ليت شعري هل يمنع هذا القائل من شد الرحال إلى قبور الأنبياء عليهم السلام مثل إبراهيم وموسى ويحيى وغيرهم عليهم السلام فالمنع من ذلك في غاية الإحالة فإذا جوز هذا فقبور الأولياء والعلماء والصلحاء في معناها فلا يبعد أن يكون ذلك من أغراض الرحلة كما أن زيارة العلماء في الحياة من المقاصد هذا في الرحلة أما المقام فالأولى بالمريد أن يلازم مكانه إذا لم يكن قصده من السفر استفادة العلم مهما سلم له حاله في وطنه فإن لم يسلم فيطلب من المواضع ما هو أقرب إلى الخمول وأسلم للدين وأفرغ للقلب وأيسر للعبادة فهو أفضل المواضع له قال صلى الله عليه وسلم البلاد بلاد الله عز وجل والخلق عباده فأي موضع رأيت فيه رفقا فأقم واحمد الله تعالى حديث البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فأي موضع رأيت فيه رفقا فأقم أخرجه أحمد والطبراني من حديث الزبير بسند ضعيف وفي الخبر من بورك له في شيء فليلزمه ومن جعلت معيشته في شيء فلا ينتقل عنه حتى يتغير عليه حديث من رزق في شيء فليلزمه ومن جعلت معيشته في شيء فلا ينتقل عنه حتى يتغير عليه أخرجه ابن ماجه من حديث أنس بالجملة الأولى بسند حسن ومن حديث عائشة بسند فيه جهالة بلفظ إذا سبب الله لأحدكم رزقا من وجه فلا يدعه حتى يتغير أو يتنكر له وقال أبو نعيم رأيت سفيان الثوري وقد جعل جرابه على كتفه وأخذ نعليه بيده فقلت إلى أين يا أبا عبد الله قال إلى بلد أملأ فيه جرابي بدرهم وفي حكاية أخرى بلغني عن قرية فيها رخص أقيم فيها قال فقلت وتفعل هذا يا أبا عبد الله فقال نعم إذا سمعت برخص في بلد فاقصده فإنه أسلم لدينك وأقل لهمك وكان يقول هذا زمان سوء لا يؤمن فيه على الخاملين فكيفبالمشهورين هذا زمان تنقل يتنقل الرجل من قرية إلى قرية يفر بدينه من الفتن ويحكى عنه أنه قال والله ما أدري أي البلاد أسكن فقيل له خراسان فقال مذاهب مختلفة وآراه فاسدة قيل فالشام قال يشار إليك بالأصابع أراد الشهرة قيل فالعراق قال بلد الجبابرة قيل مكة قال مكة تذيب الكيس والبدن وقال له رجل غريب عزمت على المجاورة بمكة فأوصني قال أوصيك بثلاث لا تصلين في الصف الأول ولا تصحبن قرشيا ولا تظهرن صدقة وإنما كره الصف الأول لأنه يشتهر فيفتقد إذا غاب فيختلط بعمله التزين والتصنع الفصل الثاني في شروط وجوب الحج وصحة أركانه وواجباته ومحظوراته أما الشرائط فشرط صحة الحج اثنان الوقت والإسلام فيصح حج الصبي ويحرم بنفسه إن كان مميزا ويحرم عنه وليه إن كان صغيرا ويفعل به ما يفعل في الحج من الطواف والسعي وغيره وأما الوقت فهو شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من يوم النحر فمن أحرم بالحج في غير هذه المدة فهي عمرة وجميع السنة وقت العمرة ولكن من كان معكوفا على النسك أيام منى فلا ينبغي أن يحرم بالعمرة لأنه لا يتمكن من الاشتغال عقيبه لاشتغاله بأعمال منى وأما شروط وقوعه عن حجة الإسلام فخمسة الإسلام والحرية والبلوغ والعقل والوقت فإن أحرم الصبي أو العبد ولكن عتق العبد وبلغ الصبي بعرفة أو بمزدلفة وعاد إلى عرفة قبل طلوع الفجر أجزأهما عن حجة الإسلام لأن الحج عرفة وليس عليهما دم إلا شاة وتشترط هذه الشرائط في وقوع العمرة عن فرض الإسلام إلا الوقت وأما شروط وقوع الحج نفلا عن الحر البالغ فهو بعد براءة ذمته عن حجة الإسلام فحج الإسلام متقدم ثم القضاء لمن أفسده في حالة الوقوف ثم النذر ثم النيابة ثم النفل وهذا الترتيب مستحق وكذلك يقع وإن نوى خلافه وأما شروط لزوم الحج فخمسة البلوغ والإسلام والعقل والحرية والاستطاعة ومن لزمه فرض الحج لزمه فرض العمرة ومن أراد دخول مكة لزيارة أو تجارة ولم يكن حطابا لزمه الإحرام على قول ثم يتحلل بعمل عمرة أو حج وأما الاستطاعة فنوعان أحدهما المباشرة وذلك له أسباب أما في نفسه فبالصحة وأما في الطريق فبأن تكون خصبة آمنة بلا بحر مخطر ولا عدو قاهر وأما في المال فبأن يجد نفقة ذهابه وإيابه إلى وطنه كان له أهل أو لم يكن لأن مفارقة الوطن شديدة وأن يملك نفقة من تلزمه نفقته في هذه المدة وأن يملك ما يقضي به ديونه وأن يقدر على راحلة أو كرائها بمحمل أو زاملة إن استمسك على الزاملة وأما النوع الثاني فاستطاعة المغضوب بماله وهو أن يستأجر من يحج عنه بعد فراغ الأجير عن حجة الإسلام لنفسه ويكفي نفقة الذهاب بزاملة في هذا النوع والابن إذا عرض طاعته على الأب الزمن صار به مستطيعا ولو عرض ماله لم يصر به مستطيعا لأن الخدمة بالبدن فيها شرف للولد وبذل المال فيه منة على الوالد ومن استطاع لزمه الحج وله التأخير ولكنه فيه على خطر فإن تيسر له ولو في آخر عمره سقط عنه وإن مات قبل الحج لقي الله عز وجل عاصيا بترك الحج وكان الحج في تركته يحج عنه وإن لم يوص كسائر ديونه وإن استطاع في سنة فلم يخرج مع الناس وهلك ماله في تلك السنة قبل حج الناس ثم مات لقي الله عز وجل ولا حج عليه ومن مات ولم يحج مع اليسار فأمره شديد عند الله تعالى قال عمر رضي الله عنه لقد هممت أن أكتب في الأمصار بضرب الجزية على من لم يحج ممن يستطيع إليه سبيلا وعن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ومجاهد وطاوس لو علمت رجلا غنيا وجب عليه الحج ثم مات قبل أن يحج ما صليت عليه وبعضهم كان له جار موسر فمات ولم يحج فلم يصل عليه وكان ابن عباس يقول من مات ولم يزك ولم يحج سأل الرجعة إلى الدنيا وقرأ قوله عز وجل رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت قالالحج وأما الأركان التي لا يصح الحج بدونها فخمسة الإحرام والطواف والسعي بعده والوقوف بعرفة والحلق بعده على قول وأركان العمرة كذلك إلا الوقوف والواجبات المجبورة بالدم ست الإحرام من الميقات فمن تركه وجاوز الميقات محلا فعليه شاة والرمي فيه الدم قولا واحدا وأما الصبر بعرفة إلى غروب الشمس والمبيت بمزدلفة والمبيت بمنى وطواف الوداع فهذه الأربعة يجبر تركها بالدم على أحد القولين وفي القول الثاني فيها دم على وجه الاستحباب وأما وجوه أداء الحج والعمرة فثلاثة الأول الإفراد وهو الأفضل وذلك أن يقدم الحج وحده فإذا فرغ خرج إلى الحل فأحرم واعتمر وأفضل الحل لإحرام العمرة الجعرانة ثم التنعيهم ثم الحديبية وليس على المفرد دم إلا أن يتطوع الثاني القران وهو أن يجمع فيقول لبيك بحجة وعمرة معا فيصير محرما بهما ويكفيه أعمال الحج وتندرج العمرة تحت الحج كما يندرج الوضوء تحت الغسل إلا أنه إذا طاف وسعى قبل الوقوف بعرفة فسعيه محسوب من النسكين وأما طوافه فغير محسوب لأن شرط الطواف الفرض في الحج أن يقع بعد الوقوف وعلى القارن دم شاة إلا أن يكون مكيا فلا شيء عليه لأنه لم يترك ميقاته إذ ميقاته مكة الثالث التمتع وهو أن يجاوز الميقات محرما بعمرة ويتحلل بمكة ويتمتع بالمحظورات إلى وقت الحج ثم يحرم بالحج ولا يكون متمتعا إلا بخمس شرائط أحدها أن لا يكون من حاضري المسجدد الحرام وحاضره من كان منه على مسافة لا تقصر فيها الصلاة الثاني أن يقدم العمرة على الحج الثالث أن تكون عمرته في أشهر الحج الرابع أن لا يرجع إلى ميقات الحج ولا إلى مثل مسافته لإحرام الحج الخامس أن يكون حجه وعمرته عن شخص واحد فإذا وجدت هذه الأوصاف كان متمتعا ولزمه دم شاة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم النحر متفرقة أو متتابعة وسبعة إذا رجع إلى الوطن وإن لم يصم الثلاثة حتى رجع إلى الوطن صام العشرة تتابعا أو متفرقا وبدل دم القران والتمتع سواء والأفضل الإفراد ثم التمتع ثم القرن وأما محظورات الحج والعمرة فستة الأول اللبس للقميص والسراويل والخف والعمامة بل ينبغي أن يلبس إزارا ورداء ونعلين فإن لم يجد نعلين فمكعبين فإن لم يجد إزارا فسراويل ولا بأس بالمنطقة والاستظلال في المحمل ولكن لا ينبغي أن يغطي رأسه فإن إحرامه في الرأس وللمرأة أن تلبس كل مخيط بعد أن لا تستر وجهها بما يماسه فإن إحرامها في وجهها الثاني الطيب فليجتنب كل ما يعده العقلاء طيبا فإن تطيب أو لبس فعليه دم شاة الثالث الحلق والقلم وفيهما الفدية أعني دم شاة ولا بأس بالكحل ودخول الحمام والفصد والحجامة وترجيل الشعر الرابع الجماع وهو مفسد قبل التحلل الأول وفيه بدنة أو بقرة أو سبع شياه وإن كان بعد التحلل الأول لزمه البدنة ولم يفسد حجه والخامس مقدمات الجماع كالقبلة والملامسة التي تنقض الطهر مع النساء فهو محرم وفيه شاة وكذا في الاستمناء ويحرم النكاح والإنكاح ولا دم فيه لأنه لا ينعقد السادس قتل صيد البر أعني ما يؤكل أو هو متولد من الحلال والحرام فإن قتل صيدا فعليه مثله من النعم يراعى فيه التقارب في الخلقة وصيد البحر حلال ولا جزاء فيه الباب الثاني في ترتيب الأعمال الظاهرة من أول السفر إلى الرجوع وهي عشر جمل الجملة الأولى في السير من أول الخروج إلى الإحرام وهي ثمانية الأولى في المال فينبغي أن يبدأ بالتوبة ورد المظالم وقضاء الديون وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع ويرد ما عنده من الودائع ويستصحب من المال الحلال الطيب ما يكفيه لذهابه وإيابه من غيرتقتير بل على وجه يمكنه معه التوسع في الزاد والرفق بالضعفاء والفقراء ويتصدق بشيء قبل خروجه ويشتري لنفسه دابة قوية على الحمل لا تضعف أو يكتريها فإن اكترى فليظهر للمكاري كل ما يريد أن يحمله من قليل أو كثير ويحصل رضاه فيه الثانية في الرفيق ينبغي أن يلتمس رفيقا صالحا محبا للخير معينا عليه إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه وإن جبن شجعه وإن عجز قواه وإن ضاق صدره صبره ويودع رفقاءه المقيمين وإخوانه وجيرانه فيودعهم ويلتمس أدعيتهم فإن الله تعالى جاعل في أدعيتهم خيرا والسنة في الوداع أن يقول أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك حديث أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك أخرجه الترمذي وصححه والنسائي من حديث ابن عمر أنه كان يقول للرجل إذا أراد سفرا ادن حتى أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا وكان صلى الله عليه وسلم يقول لمن أراد السفر في حفظ الله وكنفه زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك للخير أينما كنت حديث كان صلى الله عليه وسلم يقول لمن أراد سفرا في حفظ الله وكنفه زودك الله التقوى وغفر الله ذنبك ووجهك للخير أينما توجهت أخرجه الطبراني في الدعاء من حديث أنس وهو عند الترمذي وحسنه دون قوله في حفظ الله وكنفه الثالثة في الخروج من الدار ينبغي إذا هم بالخروج أن يصلي ركعتين أولا يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون وفي الثانية الإخلاص فإذا فرغ رفع يديه ودعا الله سبحانه عن إخلاص صاف ونية صادقة وقال اللهم أنت الصاحب في السفر وأنت الخليفة في الأهل والمال والولد والأصحاب احفظنا وإياهم من كل آفة وعاهة اللهم إنا نسألك في مسيرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم إنا نسألك أن تطوي لنا الأرض وتهون علينا السفر وأن ترزقنا في سفرنا سلامة البدن والدين والمال وتبلغنا حج بيتك وزيارة قبر نبيك محمد صلى الله عليه وسلم اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد والأصحاب اللهم اجعلنا وإياهم في جوارك ولا تسلبنا وإياهم نعمتك ولا تغير ما بنا وبهم من عافيتك الرابعة إذا حصل على باب الدار قال بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله أعوذ بالله رب أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أذل أو أذل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي اللهم إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة بل خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك وقضاء فرضك واتباع سنة نبيك وشوقا إلى لقائك فإذا مشى قال اللهم بك انتشرت وعليك توكلت وبك اعتصمت وإليك توجهت اللهم أنت ثقتي وأنت رجائي فاكفني ما أهمني وما لا أهتم به وما أنت أعلم به مني عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك اللهم زودني التقوى واغفر لي ذنبي ووجهني للخير أينما توجهت ويدعو بهذا الدعاء في كل منزل يدخل عليه الخامسة في الركوب فإذا ركب الراحلة يقول بسم الله وبالله والله أكبر توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون اللهم إني وجهت وجهي إليك وفوضت أمري كله إليك وتوكلت في جميع أموري عليك أنت حسبي ونعم الوكيل فإذا استوى على الراحلة واستوت تحته قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر سبع مرات وقال الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله اللهم أنت الحامل على الظهر وأنت المستعان على الأمور السادسة في النزول والسنة أن لا ينزل حتى يحمى النهار ويكون أكثر سيره بالليل قال صلى الله عليه وسلم عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار حديث عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار أخرجه أبو داود من حديث أنس دون قوله ما لا تطوى بالنهار وهذه الزيادة في الموطأ من حديث خالد بن معدان مرسلا وليقلل نومه بالليل حتى يكونعونا على السير ومهما أشرف على المنزل فليقل اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين ورب البحار وما جرين أسألك خير هذا المنزل وخير أهله وأعوذ بك من شره وشر ما فيه اصرف عني شر شرارهم فإذا نزل المنزل صلى ركعتين فيه ثم قال أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق فإذا جن عليه الليل يقول يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما دب عليك أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود وحية وعقرب ومن شر ساكن البلد ووالد وما ولد وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم السابعة في الحراسة ينبغي أن يحتاط بالنهار فلا يمشي منفردا خارج القافلة لأنه ربما يغتال أو ينقطع ويكون بالليل متحفظا عند النوم فإن نام في ابتداء الليل افترش ذراعه وإن نام في آخر الليل نصب ذراعه نصبا وجعل رأسه في كفه هكذا كان ينام رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره حديث كان إذا نام في أول الليل افترش ذراعه وإذا نام في آخر الليل نصب ذراعه نصبا وجعل ذراعه في كفه أخرجه أحمد والترمذي في الشمائل من حديث أبي قتادة بإسناد صحيح وعزاه أبو مسعود الدمشقي والحميدي إلى مسلم ولم أره فيه لأنه ربما استثقل النوم فتطلع الشمس وهو لا يدري فيكون ما يفوته من الصلاة أفضل مما يناله من الحج والأحب في الليل أن يتناوب الرفيقان في الحراسة فإن نام أحدهما حرس الآخر حديث تناوب الرفيقين في الحراسة فإذا نام أحدهما حرس الآخر أخرجه البيهقي من طريق ابن إسحاق من حديث جابر في حديث فيه فقال الأنصاري أي الليل أحب إليك أن أكفيكه أوله أو آخره فقال بل اكفني أوله فاضطجع المهاجري الحديث والحديث عند أبي داود ولكن ليس فيه قول الأنصاري للمهاجرين فهو السنة فإن قصده عدو أو سبع في ليل أو نهار فليقرأ آية الكرسي وشهد الله والإخلاص والمعوذتين وليقل بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله حسبي الله توكلت على الله ما شاء الله لا يأتي بالخير إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء الله منتهى ولا دون الله ملجأ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز تحصنت بالله العظيم واستغثت بالحي الذي لا يموت اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واكنفنا بركنك الذي لا يرام اللهم ارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وأنت ثقتنا ورجاؤنا اللهم اعطف علينا قلوب عبادك وإمائك برأفة ورحمة إنك أنت أرحم الراحمين الثامنة مهما علا نشزا من الأرض في الطريق فيستحب أن يكبر ثلاثا ثم يقول اللهم لك الشرف على كل شرف ولك الحمد على كل حال ومهما هبط سبح ومهما خاف الوحشة في سفره قال سبحان الله الملك القدوس رب الملائكة والروح جللت السموات بالعزة والجبروت الجملة الثانية في آداب الإحرام من الميقات إلى دخول مكة وهي خمسة الأول أن يغتسل وينوي به غسل الإحرام أعني إذا انتهى إلى الميقات المشهور الذي يحرم الناس منه ويتمم غسله بالتنظيف ويسرح لحيته ورأسه ويقلم أظفاره ويقص شاربه ويستكمل النظافة التي ذكرناها في الطهارة الثاني أن يفارق الثياب المخيطة ويلبس ثوبي الإحرام فيرتدي ويتزر بثوبين أبيضين فالأبيض هو أحب الثياب إلى الله عز وجل ويتطيب في ثيابه وبدنه ولا بأس بطيب يبقى جرمه بعد الإحرام فقد رؤي بعض المسك على مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الإحرام مما كان استعمله قبل الإحرام حديث رؤية وبيص المسك على مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الإحرام متفق عليه من حديث عائشة قالت كأنما أنظر إلى وبيص المسك الحديث الثالث أن يصبر بعد لبس الثياب حتى تنبعث به راحلته إن كان راكبا أو يبدأ بالسير إن كان راجلا فعند ذلك ينوي الإحرام بالحج أو بالعمرةقرانا أو إفرادا كما أراد ويكفي مجرد النية لانعقاد الإحرام ولكن السنة أن يقرن بالنية لفظ التلبية فيقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وإن زاد قال لبيك وسعديك والخير كله بيديك والرغباء إليك لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الرابع إذا انعقد إحرامه بالتلبية المذكورة فيستحب أن يقول اللهم إني أريد الحج فيسره لي وأعني على أداء فرضه وتقبله مني اللهم إني نويت أداء فريضتك في الحج فاجعلني من الذين استجابوا لك وآمنوا بوعدك واتبعوا أمرك واجعلني من وفدك الذين رضيت عنهم وارتضيت وقبلت منهم اللهم فيسر لي أداء ما نويت من الحج اللهم قد أحرم لك لحمي وشعري ودمي وعصبي ومخي وعظامي وحرمت على نفسي النساء والطيب ولبس المخيط ابتغاء وجهك والدار الآخرة ومن وقت الإحرام حرم عليه المحظورات الستة التي ذكرناها من قبل فليجتنبها الخامس يستحب تجديد التلبية في دوام الإحرام خصوصا عند اصطدام الرفاق وعند اجتماع الناس وعند كل صعود وهبوط وعند كل ركوب ونزول رافعا بها صوته بحيث لا يبح حلقه ولا ينبهر فإنه لا ينادي أصم ولا غائبا حديث إنكم لا تنادون أصم ولا غائبا متفق عليه من حديث أبي موسى كما ورد في الخبر ولا بأس برفع الصوت بالتلبية في المساجد الثلاثة فإنها مظنة المناسك أعني المسجد الحرام ومسجد الخيف ومسجد الميقات وأما سائر المساجد فلا بأس فيها بالتلبية من غير رفع صوت وكان صلى الله عليه وسلم إذا أعجبه شيء قال لبيك إن العيش عيش الآخرة حديث كان إذا أعجبه شيء قال لبيك إن العيش عيش الآخرة أخرجه الشافعي في المسند من حديث مجاهد مرسلا بنحوه وللحاكم وصححه من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بعرفات فلما قال لبيك اللهم لبيك قال إنما الخير خير الآخرة الجملة الثالثة في آداب دخول مكة إلى الطواف وهي ستة الأول أن يغتسل بذي طوى لدخول مكة والاغتسالات المستحبة المسنونة في الحج تسعة الأول للإحرام من الميقات ثم لدخول مكة ثم لطواف القدوم ثم للوقوف بعرفة ثم للوقوف بمزدلفة ثم ثلاثة أغسال لرمي الجمار الثلاث ولا غسل لرمي جمرة العقبة ثم لطواف الوداع ولم ير الشافعي رضي الله عنه في الجديد الغسل لطواف الزيارة ولطواف الوداع فتعود إلى سلعة الثاني أن يقول عند الدخول في أول الحرم وهو خارج مكة اللهم هذا حرمك وأمنك فحرم لحمي ودمي وشعري وبشري على النار وآمني من عذابك يوم تبعث عبادك واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك الثالث أن يدخل مكة من جانب الأبطح وهو ثنية كدا بفتح الكاف عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم من جادة الطريق إليها حديث دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية كداء بفتح الكاف متفق عليه من حديث ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة دخل من الثنية العلياء التي بالبطحاء الحديث فالتأسي به أولى وإذا خرج خرج من ثنية كدى بضم الكاف وهي الثنية السفلى والأولى هي العليا الرابع إذا دخل مكة وانتهى إلى رأس الردم فعنده يقع بصره على البيت فليقل لا إله إلا الله والله أكبر اللهم أنت السلام ومنك السلام ودارك دار السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام اللهم إن هذا بيتك عظمته وكرمته وشرفته اللهم فزده تعظيما وزده تشريفا وتكريما وزده مهابة وزد من حجه برا وكرامة اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني جنتك وأعذني من الشيطان الرجيم الخامس إذا دخل المسجد الحرام فليدخل من باب بني شيبة وليقل بسم الله وبالله ومن الله وإلى وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قرب من البيت قال الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى اللهمصل على محمد عبدك ورسولك وعلى إبراهيم خليلك وعلى جميع أنبيائك ورسلك وليرفع يديه وليقل اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تتقبل توبتي وأن تتجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمنا وجعله مباركا وهدى للعالمين اللهم إني عبدك والبلد بلدك والحرم حرمك والبيت بيتك جئتك أطلب رحمتك وأسألك مسألة المضطر الخائف من عقوبتك الراجي لرحمتك الطالب مرضاتك السادس أن تقصد الحجر الأسود بعد ذلك وتمسه بيدك اليمنى وتقبله وتقول اللهم أمانتي أديتها وميثاقي وفيته اشهد لي بالموافاة فإن لم يستطيع التقبيل وقف في مقابلته ويقول ذلك ثم لا يعرج على شيء دون الطواف وهو طواف القدوم إلا أن يجد الناس في المكتوبة فيصلي معهم ثم يطوف الجملة الرابعة في الطواف فإذا أراد افتتاح الطواف إما للقدوم وإما لغيره فينبغي أن يراعي أمورا ستة الأول أن يراعي شروط الصلاة من طهارة الحدث والخبث في الثوب والبدن والمكان وستر العورة فالطواف بالبيت صلاة ولكن الله سبحانه أباح فيه الكلام وليضطبع قبل ابتداء الطواف وهو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه اليمنى ويجمع طرفيه على منكبه الأيسر فيرخى طرفا وراء ظهره وطرفا على صدره ويقطع التلبية عند ابتداء الطواف ويشتغل بالأدعية التي سنذكرها الثاني إذا فرغ من الاضطباع فليجعل البيت على يساره وليقف عند الحجر الأسود وليتنح عنه قليلا ليكون الحجر قدامه فيمر بجميع الحجر بجميع بدنه في ابتداء طوافه وليجعل بينه وبين البيت قدر ثلاث خطوات ليكون قريبا من البيت فإنه أفضل ولكيلا يكون طائفا على الشاذروان فإنه من البيت وعند الحجر الأسود قد يتصل الشاذروان بالأرض ويلتبس به والطائف عليه لا يصح طوافه لأنه طائف في البيت والشاذروان هو الذي فضل عن عرض جدار البيت بعد أن ضيق أعلى الجدار ثم من هذا الموقف يبتدىء الطواف الثالث أن يقول قبل مجاوزة الحجر بل في ابتداء الطواف بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ويطوف فأول ما يجاوز الحجر ينتهي إلى باب البيت فيقول اللهم هذا البيت بيتك وهذا الحرم حرمك وهذا الأمن أمنك وهذا مقام العائذ بك من النار وعند ذكر المقام يشير بعينه إلى مقام إبراهيم عليه السلام اللهم إن بيتك عظيم ووجهك كريم وأنت أرحم الراحمين فأعذني من النار ومن الشيطان الرجيم وحرم لحمي ودمي على النار وآمني من أهوال يوم القيامة واكفني مؤنة الدنيا والآخرة ثم يسبح الله تعالى ويحمده حتى يبلغ الركن العراقي فعنده يقول اللهم إني أعوذ بك من الشرك الشك والكفر والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق وسوء المنظر في الأهل والمال والولد فإذا بلغ الميزاب قال اللهم أظلنا تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك اللهم اسقني بكأس محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا أظمأ بعدها أبدا فإذا بلغ الركن الشامي قال اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم فإذا بلغ الركن اليماني قال اللهم إني أعوذ بك من الكفر وأعوذ بك من الفقر ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من الخزي في الدنيا والآخرة ويقول بين الركن اليماني والحجر الآسود اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك فتنة القبر وعذاب النار فإذا بلغ الحجر الأسود قال اللهم اغفر لي برحمتك أعوذ برب هذا الحجر من الدين والفقر وضيق الصدر وعذاب القبر وعند ذلك قد تم شوط واحد فيطوف كذلك سبعة أشواط فيدعو بهذه الأدعية في كل شوط الرابع أن يرمل في ثلاثة أشواط ويمشي في الأربعة الأخرعلى الهيئة المعتادة ومعنى الرمل الإسراع في المشي مع تقارب الخطا وهو دون العدو وفوق المشي المعتاد والمقصود منه ومن الاضطباع إظهار الشطارة والجلادة والقوة هكذا كان القصد أولا قطعا لطمع الكفار وبقيت تلك السنة حديث مشروعية الرمل والاضطباع قطعا لطمع الكفار وبقيت تلك السنة أما الرمل فمتفق عليه من حديث ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال المشركون إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة الحديث وأما الاضطباع فروى أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث عمر قال فيم الرملان الآن والكشف عن المناكب وقد أظهر الله الإسلام ونفى الكفر وأهله ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والأفضل الرمل مع الدنو من البيت فإن لم يمكنه للزحمة فالرمل مع البعد أفضل فيخرج إلى حاشية المطاف وليرمل ثلاثا ثم ليقرب إلى البيت في المزدحم وليمش أربعا وأن إمكنه استلام الحجر في كل شوط فهو الأحب وإن منعه الزحمة أشار باليد وقبل يده وكذلك استلام الركن اليماني يستحب من سائر الأركان وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يستلم الركن اليماني حديث استلامه صلى الله عليه وسلم للركن اليماني متفق عليه من حديث ابن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود الحديث ولهما من حديثه لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس من الأركان إلا اليمانيين ولمسلم من حديث ابن عباس لم أره يستلم غير الركنين اليمانيين وله من حديث جابر الطويل حتى إذا أتيت البيت معه استلم الركن ويقبله حديث تقبيله صلى الله عليه وسلم له متفق عليه من حديث عمر أنه قبل الحجر وقال لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك وللبخاري من حديث ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله وله في التاريخ من حديث ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلم الركن اليماني قبله ويضع خده عليه حديث وضع الخد عليه أخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الركن اليماني الحديث قال الحاكم صحيح الإسناد قلت فيه عبد الله بن مسلم بن هرمز ضعفه الجمهور ومن أراد تخصيص الحجر بالتقبيل واقتصر في الركن اليماني على الاستلام أغنى عن اللمس باليد فهو أولى الخامس إذا تم الطواف سبعا فليأت الملتزم وهو بين الحجر والباب وهو موضع استجابة الدعوة وليلتزق بالبيت وليتعلق بالأستار وليلصق بطنه بالبيت وليضع عليه خده الأيمن وليبسط عليه ذراعيه وكفيه وليقل اللهم يا رب البيت العتيق أعتق رقبتي من النار وأعذني من الشيطان الرجيم وأعذني من كل سوء وقنعني بما رزقتني وبارك لي فيما آتيتني اللهم إن هذا البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مقام العائذ بك من النار اللهم اجعلني من أكرم وفدك عليك ثم ليحمد الله كثيرا في هذا الموضع وليصل على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الرسل كثيرا وليدع بحوائجه الخاصة وليستغفر من ذنوبه كان بعض السلف في هذا الموضع يقول لمواليه تنحوا عني حتى أقر لربي بذنوبي السادس إذا فرغ من ذلك ينبغي أن يصلي خلف المقام ركعتين يقرأ في الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية الإخلاص وهما ركعتا الطواف قال الزهري مضت السنة أن يصلي لكل سبع ركعتين حديث الزهري مضت السنة أن يصلي لكل أسبوع ركعتين ذكره البخاري تعليقا السنة أفضل لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم أسبوعا إلا صلى ركعتين وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين وإن قرن بين أسابيع وصلى ركعتين جاز حديث قرانه صلى الله عليه وسلم بين أسابيع رواه ابن أبي حاتم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن ثلاثة أطواف ليس بينهما صلاة ورواه العقيلي في الضعفاء وابن شاهين في أماليه من حديث أبي هريرة وزاد ثم صلى لكل أسبوع ركعتين وفي إسنادهما عبد السلام بن أبي الحبوب منكر الحديث فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل أسبوع طواف وليدع بعد ركعتي الطواف وليقل اللهم يسر لي اليسرى وجنبني العسرى واغفر لي في الآخرة والأولى واعصمني بألطافك حتى لا أعصيك وأعني على طاعتك بتوفيقك وجنبني معاصيك واجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ورسلك ويحب عبادك الصالحين اللهم حببني إلى ملائكتك ورسلك وإلى عبادك الصالحين اللهم فكما هديتني إلى الإسلام فثبتني عليه بألطافك وولايتك واستعملني لطاعتك وطاعة رسولك وأجرني من مضلاتالفتن ثم ليعد إلى الحجر وليستلمه وليختم به الطواف قال صلى الله عليه وسلم من طاف بالبيت أسبوعا وصلى ركعتين فله من الأجر كعتق رقبة حديث من طاف بالبيت أسبوعا وصلى ركعتين فله من الأجر كعتق رقبة أخرجه الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عمر من طاف بالبيت وصلى ركعتين كان كعتق رقبة لفظ ابن ماجه وقال الآخر من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه كان كعتق رقبة وللبيهقي في الشعب من طاف أسبوعا وركع ركعتين كانت كعتاق رقبة وهذه كيفية الطواف والواجب من جملته بعد شروط الصلاة أن يستكمل عدد الطواف سبعا بجميع البيت وأن يبتدىء بالحجر الأسود ويجعل البيت على يساره وأن يطوف داخل المسجد وخارج البيت لا على الشاذروان ولا في الحجر وأن يوالي بين الأشواط ولا يفرقها تفريقا خارجا عن المعتاد وما عدا هذا فهو سنن وهيئات الجملة الخامسة في السعي فإذا فرغ من الطواف فليخرج من باب الصفا وهو في محاذاة الضلع الذي بين الركن اليماني والحجر فإذا خرج من ذلك الباب وانتهى إلى الصفا وهو جبل فيرقى فيه درجات في حضيض الجبل بقدر قامة الرجل رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت له الكعبة حديث أنه رقى على الصفا حتى بدت له الكعبة أخرجه مسلم من حديث جابر فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت وله من حديث أبي هريرة أتى الصفا فعلا عليه حتى نزل إلى البيت وابتداء السعي من أصل الجبل كاف وهذه الزيادة مستحبة ولكن بعض تلك الدرج مستحدثة فينبغي أن لا يخلفها وراء ظهره فلا يكون متمما للسعي وإذا ابتدأ من ههنا سعى بينه وبين المروة سبع مرات وعند رقيه في الصفا ينبغي أن يستقبل البيت ويقول الله أكبر الله أكبر الحمد لله على ما هدانا الحمد لله بمحامده كلها على جميع نعمه كلها لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون اللهم إني أسألك إيمانا دائما ويقينا صادقا وعلما نافعا وقلبا خاشعا ولسانا ذاكرا وأسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة ويصلي على محمد صلى الله عليه وسلم ويدعو الله عز وجل بما شاء من حاجته عقيب هذا الدعاء ثم ينزل ويبتدىء السعي وهو يقول رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ويمشي على هينه حتى ينتهى إلى الميل الأخضر وهو أول ما يلقاه إذا نزل من الصفا وهو على زاوية المسجد الحرام فإذا بقي بينه وبين محاذاة الميل ستة أذرع أخذ في السير السريع وهو الرمل حتى ينتهي إلى الميلين الأخضرين ثم يعود إلى الهينة فإذا انتهى إلى المروة صعدها كما صعد الصفا وأقبل بوجهه على الصفا ودعا بمثل ذلك الدعاء وقد حصل السعي مرة واحدة فإذا عاد إلى الصفا حصلت مرتان يفعل ذلك سبعا ويرمل في موضع الرمل في كل مرة ويسكن في موضع السكون كما سبق وفي كل نوبة يصعد الصفا والمروة فإذا فعل ذلك فقد فرغ من طواف القدوم والسعي وهما سنتان والطهارة مستحبة للسعي وليست بواجبة بخلاف الطواف وإذا سعى فينبغي أن لا يعيد السعي بعد الوقوف ويكتفي بهذا ركنا فإنه ليس من شروط السعي أن يتأخر عن الوقوف وإنما ذلك شرط في طواف الركن نعم شرط كل سعي أن يقع بعد طواف أي طواف كانالجملة السادسة في الوقوف وما قبله الحاج إذا انتهى يوم عرفة إلى عرفات يتفرغ لطواف القدوم ودخول مكة قبل الوقوف وإذا وصل قبل ذلك بأيام فطاف طواف القدوم فيمكث محرما إلى اليوم السابع من ذي الحجة فيخطب الإمام بمكة خطبة بعد الظهر عند الكعبة ويأمر الناس بالاستعداد للخروج إلى منى يوم التروية والمبيت بها وبالغدو منها إلى عرفة لإقامة فرض الوقوف بعد الزوال إذ وقت الوقوف من الزوال إلى طلوع الفجر الصادق من يوم النحر فينبغي أن يخرج إلى منى ملبيا ويستحب له المشي من مكة في المناسك إلى انقضاء حجته إن قدر عليه والمشي من مسجد إبراهيم عليه السلام إلى الموقف أفضل وآكد فإذا انتهى إلى منى قال اللهم هذه منى فامنن علي بما مننت به على أوليائك وأهل طاعتك وليمكث هذه الليلة بمنى وهو مبيت منزل لا يتعلق به نسك فإذا أصبح يوم عرفة صلى الصبح فإذا طلعت الشمس على ثبير سار إلى عرفات ويقول اللهم اجعلها خير غدوة غدوتها قط وأقربها من رضوانك وأبعدها من سخطك اللهم إليك غدوت وإياك رجوت وعليك اعتمدت ووجهك أردت فاجعلني ممن تباهي به اليوم من هو خير مني وأفضل فإذا أتى عرفات فليضرب خباءه بنمرة قريبا من المسجد فثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبته حديث ضربه صلى الله عليه وسلم قبته بنمرة أخرجه مسلم من حديث جابر الطويل أمر بقبة من شعر تضرب له بثمرة الحديث ونمرة هي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة وليغتسل للوقوف فإذا زالت الشمس خطب الإمام خطبة وجيزة وقعد وأخذ المؤذن في المؤذن في الأذان والإمام في الخطبة الثانية ووصل الإقامة بالأذان وفرغ الإمام مع تمام إقامة المؤذن ثم جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وقصر الصلاة وراح إلى الموقف فليقف بعرفة ولا يقفن في وادي عرنة وأما مسجد إبراهيم عليه السلام فصدره في الوادي وأخرياته من عرفة فمن وقف في صدر المسجد لم يحصل له الوقوف بعرفة ويتميز مكان عرفة من المسجد بصخرات كبار فرشت ثم والأفضل أن يقف عند الصخرات بقرب الإمام مستقبلا للقبلة راكبا وليكثر من أنواع التحميد والتسبيح والتهليل والثناء على الله عز وجل والدعاء والتوبة ولا يصوم في هذا اليوم ليقوى على المواظبة على الدعاء ولا يقطع التلبية يوم عرفة بل الأحب أن يلبي تارة ويكب على الدعاء أخرى وينبغي أن لا ينفصل من طرف عرفة إلا بعد الغروب ليجمع في عرفة بين الليل والنهار وإن أمكنه الوقوف يوم الثامن ساعة عند إمكان الغلط في الهلال فهو الحزم وبه الأمن من الفوات ومن فاته الوقوف حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج فعليه أن يتحلل عن إحرامه بأعمال العمرة ثم يريق دما لأجل الفوات ثم يقضي العام الآتي وليكن أهم اشتغاله في هذا اليوم الدعاء ففي مثل تلك البقعة ومثل ذلك الجمع ترجى إجابة الدعوات والدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث الدعاء المأثور في يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث أخرجه الترمذي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقال حسن غريب وله من حديث علي قال أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في الموقف اللهم لك الحمد كالذي تقول وخيرا مما نقول لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي ولك رب تراثي اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح وقال ليس بالقوي إسناده وروى المستغفري في الدعوات من حديثه يا علي إن أكثر دعاء من قبلي يوم عرفة أن أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في صدري نورا وفي سمعي نورا وفي قلبي نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري اللهم إني أعوذ بك من وسواس الصدر وشتات الأمر وفتنة القبر وشر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار وشر ما تهب به الرياح ومن شر بوائق الدهر وإسناده ضعيف وروى الطبراني في المعجم الصغير من حديث ابن عباس قال كان مما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة اللهم إنك ترى مكاني وتسمع كلامي وتعلم سري وعلانيتي ولا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير فذكر الحديث إلى قوله يا خير المسئولين ويا خير المعطين وإسناده ضعيف وباقي الدعاء من دعاء بعض السلف في بعضه ما هو مرفوع ولكن ليس مقيدا بموقف عرفة وعن السلففي يوم عرفة أول ما يدعو به فليقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا وفي لساني نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري وليقل اللهم رب الحمد لك الحمد كما تقول وخيرا مما نقول لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي وإليك ثوابي اللهم إني أعوذ بك من وساوس الصدر وشتات الأمر وعذاب القبر اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل ومن شر ما يلج في النهار ومن شر ما تهب به الرياح ومن شر بوائق الدهر اللهم إني أعوذ بك من تحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك اللهم اهدني بالهدى واغفر لي في الآخرة والأولى يا خير مقصود وأسنى منزول به وأكرم مسئول ما لديه أعطني العشية أفضل ما أعطيت أحدا من خلقك وحجاج بيتك يا أرحم الراحمين اللهم يا رفيع الدرجات ومنزل البركات ويا فاطر الأرضين والسموات ضجت إليك الأصوات بصنوف اللغات يسألونك الحاجات وحاجتي إليك أن لا تنساني في دار البلاء إذا نسيني أهل الدنيا اللهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي ولا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المعترف بذنه أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضرير دعاء من خضعت لك رقبته وفاضت لك عبرته وذل لك جسده ورغم لك أنفه اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا وكن بي رءوفا رحيما يا خير المسئولين وأكرم المعطين إلهي من مدح لك نفسه فإني لائم نفسي إلهي أخرست المعاصي لساني فما لي وسيلة عن عمل ولا شفيع سوى الأمل إلهي إني أعلم أن ذنوبي لم تبق لي عندك جاها ولا للاعتذار وجها ولكنك أكرم الأكرمين إلهي إن لم أكن أهلا أن أبلغ رحمتك فإن رحمتك أهل أن تبلغني ورحمتك وسعت كل شيء وأنا شيء إلهي إن ذنوبي وإن كانت عظاما ولكنها صغار في جنب عفوك فاغفرها لي يا كريم إلهي أنت أنت وأنا أنا أنا العواد إلى الذنوب وأنت العواد إلى المغفرة إلهي إن كنت لا ترحم إلا أهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون إلهي تجنبت عن طاعتك عمدا وتوجهت إلى معصيتك قصدا فسبحانك ما أعظم حجتك علي وأكرم عفوك عني فبوجوب حجتك علي وانقطاع حجتي عنك وفقري إليك وغناك عني إلا غفرت لي يا خير من دعاه داع وأفضل من رجاه راج بحرمة الإسلام وبذمة محمد صلى الله عليه وسلم أتوسل إليك فاغفر لي جميع ذنوبي واصرفني من موقفي هذا مقضي الحوائج وهب لي ما سألت وحقق رجائي فيما تمنيت إلهي دعوتك بالدعاء الذي علمتنيه فلا تحرمني الرجاء الذي عرفتنيه إلهي ما أنت صانع العشية بعبد مقر لك بذنبه خاشع لك بذلته مستكين بجرمه متضرع إليك من عمله تائب إليك من اقترافه مستغفر لك من ظلمه مبتهل إليك في العفو عنه طالب إليك نجاح حوائجه راج إليك في موقفه مع كثرة ذنوبه فيا ملجأ كل حي وولي كل مؤمن من أحسن فبرحمتك يفوز ومن أخطأ فبخطيئته يهلك اللهم إليك خرجنا وبفنائك أنخنا وإياك أملنا وما عندك طلبنا ولإحسانك تعرضنا ورحمتك رجونا ومن عذابك أشفقنا وإليك بأثقال الذنوب هربنا ولبيتك الحرام حججنا يا من يملك حوائج السائلين ويعلم ضمائر الصامتين يا من ليس معه رب يدعى ويا من ليس فوقه خالق يخشى ويا من ليس له وزير يؤتى ولا حاجب يرشى يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا جودا وكرما وعلى كثرة الحوائج إلا تفضلا وإحسانا اللهم إنك جعلت لكل ضيف قرى ونحن أضيافك فاجعل قرانا منك الجنة اللهم إن لكل وفد جائزة ولكل زائر كرامة ولكل سائل عطية ولكل راج ثوابا ولكل ملتمس لم عندك جزاء ولكلمسترحم عندك رحمة ولكل راغب إليك زلفى ولكل متوسل إليك عفوا وقد وفدنا إلى بيتك الحرام ووقفنا بهذه المشاعر العظام وشهدنا هذه المشاهد الكرام رجاء لما عندك فلا تخيب رجاءنا إلهنا تابعت النعم حتى اطمأنت الأنفس بتتابع نعمك وأظهرت العبر حتى نطقت الصوامت بحجتك وظاهرت المنن حتى اعترف أولياؤك بالتقصير عن حقك وأظهرت الآيات حتى أفصحت السموات والأرضون بأدلتك وقهرت بقدرتك حتى خضع كل شيء لعزتك وعنت الوجوه لعظمتك إذا أساءت عبادك حلمت وأمهلت وإن أحسنوا تفضلت وقبلت وإن عصوا سترت وإن أذنبوا عفوت وغفرت وإذا دعونا أجبت وإذا نادينا سمعت وإذا أقبلنا إليك قربت وإذا ولينا عنك دعوت إلهنا إنك قلت في كتابك المبين لمحمد خاتم النبيين قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف فأرضاك عنهم بالإقرار بكلمة التوحيد بعد الجحود وإنا نشهد لك بالتوحيد مخبتين ولمحمد بالرسالة مخلصين فاغفر لنا بهذه الشهادة سوالف الإجرام ولا تجعل حظنا فيه أنقص من حظ من دخل في الإسلام إلهنا إنك أحببت التقرب إليك بعتق ما ملكت أيماننا ونحن عبيدك وأنت أولى بالتفضل فاعتقنا وإنك أمرتنا أن نتصدق على فقرائنا ونحن فقراؤك وأنت أحق بالتطول فتصدق علينا ووصيتنا بالعفو عمن ظلمنا وقد ظلمنا أنفسنا وأنت أحق بالكرم فاعف عنا ربنا اغفر لنا وارحمنا أنت مولانا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار وليكثر من دعاء الخضر عليه السلام وهو أن يقول يا من لا يشغله شأن عن شأن ولا سمع عن سمع ولا تشتبه عليه الأصوات يا من لا تغلطه المسائل ولا تختلف عليه اللغات يا من لا يبرمه إلحاح الملحين ولا تضجره مسألة السائلين أذقنا برد عفوك وحلاوة مناجاتك وليدع بما بدا له وليستغفر له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات وليلح في الدعاء وليعظم المسأله فإن الله لا يتعاظمه شيء وقال مطرف بن عبد الله هو بعرفة اللهم لا ترد الجميع من أجلي وقال بكر المزني قال رجل لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم لولا أني كنت فيهم الجملة السابعة في بقية أعمال الحج بعد الوقوف من المبيت والرمي والنحر والحلق والطواف فإذا أفاض من عرفة بعد غروب الشمس فينبغي أن يكون على السكينة والوقار وليجتنب وجيف الخيل وإيضاع الإبل كما يعتاده بعض الناس فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن وجيف الخيل وإيضاع الإبل وقال اتقوا الله وسيروا سيرا جميلا لا تطأوا ضعيفا ولا تؤذوا مسلما حديث نهى النبي عن وجيف الخيل وإيضاع الإبل أخرجه النسائي والحاكم وصححه من حديث أسامة بن زيد عليكم بالسكينة والوقار فإن البر ليس في إيضاع الإبل وقال الحاكم ليس البر بإيجاف الخيل والإبل وللبخاري من حديث ابن عباس فإن البر ليس بالإيضاع فإذا بلغ المزدلفة اغتسل لها لأن المزدلفة من الحرم فليدخله بغسل وإن قدر على دخوله ماشيا فهو أفضل وأقرب إلى توقير الحرم ويكون في الطريق رافعا صوته بالتلبية فإذا بلغ المزدلفة قال اللهم إن هذه مزدلفة جمعت فيها ألسنة مختلفة تسألك حوائج مؤتنفة فاجعلني ممن دعاك فاستجبت له وتوكل عليك فكفيته ثم يجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء قاصرا له بأذان وإقامتين ليس بينهما نافلة ولكن يجمع نافلة المغرب والعشاء والوتر بعد الفريضتين ويبدأ بنافلة المغرب ثم بنافلة العشاء كما في الفريضتين فإن ترك النوافل في السفر خسران ظاهر وتكليف إيقاعها في الأوقات إضرار وقطع للتبعية بينهما وبين الفرائض فإذا جاز أن يؤدي النوافل مع الفرائض بتيمم واحد بحكم التبعية فبأن يجوز أداؤهما على حكم الجمع بالتبعية أولى ولا يمنع من هذا مفارقة النفل للفرض في جواز أدائه على الراحلة لما أو مأنا إليه من التبعية والحاجة ثم يمكث تلك الليلةبمزدلفة وهو مبيت نسك ومن خرج منها في النصف الأول من الليل ولم يبت فعليه دم وإحياء هذه الليلة الشريفة من محاسن القربات لمن يقدر عليه ثم إذا انتصف الليل يأخذ في التأهب للرحيل ويتزود الحصى منها ففيها أحجار رخوة فليأخذ سبعين حصاة فإنها قدر الحاجة ولا بأس بأن يستظهر بزيادة فربما يسقط منه بعضها ولتكن الحصى خفافا بحيث يحتوي عليه أطراف البراجم ثم ليغلس بصلاة الصبح وليأخذ في المسير حتى إذا انتهى إلى المشعر الحرام وهو آخر المزدلفة فيقف ويدعو إلى الإسفار ويقول اللهم بحق المشعر الحرام والبيت الحرام والشهر الحرام والركن والمقام أبلغ روح محمد منا التحية والسلام وأدخلنا دار السلام يا ذا الجلال والإكرام ثم يدفع منها قبل طلوع الشمس حتى ينتهي إلى موضع يقال له وادي محسر فيستحب له أن يحرك دابته حتى يقطع عرض الوادي وإن كان راجلا أسرع في المشي ثم إذا أصبح يوم النحر خلط التلبية بالتكبير فيلبي تارة ويكبر أخرى فينتهي إلى منى ومواضع الجمرات وهي ثلاثة فيتجاوز الأولى والثانية فلا شغل له معهما يوم النحر حتى ينتهي إلى جمرة العقبة وهي على يمين مستقبل القبلة في الجادة والمرمى مرتفع قليلا في سفح الجبل وهو ظاهر بمواقع الجمرات ويرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس بقدر رمح وكيفيته أن يقف مستقبلا القبلة وإن استقبل الجمرة فلا بأس ويرمي سبع حصيات رافعا يده ويبدل التلبية بالتكبير ويقول مع كل حصاة الله أكبر على طاعة الرحمن ورغم الشيطان اللهم تصديقا بكتابك واتباعا لسنة نبيك فإذا رمى قطع التلبية والتكبير إلا التكبير عقيب فرائض الصلوات من ظهر يوم النحر إلى عقيب الصبح من آخر أيام التشريق ولا يقف في هذا اليوم للدعاء بل يدعو في منزله وصفة التكبير أن يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر ثم ليذبح الهدي إن كان معه والأولى أن يذبح بنفسه وليقل بسم الله والله أكبر اللهم منك وبك وإليك تقبل مني كما تقبلت من خليلك إبراهيم والتضحية بالبدن أفضل ثم بالبقر ثم بالشاة والشاة أفضل من مشاركة ستة في البدنة أو البقرة والضأن أفضل من المعز قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الأضحية الكبش الأقرن والبيضاء أفضل من الغبراء والسوداء حديث خير الأضحية الكبش أخرجه أبو داود من حديث عبادة بن الصامت والترمذي من حديث أبي أمامة قال الترمذي غريب وعفير يضعف في الحديث وقال أبو هريرة البيضاء أفضل في الأضحى من دم سوداوين وليأكل منه إن كانت من هدي التطوع ولا يضحين بالعرجاء والجدعاء والعضباء والجرباء والشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة والعجفاء والجدع في الأنف والأذن للقطع منهما والعضب في القرن وفي نقصان القوائم والشرقاء المشقوقة الأذن من فوق والخرقاء من أسفل والمقابلة المخروقة في الأذن من قدام والمدابرة من خلف والعجفاء المهزولة التي لا تنقى أي لا مخ فيها من الهزال ثم ليحلق بعد ذلك والسنة أن يستقبل القبلة ويبتدىء بمقدم رأسه فيحلق الشق الأيمن إلى العظمين المشرفين على القفا ثم ليحلق الباقي ويقول اللهم أثبت لي بكل شعرة حسنة وامح عني بها سيئة وارفع لي بها عندك درجة والمرأة تقصر الشعر والأصلع يستحب له إمرار الموسى على رأسه ومهما حلق بعد رمي الجمرة فقد حصل له التحلل الأول وحل له كل المحذورات إلا النساء والصيد ثم يفيض إلى مكة ويطوف كما وصفناه وهذا الطواف طواف ركن في الحج ويسمى طواف الزيارة وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر وأفضل وقته يوم النحر ولا آخر لوقته بل له أن يؤخر إلى أي وقت شاء ولكن يبقى مقيدا بعلقة الإحرام فلا تحل له النساء إلى أن يطوف فإذا طاف تم التحلل وحل الجماع وارتفع الإحرام بالكلية ولم يبقإلا رمي أيام التشريق والمبيت بمنى وهي واجبات بعد زوال الإحرام على سبيل الاتباع للحق وكيفية هذا الطواف مع الركعتين كما سبق في طواف القدوم فإذا فرغ من الركعتين فليسع كما وصفنا إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم وإن كان قد سعى فقد وقع ذلك ركنا فلا ينبغي أن يعيد السعي وأسباب التحلل ثلاثة الرمي والحلق والطواف الذي هو ركن ومهما أتى باثنين من هذه الثلاثة فقد تحلل أحد التحللين ولا حرج عليه في التقديم والتأخير بهذه الثلاث مع الذبح ولكن الأحسن أن يرمى ثم يذبح ثم يحلق ثم يطوف والسنة للإمام في هذا اليوم أن يخطب بعد الزوال وهي خطبة وداع رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الحج أربع خطب خطبة يوم السابع وخطبة يوم عرفة وخطبة يوم النحر حديث الخطبة يوم النحر وهي خطبة وداع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري من حديث أبي بكرة خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر وله من حديث ابن عباس خطب الناس يوم النحر وفي حديث علقمة البخاري ووصله ابن ماجه من حديث ابن عمر وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها فقال أي يوم هذا الحديث وفيه ثم ودع الناس فقالوا هذه حجة الوداع وخطبة يوم النفر الأول وكلها عقيب الزوال وكلها إفراد إلا خطبة يوم عرفة فإنها خطبتان بينهما جلسة ثم إذا فرغ من الطواف عاد إلى منى للمبيت والرمي فيبيت تلك الليلة بمنى وتسمى ليلة القر لأن الناس في غد يقرون بمنى ولا ينفرون فإذا أصبح اليوم الثاني من العيد وزالت الشمس اغتسل للرمي وقصد الجمرة الأولى التي تلي عرفة وهي على يمين الجادة ويرمي إليها بسبع حصيات فإذا تعداها انحرف قليلا عن يمين الجادة ووقف مستقبل القبلة وحمد الله تعالى وهلل وكبر ودعا مع حضور القلب وخشوع الجوارح ووقف مستقبل القبلة قدر قراءة سورة البقرة مقبلا على الدعاء ثم يتقدم إلى الجمرة الوسطى ويرمي كما رمى الأولى ويقف كما وقف للأولى ثم يتقدم إلى جمرة العقبة ويرمي سبعا ولا يعرج على شغل بل يرجع إلى منزله ويبيت تلك الليلة بمنى وتسمى هذه الليلة ليلة النفر الأول ويصبح فإذا صلى الظهر في اليوم الثاني من أيام التشريق رمى في هذا اليوم إحدى وعشرين حصاة كاليوم الذي قبله ثم هو مخير بين المقام بمنى وبين العود إلى مكة فإن خرج من منى قبل غروب الشمس فلا شيء عليه وإن صبر إلى الليل فلا يجوز له الخروج بل لزمه المبيت حتى يرمي في يوم النفر الثاني أحدا وعشرين حجرا كما سبق وفي ترك المبيت والرمي إراقة دم وليتصدق باللحم وله أن يزور البيت في ليالي منى بشرط أن لا يبيت إلا بمنى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك حديث زيارة البيت في ليالي منى والمبيت بمنى أخرجه أبو داود في المراسيل من حديث طاوس قال أشهد أن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور البيت أيام منى وفيه عمرو بن رباح ضعيف والمرسل صحيح الإسناد ولأبي داود من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث بمنى ليالي أيام التشريق ولا يتركن حضور الفرائض مع الإمام في مسجد الخيف فإن فضله عظيم فإذا أفاض من منى فالأولى أن يقيم بالمحصب من منى ويصلي العصر والمغرب والعشاء ويرقد رقدة حديث نزول المحصب وصلاة العصر والمغرب والعشاء به والرقود به رقدة أخرجه البخاري من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع هجعة الحديث فهو السنة رواه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم فإن لم يفعل ذلك فلا شيء عليه الجملة الثامنة في صفة العمرة وما بعدها إلى طواف الوداع من أراد أن يعتمر قبل حجه أو بعده كيفما أراد فليغتسل ويلبس ثياب الإحرام كما سبق في الحج ويحرم بالعمرة من ميقاتها وأفضل مواقيتها الجعرانة ثم التنعيم ثم الحديبية وينوي العمرة ويلبي ويقصد مسجد عائشة رضي اللهعنها ويصلي ركعتين ويدعو بما شاء ثم يعود إلى مكة وهو يلبي حتى يدخل المسجد الحرام فإذا دخل المسجد ترك التلبية وطاف سبعا وسعى سبعا كما وصفنا فإذا فرغ حلق رأسه وقد تمت عمرته والمقيم بمكة ينبغي أن يكثر الاعتمار والطواف وليكثر النظر إلى البيت فإذا دخله فليصل ركعتين بين العمودين فهو الأفضل وليدخله حافيا موقرا قيل لبعضهم هل دخلت بيت ربك اليوم فقال والله ما أرى هاتين القدمين أهلا للطواف حول بيت ربي فكيف أراهما أهلا لأن أطأ بهما بيت ربي وقد علمت حيث مشيتا وإلى أين مشيتا وليكثر شرب ماء زمزم وليستق بيده من غير استنابة إن أمكنه وليرتو منه حتى يتضلع وليقل اللهم اجعله شفاء من كل داء وسقم وارزقني الإخلاص واليقين والمعافاة في الدنيا والآخرة قال صلى الله عليه وسلم ماء زمزم لما شرب له حديث ماء زمزم لما شرب له أخرجه ابن ماجه من حديث جابر بسند ضعيف ورواه الدار قطني والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس قال الحاكم صحيح الإسناد إن سلم من محمد بن حبيب الجلارودي قال ابن القطان سلم منه فإن الخطيب قال فيه كان صدوقا قال ابن القطان لكن الراوي عنه مجهول وهو محمد بن هشام المروزي أي يشفى ما قصد به الجملة التاسعة في طواف الوداع مهما عن له الرجوع إلى الوطن بعد الفراغ من إتمام الحج والعمرة فلينجز أولا أشغاله وليشد رحاله وليجعل آخر أشغاله وداع البيت ووداعه بأن يطوف به سبعا ما سبق ولكن من غير رمل واضطباع فإذا فرغ منه صلى ركعتين خلف المقام وشرب من ماء زمزم ثم يأتي الملتزم ويدعو ويتضرع ويقول اللهم إن البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمن الآن قبل تباعدي عن بيتك هذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم أصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك أبدا ما أبقيتني واجمع لي خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير اللهم لا تجعل هذا آخر عهدي ببيتك الحرام وإن جعلته آخر عهدي فعوضني عنه الجنة والأحب أن لا يصرف بصره عن البيت حتى يغيب عنه الجملة العاشرة في زيارة المدينة وآدابها قال صلى الله عليه وسلم من زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي حديث من زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي اخرجه الطبراني والدار قطني من حديث ابن عمر وقال صلى الله عليه وسلم من وجد سعة ولم يفد إلي فقد جفاني حديث من وجد سعة ولم يفد إلي فقد جفاني أخرجه ابن عدي والدار قطني في غرائب مالك وابن حبان في الضعفاء والخطيب في الرواة عن مالك في حديث ابن عمر من حج ولم يزرني فقد جفاني وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وروى ابن النجار في تاريخ المدينة من حديث أنس ما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر وقال صلى الله عليه وسلم من جاءني زائرا لا يهمه إلا زيارتي كان حقا على الله سبحانه أن أكون له شفيعا حديث من جاءني زائرا لا تهمه إلا زيارتي كان حقا على الله أن أكون له شفيعا أخرجه الطبراني من حديث ابن عمر وصححه ابن السكن فمن قصد زيارة المدينة فليصل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه كثيرا فإذا وقع بصره على حيطان المدينة وأشجاره قال اللهم هذا حرم رسولك فاجعله لي وقاية من النار وأمانا من العذاب وسوء الحساب وليغتسل قبل الدخول من بئر الحرة وليتطيب وليلبس أنظف ثيابه فإذا دخلها فليدخلهامتواضعا معظما وليقل بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ثم يقصد المسجد ويدخله ويصلي بجنب المنبر ركعتين ويجعل عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بين عينيه فذلك موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يغير المسجد وليجتهد أن يصلي في المسجد الأول قبل أن يزاد فيه ثم يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقف عند وجهه وذلك بأن يستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر على نحو من أربعة أذرع من السارية التي في زاوية جدار القبر ويجعل القنديل على رأسه وليس من السنة أن يمس الجدار ولا أن يقبله بل الوقوف من بعد أقرب للاحترام فيقف ويقول السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا أمين الله السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا صفوة الله السلام عليك يا خيرة الله السلام عليك يا أحمد السلام السلام عليك يا محمد السلام عليك يا أبا القاسم السلام عليك يا ماحي السلام عليك يا عاقب السلام عليك يا حاشر السلام عليك يا بشير السلام عليك يا نذير السلام عليك يا طهر السلام عليك يا طاهر السلام عليك يا أكرم ولد آدم السلام عليك يا سيد المرسلين السلام عليك يا خاتم النبيين السلام عليك يا رسول رب العالمين السلام عليك يا قائد الخير السلام عليك يا فاتح البر السلام عليك يا نبي الرحمة السلام عليك يا هادي الأمة السلام عليك يا قائد الغر المحجلين السلام عليك وعلى أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا السلام عليك وعلى أصحابك الطيبين وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبيا عن قومه ورسولا عن أمته وصلى عليك كلما ذكرك الذاكرون وكلما غفل عنك الغافلون وصلى عليك في الأولين والآخرين أفضل وأكمل وأعلى وأجل وأطيب وأطهر ما صلى على أحد من خلقه كما استنقذنا بك من الضلالة وبصرنا بك من العماية وهدانا بك من الجهالة أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنك عبده ورسوله وأمينه وصفيه وخيرته من خلقه وأشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت عدوك وهديت أمتك وعبدت ربك حتى أتاك اليقين فصلى الله عليك وعلى أهل بيتك الطيبين وسلم وشرف وكرم وعظم وإن كان قد أوصى بتبليغ سلام فيقول السلام عليك من فلان السلام عليك من فلان ثم يتأخر قدر ذراع ويسلم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأن رأسه عند منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأس عمر رضي الله عنه عند منكب أبي بكر رضي الله عنه ثم يتأخر قدر ذراع ويسلم على الفاروق عمر رضي الله عنه ويقول السلام عليكما يا وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعاونين له على القيام بالدين ما دام حيا والقائمين في أمته بعده بأمور الدين تتبعان في ذلك آثاره وتعملان بسنته فجزاكما الله خير ما جزىوزيري نبي عن دينه ثم يرجع فيقف عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين القبر والاسطوانة اليوم ويستقبل القبلة وليحمد الله عز وجل وليمجده وليكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول اللهم إنك قد قلت وقولك الحق ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما اللهم إنا قد سمعنا قولك وأطعنا أمرك وقصدنا نبيك متشفعين به إليك في ذنوبنا وما أثقل ظهورنا من أوزارنا تائبين من زللنا معترفين بخطايانا وتقصيرنا فتب اللهم علينا وشفع نبيك هذا فينا وارفعنا بمنزلته عندك وحقه عليك اللهم اغفر للمهاجرين والأنصار واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالأيمان اللهم لا تجعله آخر العهد من قبر نبيك ومن حرمك يا أرحم الراحمين ثم يأتي الروضة فيصلى فيها ركعتين ويكثر من الدعاء ما استطاع لقوله صلى الله عليه وسلمما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي حديث ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي متفق عليه من حديث أبي هريرة وعبد الله ابن زيد ويدعو عند المنبر ويستحب أن يضع يده على الرمانة السفلى التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده عليها عند الخطبة حديث وضعه صلى الله عليه وسلم يده عند الخطبة على رمانة المنبر لم أقف له على أصل وذكر محمد بن الحسن ابن زبالة في تاريخ المدينة أن طول رمانتي المنبر اللتين كان يمسكهما صلى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين إذا جلس شبر وأصبعان ويستحب له أن يأتي أحدا يوم الخميس ويزور قبور الشهداء فيصلي الغداة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخرج ويعود إلى المسجد لصلاة الظهر فلا يفوته فريضة في الجماعة في المسجد ويستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع بعد السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزور قبر عثمان رضي الله عنه وقبر الحسن بن علي رضي الله عنهما وفيه أيضا قبر علي ابن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد رضي الله عنهم ويصلي في مسجد فاطمة رضي الله عنها ويزور قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك كله بالبقيع ويستحب له أن يأتي مسجد قباء في كل سبت ويصلي فيه لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من خرج من بيته حتى يأتي مسجد قباء ويصلي فيه كان له عدل عمرة حديث من خرج من بيته حتى يأتي مسجد قباء ويصلي فيه كان عدل عمرة أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث سهل بن حنيف بإسناد صحيح ويأتي بئر أريس يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم تفل فيها وهي عند المسجد فيتوضأ منها ويشرب من مائها حديث إن النبي صلى الله عليه وسلم تفل في بئر أريس لم أقف له على أصل وإنما ورد أنه تفل في بئر البصة وبئر غرس كما سيأتي عند ذكرها ويأتي مسجد الفتح وهو على الخندق وكذا يأتي سائر المساجد والمشاهد ويقال إن جميع المشاهد والمساجد بالمدينة ثلاثون موضعا يعرفها أهل البلد فيقصد ما قدر عليه وكذلك يقصد الآبار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها ويغتسل ويشرب منها حديث الآبار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويغتسل ويشرب منها وهي سبعة آبار قلت وهي بئر أريس وبئر حا وبئر رومة وبئر غرس وبئر بضاعة وبئر البصة وبئر السقيا أو العهن أو بئر جمل فحديث بئر أريس رواه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري في حديث فيه حتى دخل بئر أريس قال فجلست عند بابها وبابها من حديد حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وتوضأ الحديث وحديث بئر حا متفق عليه من حديث أنس قال كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلا وكان أحب أمواله إليه بئر حال وكانت مستتقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب الحديث وحديث بئر رومة رواه الترمذي والنسائي من حديث عثمان أنه قال أنشدكم الله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال من يشتري بئر رومة ويجعل دلوه مع دلاء المسلمين الحديث قال الترمذي حديث حسن وفي رواية لهما هل تعلمون أن رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بالثمن فابتعتها فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل الحديث وقال حسن صحيح وروى البغوي والطبراني من حديث بشير الأسلمي قال لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة وكان يبيع منها القربة بمد الحديث وحديث بئر غرس رواه ابن حبان في الثقات من حديث أنس أنه قال ائتوني بماء من بئر غرس فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب منها ويتوضأ ولابن ماجه بإسناد جيد مرفوعا إذا أنا مت فاغسلوني بسبع قرب من بئري بئر غرس وروينا في تاريخ المدينة لابن النجار بإسناد ضعيف مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ منها وبزق فيها وغسل منها حين توفي وحديث بئر بضاعة رواه أصحاب السنن من حديث أبي سعيد الخدري أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من بئر بضاعة وفي رواية أنه يستقى لك من بئر بضاعة الحديث قال يحيى بن معين إسناده جيد وقال الترمذي حسن وللطبراني من حديث أبي أسيد بصق النبي صلى الله عليه وسلم في بئر بضاعة ورويناه أيضا في تاريخ ابن النجار من حديث سهل بن سعد وحديث بئر البصة رواه ابن عدي من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه يوما فقال هل عندكم من سدر أغسل به رأسي فإن اليوم الجمعة قال نعم فأخرج له سدرا وخرج معه إلى البصة فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وصب غسالة رأسه ومراق شعره في البصة وفيه محمد بن الحسن بن زبالة ضعيف وحديث بئر السقيا رواه أبو داود من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعذب له من بيوت السقيا زاد البزار في مسنده أو من بئر السقيا ولأحمد من حديث علي خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالسقيا التي كانت لسعد بن أبي وقاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوني بوضوء فلما توضأ قام الحديث وأما بئر جمل ففي الصحيحين من حديث أبي الجهم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بئر جمل الحديث وصله البخاري وعلقه مسلم والمشهور أن الآثار بالمدينة سبعة وقد روى الدارمي من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه صبوا علي سبع قرب من آبار شتى الحديث وهو عند البخاري دون قوله من آبار شتى وهي سبع آبار طلبا للشفاءوتبركا به صلى الله عليه وسلم وإن أمكنه الأقامة بالمدينة مع مراعاة الحرمة فلها فضل عظيم قال صلى الله عليه وسلم لا يصبر على لاوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا يوم القيامة حديث لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا يوم القيامة تقدم في الباب قبله وقال صلى الله عليه وسلم من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت فإنه لن يموت بها أحد إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة حديث من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها الحديث تقدم في الباب قبله ثم إذا فرغ من أشغاله وعزم على الخروج من المدينة فالمستحب أن يأتي القبر الشريف ويعيد دعاء الزيارة كما سبق ويودع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأل الله عز وجل أن يرزقه العودة إليه ويسأل السلامة في سفره ثم يصلي ركعتين في الروضة الصغيرة وهي موضع مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن زيدت المقصورة في المسجد فإذا خرج فليخرج رجله اليسرى أولا ثم اليمنى وليقل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ولا تجعله آخر العهد بنبيك وحط أوزاري بزيارته وأصحبني في سفري السلامة ويسر رجوعي إلى أهلي ووطني سالما يا ارحم الراحمين وليتصدق على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدر عليه وليتتبع المساجد التي بين المدينة ومكة فيصلي فيها وهي عشرون موضعا فصل في سنن الرجوع من السفر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على رأس كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض الحديث متفق عليه من حديث ابن عمر وما زاده في آخره في بعض الروايات من قوله وكل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون رواه المحاملي في الدعاء بإسناد جيد وفي بعض الروايات وكل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون فينبغي أن يستعمل هذه السنة في رجوعه وإذا أشرف على مدينته يحرك الدابة ويقول اللهم اجعل لنا بها قرارا ورزقا حسنا ثم ليرسل إلى أهله من يخبرهم بقدومه كي لا يقدم عليهم بغتة فذلك هو السنة حديث إرسال المسافر إلى أهل بيته من يخبرهم بقدومه كيلا يقدم عليهم بغتة لم أجد فيه ذكر الإرسال وفي الصحيحين من حديث جابر كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل فقالوا أمهلوا حتى ندخل ليلا أن عشاء كي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة ولا ينبغي أن يطرق أهله ليلا فإذا دخل البلد فليقصد المسجد أولا وليصل ركعتين فهو السنة حديث صلاة ركعتين في المسجد عند القدوم من السفر تقدم في الصلاة كذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا دخل بيته قال توبا توبا لربنا أو با لا يغادر علينا حوبا فإذا استقر في منزله فلا ينبغي أن ينسى ما أنعم الله به عليه من زيارة بيته وحرمه وقبر نبيه صلى الله عليه وسلم فيكفر تلك النعمة بأن يعود إلى الغفلة واللهو والخوض في المعاصي فما ذلك علامة الحج المبرور بل علامته أن يعود زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة متأهبا للقاء رب البيت بعد لقاء البيت الباب الثالث في الآداب الدقيقة والأعمال الباطنة بيان دقائق الآداب وهي عشرة الأول أن تكون النفقة حلالا وتكون اليد خالية من تجارة تشغل القلب وتفرق الهم حتى يكون الهم مجردالله تعالى والقلب مطمئنا منصرفا إلى ذكر الله تعالى وتعظيم شعائره وقد روي في خبر من طريق أهل البيت إذا كان آخر الزمان خرج الناس إلى الحج أربعة أصناف سلاطينهم للنزهة وأغنياؤهم للتجارة وفقراؤهم للمسألة وقراؤهم للسمعة حديث إذا كان في آخر الزمان خرج الناس للحج أربعة أصناف سلاطينهم للنزهة وأغنياؤهم للتجارة وفقراؤهم للسؤال وقراؤهم للسمعة أخرجه الخطيب من حديث أنس بإسناد مجهول وليس فيه ذكر السلاطين ورواه أبو عثمان الصابوني في كتاب المائتين فقال تحج أغنياء أمتي للنزهة وأوساطهم للتجارة وفقراؤهم للمسألة وقراؤهم للرياء والسمعة وفي الخبر إشارة إلى جملة أغراض الدنيا التي يتصور أن تتصل بالحج فكل ذلك مما يمنع فضيلة الحج ويخرجه عن حيز حج الخصوص لا سيما إذا كان متجردا بنفس الحج بأن يحج لغيره بأجرة فيطلب الدنيا بعمل الآخرة وقد كره الورعون وأرباب القلوب ذلك إلا أن يكون قصده المقام بمكة ولم يكن له ما يبلغه فلا بأس أن يأخذ ذلك على هذا القصد لا ليتوصل بالدين إلى الدنيا بل بالدنيا إلى الدين فعند ذلك ينبغي أن يكون قصده زيارة بيت الله عز وجل ومعاونة أخيه المسلم بإسقاط الفرض عنه وفي مثله ينزل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الله سبحانه بالحجة الواحدة ثلاثة الجنة الموصى بها والمنفذ لها ومن حج بها عن أخيه حديث يدخل بالحجة الواحدة ثلاثة الجنة الموصى بها والمنفذ لها ومن حج بها عن أخيه أخرجه البيهقي من حديث جابر بسند ضعيف ولست أقول لا تحل الأجرة أو يحرم ذلك بعد أن أسقط فرض الإسلام عن نفسه ولكن الأولى أن لا يفعل ولا يتخذ ذلك مكسبه ومتجره فإن الله عز وجل يعطي الدنيا بالدين ولا يعطى الدين بالدنيا وفي الخبر مثل الذي يغزو في سبيل الله عز وجل ويأخذ أجرا مثل أم موسى عليه السلام ترضع ولدها وتأخذ أجرها حديث مثل الذي يغزو ويأخذ أجرا مثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها أخرجه ابن عدي من حديث معاذ وقال مستقيم الإسناد منكر المتن فمن كان مثاله في أخذ الأجرة على الحج مثال أم موسى فلا بأس بأخذه فإنه يأخذ ليتمكن من الحج والزيارة فيه وليس يحج ليأخذ الأجرة بل يأخذ الأجرة ليحج كما كانت تأخذ أم موسى ليتيسر لها الإرضاع بتلبيس حالها عليهم الثاني أن لا يعاون أعداء الله سبحانه بتسليم المكس وهم الصادون عن المسجد الحرام من أمراء مكة والأعراب المترصدين في الطريق فإن تسليم المال إليهم إعانة على الظلم وتيسير لأسبابه عليهم فهو كالإعانة بالنفس فليتلطف في حيلة الخلاص فإن لم يقدر فقد قال بعض العلماء ولا بأس بما قاله إن ترك التنفل بالحج والرجوع عن الطريق أفضل من إعانة الظلمة فإن هذه بدعة أحدثت وفي الإنقياد لها ما يجعلها سنة مطردة وفيه ذل وصغار على المسلمين ببذل جزية ولا معنى لقول القائل إن ذلك يؤخذ مني وأنا مضطر فإنه لو قعد في البيت أو رجع من الطريق لم يؤخذ منه شيء بل ربما يظهر أسباب الترفه فتكثر مطالبته فلو كان في زي الفقراء لم يطالب فهو الذي ساق نفسه إلى حالة الاضطرار الثالث التوسع في الزاد وطيب النفس بالبذل والإنفاق من غير تقتير ولا إسراف بل على اقتصاد وأعني بالإسراف التنعم بأطيب الأطعمة والترفه بشرب أنواعها على عادة المترقين فأما كثرة البذل فلا سرف فيه إذ لا خير في السرف ولا سرف في الخير كما قيل وبذل الزاد في طريق الحج نفقته في سبيل عز وجل والدرهم بسبعمائة درهم قال ابن عمر رضي الله عنهما من كرم الرجل طيب زاده في سفره وكان يقول أفضل الحاج أخلصهم نية وأزكاهم نفقة وأحسنهم يقينا وقال صلى الله عليه وسلم الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة فقيل له يا رسول الله ما بر الحج فقال طيب الكلام وإطعام الطعام حديث الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة فقيل له ما بر الحج قال طيب الكلام وإطعام الطعام أخرجه أحمد من حديث جابر بإسناد لين ورواه الحاكم مختصرا وقال صحيح الإسناد الرابع ترك الرفث والفسوقوالجدال كما نطق به القرآن والرفث اسم جامع لكل لغو وخنى وفحش من الكلام ويدخل فيه مغازلة النساء ومداعبتهن والتحدث بشأن الجماع ومقدماته فإن ذلك يهيج داعية الجماع المحظور والداعي إلى المحظور محظور والفسق اسم جامع لكل خروج عن طاعة الله عز وجل والجدال هو المبالغة في الخصومة والمماراة بما يورث الضغائن ويفرق في الحال الهمة ويناقض حسن الخلق وقد قال سفيان من رفث فسد حجه وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب الكلام مع إطعام الطعام من بر الحج والمماراة تناقض طيب الكلام فلا ينبغي أن يكون كثير الاعتراض على رفيقه وجماله وعلى غيره من أصحابه بل يلين جانبه ويخفض جناحه للسائرين إلى بيت الله عز وجل ويلزم حسن الخلق وليس حسن الخلق كف الأذى بل احتمال الأذى وقيل سمى السفر سفرا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ولذلك قال عمر رضي الله عنه لمن زعم أنه يعرف رجلا هل صحبته في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق قال لا فقال ما أراك تعرفه الخامس أن يحج ماشيا إن قدر عليه فذلك الأفضل أوصى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بنيه عند موته فقال يا بني حجوا مشاة فإن للحاج الماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم قيل وما حسنات الحرم قال الحسنة بمائة ألف والاستحباب في المشي في المناسك والتردد من مكة إلى الموقف وإلى منى آكد منه في الطريق وإن أضاف إلى المشي الإحرام من دويرة أهله فقد قيل إن ذلك من إتمام الحج قاله عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم في معنى قوله عز وجل وإتموا الحج والعمرة لله وقال بعض العلماء الركوب أفضل لما فيه من الإنفاق والمؤنة ولأنه أبعد عن ضجر النفس وأقل لأذاه وأقرب إلى سلامته وتمام حجه وهذا عند التحقيق ليس مخالفا للأول بل ينبغي أن يفصل ويقال من سهل عليه المشي فهو أفضل فإن كان يضعف ويؤدى به ذلك إلى سوء الخلق وقصور عن عمل فالركوب له أفضل كما أن الصوم للمسافر أفضل وللمريض ما لم يفض إلى ضعف وسوء خلق وسئل بعض العلماء عن العمرة أيمشي فيها أو يكتري حمارا بدرهم فقال إن كان وزن الدرهم أشد عليه فالكراء أفضل من المشي وإن كان المشي أشد عليه كالأغنياء فالمشي له أفضل فكأنه ذهب فيه إلى طريق مجاهدة النفس وله وجه ولكن الأفضل له أن يمشي ويصرف ذلك الدرهم إلى خير فهو أولى من صرفه إلى المكاري عوضا عن ابتذال الدابة فإذا كانت لا تتسع نفسه للجمع بين مشقة النفس ونقصان المال فما ذكره غير بعيد فيه السادس أن لا يركب إلا زاملة أما المحمل فليجتنبه إلا إذا كان يخاف على الزاملة أن لا يستمسك عليها لعذر وفيه معنيان أحدهما التخفيف على البعير فإن المحمل يؤذيه والثاني اجتنات زي المترفين المتكبرين حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلة وكان تحته رحل رث وقطيفة خلقة قيمتها أربعة دراهم حديث حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وكان تحته رجل رث وقطيفة خلقة قيمتها أربعة دراهم أخرجه الترمذي في الشمائل وابن ماجه من حديث أنس بسند ضعيف وطاف على الراحلة لينظر الناس إلى هديه وشمائله حديث طوافه صلى الله عليه وسلم على راحلته تقدم وقال صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم حديث خذوا عني مناسككم أخرجه مسلم والنسائي واللفظ له من حديث جابر وقيل إن هذه المحامل أحدثها الحجاج وكان العلماء في وقته ينكرونها فروى سفيان الثوري عن أبيه أنه قال برزت من الكوفة إلى القادسية للحج ووافيت الرفاق من البلدان فرأيت الحاج كلهم على زوامل وجوالقات ورواحل وما رأيت في جميعهم إلا محملين وكان ابن عمر إذا نظر إلى ما أحدث الحجاج من الزي والمحامل يقول الحاج قليل والركب كثير ثم نظر إلى رجل مسكين رث الهيئة تحته جوالق فقال هذا نعم من الحجاجالسابع أن يكون رث الهيئة أشعث أغبر غير مستكثر من الزينة ولا مائل إلى أسباب التفاخر والتكاثر فيكتب في ديوان المتكبرين المترفهين ويخرج عن حزب الضعفاء والمساكين وخصوص الصالحين فقد أمر صلى الله عليه وسلم بالشعث والاختفاء حديث الأمر بالشعث والاختفاء أخرجه البغوي والطبراني من حديث عبد الله بن أبي حدرد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تمعددوا واخشوشنوا وانتضلوا وامشوا حفاة وفيه اختلاف ورواه ابن عدي من حديث أبي هريرة وكلاهما ضعيف ونهى عن التنعم والرفاهية حديث فضالة بن عبيد في النهي عن التنعم والرفاهية وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كثير من الإرفاه ولأحمد من حديث معاذ إياك والتنعم الحديث في حديث فضالة بن عبيد وفي الحديث إنما الحاج الشعث النفث حديث إنما الحاج الشعث التفث أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر وقال غريب ويقول الله تعالى انظروا إلى زوار بيتي قد جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق حديث يقول الله تعالى انظروا إلى زوار بيتي قد جاءوا شعثا غبرا من كل فج عميق أخرجه الحاكم وصححه من حديث أبي هريرة دون قوله من كل فج عميق وكذا رواه أحمد من حديث عبد الله بن عمر وقال تعالى ثم ليقضوا تفثهم والتفث الشعث والاغبرار وقضاؤه بالحلق وقص الشارب والأظفار وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد اخلولقوا واخشوشنوا أي البسوا الخلقان واستعملوا الخشونة في الأشياء وقد قيل زين الحجيج أهل اليمن لأنهم على هيئة التواضع والضعف وسيرة السلف فينبغي أن يجتنب الحمرة في زيه على الخصوص والشهرة كيفما كانت على العموم فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر فنزل أصحابه منزلا فسرحت الإبل فنظر إلى أكسية حمر على الأقتاب فقال صلى الله عليه وسلم أرى هذه الحمرة قد غلبت عليكم حديث أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر فنزل أصحابه منزلا فسرحت الإبل فنظر إلى أكسية حمر على الأقتاب فقال أرى هذه الحمرة قد غلبت عليكم الحديث أخرجه أبو داود من حديث رافع بن خديج وفيه رجل لم يسم قالوا فقمنا إليها ونزعناها عن ظهورها حتى شرد بعض الإبل الثامن أن يرفق بالدابة فلا يحملها ما لا تطيق والمحمل خارج عن حد طاقتها والنوم عليها يؤذيها ويثقل عليها كان أهل الورع لا ينامون على الدواب إلا غفوة عن قعود وكانوا لا يقفون عليها الوقوف الطويل قال صلى الله عليه وسلم لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسي حديث لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسي أخرجه أحمد من حديث سهل بن معاذ بسند ضعيف ورواه الحاكم وصححه من رواية معاذ بن أنس عن أبيه ويستحب أن ينزل عن دابته غدوة وعشية يروحها بذلك فهو سنة حديث النزول عن الدابة غدوة وعشية يريحها بذلك أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أنس بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر في السفر مشى ورواه البيهقي في الأدب وقال مشى قليلا وناقته تقاد وفيه آثار عن السلف وكان بعض السلف يكتري بشرط أن لا ينزل ويوفي الأجرة ثم كان ينزل عنها ليكون بذلك محسنا إلى الدابة فيكون في حسناته ويوضع في ميزانه لا في ميزان المكاري وكل من آذى بهيمة وحملها ما لا تطيق طولب به يوم القيامة قال أبو الدرداء لبعير له عند الموت يا أيها البعير لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أكن أحملك فوق طاقتك وعلى الجملة في كل كبد حراء أجر فليراع حق الدابة وحق المكاري جميعا وفي نزوله ساعة ترويح الدابة وسرور قلب المكاري قال رجل لابن المبارك احمل لي هذا الكتاب معك لتوصله فقال حتى أستأمر الجمال فإني قد اكتريت فانظر كيف تورع من استصحاب كتاب لا وزن له وهو طريق الحزم في الورع فإنه إذا فتح باب القليل انجر إلى الكثير يسيرا يسيرا التاسع أن يتقرب بإراقة دم وإن لم يكن واجبا عليه ويجتهد أن يكون من سمين النعم ونفيسه وليأكل منه إن كان تطوعا ولا يأكل منه إن كان واجبا قيل في تفسير قوله تعالى ذلك ومن يعظم شعائر الله إنه تحسينه وتسمينه وسوق الهدي من الميقات أفضل إن كان لا يجهده ولا يكده وليترك المكاس في شرائه فقد كانوا يغالون في ثلاث ويكرهونالمكاس فيهن الهدي والأضحية والرقبة فإن أفضل ذلك أغلاه ثمنا وأنفسه عند أهله وروى ابن عمر أن عمر رضي الله عنهما أهدى بختية فطلبت منه بثلثمائة دينار فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثمنها بدنا فنهاه عن ذلك وقال بل أهدها حديث ابن عمر أن عمر أهدى نجيبة فطلبت منه بثلثمائة دينار فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثمنها بدنا فنهاه عن ذلك وقال بل اهدها أخرجه أبو داود وقال انحرها وذلك لأن القليل الجيد خير من الكثير الدون وفي ثلثمائة دينار قيمة ثلاثين بدنة وفيها تكثير اللحم ولكن ليس المقصود اللحم إنما المقصود تزكية النفس وتطهيرها عن صفة البخل وتزيينها بجمال التعظيم لله عز وجل ف لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم وذلك يحصل بمراعاة النفاسة في القيمة كثر العدد أو قل وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بر الحج فقال العج والثج حديث سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بر الحج فقال العج والثج أخرجه الترمذي واستغربه وابن ماجه والحاكم وصححه والبزار واللفظ له من حديث أبي بكر وقال الباقولي أي الحج أفضل والعج هو رفع الصوت بالتلبية والثج هو نحر البدن وروت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما عمل آدمي يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من إهراقه دما وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وإن الدم يقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع بالأرض فطيبوا بها نفسا حديث عائشة ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراقه دما الحديث أخرجه الترمذي وحسنه ابن ماجه وضعفه ابن حبان وقال البخاري إنه مرسل ووصله ابن خزيمة وفي الخبر لكم بكل صوفة من جلدها حسنة وكل قطرة من دمها حسنة وإنها لتوضع في الميزان فأبشروا حديث لكم بكل صوفة من جلدها حسنة وكل قطرة من دمها حسنة وإنها لتوضع في الميزان فأبشروا أخرجه ابن ماجه وصححه البيهقي من حديث زيد بن أرقم في حديث فيه بكل شعرة حسنة قالوا فالصوف قال بكل شعرة من الصوف حسنة وفي رواية للبيهقي لكل قطرة حسنة قال البخاري لا يصح وروى أبو الشيخ في كتاب الضحايا من حديث علي أما إنها يجاء بها يوم القيامة بلحومها ودمائها حتى توضع في ميزانك يقولها لفاطمة وقال صلى الله عليه وسلم استنجدوا هداياكم فإنها مطاياكم يوم القيامة العاشر أن يكون طيب النفس بما أنفقه من نفقة وهدي وبما أصابه من خسران ومصيبة في مال أو بدن إن أصابه ذلك فإن ذلك من دلائل قبول حجه فإن المصيبة في طريق الحج تعدل النفقة في سبيل الله عز وجل الدرهم بسبعمائة درهم بمثابة الشدائد في طريق الجهاد فله بكل أذى احتمله وخسران أصابه ثواب فلا يضيع منه شيء عند الله عز وجل ويقال إن من علامة قبول الحج أيضا ترك ما كان عليه من المعاصي وأن يتبدل بإخوانه البطالين إخوانا صالحين وبمجالس اللهو والغفلة مجالس الذكر واليقظة بيان الأعمال الباطنة ووجه الإخلاص في النية وطريق الاعتبار بالمشاهد الشريفة وكيفية الافتكار فيها والتذكر لأسرارها ومعانيها من أول الحج إلى آخره اعلم أن أول الحج الفهم أعني فهم موقع الحج في الدين ثم الشوق إليه ثم العزم عليه ثم قطع العلائق المانعة منه ثم شراء ثوب الإحرام ثم شراء الزاد ثم اكتراء الراحلة ثم الخروج ثم المسير في البادية ثم الإحرام من الميقات بالتلبية ثم دخول مكة ثم استتمام الأفعال كما سبق وفي كل واحد من هذه الأمور تذكرة للمتذكر وعبرة للمعتبر وتنبيه للمريد الصادق وتعريف وإشارة للفطن فلنرمز إلى مفاتحها حتى إذا انفتح بابها وعرفت أسبابها انكشفت لكل حاج من أسرارها ما يقتضيه صفاء قلبه وطهارة باطنه وغزارة فهمه أما الفهم اعلم أنه لا وصول إلى الله سبحانه وتعالى إلا بالتنزه عن الشهوات والكف عن اللذات والاقتصار على الضرورات فيها والتجرد لله سبحانه في جميع الحركات والسكنات ولأجل هذا انفرد الرهبانيون في الملل السالفةعن الخلق وانحازوا إلى قلل الجبال وآثروا التوحش عن الخلق لطلب الأنس بالله عز وجل فتركوا لله عز وجل اللذات الحاضرة وألزموا أنفسهم المجاهدات الشاقة طمعا في الآخرة وأثنى الله عز وجل عليهم في كتابه فقال ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون فلما اندرس ذلك وأقبل الخلق على اتباع الشهوات وهجروا التجرد لعبادة الله عز وجل وفتروا عنه بعث الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم لإحياء طريق الآخرة وتجديد سنة المرسلين في سلوكها فسأله أهل الملل عن الرهبانية والسياحة في دينه فقال صلى الله عليه وسلم أبدلنا الله بها الجهاد والتكبير على كل شرف حديث سئل عن الرهبانية والسياحة فقال بدلنا الله بها الجهاد والتكبير على كل شرف أخرجه أبو داود من حديث أبي أمامة أن رجلا قال يا رسول الله ائذن لي في السياحة فقال إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله رواه الطبراني بلفظ إن لكل أمة سياحة وسياحة أمتي الجهاد في سبيل الله ولكل أمة رهبانية ورهبانية امتي الرباط في نحر العدو وللبيهقي في الشعب من حديث أنس رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله وكلاهما ضعيف والترمذي وحسنه والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه من حديث أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله إني أريد أن أسافر فأوصني قال عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف يعني الحج وسئل صلى الله عليه وسلم عن السائحين فقال هم الصائمون حديث سئل عن السائحين فقال هم الصائمون أخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة وقال المحفوظ عن عبيد بن عمير عن عمر مرسلا فأنعم الله عز وجل على هذه الأمة بأن جعل الحج رهبانية لهم فشرف البيت العتيق بالإضافة إلى نفسه تعالى ونصبه مقصدا لعباده وجعل ما حواليه حرما لبيته تفخيما لأمره وجعل عرفات كالميزاب على فناء حوضه وأكد حرمة الموضع بتحريم صيده وشجره ووضعه على مثال حضرة الملوك يقصده الزوار من كل فج عميق ومن كل أوب سحيق شعثا غبرا متواضعين لرب البيت ومستكينين له خضوعا لجلاله واستكانة لعزته مع الاعتراف بتنزيهه عن أن يحويه بيت أو يكتنفه بلد ليكون ذلك أبلغ في رقهم وعبوديتهم وأتم في إذعانهم وانقيادهم ولذلك وظف عليهم فيها أعمالا لا تأنس بها النفوس ولا تهتدي إلى معانيها العقول كرمي الجمار بالأحجار والتردد بين الصفا والمروة على سبيل التكرار وبمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرق والعبودية فإن الزكاة إرفاق ووجهه مفهوم وللعقل إليه ميل والصوم كسر للشهوة التي هي آلة عدو الله وتفرغ للعبادة بالكف عن الشواغل والركوع والسجود في الصلاة تواضع لله عز وجل بأفعال هي هيئة التواضع وللنفوس أنس بتعظيم الله عز وجل فأما ترددات السعي ورمي الجمار وأمثال هذه الأعمال فلا حظ للنفوس ولا أنس فيها ولا اهتداء للعقل إلى معانيها فلا يكون في الإقدام عليها باعث إلا الأمر المجرد وقصد الامتثال للأمر من حيث إنه أمر واجب الإتباع فقط وفيه عزل للعقل عن تصرفه وصرف النفس والطبع عن محل أنسه فإن كل ما أدرك العقل معناه مال الطبع إليه ميلا ما فيكون ذلك الميل معينا للأمر وباعثا معه على الفعل فلا يكاد يظهر به كمال الرق والانقياد ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحج على الخصوص لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا حديث لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا تقدم في الزكاة ولم يقل ذلك في صلاة ولا غيرها وإذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى ربط نجاة الخلق بأن تكون أعمالهم على خلاف هوى طباعهم وأن يكون زمامها بيد الشرع فيترددون في أعمالهم على سنن الانقياد وعلى مقتضى الإستعباد كان ما لا يهتدى إلى معانيه أبلغ أنواع التعبدات في تزكية النفوس وصرفها عن مقتضى الطباع والأخلاق مقتضى الإسترقاق وإذا تفطنت لهذا فهمت أن تعجب النفوس من هذه الأفعال العجيبة مصدره الذهول عن أسرار التعبدات وهذا القدر كاف في تفهم أصل الحج إن شاء الله تعالى وأما الشوق فإنما ينبعث بعد الفهم والتحقق بأن البيت بيت الله عز وجل وأنه وضع على مثال حضرة الملوكفقاصده قاصد إلى الله عز وجل وزائر له وأن من قصد البيت في الدنيا جدير بأن لا يضيع زيارته فيرزق مقصود الزيارة في ميعاده المضروب له وهو النظر إلى وجه الله الكريم في دار القرار من حيث إن العين القاصرة الفانية في دار الدنيا لا تتهيألقبول النظر الى وجه الله عز وجل ولا تطيق احتماله ولا تستعد للاكتحال به لقصورها وأنها إن أمدت في الدار الآخرة بالبقاء ونزهت عن أسباب التغير والفناء استعدت للنظر والإبصار ولكنها بقصد البيت والنظر إليه تستحق لقاء رب البيت بحكم الوعد الكريم فالشوق إلى لقاء الله عز وجل يشوقه إلى أسباب اللقاء لا محالة هذا مع أن المحب مشتاق إلى كل ماله إلى محبوبه إضافة والبيت مضاف إلى الله عز وجل فبالحرى أن يشتاق إليه لمجرد هذه الإضافة فضلا عن الطلب لنيل ما وعد عليه من الثواب الجزيل وأما العزم فليعلم أنه بعزمه قاصدا إلى مفارقة الأهل والوطن ومهاجرة الشهوات واللذات متوجها إلى زيارة بيت الله عز وجل وليعظم في نفسه قدر البيت وقدر رب البيت وليعلم أنه عزم على أمر رفيع شأنه خطير أمره وأن من طلب عظيما خاطر بعظيم وليجعل عزمه خالصا لوجه الله سبحانه بعيدا عن شوائب الرياء والسمعة وليتحقق أنه لا يقبل من قصده وعمله إلا الخالص وإن من أفحش الفواحش أن يقصد بيت الله وحرمه والمقصود غيره فليصحح مع نفسه العزم وتصحيحه بإخلاصه وإخلاصه باجتناب كل ما فيه رياء وسمعة فليحذر أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير وأما قطع العلائق فمعناه رد المظالم والتوبة الخالصة لله تعالى عن جملة المعاصي فكل مظلمة علاقة وكل علاقة مثل غريم حاضر متعلق بتلابيبه ينادي عليه ويقول إلى أين تتوجه أتقصد بيت ملك الملوك وأنت مضيع أمره في منزلك هذا ومستهين به ومهمل له أولا تستحي أن تقدم عليه قدوم العبد العاصي فيردك ولا يقبلك فإن كنت راغبا في قبول زيارتك فنفذ أوامره ورد المظالم وتب إليه أولا من جميع المعاصي واقطع علاقة قلبك عن الالتفات إلى ما وراءك لتكون متوجها إليه بوجه قلبك كما أنك متوجه إلى بيته بوجه ظاهرك فإن لم تفعل ذلك لم يكن لك من سفرك أولا إلا النصب والشقاء وآخرا إلا الطرد والرد وليقطع العلائق عن وطنه انقطع من قطع عنه وقدر أن لا يعود إليه وليكتب وصيته لأولاده وأهله فإن المسافر وماله لعلى خطر إلا من وقى الله سبحانه وليتذكر عند قطعه العلائق لسفر الحج قطع العلائق لسفر الآخرة فإن ذلك بين يديه على القرب وما يقدمه من هذا السفر طمع في تيسير ذلك السفر فهو المستقر وإليه المصير فلا ينبغي أن يغفل عن ذلك السفر عند الاستعداد بهذا السفر وأما الزاد فليطلبه من موضع حلال وإذا أحس من نفسه الحرص على استكثاره وطلب ما يبقى منه على طول السفر ولا يتغير ولا يفسد قبل بلوغ المقصد فليتذكر أن سفر الآخرة أطول من هذا السفر وأن زاده التقوى وأن ما عداه مما يظن أنه زاده يتخلف عنه عند الموت ويخونه فلا يبقى معه كالطعام الرطب الذي يفسد في أول منازل السفر فيبقى وقت الحاجة متحير محتاجا لا حيلة له فليحذر أن تكون أعماله التي هي زاده إلى الآخرة لا تصحبه بعد الموت بل يفسدها شوائب الرياء وكدورات التقصير وأما الراحلة إذا أحضرها فليشكر الله بقلبه على تسخير الله عز وجل له الدواب لتحمل عنه الأذى وتخفف عنه المشقة وليتذكر عنده المركب الذي يركبه إلى دار الآخرة وهي الجنازة التي يحمل عليها فإن أمر الحج من وجه يوازي أمر السفر إلى الآخرة ولينظر أيصلح سفره على هذا المركب لأن يكون زادا له لذلك السفر على ذلك المركب فما أقرب ذلك منه وما يدريه لعل الموت قريب ويكون ركوبه للجنازة قبل ركوبه للجمل وركوبالجنازة مقطوع به وتيسر أسباب السفر مشكوك فيه فكيف يحتاط في أسباب السفر المشكوك فيه ويستظهر في زاده وراحلته ويهمل أمر السفر المستيقن وأما شراء ثوبي الإحرام فليتذكر عنده الكفن ولفه فيه فإنه فيه سيرتديه ويتزر بثوبي الإحرام عند القرب من بيت الله عز وجل وربما لا يتم سفره إليه وأنه سيلقى الله عز وجل ملفوفا في ثياب الكفن لا محالة فكما لا يلقى بيت الله عز وجل إلا مخالفا عاداته في الزي والهيئة فلا يلقى الله عز وجل بعد الموت إلا في زي مخالف لزي الدنيا وهذا الثوب قريب من ذلك الثوب إذ ليس فيه مخيط كما في الكفن وأما الخروج من البلد فليعلم عنده أنه فارق الأهل والوطن متوجها إلى الله عز وجل في سفر لا يضاهي أسفار الدنيا فليحضر في قلبه أنه ماذا يريد وأين يتوجه وزيارة من يقصد وأنه متوجه إلى ملك الملوك في زمرة الزائرين له الذين نودوا فأجابوا وشوقوا فاشتاقوا واستنهضوا فنهضوا وقطعوا العلائق وفارقوا الخلائق وأقبلوا على بيت الله عز وجل الذي فخم أمره وعظم شأنه ورفع قدره تسليا بلقاء البيت عن لقاء رب البيت إلى أن يرزقوا منتهى مناهم ويسعدوا بالنظر إلى مولاهم وليحضر في قلبه رجاء الوصول والقبول لا إدلالا بأعماله في الارتحال ومفارقة الأهل والمال ولكن ثقة بفضل الله عز وجل ورجاء لتحقيقه وعده لمن زار بيته وليرج أنه إن لم يصل إليه وأدركته المنية في الطريق لقي الله عز وجل وافدا إليه إذ قال جل جلاله ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وأما دخول البادية إلى الميقات ومشاهدة تلك العقبات فليتذكر فيها ما بين الخروج من الدنيا بالموت إلى ميقات يوم القيامة وما بينهما من الأهوال والمطالبات وليتذكر من هول قطاع الطريق هول سؤال منكر ونكير ومن سباع البوادي عقارب القبر وديدانه وما فيه من الأفاعي والحيات ومن انفراده من أهله وأقاربه وحشة القبر وكربته ووحدته وليكن في هذه المخاوف في أعماله وأقواله متزودا لمخاوف القبر وأما الإحرام والتلبية من الميقات فليعلم أن معناه إجابة نداء الله عز وجل فارج أن تكون مقبولا واخش أن يقال لك لا لبيك ولا سعديك فكن بين الرجاء والخوف مترددا وعن حولك وقوتك متبرئا وعلى فضل الله عز وجل وكرمه متكلا فإن وقت التلبية هو بداية الأمر وهي محل الخطر قال سفيان بن عيينة حج علي بن الحسين رضي الله عنهما فلما أحرم واستوت به راحلته اصفر لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبي فقيل له لم لا تلبي فقال أخشى أن يقال لي لا لبيك ولا سعديك فلما لبى غشي عليه ووقع عن راحلته فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه وقال أحمد بن أبي الحواري كنت مع أبي سليمان الداراني رضي الله عنه حين أراد الإحرام فلم يلب حتى سرنا ميلا فأخذته الغشية ثم أفاق وقال يا أحمد إن الله سبحانه أوحى إلى موسى عليه السلام مر ظلمة بني إسرائيل أن يقلوا من ذكري فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة ويحك يا أحمد بلغني أن من حج من غير حلة ثم لبى قال الله عز وجل لا لبيك ولا سعديك حتى ترد ما في يديك فما نأمن أن يقال لنا ذلك وليتذكر الملبي عند رفع الصوت بالتلبية في الميقات إجابته لنداء الله عز وجل إذ قال وأذن في الناس بالحج ونداء الخلق بنفخ الصور وحشرهم من القبور وازدحامهم في عرصات القيامة مجيبين لنداء الله سبحانه ومنقسمين إلى مقربين وممقوتين ومقبولين ومردودين ومترددين في أول الأمر بين الخوف والرجاء تردد الحاج في الميقات حيث لا يدرون أيتيسر لهم إتمام الحج وقبوله أم لاوأما دخول مكة فليتذكر عندها أنه قد انتهى إلى حرم الله تعالى آمنا وليرج عنده أن يأمن بدخوله من عقاب الله عز وجل وليخش أن لا يكون أهلا للقرب فيكون بدخوله الحرم خائبا ومستحقا للمقت وليكن رجاؤه في جميع الأوقات غالبا فالكرم عميم والرب رحيم وشرف البيت عظيم وحق الزائر مرعي وذمام المستجير اللائذ غير مضيع وأما وقوع البصر على البيت فينبغي أن يحضر عنده عظمة البيت في القلب ويقدر كأنه مشاهد لرب البيت لشدة تعظيمه إياه وارج أن يرزقك الله تعالى النظر إلى وجهه الكريم كما رزقك الله النظر إلى بيته العظيم واشكر الله تعالى على تبليغه إياك هذه الرتبة وإلحاقه إياك بزمرة الوافدين عليه واذكر عند ذلك انصباب الناس في القيامة إلى جهة الجنة آملين لدخولها كافة ثم انقسامهم إلى مأذونين في الدخول ومصروفين انقسام الحاج إلى مقبولين ومردودين ولا تغفل عن تذكر أمور الآخرة في شيء مما تراه فإن كل أحوال الحاج دليل على أحوال الآخرة وأما الطواف بالبيت فاعلم أنه صلاة فأحضر في قلبك فيه من التعظيم والخوف والرجاء والمحبة ما فصلناه في كتاب الصلاة واعلم أنك بالطواف متشبه بالملائكة المقربين الحافين حول العرش الطائفين حوله ولا تظنن أن المقصود طواف جسمك بالبيت بل المقصود طواف قلبك بذكر رب البيت حتى لا تبتدىء الذكر إلا منه ولا تختم إلا به كما تبتدىء الطواف من البيت وتختم بالبيت واعلم أن الطواف الشريف هو طواف القلب بحضرة الربوبية وأن البيت مثال ظاهر في عالم الملك لتلك الحضرة التي لا تشاهد بالبصر وهي عالم الملكوت كما أن البدن مثال ظاهر في عالم الشهادة للقلب الذي لا يشاهد بالبصر وهو في عالم الغيب وأن عالم الملك والشهادة مدركة إلى عالم الغيب والملكوت لمن فتح الله له الباب وإلى هذه الموازنة وقعت الإشارة بأن البيت المعمور في السموات بإزاء الكعبة فإن طواف الملائكة به كطواف الإنس بهذا البيت ولما قصرت رتبة أكثر الخلق عن مثل ذلك الطواف أمروا بالتشبه بهم بحسب الإمكان ووعدوا بأن من تشبه بقوم فهو منهم حديث من تشبه بقوم فهو منهم أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر بسند صحيح والذي يقدر على مثل ذلك الطواف هو الذي يقال إن الكعبة تزوره وتطوف به على ما رآه بعض المكاشفين لبعض أولياء الله سبحانه وتعالى وأما الاستلام فاعتقد عنده أنك مبايع لله عز وجل على طاعته فصمم عزيمتك على الوفاء ببيعتك فمن غدر في المبايعة استحق المقت وقد روى ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الحجر الأسود يمين الله عز وجل في الأرض يصافح بها خلقه كما يصافح الرجل أخاه حديث ابن عباس الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها خلقه الحديث تقدم في العلم من حديث عبد الله بن عمرو وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالملتزم فلتكن نيتك في الالتزام طلب القرب حبا وشوقا للبيت ولرب البيت وتبركا بالمماسة ورجاء للتحصن عن النار في كل جزء من بدنك لا في البيت ولتكن نيتك في التعلق بالستر الإلحاح في طلب المغفرة وسؤال الأمان كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه المتضرع إليه في عفوه عنه المظهر له أنه لا ملجأ له منه إلا إليه ولا مفزع له إلا كرمه وعفوه وأنه لا يفارق ذيله إلا بالعفو وبذل الأمن في المستقبل وأما السعي بين الصفا والمروة في فناء البيت فإنه يضاهي تردد العبد بفناء دار الملك جائيا وذاهبا مرة بعد أخرىإظهارا للخلوص في الخدمة ورجاء للملاحظة بعين الرحمة كالذي دخل على الملك وخرج وهو لا يدري ما الذي يقضي به الملك في حقه من قبول أو رد فلا يزال يتردد على فناء الدار مرة بعد أخرى يرجو أن يرحم في الثانية إن لم يرحم في الأولى وليتذكر عند تردده بين الصفا والمروة تردده بين كفتي الميزان في عرصات القيامة وليمثل الصفا بكفة الحسنات والمروة بكفة السيئات وليتذكر تردده بين الكفتين ناظرا إلى الرجحان والنقصان مترددا بين العذاب والغفران وأما الوقوف بعرفة فاذكر بما ترى من ازدحام الخلق وارتفاع الأصوات وباختلاف اللغات واتباع الفرق أئمتهم في الترددات على المشاعر اقتفاء لهم وسيرا بسيرهم عرصات القيامة واجتماع الأمم مع الأنبياء والأئمة واقتفاء كل أمة نبيها وطمعهم في شفاعتهم وتحيرهم في ذلك الصعيد الواحد بين الرد والقبول وإذا تذكرت ذلك فألزم قلبك الضراعة والابتهال إلى الله عز وجل فتحشر في زمرة الفائزين المرحومين وحقق رجاءك بالإجابة فالموقف شريف والرحمة إنما تصل من حضرة الجلال إلى كافة الخلق بواسطة القلوب العزيزة من أوتاد الأرض ولا ينفك الموقف عن طبقة من الأبدال والأوتاد وطبقة من الصالحين وأرباب القلوب فإذا اجتمعت هممهم وتجردت للضراعة والابتهال قلوبهم وارتفعت إلى الله سبحانه أيديهم وامتدت إلى أعناقهم وشخصت نحو السماء أبصارهم مجتمعين بهمة واحدة على طلب الرحمة فلا تظنن أنه يخيب أملهم ويضيع سعيهم ويدخر عنهم رحمة تغمرهم ولذلك قيل إن من أعظم الذنوب أن يحضر عرفات ويظن أن الله تعالى لم يغفر له وكأن اجتماع الهمم والاستظهار بمجاورة الأبدال والأوتاد المجتمعين من أقطار البلاد هو سر الحج وغاية مقصوده فلا طريق إلى استدرار رحمة الله سبحانه مثل اجتماع الهمم وتعاون القلوب في وقت واحد وأما رمي الجمار فاقصد به الإنقياد للأمر إظهارا للرق والعبودية وانتهاضا لمجرد الإمتثال من غير حظ للعقل والنفس فيه ثم اقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة أو يفتنه بمعصية فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طردا له وقطعا لأمله فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل به فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيما له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه وأما ذبح الهدي فاعلم أنه تقرب إلى الله تعالى بحكم الإمتثال فأكمل الهدي وارج أن يعتق الله بكل جزء منه جزءا منك من النار حديث أنه يعتق بكل جزء من الأضحية جزءا من المضحي من النار لم أقف له على أصل وفي كتاب الضحايا لأبي الشيخ من حديث أبي سعيد فإن لك بأول قطرة تقطر من دمها أن يغفر لك ما تقدم من ذنوبك يقوله لفاطمة رضي الله عنها وإسناده ضعيف فهكذا ورد الوعد فكلما كان الهدي أكبر وأجزاؤه أوفر كان فداؤك من النار أعم وأما زيارة المدينة فإذا وقع بصرك على حيطانها فتذكر أنها البلدة التي اختارها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وجعل إليها هجرته وأنها داره التي شرع فيها فرائض ربه عز وجل وسنته وجاهد عدوه وأظهر بها دينه إلى أنتوفاه الله عز وجل ثم جعل تربته فيها وتربة وزيريه القائمين بالحق بعده رضي الله عنهما ثم مثل في نفسك مواقع أقدام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تردداته فيها وأنه ما من موضع قدم تطؤه إلا وهو موضع أقدامه العزيزة فلا تضع قدمك عليه إلا عن سكينة ووجل وتذكر مشيه وتخطيه في سككها وتصور خشوعه وسكينته في المشي وما استودع الله سبحانه قلبه من عظيم معرفته ورفعة ذكره مع ذكره تعالى حتى قرنه بذكر نفسه وإحباطه عمل من هتك حرمته ولو برفع صوته فوق صوته ثم تذكر ما من الله تعالى به على الذين أدركوا صحبته وسعدوا بمشاهدته واستماع كلامه وأعظم تأسفك على ما فاتك من صحبته وصحبة أصحابه رضي الله عنهم ثم اذكر أنك قد فاتتك رؤيته في الدنيا وأنك من رؤيته في الآخرة على خطر وأنك ربما لا تراه إلا بحسرة وقد حيل بينك وبين قبوله إياك بسوء عملك كما قال صلى الله عليه وسلم يرفع الله إلي أقواما فيقولون يا محمد فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول بعدا وسحقا حديث يرفع إلي أقوام فيقولون يا محمد يا محمد فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول بعدا وسحقا متفق عليه من حديث ابن مسعود وأنس وغيرهم دون قوله يا محمد يا محمد فإن تركت حرمة شريعته ولو في دقيقة من الدقائق فلا تأمن أن يحال بينك وبينه بعدولك عن محجته وليعظم مع ذلك رجاؤك أن لا يحول الله تعالى بينك وبينه بعد أن رزقك الإيمان وأشخصك من وطنك لأجل زيارته من غير تجارة ولا حظ في الدنيا بل لمحض حبك له وشوقك إلى أن تنظر إلى آثاره وإلى حائط قبره إذ سمحت نفسك بالسفر بمجرد ذلك لما فاتتك رؤيته فما أجدرك بأن ينظر الله تعالى إليك بعين الرحمة فإذا بلغت المسجد فاذكر أنها العرصة التي اختارها الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأول المسلمين وأفضلهم عصابة وأن فرائض الله سبحانه أول ما أقيمت في تلك العرصة وأنها جمعت أفضل خلق الله حيا وميتا فليعظم أملك في الله سبحانه أن يرحمك بدخولك إياه فادخله خاشعا معظما وما أجدر هذا المكان بأن يستدعي الخشوع من قلب كل مؤمن كما حكي عن أبي سليمان أنه قال حج أويس القرني رضي الله عنه ودخل المدينة فلما وقف على باب المسجد قيل له هذا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فغشي عليه فلما أفاق قال أخرجوني فليس يلذ لي بلد فيه محمد صلى الله عليه وسلم مدفون وأما زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم فينبغي أن تقف بين يديه كما وصفنا وتزوره ميتا كما تزوره حيا ولا تقرب من قبره إلا كما كنت تقرب من شخصه الكريم لو كان حيا وكما كنت ترى الحرمة في أن لا تمس شخصه ولا تقبله بل تقف من بعد ماثلا بين يديه فكذلك فافعل فإن المس والتقبيل للمشاهد عادة النصارى واليهود واعلم أنه عالم بحضورك وقيامك وزيارتك وأنه يبلغه سلامك وصلاتك فمثل صورته الكريمة في خيالك موضوعا في اللحد بإزائك وأحضر عظيم رتبته في قلبك فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى وكل بقبره ملكا يبلغه سلام من سلم عليه من أمته حديث إن الله وكل بقبره صلى الله عليه وسلم ملكا يبلغه سلام من سلم عليه من أمته أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم من حديث ابن مسعود بلفظ إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام وهذا في حق من لم يحضر قبره فكيف بمن فارق الوطن وقطع البوادي شوقا إلى لقائه واكتفى بمشاهدة مشهده الكريم إذ فاته مشاهدة غرته الكريمة وقد قال صلى الله عليه وسلم من صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه عشرا حديث من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو فهذا جزاءه في الصلاة عليه بلسانه فكيف بالحضور لزيارته ببدنه ثم ائت منبر الرسول صلى الله عليه وسلم وتوهم صعود النبي صلى الله عليه وسلم المنبر ومثل في قلبك طلعته البهية كأنها على المنبروقد أحدق به المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم وهو صلى الله عليه وسلم يحثهم على طاعة الله عز وجل بخطبته وسل الله عز وجل أن لا يفرق في القيامة بينك وبينه فهذه وظيفة القلب في أعمال الحج فإذا فرغ منها كلها فينبغي أن يلزم قلبه الحزن والهم والخوف وأنه ليس يدري أقبل منه حجه وأثبت في زمرة المحبوبين أم رد حجه وألحق بالمطرودين وليتعرف ذلك من قلبه وأعماله فإن صادف قلبه قد ازداد تجافيا عن دار الغرور وانصرافا إلى دار الأنس بالله تعالى ووجد أعماله قد اتزنت بميزان الشرع فليثق بالقبول فإن الله تعالى لا يقبل إلا من أحبه ومن أحبه تولاه وأظهر عليه آثار محبته وكف عنه سطوة عدوه إبليس لعنه الله فإذا ظهر ذلك عليه دل على القبول وإن كان الأمر الآخر بخلافه فيوشك أن يكون حظه من سفره العناء والتعب نعوذ بالله سبحانه وتعالى من ذلك تم كتاب أسرار الحج يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب آداب تلاوة القرآن.


0 komentar:

About Me

Diberdayakan oleh Blogger.

Translate

Share

Share

twitterfacebookgoogle pluslinkedinrss feedemail